المهارات الناعمة
في عصر التحول الرقمي

د. سعيد الاشعري

باحث في التراث الثقافي والتواصل
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق
وجدة، المغرب

ملخص

تضم المهارات الناعمة مجموعة من القدرات والمهارات التي تؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع الآخرين وكيفية تعاملهم مع المواقف والتحديات في الحياة الشخصية والمهنية… ومن أمثلة المهارات الناعمة: التواصل الفعال، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتفكير النقدي، والعمل الجماعي، والقيادة، والتفاوض، وإدارة الوقت، والقدرة على التكيف والتغيير، والإبداع…أما التحول الرقمي، فيشير إلى التحولات الهائلة التي تطرأ على العالم بفعل التكنولوجيا والتقدم الرقمي، حيث يشهد العصر الحالي تطبيقات وأدوات رقمية تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة. فالتحول الرقمي يشمل اعتماد التكنولوجيا في العمليات والعلاقات والتفاعلات اليومية، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية، مما يتطلب من الأفراد والمؤسسات التكيف مع هذه التغييرات واستخدام التكنولوجيا بفعالية لتحسين الأداء وتحقيق الأهداف.

Abstract

Soft skills encompass a range of abilities and competencies that influence how individuals interact with others and handle situations and challenges in both personal and professional life. Examples of soft skills include effective communication, problem-solving, decision-making, critical thinking, teamwork, leadership, negotiation, time management, adaptability to change, and creativity. On the other hand, digital transformation refers to the significant changes occurring worldwide due to technology and digital advancements. The current era witnesses digital applications and tools impacting every aspect of life. Digital transformation involves the adoption of technology in daily processes, relationships, and interactions, both at work and in personal life, requiring individuals and organizations to adapt to these changes and utilize technology effectively to enhance performance and achieve goals.

المقدمة:

تعد المهارات الناعمة من العوامل الرئيسة التي تؤثر على نجاح الأفراد في حياتهم الشخصية والمهنية، ومع تزايد استخدام التكنولوجيا والتحول الرقمي في جميع جوانب الحياة، فقد بات من الضروري النظر في كيفية تأثير هذا التحول على تطوير وتحسين المهارات الناعمة.

أما التحول الرقمي، فيشير إلى التحولات الهائلة التي تطرأ على العالم بفعل التكنولوجيا والتقدم الرقمي، حيث يشهد العصر الحالي تطبيقات وأدوات رقمية تؤثر على كل جانب من جوانب الحياة. فالتحول الرقمي يشمل اعتماد التكنولوجيا في العمليات والعلاقات والتفاعلات اليومية، سواء في العمل أو في الحياة الشخصية، مما يتطلب من الأفراد والمؤسسات التكيف مع هذه التغييرات واستخدام التكنولوجيا بفعالية لتحسين الأداء وتحقيق الأهداف.

وبالتالي، يمكن القول إن التحول الرقمي هو توطين التقنيات الرقمية في المجتمع، وتمكين أفراده من المهارات الرقمية التي تساعد على إدارة هذه التقنيات بشكل كفؤ ومبدع ومفيد يؤدي إلى زيادة الدقة والكفاءة والجودة والإنتاجية في كافة مناحي الحياة لتحقيق التنمية المستدامة.

ترتبط المهارات الناعمة بالتحول الرقمي بشكل وثيق، حيث يؤثر التحول الرقمي على كيفية ممارسة هذه المهارات وأهميتها في العصر الحالي. فعلى سبيل المثال، يتطلب التواصل الفعال اليوم استخدام الوسائط الرقمية المتنوعة مثل البريد الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي، والمحادثات الفورية، وهذا يتطلب فهماً عميقاً لكيفية استخدام هذه الأدوات بشكل فعّال ولبناء علاقات قوية عبرها تظهر في العلاقات الاجتماعية الواقعية.

بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الأفراد في عصر التحول الرقمي إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والابتكار لمواكبة التطورات التكنولوجية وتحدياتها، فضلاً عن القدرة على إدارة الوقت والمعلومات في بيئة رقمية متسارعة التغير.

