التعليم المبرمج وتطبيقاته في تدريس مادة التربية الإسلامية
(نموذج درس تطبيقي باستعمال برنامج Opale)

لقمان موناش

دكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والفنون
مختبر العمل الاجتماعي في الإسلام وتطبيقاته المعاصرة
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة – المغرب

ملخص

من خلال هذا البحث الذي يحاول الباحث إيجاد بدائل جديدة في طرائق التدريس لمادة التربية الإسلامية مستثمرا الوسائل والأدوات التكنلوجية الحديثة، واقتراح نموذج عملي يتمثل في التعليم المبرمج عن طريق برنام أوبال (Open Academic Learning) الأمر الذي يؤكد أن درس مادة التربية الإسلامية ليس من الضروري أن يكون كلاسيكيا ونمطيا وبالطرائق المعتادة في أغلب المؤسسات التعليمية التي يطغى عليها في أغلب الأحيان طابع الإلقاء والإصغاء، بل قد يقدم المدرس درسه بطرق حديثة تلائم المستجدات التكنلوجيا والذكاء الاصطناعي، وتساير العصرنة والأجيال الجديدة حتى يكون الدرس ذا فعالية ونجاعة وتأثير في سلوك ومعارف ونفوس المتعلمين، ويجنب المدرس كثيرا من العوائق التواصلية والنفسية التي قد تحضر أثناء الطرائق التقليدية، كبعض عناصر التشويش الصوتي والمرئي التي تؤثر سلبا على التركيز لدى المتعلمين.

Abstract

Through this research, the researcher attempts to find new alternatives in teaching methods for Islamic Education by leveraging modern technological means and tools. The study proposes a practical model represented by programmed learning through the Open Academic Learning (Opale) platform. This emphasizes that teaching Islamic Education doesn’t necessarily have to be classical and traditional, employing the usual methods predominant in most educational institutions characterized by lecturing and listening. Instead, teachers may present their lessons in modern ways that suit technological advancements and Artificial Intelligence, keeping pace with modernity and new generations. This ensures that lessons are effective, impactful, and influential on the behavior, knowledge, and minds of learners while avoiding many of the communicative and psychological obstacles that may arise during traditional methods, such as auditory and visual distractions negatively affecting learner focus

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 أما بعد، فإن من متطلبات الحقل التربوي، لا سيما في العصر الحالي، مسايرته التطور المادي والاجتماعي والاقتصادي والصناعي والتكنلوجي… وذلك يتوقف بالضرورة على تظافر الجهود من كل الفاعلين التربويين سواء كانوا ممارسين للعمل بالميدان أو مفكرين وخبراء من شتى التخصصات والميادين. فالمساهمة اليوم، ولو بالقليل، ببحث تربوي في جانب من جوانبه النفسية والاجتماعية أو التقنية قد يضيف لمسة ما في يوم من الأيام ويفيد الباحثين والممارسين وبالتالي ستنعكس بلا شك نتائجه بالفائدة على المتعلمين وعلى أهداف العملية التربوية. وأحسب أن هذا البحث هو جزء من تلك المساهمة، وبخاصة في طريقة من طرائق التدريس البيداغوجية. وما أحوجنا اليوم كمتعلمين ومدرّسين إلى طرائق حديثة تساير الثورة التكنلوجية الحديثة والذكاء الاصطناعي وتستثمر مزاياها في تحقق أهداف التعلم بمستوى من العقلانية، والمرونة، والدقة، والفاعلية.

أهداف البحث

يسعى هذا البحث إلى تحقيق التطلعات الآتية:

  • استثمار التكنلوجيا والذكاء الاصطناعي (AI) في تدريس مادة التربية الإسلامية؛
  • تنزيل تطبيقات التعليم المبرمج كطريقة من طرائق التدريس في المادة التعليمية؛
  • اقتراح نموذج لتفريغ درس من دروس مادة التربية الإسلامية إلى مضامين رقمية تتوخى الجاذبية والفاعلية لدى المدرسين والمتعلمين على حد سواء؛
  • تعزيز القدرات والكفايات التكنلوجيا لدى المدرسين والمتعلمين؛
  • تجاوز النمطية التقليدية في تدريس مادة التربية الإسلامية.

