التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي:
تحديات أخلاقية مهمة تستدعي تشريعات وقوانين مناسبة

د. جمال فوزي

باحث في القانون العام
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق
وجدة، المغرب

ملخص

ساهم التطور المعرفي والتكنولوجي في التأثير بشكل كبير في تطور الحياة الإنسانية، وقد كان للتحول الرقمي النصيب الأكبر في ذلك؛ إذ أدى إلى تطبيق التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية قصد تجويد العمليات والخدمات وتحسين التفاعل بين أفراد المجتمع والمؤسسات عبر التقنيات الرقمية المتطورة. ويشكل التحول الرقمي تحديًا كبيرًا من أجل التأقلم مع التغيرات التكنولوجية السريعة والاستفادة من الفرص العديدة التي تتيحها. أما الذكاء الاصطناعي، فهو يهتم بإنشاء أنظمة معلوماتية ذات ذكاء مماثل للذكاء البشري أو يفوقه. إذ يعتمد على تقنيات الحوسبة والتعلم الآلي لتمكين هذه الأنظمة من تنفيذ مهام كثيرة في وقت وجيز؛ مثل التعلم السريع، التفكير، حل المشكلات، اتخاذ القرارات… تشمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الروبوتات، نظم التحكم الذكي، تحليل البيانات الضخمة، تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الصناعة والطب والتعليم وغيرها من المجالات.

Abstract

The cognitive and technological development has contributed significantly to the development of human life, and digital transformation has had greatest impact in this regard; It has led to the application of digital technology in all aspects of economic, social, political and cultural life to improve processes and services and enhance interaction between members of society and institutions through advanced digital technologies. Digital transformation is a major challenge to adapt to rapid technological changes and take advantage of the many opportunities they offer. Artificial Intelligence (AI) is interested in creating information systems that are as smart as or above human intelligence. It relies on computing and machine learning techniques to enable these systems to perform many tasks in a short time; Like fast learning, thinking, problem solving, decision making… AI applications include robots, smart control systems, big data analysis, AI applications in industry, medicine, education and other fields.

مقدمة

لقد أصبح التحول الرقمي حاضرًا بشكل شامل في جميع مجالات ومناحي الحياة، مما جعله محركًا أساسيا لمجتمعاتنا الانسانية. وقد ظهرت شركات كبيرة ذات بُعدٍ دولي تُعنى بالتكنولوجيا الرقمية والتحول الرقمي، وتُقدم خدماتٍ ومنتجاتٍ ومنصاتٍ؛ تصل قيمتها السوقية والمالية إلى مستويات ضخمة وهائلة، تفوق في بعض الأحيان قيم بعض الشركات العملاقة[1] في قطاعات صناعية أخرى، بل حتى ميزانيات دول بأكملها.

تعتبر هذه الشركات الكبيرة المتخصصة في التكنولوجيا والتحول الرقمي من أهم رافعات التحول الرقمي في المجتمعات اليوم. فهي تقدم حلولاً تقنية مبتكرة تؤثر بشكل كبير على طريقة تفكيرنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا ونمط عيشنا. وتؤدي هذه الشركات أيضا دورًا حيويًا في بناء المستقبل وتحديد اتجاهات التكنولوجيا واستخدامها في جميع جوانب حياتنا اليومية[2].

وأمام هذا التطور الكبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، أصبح من اللازم على الدول الحديثة اتخاذ إجراءات محددة من أجل الاستفادة من الفرص المتاحة وتجاوز التحديات والعقبات التي قد تكون في وجه تنمينها. وفي هذا الإطار نفذ المغرب العديد من الاستراتيجيات والبرامج لتسريع تحوله الرقمي؛ مثل “المغرب الرقمي 2013”[3] و”المغرب الرقمي 2020″، بالإضافة إلى تبني استراتيجية جديدةٍ للتحولِ الرقميّ في أفقِ سنة 2030. كما أنشأ هيئات متخصصة في هذا المجال مثل وكالة التنمية الرقمية واللجنة الوطنية لمراقبة حماية البيانات الشخصية.

وفي سياق التحول الرقمي الذي عرفه المغرب، شهدت العديد من المبادرات النور، مثل بوابة “إداراتي” للإجراءات الإدارية، ودفع الضرائب والرسوم عبر الإنترنت، والشباك الوحيد ومنصة تتبع نظام « AMO »، وبوابة “شكاية” « Chikaya »، والهوية الرقمية، وبوابة الخالة المدنية، وبوابة السجل الاجتماعي الموحد، ومنصة « telmidtic » (التعليم عن بعد)، والبريد الوارد الرقمي. كما تم إرساء مشاريع عديدة تَهدف إلى رَقمنَة قطاع الصحةِ والحمايةِ الاجتماعية وغيرها من المبادرات الخدماتية العامة الرقمية[4].

ومما لا شك أن هذه البرامج والمبادرات ساهمت في مساعدة المواطنين على تحمل أعباء التنقل إلى الإدارات العمومية. كما سمحت التحولات الرقمية لعدة قطاعات حيوية بمواصلة أنشطتها على الرغم من القيود المفروضة بسبب حالات الطوارئ الصحية التي شهدتها المملكة إبّان جائحة كورونا[5]، وخلال طيلة أيام الأسبوع ولمدة 24 ساعة كاملة.