يمكن القول إن التحول الرقمي يضع تحديات جديدة أمام تطوير وتحسين المهارات الناعمة، ويتطلب من الأفراد والمؤسسات الاستعداد والتكيف للاستفادة الكاملة من الفرص التي يوفرها هذا التحول في تطوير القدرات الشخصية والمهنية خاصة وأن التكنولوجيا أصبحت تتشابك مع الحياة اليومية. سنستعرض في هذه المقالة مجموعة من المهارات الناعمة الأساسية، والتحديات التي تواجه تطوير هذه المهارات في العصر الرقمي، والحلول المقترحة لتجاوز هذه التحديات المحتملة.

المهارات الناعمة الأساسية:

إن المهارات الناعمة هي المهارات غير التقنية التي ترتبط بالسلوك والشخصية، وتساعد في التفاعل الفعال مع الآخرين وتحقيق النجاح في العمل والحياة الشخصية. تعتبر هذه المهارات مهمة جدًا في التعليم وفي سوق العمل الحديثة، فالقدرات الفنية وحدها غير كافية لتحقيق النجاح. حسب
(ليبمان Lippmann): “تشير المهارات الناعمة إلى مجموعة واسعة من المهارات والكفاءات والسلوكيات والمواقف والصفات الشخصية التي تمكن الناس من التنقل بفعالية في بيئتهم والعمل بشكل جيد مع الآخرين وتقديم أداء جيد وتحقيق أهدافهم”[1]. أما منظمة اليونسكو فإنها “تعرف المهارات الحياتية بكونها عملية تفاعلية بين التعلم والتعليم تهدف لإكساب الفرد المعارف والمهارات والسلوكيات لتغلب على العقبات وحل مشكلاته الشخصية والاجتماعية، ومواجهة المواقف التي يتعرض لها أثناء حياته بنجاح، مما يؤدي إلى زيادة خبراته وإتقانه للمهام وبالتالي تحسين نوعية حياته”[2].

ومن منظورنا فإن المهارات الحياتية هي: الجانب الإيجابي من شخصية الفرد، التي تشمل مجموعة من الصفات الجيدة، والتي يتمتع بها الفرد، والتي تؤهله من التفاعل الإيجابي مع الآخرين، وتجعله مرغوباً لدى الآخرين، أي أنها المهارات التي تشكل شخصية الفرد.

أما المهارات الصلبة فهي “عبارة عن قدرات يتم تعليمها للفرد الواحد من قبل شخص متخصص في تلك المهارة. هي مهارات معيارية تختلف من شخص لآخر. فهي قد تكون النقطة الفاصلة التي يستعين بها مسؤول الموارد البشرية مثلا عند الاختيار بين المتقدمين للوظيفة. يطلق عليها أيضاً بالقدرات التقنية، حيث يمكنك اكتسابها من خلال المدرسة، الجامعة، الدورات التدريبية، الكتب أو حتى من مجال العمل”[3]. والتي تتميز بأنها قابلة للقياس عكس المهارات الناعمة.

إذا، فكما سبقت الإشارة في التعريف، فالمهارات الناعمة تشمل مجموعة من القدرات والمهارات غير الفنية التي تؤثر على كيفية تفاعل الأفراد مع الآخرين وكيفية تعاملهم مع المواقف والتحديات في الحياة الشخصية والمهنية. ومن أمثلة المهارات الناعمة:

مهارة التواصل الفعال: وهي قدرة الفرد على نقل الأفكار والمشاعر بوضوح وفهم الآخرين بشكل صحيح. يتضمن ذلك القدرة على الاستماع الفعّال واستخدام اللغة الجسدية والتواصل غير اللفظي. وتعني كذلك التعامل مع القياديين والزملاء في الجامعة أو العمل بلطف وكذلك التعامل مع الأفراد بحسن ولباقة. وتتمثل أيضا في القدرة على التحدث بطلاقة والتمكن من مهارة الإصغاء والاستماع والقدرة على إعطاء تغذية راجعة، وتكوين علاقات اجتماعية ناجحة والقدرة على تحفيز الآخرين. وبهذا المعنى “يكون التواصل الاجتماعي “مخ المجتمع” على حد تعبير (دور كايم)، وعصب الحياة وأوكسجينها الاجتماعي به تستمر الحياة وبه تتقدم، وبه تنعدم وتفنى”[4]. ولا مناص من القول إن نجاح الفرد في حياته الشخصية والعملية واستمرار وجوده بالمعنى الاجتماعي إنما يتوقف على مدى استخدامه لمهارات التواصل الاجتماعي الأساسية.