أهمية الموضوع   

تكمن أهمية موضوع البحث في أهمية طرائق التدريس ومدى نجاعتها في تحقيق أهدافها ومقاصدها، فقديما كان يعزو ابن خلدون الركود الفكري الشائع في بلاد المغرب في القرن الرابع عشر الميلادي لطرق التدريس الرديئة التي أهملت فيها المناقشة والمناظرة، ويقول: “وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، فهو الذي يقرب شأنها ويحصل مرامها. فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية سكوتا لا ينطقون ولا يفاوضون. وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم”. ([1])

منهج البحث

تطلبت طبيعة الموضوع من الباحث أن يسلك منهج الاستدلال في المبحثين الأول والثاني؛ حيث تمت الانطلاقة من دراسة مسلمات علمية وتقنية وفكرية تتعلق أولا؛ بتصميم عالم النفس الأمريكي (بريسي Sidney Leavitt Pressey) لأول آلة تعليمية سنة 1926م، وتعتبر هذه التجربة كأول استعمال للتعليم المبرمج، بالإضافة إلى تجربة عالم النفس الأمريكي (فريدرك سكينرSkinner Burrhus Frederic) ودعوته سنة 1954 إلى مكانية برمجة المواد التعليمية واستخدامها في التدريس. وانطلاقا من هذه المسلمات يسعى الباحث إلى القياس عليها في تفريعاتها البيداغوجية وتطبيقاتها التعليمية. كما يسلك الباحث أيضا المنهج التجريبي في المبحث الثالث؛ حيث يعتمد على دراسة حالة نموذجية وهي درس تطبيقي ضمن منهاج مادة التربية الإسلامية وفق وزارة التربية الوطنية للمملكة المغربية سنة 2015م.

المبحث الأول: مفاهيم ومصطلحات البحث الأساسية

التعليم المبرمج:

جاء في معجم علم النفس؛ “أن التعليم المبرمج هو تعلم مهارة لفظية أو أعمال حركية وفقا لبرنامج معد سلفا وبشكل دقيق بواسطة الآلة أو بدونها، ويتميز هذا النوع من التعلم بمعرفة النتائج وبالتالي التعزيز فورا” ([2]).

وعرفه جابر عبد الحميد في “علم النفس التربوي” أنه طريقة لترتيب المواد التعليمية في خطوات صغيرة مرتبة ترتيبا منطقيا، وكل خطوة أو إطار في البرنامج تزود التلميذ بمعلومات وتتطلب أن يستجيب لهذه المعلومات ويزود التلميذ بتغذية مرتدة تتصل بصحة استجابته وبواسطة التعليم المبرمج يستطيع الطالب أن يتقدم وفق سرعته الخاصة، ويتخذ التعليم المبرمج اشكالا مختلفة فقد يظهر في صورة كتب أو آلات تعليمية” ([3]).

أما عالم النفس والإحياء الإنجليزي (لويد مورغان (Conwy Lloyd Morgan فقد عرف التعليم المبرمج “بأنه تعلم ذاتي يصمم بعناية في سلسلة من المنبهات، يستجيب لها المتعلم، مستمدا تعزيزا فوريا بعد الاستجابة حيث يؤدي إلى تكوين الدافع لدى المتعلم، مما يعزز العملية التعليمية”)[4](

وفي قاموس التربية الحديث حيث عرفه كود Good بأنه “تعلم يستخدم في كتاب أو آلة تعليمية لمساعدة المتعلم على بلوغ مستوى من الأداء، ويشتمل على خطوات صغيرة وأجوبة جاهزة تخبر المتعلم بالإجابة ويسير المتعلم بالبرنامج حسب قدرته الخاصة” .([5])

وجاء في تعريف اليونسكو للتعليم المبرمج أنه “طريقة للتعلم وجدت كنظام تعليمي رئيسي أو ثانوي، تختص ببناء مادة التعلم بصورة مسبقة، وتعتد على تحديد الأهداف التعليمية بصورة دقيقة”)[6](.

الخلاصة أن التعليم المبرمج هو طريقة من طرائق التدريس المرتكزة على التعلم الفردي الذاتي حيث يعتمد المتعلم على نفسه في تحقيق وتحصيل نتائج التعلم؛ فهو يعتمد على نشاط المتعلم ذاته وإجابته في تحقيق أهداف التعليم وذلك من خلال وسائل خاصة مثل: الكتيبات – الشرائح – الأفلام – الصور آلات التعلم – أجهزة الحاسوب.

ومن ميزات التعليم المبرمج أنه يتناسب مع الفروق الفردية للمتعلمين كما أنه يعرف المتعلم نتائج سلوكه مباشرة فينتقل إلى مرحلة جديدة أو يحاول مرة أخرى للتعلم.

تعريف التربية الإسلامية

وردت تعاريف متعددة لمفهوم التربية الإسلامية نذكر منها ما يلي:

هو “النظام التربوي الذي فرض الله على المسلمين أن يربوا أولادهم، ويوجهوا أهاليهم، ويدعوهم في ضوئه دون غيره من الأنظمة التربوية الأخرى”([7]).