جدير بالذكر فإن التحول الرقمي يهدف إلى تطبيق التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية من أجل تحسين الخدمات المقدمة للمجتمع وضمان تفاعل مثمر بين الأفراد والمؤسسات باستخدام التكنولوجيا الرقمية مثل الإنترنت وما يرتبط بها من الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والمعطيات المعلوماتية الضخمة[6]. ويشكل هذا التحول الرقمي تحديًا كبيرًا للشركات والمؤسسات وأفراد المجتمع للتكيف مع التغيرات التكنولوجية السريعة التي تحدثها والاستفادة من الفرص الجديدة التي تقدمها[7].

كما يهتم الذكاء الاصطناعي بإنشاء أنظمة معلوماتية تُعتبر ذات ذكاء مماثل للذكاء البشري أو يفوقه. فهو يعتمد على تقنيات الحوسبة والتعلم الآلي السريع، ونظام حل المشكلات الأوتوماتيكي، وسرعة اتخاذ القرارات. وتشمل تطبيقاته عمل الروبوتات الآلية، وأنظمة التحكم الذكي، وتحليل البيانات الضخمة، والعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعمول بها في الصناعة والطب والتعليم وغيرها من المجالات[8].

ويثير كل من الانتقال الرقمي والذكاء الاصطناعي قضايا أخلاقية مهمة تتطلب منا مراقبة دقيقة؛ إذ أن هذه التقنيات تؤثر بشكل عميق على مجتمعاتنا واقتصادنا وأساليب حياتنا. لذلك نجد أن أسئلة أخلاقية أساسية تفرض ذاتها، من قبيل حماية خصوصية الأفراد، وشفافية الخوارزميات المستعملة في الانتقاء، والمسؤولية عن القرارات التلقائية المتخذة من طرف الآلات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وتأثير ذلك على التوظيف ومهارات البشر…[9]

ونشير إلى أن إحدى أهم القضايا الأخلاقية الرئيسية التي يطرحها الانتقال الرقمي والذكاء الاصطناعي هي حماية الخصوصية. ومع ما يوفره جمع المؤسسات الخصوصية والعمومية والحكومات للبيانات والمعطيات الشخصية، من كم كبير من المعلومات الشخصية، أصبح من الضروري ضمان استخدام هذه البيانات بطريقة أخلاقية وآمنة، وضمان سيطرة الأفراد على بياناتهم الخاصة.

وتنضاف قضية أخرى مهمة من الناحية الأخلاقية وهي شفافية الخوارزميات؛ إذ أن القرارات التي تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حياة الناس ومما قد يؤدي إلى إقرار قرارات تمييزية منحازة في مجالات مثل التوظيف أو الإسكان أو القروض، لذا من الضروري فهم كيفية اتخاذ هذه القرارات وضمان أنها غير تمييزية أو متحيزة.

كما تُطرح في هذا الصدد المسؤولية القانونية عن القرارات التلقائية بحدة؛ إذ نتساءل معكم: من المسؤول القانوني حين ترتكب أنظمة الذكاء الاصطناعي المستعملة مثلا في الميدان الصحي أخطاء أو تتسبب في أضرار أو في وفاة؟ كيف يمكن ضمان أن القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة هي عادلة وصحيحة؟

ولا يمكن إغفال تأثير الذكاء الاصطناعي على مجريات التوظيف وكيفية انتقاء مهارات البشر وما لذلك من تأثير نوعية البروفيلات المطلوبة. إذ بالطريقة نفسها التي يمكن أن تحسن هذه التقنيات الكفاءة والإنتاجية، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى فقدان العديد من الوظائف التي تتطلب مهارات جديدة ليست متاحة للجميع.

إذا كان الانتقال الرقمي والذكاء الاصطناعي يتيحان العديد من الفرص للمجتمع الدولي المتعدد الأطراف ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية التي عملت على إصدار جملة من التشريعات الهادفة إلى تأطير وتنظيم هذه التكنولوجيات الجديدة، فإنه في المقابل يثيران أيضًا تحديات أخلاقية مهمة يجب معالجتها بشكل فعال لضمان استخدام تلك التقنيات بشكل أخلاقي ومفيد للمجتمع بأسره (أولا). لكن إلى أي مدى كانت هذه التشريعات كافية؟  وإلى أي حدٍّ استطاعت أن توازن بين التحول الرقمي وبين حماية الحقوق والقيم الأساسية؟ (ثانيا).

أولا: فرص وتحديات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي أمام التشريعات والسياسات القانونية

يشغل التحول الرقمي مكانة متزايدة، سواء في حياة الأفراد أو داخل المؤسسات. وقد قطع خلال السنوات الأخيرة، شوطًا كبيرًا وأصبح قادراً اليوم على تنفيذ مهام متنوعة ومعقدة بشكل متزايد. وتقدمت بعض مظاهر هذا التحول بسرعة مذهلة وفتحت آفاقا لم نكن نتصورها قبل عقدين من الزمان تقريبًا. وإن اُعتُبِر هذا مصدراً للتقدم؛ إلا أنه يثير العديد من التساؤلات والتخوفات من الناحية الأخلاقية. ومع توالي استخدام تقنيات المعلوميات والاستفادة من سرعة تحليل البيانات الضخمة، يشهد الذكاء الاصطناعي تقدمًا لا مثيل له. تعمل هذه التقنيات على تحسين الخدمات الصحية والمهنية والتجارية بشكل كبير بالإضافة إلى مجالات أخرى يشكل فيها تحليل البيانات والتأليف الآلي وتحسين اتخاذ القرار قيمة مضافة[10].