مهارة التعاون والعمل الجماعي: تتطلب القدرة على العمل مع الآخرين بشكل فعّال والقدرة على التواصل بفعالية وحل المشكلات بشكل مشترك. يشمل ذلك القدرة على تقدير آراء الآخرين والاستماع إليهم والتفاعل بشكل بناء وبناء علاقات إيجابية. وهي القدرة كذلك على إدارة وتمثيل المجموعة في العمل، والقدرة على تنفيذ الأدوار بفعالية. وتتمثل في القدرة على بناء فريق عمل والتعاون معه، والاتباع الواعي للتعليمات والقواعد.

مهارة القيادة والإدارة: تتعلق بالقدرة على تحفيز الفرق أو تحفيز الطلبة وتوجيههم نحو تحقيق الأهداف المشتركة. يشمل ذلك تطوير رؤية واضحة، وتعيين الأهداف، وتوزيع المهام، وتشجيع الفريق، وتقديم التوجيه، والدعم اللازم عند الضرورة.

مهارة حل المشكلات واتخاذ القرارات: تشمل القدرة على تحليل المشاكل وتحديد الحلول الممكنة واختيار الحل الأمثل. ويتطلب ذلك القدرة على التفكير النقدي والإبداعي وتقييم المعلومات المتاحة والتنبؤ بالنتائج وإدارة الاختلاف. “إن الاختلاف بين البشر أمر طبيعي ومقبول، ولكن من غير المقبول أن ننظر إلى هذا الاختلاف على أنه شيء غير صحي”[5].

مهارة التعلم المستمر: تتعلق بالقدرة على مواكبة التغييرات وتطوير المعرفة والمهارات بشكل مستمر. يشمل ذلك الاهتمام بالتعلم الذاتي والبحث والقراءة والتدريب المستمر لتطوير الذات. كما تعني هذه المهارة التدرب على معرفة ما تحتاج إلى معرفته، وتحديد مصدر تلك المعرفة. وهذه عملية مستمرة في العمل القائم على المعرفة، لأن قاعدة المعرفة تتغير باستمرار[6].

مهارة الإبداع: تشمل القدرة على التفكير الإبداعي وابتكار الأفكار والحلول الجديدة. تتضمن هذه المهارة القدرة على التخيل والانفتاح على وجهات النظر المختلفة والبحث عن طرق جديدة للتحدي والابتكار.

مهارة إدارة الوقت: تتعلق بالقدرة على تنظيم الوقت والموارد المتاحة بشكل فعال لتحقيق الأهداف المحددة. يتطلب ذلك تحديد الأولويات، وتخطيط الوقت، وتنظيم المهام، وتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. كما تعرف هذه المهارة “بعلم استثمار الزمن بشكل فعال، وتعني فن الاستخدام الرشيد للوقت”[7].

مهارة التحفيز الذاتي: تشمل القدرة على تحفيز النفس والحفاظ على الدافعية الشخصية لتحقيق الأهداف. يتضمن ذلك تحديد الأهداف الشخصية، وتطوير خطط العمل، والاحتفاظ بالتفاؤل والإصرار على الوصول إلى الهدف.

القدرة على التكيف: مهارة التكيف تتعلق بالقدرة على التأقلم مع التغييرات والتحديات المحيطة بنا. يتطلب ذلك القدرة على التعامل مع المواقف الجديدة والمتغيرات، وتغيير الخطط والاستراتيجيات حسب الحاجة.

مهارة التفكير النقدي: مهارة التفكير النقدي تتعلق بالقدرة على تحليل المعلومات وتقييمها بشكل منطقي ومنصف. يتضمن ذلك القدرة على التمييز بين الحقائق والآراء، وتحليل الأدلة، والوصول إلى استنتاجات مدروسة. وهي كذلك قدرة الفرد على إصدار الأحكام على الأعمال، واستنتاج الحلول والأفكار الخلاقة. وتتمثل في القدرة على توليد الأفكار والتفكير خارج الصندوق والنقد البناء.