أو “النظام التربوي المنبثق من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والهادف إلى تنشئة المسلم وتوجيهه، ورعايته جوانب نموه؛ لبناء سلوكه، وإعداده لحياتي الدنيا والآخرة، والذي افترض على المربين من آباء ومسؤولين أن يأخذوا به وحده دون غيره من الأنظمة الأخرى ([8]).

أو هو “إعداد المسلم إعدادا كاملا من جميع النواحي في جميع مراحل نموه للحياة الدنيا والآخرة في ضوء المبادئ والقيم وفي ضوء أساليب وطرق التربية التي جاء بها الإسلام”([9]).

يمكن تعريفها أيضا أن التربية الإسلامية هي العملية التعليمية التي تهدف إلى بناء الفرد الإسلامي، وتعزيز قيم الإسلام وتوجيهها بما يتماشى مع حاجات المجتمع ومتطلبات العصر، وتعزيز الروحانية والأخلاق الحميدة والتحلي بالأخلاق الإسلامية الحسنة.

تعريف برنامج أوبال (Opale)

برنامج Opale يطلق اختصارا على  (Open Academic Learning)تترجم إلى العربية على أنها “بوابة التعليم الأكاديمي” وهو سلسلة من الخوارزميات لإنشاء محتويات تعليمية  رقمية تفاعلية تستهدف المتعلمين من كل الأعمار والفئات، ويستعمل للتدريس الحضوري في حجرة دراسية كما يستعمل عن بعد عبر شبكة الويب حيث يدعم أغلب التقنيات الرقمية الحديثة المستعملة في التعليم الرقمي Digital Learning. وهو برنامج متعدد المزايا والخصائص التقنية والتفاعلية والمحتويات، وموجه للمكونين والأساتذة المستقلين بشكل مجاني كما أن له نسخة خاصة بالمنظمات والمؤسسات والمدارس المتقدمة[10].

  • صورة واجهة البرنام Opale على الحاسوب

  • بعض خصائصه ومميزاته

يتميز برنام أوبال  (Opale)بكونه يتيح للمتعلمين جملة من الخصائص والتسهيلات  في عملية التعلم والتفاعل. من أهمها:

  • خاصية الصورة؛
  • خاصية الصورة المتحركة وشرائط فيديو؛
  • خاصية قراءة الملفات والوثائق مثل:

)PDF , PowerPoint , Open Document…(

  • خاصية التقويم الذاتي من خلال تمارين متنوعة مثل: صنافات، ملأ الفراغات، السؤال ذو الجواب المباشر في نص، ذو جواب رقمي، الاختيار المتعدد، الاختيار الأحادي… إلخ
  • الربط بشبكة الانترنت؛ كإدراج روابط تحيل على المراجع أو روابط البحث …إلخ
  • التفاعل مع الدرس عن طريق الأنترنت أو على الخازن الخاص بالحاسوب.

التعريفات الإجرائية لمصطلحات البحث:

  • التعلم الذاتي

هو عملية يتولى فيها الفرد مسؤولية تعلمه بشكل مستقل وذاتي، دون الاعتماد على مؤسسة تعليمية أو معلم خارجي. يقوم الفرد بتحديد احتياجاته وأهدافه التعليمية، واختيار المصادر والاستراتيجيات المناسبة له، وتقييم نتائج تعلمه

  • الذكاء الاصطناعي:

الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) يطلق على مجموعة من التقنيات والأنظمة التي تهدف إلى محاكاة الذكاء البشري بواسطة الحاسوب والبرمجيات، وإلى تطوير أنظمة قادرة على إنجاز أنشطة تتطلب الذكاء البشري، مثل التعلم، والفهم، والتفكير، واتخاذ القرارات، والتفاعل مع البيئة المحيط.

  • المثير

هو سؤال مطروح في الإطار عن المعلومات السابقة والتي تتطلب من المتعلم استجابة معينة.

  • الاستجابة أو الاستجابة المنشأة:

هو الجواب الذي ينشئه ويحدثه المتعلم مثل الضغط على زر التعلّم.