لا توجد طريقة واحدة للتحول الرقمي، وكل بلد يحدد سياساته واستراتيجياته استنادًا إلى واقعه وطموحاته ورؤيته المستقبلية لمشاريعه الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى الوسائل المتاحة لديه والتي يمكنه توظيفها والاستعانة بها في تنفيذ مشاريع الانتقال الرقمي[11].

في المغرب، من الضروري التأكيد على أهمية إدماج هذه التطورات والتقنيات التكنولوجية في منظومة التدبير والتسيير لتحديث الإدارات العمومية والقطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، وتطوير صناعة رقمية تعتمد على مجالات تكنولوجية محددة، تُدعمها شركاتٌ ومؤسساتٌ وطنية[12]. ومن المهم أن نؤكد على أهمية استخدام التقنيات الرقمية في هذه المؤسسات كوسيلة لتحقيق أداء اقتصادي فعال[13].

والمغرب لا يمكن أن يبقى بعيدا عن مثل هذه التحولات العميقة التي تَحدُث في كل مكان من هذا العالم. وسيكون، وبدون أدنى شك، تأثير لمثل هذا التحول الرقمي على مختلف العمليات الاجتماعية والاختيارات المتعلقة بكيفيةٍ تُوافق مختلف المعايير والمبادئ والقيم التي تشكل نموذجاً للمجتمع، والذي بدوره يجب على ثقافته أن تتبنى هذه التحولات[14]. هذا يعني أنه على الرغم من تطور التكنولوجيا بسرعة وبشكل متسارع، إلا أن الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية من جانبها تتطور بشكل تدريجي لا ترقى إلى السرعة المطلوبة. وبالتالي، فإنها غالبا ما تتأخر في التكيف واستيعاب الابتكارات التي تقدمها الثورة الرقمية. وبناءً على ذلك، فإن التقدم التكنولوجي لا يترجم على الفور إلى تقدم اجتماعي واقتصادي[15].

وبالرغم مما تُظهره التقنيات الرقمية من إمكانية تحسين السياسات العامة من خلال اقتراح وبلورة تصميم أكثر ابتكارًا، وتقييم أكثر دقة للسياسات الحالية، وزيادة تشاركية المواطنين في ذلك، سواء على المستوى الاقليمي أو الوطني. ومع ذلك، تعتمد فعالية تبني هذه التقنيات ونجاحها على استعداد وقدرة الإدارات على دمجها، فضلاً عن حل مشاكل الخصوصية الفردية والأمن الرقمي[16].

يذكر أنه في القطاع العام، تسمح الأجهزة الاستشعارية والبيانات المتاحة بمتابعةٍ أكثرَ مباشرة لنتائج الإجراءات المتخذة، مما يُسهِّل الامتثال للقواعد القائمةِ وتوجيهٍ التدخلات بدقة أكبر وبتكلفة أقل. على سبيل المثال، في المجال المالي، تساعد إمكانية متابعة تدفقات الأموال بدقة في ضمان امتثال التنظيمات المالية للتعليمات الادارية وإدارة أفضل للمالية العامة للشركات والمؤسسات العمومية[17]. في المجال الزراعي، تمكن التحليلاتُ عن بُعد والتَّعدادُ الرقمي للأراضي الفلاحية الدولَ والحكومات من تقديم الدعم المباشر للمزارعين المستحقين وضمان الامتثال لقواعد الزراعة المستدامة. وفي مجال التعليم، سمحت إمكانية تتبع التلاميذ على مدار مسار تعليمهم لبعض البلدان بالكشف عن أن العمل والممارسة في بعض المؤسسات الدراسية لا يتماشى مع النظريات التعليمية والمناهج لتربوية المعتمدة، مما دفعها إلى تجربة واعتماد مسارات تعليمية جديدة[18].

وبصفة عامة فإن الإدارة الرقمية تكتسب قوة أكثر فأكثر في المغرب، وتشير التجربة القصيرة المعتمدة إلى أنه، على غرار تحول الشركات إلى العالم الرقمي، فإن الانتقال الناجح إلى الإدارة الرقمية الناجحة يتطلب استثمارات إضافية وإعادة تنظيم العمليات والخدمات الإدارية من جديد. ويمكن أن يؤدي الاعتماد المتزايد على الإدارة الرقمية إلى تحسين إنتاجية القطاع العام وعالم الأعمال[19]. ويمكن تفسير هذا التأثير بحقيقة أن الإدارة الرقمية تعزز تطوير المهارات الرقمية في السكان، وتشجع الشركات على اعتماد التقنيات الرقمية لتسهيل تفاعلاتها مع السلطات العامة وتساعدها في تحسين خدماتها من خلال وصول أفضل إلى البيانات وتعزيز تفاعلات أفراد المجتمع مع مؤسسات الدولة[20].

ولكن يعترض هذا التحول الرقمي العديد من التحديات؛ إذ أن تزايد دقة البيانات وحجمها الكبير ومشاركتها بين أكثر من مؤسسة وتعاظم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، قد يؤدي إلى مشاكل في استتباب الأمن الرقمي وفرض تساؤلات مشروعة بشأن حماية الخصوصية الشخصية للأفراد.