مهارات التنظيم والتخطيط: وهي القدرة على تحديد الأولويات والبداية بالأهم ثم المهم، والقدرة على تخطيط وإدارة الوقت والمهام. وتتمثل في ترتيب الأولويات وإدارة الوقت والالتزام بالمواعيد واتخاذ القرارات المناسبة وعدم التردد في ذلك.

مهارات التأقلم والمرونة: وهي قدرة الفرد على استيعاب متطلبات بيئة العمل والتكيف معها. وتتمثل في العمل تحت الضغط والعمل في بيئات متنوعة ثقافياً واتساع الأفق وتقبل النقد.

مهارات إدارة الأزمات: وهي القدرة على حسن التصرف وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات وتوقع المخاطر والإشكاليات. وتتمثل في مهارة حل المشكلات والتعامل مع المواقف الصعبة والتنبؤ بسلوك الآخرين.

مهارات الاحتراف: وهي قدرة الفرد على الاستفادة من التطور السريع للتكنولوجيا واستخدامها في بيئة العمل بكفاءة عالية خصوصا في ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم عموما والمغرب بصفة خاصة. وتتمثل في التوظيف الأمثل للتقنية والرغبة بالتعلم المستمر والبحث عن المعلومات والمستجدات وتوظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

مهارات التفاوض: تتمثل في القدرة على التفاوض مع الأفراد والمؤسسات والقدرة على الإقناع ومهارة العرض والتقديم. والتفاوض “عملية اتصالية تفاعلية تعاونية نستطيع من خلالها كأطراف متفاوضة التوصل إلى أسلوب أو صيغة تعاقدية نرضى بها بعيدين عن منطق القوة أو التهديد أو التنافس غير المجدي”[8]. ولذا يعتبر التفاوض أحد أشكال التفاعل والتواصل الاجتماعي الذي يهدف   الوصول إلى حلول للمشكلات الناجمة عن تواصلنا وتفاعلنا المستمر مع الآخرين[9].

هكذا وبعد عرض أبرز المهارات الناعمة، ينبغي على الأفراد بصفة عامة والطلبة بصفة خاصة أن يعملوا على تطوير المهارات المكتسبة، والسعي لتعلم مهارات جديدة من خلال برامج ودورات تدريبية، والاطلاع والقراءة في جوانب تنمية المهارات الناعمة وصقلها وعدم الاعتماد على المهارات الصلبة فقط خاصة في ظل التحديات التي تواجه هذه المهارات في العصر الرقمي. إن ما تم ذكره يعد فقط جزء من بعض المهارات الناعمة الأساسية، وهناك العديد من المهارات الأخرى المهمة مثل الصبر، والمرونة، والقدرة على التعامل مع الضغوط وإدارة التوتر…

التحديات التي تواجه تطوير المهارات الناعمة في العصر الرقمي

تواجه المؤسسات كما يواجه الأفراد (طلبة/ أساتذة/ موظفين/ مستخدمين) في العصر الرقمي العديد من التحديات في تطوير وتحسين المهارات الناعمة وتوظيفها بالشكل الأمثل؛ مما يؤثر على نجاحهم في حياتهم المهنية والشخصية، ومن بين هذه التحديات:

الاعتماد المفرط على التكنولوجيا:

  • قد يؤدي الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، مثل التواصل عبر البريد الإلكتروني ورسائل التواصل الفوري، إلى ضعف مهارات التواصل وجهًا لوجه والتواصل غير اللفظي.
  • قد تُقل مهارات حل المشكلات الإبداعية والتفكير النقدي بسبب الاعتماد على البرامج والتطبيقات الجاهزة.

قلة التفاعل الإنساني:

  • قد يؤدي العمل عن بعد والاعتماد على التواصل الرقمي إلى تقليل فرص التفاعل الإنساني المباشر، مما قد يُعيق مهارات التواصل ويحد من تطوير المهارات الإنسانية وبناء العلاقات الاجتماعية.
  • قد تُفقد مهارات التعاطف والذكاء الاجتماعي (قدرة الفرد على فهم الناس والانتماء لهم) بسبب قلة التفاعل وجهاً لوجه.