  • الاستجابة الظاهرة:

سلوك يمكن ملاحظته من قبل الآخرين مثل الكتابة والنطق والأداء. والسلوك حسب “فريدريك سكينر” هو مجموعة استجابات ناتجة عن مثيرات المحيط الخارجي القريب. وهو إما أن يتم دعمه وتعزيزه فيتقوى حدوثه في المستقبل أو لا يتلقى دعما فيقل احتمال حدوثه في المستقبل

  • التعزيز أو التدعيم:

رموز الإجابة الصحيحة التي يتوصل إليها المتعلم من تلقاء نفسه بعد تتبعه لمراحل التعلم، تؤكد للمتعلم حصوله على الدرجة وتوجهه لمرحلة جديدة من التعلم/التغذية الراجعة (feedback)

المبحث الثاني: الإطار النظري للتعليم المبرمج

تشير المصادر إلى أن أول ظهور للتعليم المبرمج كان من فكرة عالم النفس الأمريكي (بريسي Sidney Leavitt Pressey) عندما صمم أول آلة تعليمية سنة 1926م، وكانت تلك الآلة تقدم للمتعلم مجموعة من الأسئلة عليه أن يجيب عنها، كما كانت تمد المتعلم بمؤشرات توضح له ما إذا كانت إجابته صحيحة أو خاطئة)[11](.  لكن هذه الآلة يبدو أنها لم تجذب اهتمام الباحثين في مجال التربية والتعليم في حينه، وذلك لأسباب متعددة، لعل أبرزها أن بريسي لم يوضح جيدا وظائف وأهداف هذه الآلة وطبيعة مساهمتها في تطوير الأساليب والطرائق التعليمية.

وجاء بعده العالم الامريكي (فريدرك سكينرSkinner Burrhus Frederic))[12]( الذي نشر في سنة 1954مقالا بعنوان: “علم التعلم وفن التدريس” في جامعة هارفرد مشيرا فيه إلى إمكانية برمجة المواد التعليمية واستخدامها في التدريس، كما وضح أيضا كيفية تعليم الصغار والكبار بطريقة ذاتية)[13](. ويعتبر هذا المثال عاملا أساسيا في انتشار سيط التعليم المبرمج والآلات التعليمية لاحقا.

وقد عقدت اليونسكو في القاهرة سنة 1965م حلقة للتعليم المبرمج من أجل دراسة ومتابعة الجهود المبذولة في ميدان التعليم المبرمج وإعداد المزيد من الندوات والبحوث والدراسات)[14](.

وكانت أول دولة اهتمت بهذا النوع من التعليم وتطوره هي امريكا ثم طبق في كل من انجلترا والمانيا وكثير من الدول الشرقية. ففي فرنسا اهتم هذا النوع من التعليم من المجال الصناعي أكثر من المجال التربوي.

ثم بدأ تطبيق هذا النوع من التعليم بشكل أوسع في المجال التربوي وخاصة في حالة توفر امكانات التجريب والضبط التجريبي.

للتعليم المبرمج مرحلتان أساسيتان ومهمتان هما:

  • تنظيم المادة التعليمية؛
  • تخطيط المادة وتهيئة عناصرها بشكل متكامل.

أما بخصوص التخطيط فهي المرحلة الأهم والأساسية بالرغم من أنها هي المرحلة الثانية عمليا في التعليم المبرمج؛ إذ يحتاج المشتغل على تطبيقات التعليم المبرمج إلى كفايات مهمة ومتعددة في تصور المادة وعناصرها والاستيعاب النظري للأهداف المراد تحقيقها والتمكن المحكم من استعمال وتوظيف الموارد الرقمية المناسبة. بالإضافة إلى الكفايات الأساسية المتوقفة على صاحب المعرفة النظرية والتجربة الميدانية في مجال التدريس بشكل عام. وينطلق المدرس في هذه المرحلة من وضع خطاطة متكاملة منبثقة من ذهنه ومرسومة على ورقة، يحدد فيها الأهداف والوسائل الأساسية والإضافية والمضامين والفئة المستهدفة، مع تحديد الفترة الزمنية للدرس مقسمة على مراحل معينة، كل مرحلة منها يجب أن تحقق هدفها بمؤشر خاص يحدد سلفا في الخطاطة.

والمرحلة الأخرى وهي لا تقل أهمية عن نظيرتها تلك التي يقوم فيها المشتغل بتطبيق التعليم المبرمج على جمع المادة وكل الموارد والمضامين والعناصر والملفات التي لها ارتباط محتمل بأهداف المادة، وهي مرحلة شبيهة بالعصف الذهني (Brainstorming) للمدرس؛ حيث يقوم بجمع ملف شامل لكل ما من شأنه أن يعين التلميذ على تحقيق الأهداف المتوخاة من الدرس: (صور، شرائط فيديو، خرائط ومبيانات، تسجيلات صوتية، ملفات، رسومات كرتونية، خطاطات، رموز، أسئلة وإجابات… الخ)

أهداف التعليم المبرمج:

  • تعليم الفرد كيفية مزاولته وممارسته لخبرات التعليم بنفسه؛
  • تعزيز قدرة المتعلم على إدراك جوانب الموقف التعليمي؛
  • تطوير قدرات المتعلمين، وكفاياتهم التقنية، والمنهجية والتكنلوجية؛
  • تحقيق الهدف التعلمي في حيز زمني أسرع.