وإذا كانت هذه التحديات المتعلقة بتطبيق التكنولوجيا الرقمية تمس على حد سواء القطاعين العام والخاص، فيمكن التأكيد على أنها تكون أكثر حدة عندما تتعلق بالقطاع العام، لأن هذا الأخير يمتلك معلومات وبيانات أكثر شخصية وَدِقَّة حول الأفراد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدم كفاية البنية التحتية العامة التي قد تكون ضرورية لربط مصادر البيانات المتباينة تشكل عائقاً كبيراً. ومن جهة أخرى، فإنه إذا كان ضمان المزيد من البيانات والمعطيات يؤدي عموماً إلى تحسين السياسات العمومية المتبعة، فإن هذا التوافر لا يشكل علاجاً لكل مشكلة قد تُطْرح، ويترافق ذلك مع وجود أخطار يجب التعامل معها بحذر؛ إذ أنه في بعض الحالات، يجب أن نكون حذرين من توفر كمٍّ هائل من البيانات. ونتيجة لذلك، فإن القطاع العام لم يعتمد هذه الأدوات الجديدة بنفس القدر الذي اعتمده القطاع الخاص. وقد يكون التحدي الرئيسي هو تعميم الممارسات الرقمية الجيدة ضمن المؤسسات العمومية الوطنية والتعاون بين القطاعين العام والخاص من أجل تسريع وثيرة الاستفادة من التحول الرقمي[21].

وبالرغم من الاهتمام الكبير من قبل القطاع العام بالتطورات التكنولوجية وسعيه جاهداً إلى تنزيل التحول الرقمي على جميع مؤسساته التي تهدف إلى تحسين الخدمات والأداءات، وربما السعي وراء تحقيق الربح وكسب الوقت، إلا أنه ما يزال يعاني من نقص في التشريعات، وحتى لو تم اقتراح بعض القوانين، غير أن التقدم السريع الذي يعرفه هذا المجال يجعل هذه التشريعات المستقبلية تتقادم بسرعة.

وقد صدرت العديد من التشريعات والقوانين التي تهدف إلى تحديد إطار عمل قانوني مناسب لتنظيم التكنولوجيات الجديدة والتحول الرقمي، وتحد من السلبيات وتعزز الجوانب الإيجابية وضمان حماية خصوصية المستهلكين وتحديد كيفية جمع واستخدام البيانات الشخصية.

تعتبر اللائحة العامة لحماية البيانات [22] (RGPD) Règlement général sur la protection des données من أبرز القوانين في مجال حماية البيانات الشخصية، حيث تمنح المستهلكين حقوقاً واضحةً. كما تفرض هذه اللائحة على الشركات والمؤسسات الالتزام بمعايير صارمة لحماية البيانات والإبلاغ عن انتهاكات البيانات، وهي تشير إلى قانون حماية البيانات الشخصية الذي تم اعتماده في الاتحاد الأوروبي. فقد تم اعتماد هذا القانون لحماية خصوصية المواطنين الأوروبيين وتحديد كيفية جمع ومعالجة وتخزين المعطيات الشخصية. كما يضمن GDPR حقوقًا للأفراد تشمل الحق في الوصول إلى بياناتهم الشخصية، والحق في تصحيحها، والحق في حذفها، وحق نقل البيانات، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات والمتطلبات التي يجب على الشركات والمؤسسات الالتزام بها عند معالجة البيانات الشخصية [23].

وتعد توجيهات الاتحاد الأوروبي (Network and Information Security NIS Directive) إطاراً قانونياً مهماً لتحسين الأمن السيبراني في الاتحاد الأوروبي[24]. والتي تهدف إلى تعزيز الأمن في القطاعات الحيوية للبنيات التحتية بكل أنواعها، مثل الطاقة والنقل والصحة والتعليم والخدمات المالية، من خلال تعزيز قدرة الدول الأعضاء على التجاوب السريع للأمن السيبراني وتقليل تأثير الحوادث السيبرانية التي قد تحدث في أي لحظة. ويفرض هذا النظام (NIS) من الدول الأعضاء اتخاذ تدابير لضمان الأمن السيبراني للمؤسسات الحيوية والاستراتيجية التابعة لها، بما في ذلك تطبيق إجراءات الوقاية والاستجابة وتبادل المعلومات السيبرانية من أجل تعزيز استقرار البنية التحتية الحيوية في الاتحاد الأوروبي وضمان استمرار تقديم مختلف الخدمات الحيوية للمواطنين[25].

وينضاف إلى ذلك مجموعة من القوانين والتشريعات التي تتطلبه حماية خصوصية التلاميذ والطلبة والمعلمين والموظفين في مجال التعليم عبر الإنترنت، وتنظيم كيفية جمع واستخدام البيانات الشخصية، وتعزيز التعلم عن بُعد بما في ذلك توفير البنية التحتية اللازمة وتوفير الدعم التقني والتدريب للمعلمين وسن تشريعات تهدف إلى تنظيم استخدام التكنولوجيا في التوظيف وضمان عدم وجود تمييز غير مبرر. وهذا بلا شك قد يساهم في تنظيم وتوجيه التكنولوجيا الرقمية والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والتحليلات الضخمة للبيانات وغيرها من التكنولوجيات الجديدة نحو الاستفادة القصوى منها، والحد من السلبيات المحتملة التي قد تعتريها.

في المغرب، هناك عدة تشريعات وقوانين تهدف إلى تنظيم التكنولوجيا الجديدة والتحول الرقمي وتعزيز الجوانب الإيجابية لها. ويأتي القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي الذي صدر في 2009[26]، في إطار حماية الأفراد من الاستعمال التعسفي للمعطيات التي من شأنها انتهاك خصوصياتهم ومواءمة النظام القانوني المغربي المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي مع نظام شركائه الأوروبيين. وبالإضافة إلى ذلك، تم بموجب هذا القانون، إحداث اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. وصدر أيضا مرسوم تطبيقي[27] لهذا القانون.