سرعة التغيير:

  • يتطلب العصر الرقمي سرعة في التكيف والتعلم المستمر، مما قد يُشكل تحديًا للأفراد الذين يجدون صعوبة في مواكبة التطورات.
  • قد تُصبح بعض المهارات الناعمة قديمة بسرعة، مما يتطلب تعلم مهارات جديدة بشكل مستمر.

صعوبة قياس المهارات الناعمة:

  • قد يكون من الصعب قياس وتقييم المهارات الناعمة بشكل موضوعي، مما قد يُعيق عملية تطويرها وتحسينها.
  • قد يختلف تقييم المهارات الناعمة من شخص لآخر ومن منظمة لأخرى.

نقص الموارد:

  • قد تواجه بعض المؤسسات والأفراد نقصًا في الموارد اللازمة لتطوير مهاراتهم الناعمة، مثل البرامج التدريبية والتوجيه والإرشاد.
  • قد لا يكون هناك وعي كافٍ بأهمية المهارات الناعمة، مما قد يُقلل من الاستثمار في تطويرها.

تأثير هذه التحديات:

  • قد تؤثر هذه التحديات سلبًا على قدرة الأفراد على النجاح في حياتهم المهنية والشخصية.
  • قد تواجه المؤسسات صعوبة في العثور على موظفين يتمتعون بالمهارات الناعمة اللازمة للنجاح في بيئة العمل الرقمية.
  • قد تتسع الفجوة بين المهارات المطلوبة في سوق العمل والمهارات التي يمتلكها الأفراد.

وبما أن موضوع الندوة هو المهارات الحياتية في التعليم العالي فلا بد من الحديث عن علاقة الطالب بالمهارات الناعمة، فهي علاقة تتجسد بشكل كبير بتجربته التعليمية والثقافية والبيئة التي ينشأ فيها والتي يعيش فيها؛ ذلك أن المهارات الناعمة تعتمد على العوامل النفسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية التي يتعرض لها الفرد خلال حياته، فعلى سبيل المثال، يمكن لتجربة التعليم الجيدة أن تساعد الطلبة في تنمية المهارات الناعمة مثل التواصل الفعَّال والقيادة والعمل الجماعي والتفكير النقدي، كما يمكن أن تساعد البيئة الاجتماعية والثقافية التي ينشأ فيها الفرد في التشجيع على تطوير هذه المهارات.

ويمكن للطلبة أن يحسنوا كذلك من مهاراتهم الناعمة عن طريق الاهتمام بتطويرها وتعلمها، سواء من خلال الخبرة العملية أو الدورات التدريبية أو القراءة والدراسة والتعلم الذاتي، وذلك بالاهتمام بتحسين قدراتهم على التواصل والعمل الجماعي والتفكير النقدي، وإدارة الوقت والتعامل مع التحديات والتغييرات في الحياة الشخصية والمهنية.

ولابد من التأكيد على أن المهارات الناعمة / الحياتية / الإنسانية تلعب دورًا هامًا في تأهيل الطلبة في الجامعة لمواجهة تحديات العالم الراهنة، وتمكينهم من تحقيق النجاح في مختلف مجالات الحياة. وفي سياق التعليم العالي، يتم تنمية هذه المهارات من خلال البرامج الأكاديمية والفعاليات الطلابية والأنشطة الخارجية، بالإضافة إلى التفاعل مع الزملاء والمحاضرين والانفتاح على المجتمع المحلي.

ولا مناص من القول إنه في ظل العولمة وسرعة التغيرات في العالم، وتحول اقتصاد العديد من الدول إلى الاعتماد على القطاعات الخدماتية، أصبح القادة في التعليم والحكومات والمشغلون يشددون على أهمية تعلم المهارات الحياتية كوسيلة لنجاح الشباب في الحياة المهنية والشخصية[10].