خصائص التعليم المبرمج:

  • زيادة الفاعلية للتعلم؛
  • ارتفاع المردودية والنجاعة؛
  • تحقيق نتائج وأهداف التعليم؛
  • الاقتصاد في زمن التعلم؛
  • التغذية الراجعة المساعدة في التقويم والدعم؛

أهميته:

  • اعطاء فرصة لجميع المتعلمين في التعلم الذاتي؛
  • زيادة جاذبية وتفاعل المتعلمين؛
  • تقليل العبء الزائد على المدرس والمتعلم؛
  • مراعاة الفروق الفردية في سرعة التعلم والكشف عنه؛
  • التغلب على الأعداد الكبيرة من المتعلمين؛
  • اكتساب المتعلمين القدرات والكفايات المنهجية؛

المبادئ التي يرتكز عليها:

  • يحقق مبدأ التعلم النشط؛
  • يقوم على التعزيز الإيجابي؛
  • ينقل المادة العلمية للمتعلم دون التدخل المباشر من قبل المدرس مع مراعاة فوارق المتعلمين؛
  • إثارة وتحقيق فاعلية المتعلم؛
  • تقويم أعمال المتعلم أولا بأول.

خلاصة

نستنتج من خلال المبحثين السالفين أن اهتمام الباحثين بالتعليم المبرمج كطريقة حديثة من طرائق التدريس أمر ظل قديما، وكان من أكثرهم اهتماما بهذا الموضوع الباحثون في علم النفس. وبفضل دراساتهم السيكولوجية والظواهر النفسية للإنسان ولغيره من الكائنات الحية التي غالبا ما تكون متعبة في استقصاء جوانبها المختلفة، ورصد ملاحظاتهم لسلوكياتها المتعددة، استشعروا أهمية الاستعانة بالآلة لتسهيل العمل على الباحث من جهة، ولتدقيق العملية برمتها من جهة أخرى؛ تطلعا منهم إلى تطوير البحث وتحقيق نتائجه بشكل أسرع ودقيق. وهذه السيرورة بذاتها هي المتوخاة في العملية البيداغوجية باستعمال الآلة المبرمجة المتسمة بحسن التنظيم والتنوع في الموارد والعارف، والذكاء الاصطناعي، سعيا في النهاية إلى تحقيق الأهداف والغايات التربوية المرسومة ضمن المنهاج.

المبحث الثالث: نموذج درس تطبيقي باستعمال البرنام Opale

يعرض هذا البحث نموذج درس تطبيقي من دروس مادة التربية الإسلامية بالسلك الثانوي الإعدادي، بالاعتماد على ما سبق من المباحث والمفاهيم المؤطرة للتعليم المبرمج كطريقة من طرائق التدريس البيداغوجية. وانطلاقا من الكفايات والقدرات المنشودة ضمن منهاج المادة ومن الأهداف الواردة في الكتاب المدرسي الخاص بالمتعلم، يتطلب من الباحث أن يمتلك مسبقا بعض المهارات التقنية الخاصة بالحاسوب والمتمثلة بالأساس في تنزيل واستعمال البرنام Open Academic Learning مع جمع العناصر والموارد الرقمية المرتبطة بالدرس قبل الشروع في رسم خطة دقيقة لمراحل الدرس وزمنها، وأهدافه ووسائله البيداغوجية والتقويمية، وكذا مضامينه وفئته المستهدفة. ثم بعد ذلك يستوجب على المدرس أن ينطلق في إنشاء الموارد والوضعيات المبرمجة حسب الخطة التي رسمها سلفا.

 درس تطبيقي في مادة التربية الإسلامية باستعمال البرنام Opale

من خلا هذا البرنام يقوم المتعلم بتتبع وضعيات تعلمية مختلفة ومتنوعة (مراحل الدرس) وهي غنية بالموارد والأسناد والوثائق … إضافة إلى وضعيات تقويمية مرحلية، يقوم من خلالها المتعلم بتشخيص معارفه وتقويمها قبل الانتقال إلى مرحلة ووضعية أخرى. وقد وقع الاختيار هنا كنموذج، على درس من دروس التربية الإسلامية للسنة الثالثة إعدادي، المتعلق بوحدة التربية الفنية والجمالية في الإسلام: الدرس الرابع “من مظاهر جمال هيئته صلى الله عليه وسلم وسلوكه”.