ويهدف قانون رقم 43.20[28] في المغرب إلى تحديد النظام المطبق على خدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية ووسائل التشفير وتحليل الشفرات، بالإضافة إلى تنظيم عمليات مقدمي خدمات الثقة والقواعد التي يجب عليهم الالتزام بها، وكذلك أصحاب الشهادات الإلكترونية. يأتي هذا القانون في إطار تعزيز الثقة في المعاملات الإلكترونية السائدة وتشجيع استخدام التكنولوجيا الرقمية في البلاد. يعكس هذا القانون جهود المشرع المغربي في مجال تطوير التشريعات التي تسهل وتحمي المعاملات الإلكترونية، وتعزز الثقة في البيئة الرقمية.

وقد تم إعداد مرسوم تنفيذي[29] لتطبيق القانون السالف الذكر رقم 20-43 في إطار تنظيمي يهدف إلى تعزيز استخدام خدمات الثقة الإلكترونية وتحديد القواعد المطبقة عليها وفقًا للمعايير الدولية. يأتي هذا المرسوم تنفيذاً للتوجيهات السامية لتطوير الحوكمة الرقمية وتحسين الخدمات الإلكترونية المقدمة للمواطنين[30]. من خلال تحديد إطار تنظيمي محكم، وبهدف توجيه الجهود نحو تحقيق التكامل الرقمي في الإدارة العامة وتعزيز الثقة في استخدام التقنيات الرقمية. كما يسعى المرسوم إلى تعزيز الاستقرار والأمان في البيئة الرقمية من خلال تطبيق معايير دولية وضمان توافق التشريع المحلي مع المعايير العالمية في مجال الأمان السيبراني.

هذا المجال الذي ينظمه القانون رقم 05.20[31] والذي يهدف أيضًا إلى تعزيز أمن أنظمة المعلومات في القطاع العام والمؤسسات العمومية، وذلك من خلال وضع إطار قانوني يحدد الإجراءات اللازمة لحماية البيانات والمعلومات الحساسة، وتنظيم استخدام التكنولوجيا والأنظمة المعلوماتية في هذه الجهات. يهدف القانون أيضًا إلى تحسين إدارة المعلومات وضمان سلامتها وسريتها، وتحقيق توازن بين استخدام التكنولوجيا لتحقيق الفعالية والحفاظ على حقوق الأفراد في الحصول على المعلومة[32] وعلى خدمات آمنة وموثوقة؛ وقد تم تفصيل ذلك في المرسوم التنفيذي[33] لهذا القانون.

هذه التشريعات والقوانين تشكل إطارًا قانونيًا لتنظيم التكنولوجيا الجديدة والتحول الرقمي في المغرب، وتُعزز الجوانب الإيجابية لها من خلال توفيرِ بيئةٍ مناسبةٍ للنمو والتطور التكنولوجي[34].

يمكن التحول الرقمي من تحقيق فوائدٍ كبيرةٍ، مثل تحسين الخدمات العامة، وتعزيز التفاعل بين الحكومات والمواطنين، وتحسين كفاءة العمليات والخدمات الحكومية. ومع ذلك، هناك أيضًا تحديات ومخاطر قد تظهر في أي لحظة[35]، وتتعلق بخصوصية المعطيات الشخصية للأفراد وأمانها، وتأثير التكنولوجيا على سوق العمل. لذا، من المهم أن يكون هناك تشريعات وقوانين- كما أشارنا إلى ذلك في السابق- تُحدث توازنا بين استخدام التكنولوجيا للتقدم الاجتماعي والاقتصادي، وضمان حقوق الأفراد في المجتمع. لكن إلى أي حدٍّ استطاعت هذه التشريعات أن توازن فعلا بين هذا التحول الرقمي المهول الذي يعرفه المغرب وبين حماية الحقوق والقيم الأساسية؟

ثانيا: إلى أي حدٍّ استطاعت التشريعات أن توازن بين التحول الرقمي وبين حماية الحقوق والقيم الأساسية؟

أمام الحاجة المتزايدة للمعلومات والاتصالات وبعد توغل ما يُعرف اليوم بـ”ثورة وسائل الإعلام والاتصالات”، وانتشار التكنولوجيا الجديدة في هذا المجال على نطاق عالمي، وأمام التحول الرقمي المهول الذي صاحبه انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي، تُطرح تساؤلات جديدة في الوقت الحاضر تتركز حول المبادئ والقواعد القانونية التي ستنظم هذه الوسائل الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، نجد أنفسنا أمام جدل كبير يتصادم فيه أنصار مبدأ الحرية، الذين يتبنون رؤية ليبرالية عالمية للمعلومات والاتصالات، مع أنصار تقييد هذا المبدأ، الذين يتبنون رؤية وطنية ومحافظة تجاه البيانات والمعطيات.