ويبدو أنه من خلال تطوير المهارات الحياتية، يصبح الطلبة أكثر استعدادًا لمواجهة تحديات العمل والحياة الشخصية، ويتمكنون من تحقيق أهدافهم بنجاح وتحقيق التميز في مجالات اختصاصهم. لذا، يُعتبر تنمية المهارات الحياتية جزءًا أساسيًا من تجربة التعليم العالي ومساهمة في تحضير الطلبة للعمل مستقبلا. وفي هذا الصدد، فقد “تبنت العديد من الأنظمة التعليمية تضمين المهارات الحياتية في المناهج الدراسية، باعتبارها من أهم نواتج التعليم الهامة، والمرغوب إكسابها للمتعلمين في أي مرحلة دراسية. لأن المتعلمين يحتاجون لهذه المهارات في جميع مراحل حياتهم، بل وفي جميع شؤونهم اليومية من أجل تحقيق تربية متكاملة ومستدامة”[11].

 ومن أبرز النماذج والأمثلة التي توضح علاقة الطالب بالمهارات الناعمة، نذكر ما يلي:

  • الدورات التكوينية: تساعد على تنمية المهارات الناعمة لدى الطلبة، من خلال تعليمهم مهارات التفكير النقدي والتعلم الذاتي وإدارة الوقت والتواصل الفعَّال والعمل الجماعي.
  • الورشات في المسرح والرسم… والتي تهدف إلى تطوير مهارات الحياة اللازمة للنجاح في الحياة اليومية، وتشمل هذه المهارات الناعمة التواصل الفعال والحلول المبتكرة للمشكلات والعمل الجماعي والإدارة الذاتية والوقوف على الخشبة بدون توتر، وتنمية الحس النقدي والذوق الفني…
  • المشاركة في تنظيم الأيام الدراسية والندوات والمؤتمرات مما يساعد على تنمية المهارات الناعمة لدى الطلبة والشباب، ويشمل ذلك تدريبهم على مهارات القيادة والتفكير النقدي والعمل الجماعي والتعامل مع التحديات.
  • إنجاز ورشات عملية في مجالات مختلفة، بهدف تدريب الشباب على المهارات الناعمة المهمة لريادة الأعمال الاجتماعية، وتشمل مهارات الابتكار والتفكير الإيجابي، وبالتالي تدريب الطلية على تطوير المهارات الناعمة في العصر الرقمي، وتوفير الدعم اللازم لهم لتحسين مهاراتهم الناعمة؛
  • الانخراط في جمعيات المجتمع المدني: تطوير المهارات الناعمة يمكن أن يتم عن طريق الانخراط في الجمعيات، حيث يُمكن للطلبة اكتساب مهارات مثل القيادة، والعمل الجماعي، والتواصل الفعّال من خلال المشاركة في الأنشطة المجتمعية والتطوعية.

هذه المشاريع والبرامج أمثلة على كيفية تنمية المهارات الناعمة لدى الطلبة، وتوضح أهمية هذه المهارات في تحقيق النجاح الشخصي والمهني والاجتماعي خاصة في ظل التحول الرقمي والميول نحو العالم الافتراضي. كما أن هذه البرامج من شأنها أن تحدث التوافق بين المهارات الناعمة والمهارات الصلبة في العصر الرقمي، والتي قد تؤثر على القدرة على التأقلم والنجاح في سوق العمل، و”المشاركة في تحقيق التنمية المستدامة”[12].

إذن، فالتعلم يعتبر عملية مستمرة ومنهجية تتطلب العديد من المهارات الأساس والناعمة لضمان نجاحها، هذا وتشير الأبحاث إلى أن المهارات الناعمة لها أثر كبير على عملية التعلم، حيث تساعد في تعزيز قدرات الطلبة على فهم المواد الدراسية والتعلم بشكل أكثر فعالية. ولهذا السبب، أصبح من الضروري توفير الفرص اللازمة لتطوير المهارات الناعمة لدى الطلبة بتوفير البرامج السالفة الذكر، وذلك عن طريق تدريبهم وتوجيههم في مجموعة متنوعة من المواقف الحياتية التي تستدعي هذه المهارات.

إن المهارات الناعمة تتحدث عن القدرة على التعلم، فعندما يكتسب الطالب مجموعة من المهارات الناعمة، تكون لديه القدرة على التفكير النقدي وحل المشكلات بطريقة فعالة، ويكون قادراً على التواصل بشكل أفضل والتفاعل بشكل فعال مع الآخرين. وتعزز المهارات الناعمة الثقة بالنفس وتساعد على إيجاد الحلول المبتكرة للمشكلات، وهذا يؤدي إلى تعزيز الإنجازات الأكاديمية والمهنية والاجتماعية.