مدخل إلى الوحدة وإلى الدرس

يعرض البرنام على المتعلم، كأول انطلاقة للدرس بعد تشغيله سواء على الحاسوب او اللوحة الالكترونية، مدخلا إلى الوحدة كما تم إعداده من طرف المدرس، وتشمل هذه الوحدة جميع عناوين دروسها. ثم يشرع المتعلم في تمرين ذاتي لتقويم مكتسباته السابقة (التقويم التشخيصي).

في الصورة التوضيحية أسفله، ينطلق المتعلم من خلال “مقدمة” ليتعرف على الأهداف والكفايات المنتظر منه تحقيقها عند نهاية الوضعيات وعند آخر الوحدة.  ويمكن اعتبار هذه الوضعية بمثابة تعاقد ديداكتيكي حول أهداف التعلم.

والصورة التالية توضح الكفيات النوعية المنتظر تحقيقها كما وردت بكتاب المنير في التربية الإسلامية، للسنة الثالثة إعدادي:

وبعد تعرفه على الأهداف والكفايات، يستهل درسه بتقويم لمكتسباته السابقة عبر وضعية تقويمية متمثلة في سؤال موضوعي متعدد الاختيارات. وهو السؤال حول الذوق السليم عنوان الدرس الذي يسبق هده الوحدة ضمن الكتاب المدرسي.

 السؤال التقويمي هنا، عبارة عن طرح ثلاث اختيارات مرتبطة بسلوك أحد المستعملين للطريق؛ ليختار المتعلم من بينها ما يدل على الذوق السليم. قصد تشخيص مكتسباته السابقة والبناء للمعارف والمهارات الجديدة. وبإمكان المدرس هنا أن ينوع من أشكال الأسئلة التقويمية المقترحة في البرنام؛ كسؤال أحادي الاختيار، ومتعدد الاختيارات، والسؤال المباشر القصير أو الطويل، أو ترتيب الجمل وملأ الفراغات وغيرها من الأشكال.

وفي الصورتين أسفله، بإمكان المتعلم أن يصحح إجاباته بنفسه بالنقر على العلامتين فوق السؤال والتعرف على صحة إجباته من خطئها، كما يمكن له أيضا إعادة السؤال من جديد والاستعانة بأسناد ووثائق تتعلق بالدرس السابق.

لوضعية –المشكلة أو (التمهيد)

بعد تقويم المتعلم لجزء من مكتسباته السابقة بدأ يترقب الجديد ويتهيأ ليستقبل المثير، وفي الصورتين أسفله يندمج المتعلم في بناء درسه انطلاقا من عرض وضعية مشكلة واستقبال أسئلة حولها، ينتظر من المتعلم أن يدون إجاباته على الدفتر معبرا عن مواقفه وآرائه الخاصة، ثم يتعرف بعدئذ على عنوان الدرس.

لوضعية –المشكلة أو (التمهيد)

بعد تقويم المتعلم لجزء من مكتسباته السابقة بدأ يترقب الجديد ويتهيأ ليستقبل المثير، وفي الصورتين أسفله يندمج المتعلم في بناء درسه انطلاقا من عرض وضعية مشكلة واستقبال أسئلة حولها، ينتظر من المتعلم أن يدون إجاباته على الدفتر معبرا عن مواقفه وآرائه الخاصة، ثم يتعرف بعدئذ على عنوان الدرس.

معالجة النصوص

بعد تدوين المتعلم لإجاباته التي ستبقى إلى جانبه كفرضيات إلى غاية الانتهاء من جميع مراحل الدرس، يجد نفسه أمام نصوص شرعية مؤطرة للدرس حسب منهجية الكتاب المدرسي، فهو مطالب في هذه الوضعية بأن يقرأ النصوص بنفسه ويستعين بالمورد الصوتي الذي يتضمن تسجيلا صوتيا لقراءة الأستاذ، إضافة إلى تدوينها على دفتره.

وفي كل نص من النصوص المقتبسة سيجد المتعلم عند آخره علامة تدله على مرجع النص ومصدره، حتى يتدرب على مهارة توثيق النصوص من مصادرها، كما هو مبين في الصورتين أسفله:

بعد قراءة النصوص وتدبرها ثم توثيقها، لا شك أنه سيتوقف إلى بعض الكلمات والعبارات الغريبة أو الصعبة، والتي سيكون المدرس قد توقع سلفا صعوبتها لدى المتلعم، مع بيان شرحها حسب سياقها كما توضح الصورة أسفله.