ويتعلق أحد القضايا الأخلاقية المهمة المرتبطة بتطوير الذكاء الاصطناعي حوكمة البيانات. فبالفعل، تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تستخدم التعلم الآلي على كمية هائلة من البيانات لتدريب خوارزمياتها[36]. وبالتالي، أصبحت البيانات موارد ثمينة ومرغوبة من قبل مختلف الجهات العامة والخاصة. ومما لا شك فيه فإن العديد من القضايا الأخلاقية ترتبط بطبيعة هذه البيانات ذاتها، وكيفية جمعها، وتخزينها، واستخدامها، ومشاركتها[37]. على سبيل المثال، هل يمكننا القول إن شخصًا قد وافق بشكل حر وعقلاني على استخدام ومشاركة بياناته الشخصية لأنه وضع علامة، وبسرعة، على خانة من أجل الوصول إلى تطبيق محمول؟

تُثار أسئلة أخلاقية أخرى مباشرة حول أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها أو نشرها في بعض المؤسسات. يمكننا أولاً أن نسأل عن الأهداف التي تسعى إليها هذه الأنظمة. فعلى الرغم من أن كل تقدم تكنولوجي ليس بالضرورة مرغوب فيه في كل سياق، وأن فتح أبواب جديدة ليس يعني بالضرورة أنه يجب علينا استكشافها[38]. على سبيل المثال، لنستحضر مشروع استنساخ الجنين البشري: على الرغم من أننا نعلم أن هذا ممكن علمياً، إلا أن مجتمعنا قرر، بناءً على مختلف الاعتبارات الأخلاقية، أن هذا التطور ليس مرغوبًا فيه بتاتا. يمكن تطبيق نفس المنطق على بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي قد لا تتوافق مع رؤيتنا للمصلحة العامة أو التقدم الاجتماعي بالرغم من أنه يمكن تنفيذها.

بالإضافة إلى ذلك، حتى لو تم تطوير العديد من التقنيات المعلوماتية بنزاهة، قد تُظهر بعضها إمكانية للاستخدام الضار أو غير الأخلاقي. على سبيل المثال، تشكل الروبوتات القاتلة القابلة للبرمجة عبر تسليح مبني على الذكاء الاصطناعي تهديدًا للحياة البشرية[39]. يمكن أيضًا أن يسبب الاستخدام المزدوج لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة مشكلة عويصة؛ على سبيل المثال، في سياق جائحة COVID-19، تعرضت تطبيقات تتبع حالات الإصابة بالفيروس والمرتبطة بتتبع اتصالات الأفراد من خلال تحديد مواقع هواتفهم المحمولة، لمناقشات مستفيضة في العديد من البلدان، حيث يتساءل المشرعون ليس فقط عن فوائدها الفعلية، ولكن أيضًا عن أخطار وانحرافات استعمالها.

وهناك أمر مهم جدًا في سياق الذكاء الاصطناعي مرتبط بقطاع الصحة؛ فإذا حدث خطأ ناتج عن قرار اتخذه محترف في مجال الصحة بدعم من نظام ذكاء اصطناعي، مثل اختيار علاج أو دواء معين للوصف، سيصبح من الصعب تحديد من يتحمل المسؤولية القانونية عن هذا الخطأ. هل هو المحترف في مجال الصحة، أم النظام الذكاء الاصطناعي نفسه الذي ساعده، أم الأفراد المشاركين في تطويره، أم الشركة التي قدمته إلى السوق؟

إن تفويض المسؤولية القرارية والأخلاقية بالكامل إلى الآلات المعتمدة على أنظمة الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا أخلاقيًا يعيشه المجتمع ويواجه الدول. هل نحن مستعدون لقبول أن تحل هذه الآلات، في بعض السياقات، محل اتخاذ الأفراد لمجموعة من القرارات؟ وكيف سنترك السيارات الذاتية القيادة أن تتحكم في القرارات المتعلقة بحياة وموت المشاة وراكبي الدراجات الهوائية أو سائقي المركبات الأخرى؟ وهل ستكون الروبوتات المرافقة قادرة على الحكم في المواقف التي تستحضر بعدًا أخلاقيًا؟ هذه جملة من القضايا والتساؤلات التي لم تجد بعد أجوبة لها.

وينضاف إلى هذه المخاوف والانحرافات الثقة في هذه التكنولوجيات وقبولها اجتماعيًا[40]. بالتالي، فإن الثقة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أمر لا غنى عنه لقبولها من قبل مختلف الفئات في مجتمعاتنا، سواء كانوا محترفين أو مديرين أو صناع قرار أو مستخدمين أو كانوا محكومين أو حكاما. إذا كان الجمهور يشعر بالحذر أو لا يفهم كيفية عمل التكنولوجيا، فقد يرفضها، مما سيؤدي بالضرورة إلى تقليل استخدامها وعدم قبولها والتخوف منها[41].

ويُذكر أن بعض هذه التكنولوجيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تعتمد على التعلم الآلي والسريع وتُحاكي الذكاء البشري، تتميز بما يسمى بظاهرة “الصندوق الأسود”: فمن الصعب أحيانًا فهم وتفسير كيف وصل نظام معين إلى اقتراح قرار بعينه[42]. ومع ذلك، لأن كلما كان هذا النظام أقل شفافية، كلما كان المستخدمون أقل ولاءً له وأقل رغبة في قبوله. في النهاية، قد تجد الدول أو الشركات أنفسها قد استثمرت في تكنولوجيات مكلفة ومتطورة، ستضطر في الأخير إلى التخلص منها بسبب عدم قبولها اجتماعيًا[43].

علاوة على ذلك، ونظرًا لأن تعلمها يعتمد على بيانات وقرارات بشرية تكون أحيانًا غير مثالية، فإن هذه الأنظمة قد تكرر وتكرس انحيازات معينة على حساب بعض الفئات المهمشة. وهذا ما يعرف بـ “التمييز الخوارزمي”[44].