في العصر الحالي، يواجه الأفراد العديد من التحديات التي تعوق تطوير المهارات الناعمة لديهم، ويتسبب في ذلك التطور الرقمي الهائل الذي يشهده العالم. فالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي تؤثر سلبًا على قدرة الأفراد على التواصل الفعال وبناء العلاقات الاجتماعية التقليدية. على سبيل المثال، الاعتماد المتزايد على التواصل الإلكتروني والرسائل النصية قد ينقص من فرص التفاعل الشخصي والتواصل المباشر. وبالتالي، يصبح من الصعب على الأفراد تطوير مهارات التواصل غير اللفظي مثل لغة الجسد وتوجيه الانتباه وفهم العواطف.

علاوة على ذلك، كثرة المعلومات المتاحة عبر الإنترنت قد تؤدي إلى ضياع التركيز وصعوبة التحليل النقدي. فالتكنولوجيا توفر لنا الوصول السريع إلى المعلومات، لكنها تتطلب منا مهارات فرز وتحليل البيانات الهائلة المتاحة بطريقة فعالة ومنطقية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي التطور الرقمي إلى زيادة التوتر والضغوط النفسية. فالتواجد المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي والضغط المستمر للحفاظ على الانتماء الرقمي ومواكبة آخر الأخبار والتطورات يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة العقلية والقدرة على التحمل والتكيف.

الحلول المقترحة لتجاوز هذه التحديات المحتملة

يمكن للأفراد التغلب على هذه التحديات وتطوير المهارات الناعمة اللازمة؛ وذلك عن طريق تحقيق التوازن بين الاستخدام التكنولوجي والتفاعل الشخصي، وتوجيه الجهود لتنمية مهارات التواصل الفعال والتفكير النقدي والتعلم المستمر. كما يمكن استغلال التكنولوجيا لتعزيز المهارات الناعمة، مثل المشاركة في منصات التعليم عبر الإنترنت والتواصل مع الآخرين في بيئات افتراضية تعزز التعاون والتفاعل. ومن المهم أن يكون لدى الأفراد الوعي بأهمية المهارات الناعمة وتطويرها. تأسيسا على ما سبق، نقترح مجموعة من الحلول الممكنة لتجاوز التحديات التي تواجه تطوير المهارات الناعمة في العصر الرقمي…

  • تعزيز التفاعل الإنساني: خلق فرص للتفاعل وجهاً لوجه وبناء العلاقات، مثل الاجتماعات الشخصية والأنشطة الاجتماعية.
  • دمج المهارات الناعمة في التعليم والتدريب: دمج برامج تطوير المهارات الناعمة في المناهج الدراسية وبرامج التدريب المهني.
  • توفير فرص التعلم المستمر: تشجيع الأفراد على المشاركة في برامج التعلم المستمر لتطوير مهاراتهم الناعمة واكتساب مهارات جديدة.
  • استخدام التكنولوجيا لتعزيز المهارات الناعمة: استخدام أدوات وتطبيقات التكنولوجيا لدعم تطوير المهارات الناعمة، مثل منصات التعلم الإلكتروني…
  • قياس وتقييم المهارات الناعمة: تطوير أدوات ومناهج لقياس وتقييم المهارات الناعمة بشكل موضوعي.
  • رفع مستوى الوعي بأهمية المهارات الناعمة: نشر الوعي بأهمية المهارات الناعمة من خلال حملات التوعية وبرامج التثقيف.

الخاتمـة:

إن تطوير وتحسين المهارات الناعمة أمر ضروري للأفراد والمؤسسات للنجاح في العصر الرقمي. يتطلب ذلك التصدي للتحديات التي تواجه تطوير هذه المهارات، مثل الاعتماد المفرط على التكنولوجيا وقلة التفاعل الإنساني وسرعة التغيير. من خلال تنفيذ الحلول المقترحة، يمكن للأفراد والمؤسسات تعزيز مهاراتهم الناعمة وتحقيق النجاح في حياتهم المهنية والشخصية.