ينتقل المتعلم في المرحلة الآتية إلى وضعيات التفكر والتدبر للنصوص الشرعية السابقة واستخلاص مضامينها واستنباط أحكامها وقيمها مستعينا بأسئلة تعليمية موجهة ومعدة لهذا الغرض. وهي في الوقت ذاته أسئلة للتقويم المرحلي يثبت من خلالها المتعلم قدراته ومهاراته ومعارفه التي اكتسبها في المراحل الثلاثة السابقة، وقد تم تقسيم هذه إلى أربعة مراحل موضحة في الصور أسفله:

أولا: تقديم له أسئلة تعليمية مساعدة للتفكر والتدبر في النصوص؛ (سؤال ومؤشر مساعد لكل نص) كما في الصورة

ثانيا: توضيح أهداف هذه الأسئلة وهذا التقويم قبل أن يبدأ في العملية (أنظر الصورة)

ثالثا: استخلاص المضامين؛ من خلال إعمال قدراته التفكرية والتأملية ومهارته التنظيمية، ليرتب الجملة المبعثرة بشكل صحيح.

السؤال الموالي المتعلق بمضامين النص الشرعي الثاني في الدرس، سيقدم للمتعلم بطريقة أخرى تفاديا للنمطية والتكرار، وهي عبارة عن سؤال متعدد الاختيار (QCM) كما في الصورة أسفله..

المرحلة الأخيرة من هذه الوضعية التعليمية، يحصل فيها المتعلم على نتيجة إنجازه للعملية تقييما لمهاراته وقدراته، وهي التغذية الراجعة لتفاعله مع مراحل هذه الوضعية. ويمكنه أيضا أن يراجع الحلول الصحيحة إن أخطأ في مرحلة من مراحل الوضعية، كما توضح الصورة أسفله.

وضعيات التعلم (محاور الدرس)

انطلاقا من أهداف الدرس ومن الإطار المرجعي للمادة واستئناسا بالكتاب المدرسي للمتعلم، ينتظر في هذه المرحلة أن تقدم للمتعلم وضعيات تعليمية تطور من قدراته ومهاراته المعرفية والتحليلية والاستنباط والاستدلال، وتعزز لديه قيمة حسن الخلق والجمال الظاهري والباطني للإنسان. من أجل ذلك تم الاعتماد في هذه المرحلة على الطريقة الاستنباطية والاستقرائية لصفات وأخلاق الرسول الكريم والاستثمار لمجموعة من النصوص القرآنية والحديثية المعدة سلفا لهذا الغرض في ملف خاص من نوع “البوم صور”، سوف يتصفحه المتعلم ويتعرف على مضامين كل صورة، ويدون على دفتره الأفكار والمستفادات على ضوء الأهداف التعلمية للدرس والوضعية المشكلة التي انطلق منها.

ينطلق المتعلم في مباشرة الوضعية التعلمية بعد تعرفه على أهدافها التي سيحققها عند نهاية الوضعية، ثم يشرع في التعلم من خلال مقدمة تمهيدية تذكره بالمشكلات التي طرحتها أول وضعية من الدرس ليتوجه بعدها إلى محاور الدرس، كما توضح الصور أسفله:

 

 

الوضعية التقويمية الإجمالية

بعد أن ينجز المتعلم كل المراحل السابقة مع تدوين ملاحظاته ومواقفه واستنباطاته واستدلالاته في دفتره الخاص، عليه أن يتهيأ في هذه الوضعية التقويمية التي تعتبر من أهم مراحل الدرس أن يتحقق من اكتساب الأهداف التعلمية، ويصحح مواقفه وتصوراته التي قد عبر عنها في دفتره، وذلك من خلال تتبع أسئلة التقويم الإجمالي المطالبة إياه بتصنيف مجموعة من صفات وأخلاق الرسول الكريم التي تعرف عنها في الوضعية التعلمية السابقة، إلى صفات خُلُقية وصفات خِلقية كما في الصورة أسفله

وبعد إجابته على كل أسئلة التقويم الإجمالي، سيقوم المتعلم بعملية التصحيح الآلي ليتعرف على أخطائه إن وجدت، أو يتحقق من كونه قد أجاب بشكل صحيح، ثم يراجع ويصحح ما دونه في دفتره ويثبت ملاحظاته ومواقفه، ومن ثم يعرضها على المدرس في الفصل. وهكذا تكون أهداف الدرس قد تحققت كاملة بإذن الله.

وبعد إجابته على كل أسئلة التقويم الإجمالي، سيقوم المتعلم بعملية التصحيح الآلي ليتعرف على أخطائه إن وجدت، أو يتحقق من كونه قد أجاب بشكل صحيح، ثم يراجع ويصحح ما دونه في دفتره ويثبت ملاحظاته ومواقفه، ومن ثم يعرضها على المدرس في الفصل. وهكذا تكون أهداف الدرس قد تحققت كاملة بإذن الله.