ومن ناحية أخرى، تُثار تساؤلات مهمة حول تأثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتشغيل الآلي على سوق العمل، حيث قد تؤدي هذه التطورات إلى اختفاء أو فقدان الملايين من الوظائف في جميع القطاعات الحيوية. وهذه الثورة الحقيقية ستستدعي تحولًا عميقًا في المهام والأدوار وهوية بعض المهن الاحترافية، وستستلزم منا تفكيرًا في تطوير العمل وطرق الانتقاء المعتمدة.

نذكر أيضًا تأثيرات تطوير الذكاء الاصطناعي على البيئة؛ فنظرًا للكمية الهائلة من الطاقة المستخدمة في تدريب خوارزميات التعلم الآلي، بالإضافة إلى البنية التحتية اللازمة لدعم تطويرها وتخزين البيانات. هذه العوامل تزيد من التأثير البيئي لتقنيات الذكاء الاصطناعي.

علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على التكنولوجيا وتنزيل العمل بالتحول الرقمي في العديد من الإدارات التي تتميز بكونها قادرة على العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ولا تتطلب رواتب أو ظروف عمل معينة؛ كل هذا قد يدفع الدول إلى استبدال الموظفين والعمال بالآلات[45]. مما يعني أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستطرح تحديات جديدة تتعلق بكيفية تغييرها لسوق العمل والوسائل التي سنستخدمها للتكيف مع هذه التحولات، وهي تساؤلات وتحديات لا يزال من الصعب الإجابة عليها.

خاتمة

من الواضح أن التحول الرقمي يؤثر على جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بتأثيرات معقدة ومترابطة، تؤثر بدورها على بلورة السياسات العامة في العديد من المجالات. ونتيجة لذلك، تتلاشى الحواجز بين مختلف القطاعات وتختفي الحدود الجغرافية. لذا فمن الضروري تعزيز التعاون والتنسيق على الصعيدين الوطني والاقليمي وإعادة التفكير في طرق صياغة وتنفيذ هذه السياسات.

 ومن أجل تحقيق الفرص الكاملة التي يوفرها التحول الرقمي والتصدي للتحديات المرتبطة به من جهة، ولدعم بلورة وصياغة السياسات في عصر الرقمنة من جهة أخرى، أصبح من الضروري معرفة نسبة التحول الرقمي في المؤسسات وتأثيره، خاصة فيما يتعلق بمجموع البيانات والمعطيات ومدى تدفقاتها، ودرجة ثقة المواطنين بهذا التحول. هذا سيساعد على تعزيز الابتكار في العمل، وتحسين كفاءته وفعاليته، وإجراء تقييم دقيق لتأثيره، وجعل المواطنين والشركاء يشاركون فيه على نطاق واسع. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السلطات العمومية أن تولي المزيد من الاهتمام لموضوع حماية الخصوصية والأمان وضمان حقوق الملكية الفكرية.

إلى جانب ذلك، يتجاوز الإنترنت الحدود الوطنية ويشوش على مفاهيم المكان والمسافة والإقليم، مما يجعل من الضروري تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، الذي يعتبر شرطًا أساسيًا لتحقيق عملٍ متعددِ الأطراف وفعال في العديد من المجالات.

يجب أيضًا أن نأخذ في الاعتبار تأثير التحول الرقمي على مجموعة من الوظائف والمهارات. إذ من المهم تعزيز استخدام التكنولوجيا لتحديد المهارات المطلوبة وربطها بالفرص المتاحة، بالإضافة إلى دعم وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتصميم وإعداد مبادرات جديدة تُسهل التحول المهني. ينبغي أيضًا توفير بيانات أكثر شمولًا لتحديد نهج أكثر فعالية (على سبيل المثال، فيما يتعلق بتحديات إعادة توجيه القوى العاملة، وتوفير التعلم مدى الحياة، والحصول على بيانات متعددة تمكن من تطوير المهارات وخلق وظائف جديدة).

يجب أيضًا تقليل الفجوات الرقمية بين الأفراد المرتبطة بالسن والمستوى التعليمي والجنس والدخل والإعاقة والموقع الجغرافي، التي تستمر داخل البلدان وبينها. لضمان أن تكون العملية التحولية شاملة، من الضروري معالجة هذه الوضعية من خلال تنفيذ سياسات تضمن للجميع الوصول إلى خدمات الإنترنت عالية السرعة بتكلفة معقولة.

ولكن بالرغم من كل ما سبق، تُطرح دائما العديد من الأسئلة من قبيل: كيف يمكن التأكد من استخدام هذه التقنيات بشكل صحيح وتجنب المسارات الخاطئة المحتملة؟ وكيف يمكن تقليل المخاطر المحتملة دون المساس بتطور ونمو الشركات؟ وكيف يمكن تعزيز ثقة المواطنين في الذكاء الاصطناعي واستخدامه من قبل الشركات؟ في مثل هذا السياق، أصبح موضوع الأخلاق أمرًا لا بد من طرحه. إذ لا بد من التذكير أن الأخلاق هي التي تدفع الفرد والمجتمع معا إلى التفكير في تفضيلاتنا واختياراتنا وسلوكياتنا التي تهدف تحقيق الصالح العام.