كما يجب تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والتواصل الإنساني. ففي زمن الرقمنة المتسارعة، يواجه الأفراد صعوبة في الحفاظ على التواصل الإنساني العميق والمعاناة من الانعزال الرقمي. وتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعية. يحتاج الأفراد كذلك في عصر التكنولوجيا إلى تنمية قدراتهم على التفكير النقدي وإيجاد الحلول المبتكرة للمشاكل التي قد تطرأ في مسارهم المهني. وإدارة الوقت والتركيز في عصر الانشغال الرقمي.

يشكل التشتت الرقمي وزيادة حجم المعلومات التي يتعين معالجتها تحديًا كبيرًا لإدارة الوقت والحفاظ على التركيز الذي يمكن أن يؤثر على فعالية الأداء الشخصي والمهني. وبناء علاقات بناءة في عصر الاتصال الرقمي. لذا يتطلب نجاح الأفراد في العمل والحياة الشخصية القدرة على بناء علاقات قوية وفعّالة، وهذا يمكن أن يكون تحديًا في عالم يهيمن عليه الاتصال الرقمي والتفاعلات السريعة.

ومع تطور هياكل العمل والتفاعلات الاجتماعية عبر الإنترنت، يحتاج القادة إلى تطوير قدراتهم على قيادة الفرق والتواصل بفعالية عبر الوسائط الرقمية. وتوفير التدريب والتعلم المستمر في عصر التغيّر المستمر. كما يتطلب الحفاظ على المهارات الناعمة للأفراد في عالم متغير بسرعة توفير إمكانيات تعليم مستمرة وفرص تدريبية متنوعة تساعدهم على مواكبة التطورات والتغييرات في البيئة المهنية والشخصية والاجتماعية.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

[1] – ليبمان وآخرون، المهارات الناعمة الرئيسية التي تعزز نجاح قوى العمل للشباب: نحو اتفاق عبر المجالات، التواصل بين القوى العاملة، توجهات الأطفال، 2015، ص4.

[2] Clark, V. A & Duwe, G. An Outcome Evaluation of a Prison-Based Life Skills Program: The Power of People. International Journal of Offender Therapy & Comparative Criminology,2015, 59(4), 384-405.

[3] – أحمد، آلاء. ما هي المهارات الناعمة والمهارات الصلبة وأمثلة عليها، استخرجت من الرابط ما هي المهارات الناعمة (soft skills) والمهارات الصلبة (hard skills)، وأمثلة عليهما؟ • emonovo، تم استرجاعه بتاريخ (20/05/2024).

[4] – حلمي خضر ساري، التواصل الاجتماعي: الأبعاد والمبادئ والمهارات، دار كنوز المعرفة، ط 1، الأردن، 2014، ص 19.

[5] – حلمي خضر ساري، مرجع سابق، ص 331.

[6] – أنطوني وليام بيتس، التعليم في عصر رقمي، خطوط إرشادية لتصميم التعليم والتعلم، منشورات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2020، ص 16.

[7] – حسن نعمة، مهارات إدارة الوقت وعلاقتها بجودة الحياة لدى طالبات كلية التربية، مجلة كلية التربية، جامعة الدمام، ج 1، 2015، ص 55.

[8] – Dennis A. Hawver, How To Improve Your Negotiation Skills, New York, Alexander Hamilton Ins, 1982, p 34.

[9] – حلمي خضر ساري، مرجع سابق، ص 339.

[10]  أمينة بودردابن، “التعليم والمهارات الحياتية”، مجلة العلوم الإنسانية: جامعة منتوري قسنطينة، 2020، ص:221-230، بتصرف.

[11]  سالم بن حميد الغامدي، المهارات الحياتية رؤية إسلامية تربوية تطبيقية، الطبعة الأولى، مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر.2011، ص10، بتصرف.

[12] – بيرني تريلنج، تشارلز فادح، ترجمة: بدر عبد الله صالح، مهارات القرن الواحد والعشرين، التعلم في زماننا، النشر العلمي والمطابع، جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية،2013، ص: 11.

Scroll to Top