خاتمة

عندما نستثمر وسائل التكنلوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي بالشكل الذي يتيح المتعلمين فرصا أكثر في التعلم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم الفكرية والعلمية والتحليلية، فردية كانت أو تفاعلية، فإن النتائج بلا شك ستكون مسرّة وذات تأثير إيجابي على المنظومة التربوية بأكملها، وعلى المجتمع والمستقبل بالتبعية. والاستثمار الأمثل للتكنلوجيا يبدأ بالأساس من استعمالها في الأدوات والوسائل التقنية والرقمية المعينة على التعلم، حيث لم تعد اليوم الوسائل التقليدية وحدها مجدية بالقدر الذي كانت عليه في العقود الماضية، سيما والأجيال المعاصرة هي أشد كونها ارتباطا بهذه الوسائل في حياتها اليومية بجزئياتها الصغيرة، وبالتالي فقد أصبحت الوسائل الديداكتكية التقليدية أثناء استعمالها وحدها في الممارسة البيداغوجية مشكّلة لعوائق تواصلية كثيرة، من بينها على سبيل المثال:

  • ارتفاع الأصوات داخل القاعة سواء بسبب التفاعل مع الأسئلة أو بسبب الشغب؛
  • عدم مراعات الفروق الفردية بين المتعلمين في وضوح الرؤية للسبورة بسبب المسافة مع المتعلم وبسب تباين خطوط المتعلمين على السبورة، أو بسبب الانعكاسات الضوئية؛
  • الخجل الذي يصاحب الكثير من المتعلمين ذكورا وإناثا في المشاركة التفاعلية مع الدرس داخل القسم؛
  • هدر الزمن التربوي أثناء الحصة، حيث قد يضيع وقت كثير للمتعلمين بسبب موقف يصادفه المدرس.

والتعليم المبرمج كما جاء به هذا البحث هو أحد الحلول البديلة التي يأمل الباحث تنزيلها كطريقة من طرائق التدريس سواء في الفصول الدراسية أو خارجها؛ إذ يتيح للمتعلمين إمكانيات التعلم الصفي بحضور المدرس كما أيضا يتيح لهم الإنجاز عن بعد من خلال الرابط الذي يتيحه البرنام (Opale) ودور المدرس في حالة التعليم الصفي لا يتعدى التأطير والمراقبة ونشر النتائج النهائية بين المتعلمين.

وأسأل الله أن أكون قد وفقت في هذا العمل وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

  1. [1]– التربية عبر التاريخ من العصور القديمة حتى أوائل القرن العشرين، عبد الله عبد الدائم، ص188، دار العلم للملايين، بيروت، ط5، 1984م.
  2. [2]– معجم علم النفس، ص88، فاخر عاقل، دار العلم للملايين، بيروت، 1971.
  3. [3]– علم النفس التربوي، ص: 226، جابر عبد الحميد جابر، دار النهضة العربية، القاهرة، 1977.
  4. [4](Introduction to Psychology, Morgan – Richard King and John Weiss- P799, 3rd Ed. New York – Mc Graw – Hill – 1966.
  5. [5]) Dictionary of Education, Good, P302, 3rd Ed –  Mc Graw – Hill – New York – 1973
  6. [6]) The Economic Of New Education Media, UNESCO, P196, Geneva- UNESCO – 1977.
  7. [7]– الأولاد وتربيتهم في ضوء الإسلام، ابن محمد المقبل، ص22-23، ط 3، الكويت، مطبعة نجد العالمية، 1416هـ.
  8. [8](التربية الإسلامية، أحمد الحمد، ص16، دار اشبيليا، ط1، الرياض 1423 هـ،.
  9. [9](جوانب التربية الإسلامية الأساسية، مقداد يالجن، ص26، دار الريحاني للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1406هـ.
  10. ([10] الموقع الرسمي للبرنام: https://scenari.software/Opale@5.0.7
  11. [11] Theories of Learning, Hilgard E.R. & Bower G.H. 1966 3rd Ed, New York: Appleton-Century-Crofts. Chapter 16: Learning & the Technology of instruction, 554–561 Programmed Learning 
  12. ([12] The 100 Most Eminent Psychologists of the 20th Century, Steven J. Haggbloom & col. (2002), P.146, Review of General Psychology, vol. 6, no 2.
  13. [13]– تدريس العلوم، أحمد خيري كاظم وسعد يسي زكي، ص268/269، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974م.
  14. [14]– التقنيات الجديدة في الحقل التربوي، فخر الدين القلا، ص672، مجلة وقائع وبحوث المؤتمر الفكري الأول للتربويين العرب، ج2، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1975م.
Scroll to Top