ختاما، أصبح من الضروري أن نتخلص من التقسيمات القطاعية ونتبنى نهجًا أكثر شمولًا لفهم كيف تعيد التحولات الرقمية تشكيل حياتنا، وكيف يمكننا الاستفادة من ذلك، وتشكيل مستقبل رقمي مشترك يستفيد من الفرص الهائلة التي يوفرها التحول الرقمي لتحسين حياة المواطنين وتعزيز النمو الاقتصادي، مع ضمان الحقوق والقيم الأساسية.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

[1] من الملفت للنظر أن بعض هؤلاء المؤسسات والشركات الرقمية العملاقة لم تكن موجودة قبل عشرين عامًا، وقد أكد وباء كوفيد-19 قوتها.

[2] داود عبد الرازق الباز، الإدارة العامة، الحكومة الإلكترونية وأثرها على النظام القانوني للمرفق العام وأعمال موظفيه، مركز البحوث، الكويت، سنة 2004، ص. 38.

[3] المجلس الأعلى للحسابات بشأن تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي 2013، تقرير خاص تحت عدد 05/3 /CH 4، فبراير 2014.

[4] البوابة الوطنية https://www.maroc.ma/.

[5] خلال الأزمة الصحية، شهدنا بشكل غير مسبوق تبني عمل عن بُعد واستخدام الوصول الرقمي إلى الخدمات في جميع المجالات. في الواقع، تم اضطر العديد من المواطنين المغاربة، للاستفادة من العروض العديدة المتوفرة نتيجة الثورة الرقمية، مما دفعهم إلى إجراء تغييرات في بعض الأحيان جذرية في طرق تفاعلهم مع بيئتهم: في طريقة قضاء وقت التسوق، وفي التواصل مع عائلاتهم وأصدقائهم، وفي العمل عن بُعد، وفي الدراسة، والقراءة، وفي التعليم.

وهكذا، كانت الأزمة الصحية فرصة لظهور وتطوير مبادرات رقمية وطنية في مجال التعلم الإلكتروني، والتجارة الإلكترونية، والحكومة الإلكترونية، والمحاكم الرقمية، ودعم الاقتصاد التشاركي والتضامني في وقت قصير جدًا. أظهرت كل هذه المبادرات أن المغاربة يمكنهم الاستفادة من إبداعهم وفطنتهم للتكيف مع قيود التدابير الصحية، حتى أنهم، على سبيل المثال، قاموا بإنشاء منصات للتعليم عن بُعد.

[6] داود عبد الرازق الباز، الإدارة العامة، الحكومة الإلكترونية…، مرجع سابق، ص.39.

[7] Organisation de coopération et de développement économiques (l’OCDE), Transformation numérique et productivité : une histoire de complémentarités, Perspectives économiques de l’OCDE 2019, numéro 105, pages 65 à 100, L’article disponible en ligne à l’adresse suivante : https://www.cairn.info/revue-perspectives-economiques-de-l-ocde-2019-1-page-65.htm.

[8] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril, Transition numérique et intelligence artificielle : d’importants enjeux éthiques à surveiller, Dans Gestion 2023/1 (Vol.  48), pages 60 à 64, Disponible à l’adresse électronique : https://www.cairn.info/revue-gestion-2023-1-page-60.htm

[9] أحمد حمدي عبد المنعم النحاس، ندا طارق دبا، إدارة مخاطر التحول الرقمي، المقالة 25، المجلد 13، العدد 2 – الرقم المسلسل للعدد 1، مارس 2022، ص. 1508.

[10] Organisation de coopération et de développement économiques (l’OCDE), Transformation numérique et productivité, op. cit., p. 66.

[11] ياسين سعد غالب، الإدارة الإلكترونية وأفاق تطبيقاتها العربية، منشورات معهد الإدارة العامة، الرياض، السعودية، 2005، ص. 25.

[12] المجلس الأعلى للحسابات بشأن تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي 2013، مرجع سابق.

[13] Organisation de coopération et de développement économiques (l’OCDE), Transformation numérique et productivité, op. cit., p. 68.

[14] المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج، إحالة ذاتية رقم: 152/2021، ص. 11.

[15] Organisation de coopération et de développement économiques…, op. cit., p. 69.

[16] Ibid.

[17] وخلوف بدر، دور التحول الرقمي في تجويد الخدمة العمومية بالمغرب، مجلة القانون والأعمال، ع58، 2020، ص. 194.

[18] Ibid.

[19] وخلوف بدر، دور التحول الرقمي في تجويد الخدمة العمومية بالمغرب، مرجع سابق، ص. 197.

[20]  المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج، مرجع سابق، ص. 13.

[21] ظهير شريف رقم 192-14-1 صادر في فاتح ربيع الأول 1436 الموافق 24 ديسمبر 2014، بتنفيذ القانون رقم 12/86، المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الجريدة رسمية عدد 6328 بتاريخ 22 يناير2015.

[22]  Site officiel de l’Union européenne sur le GDPR : Règlement général sur la protection des données (GDPR)

[23] Règlement (UE) 2016/679 du Parlement européen et du Conseil du 27 avril 2016 relatif à la protection des personnes physiques à l’égard du traitement des données à caractère personnel et à la libre circulation de ces données, et abrogeant la directive 95/46/CE (règlement général sur la protection des données) (Texte présentant de l’intérêt pour l’EEE). Disponible sur le site : http://data.europa.eu/eli/reg/2016/679/oj

[24] Directive (EU) 2022/2555 of the European Parliament and of the Council of 14 December 2022 on measures for a high common level of cybersecurity across the Union, amending Regulation (EU) No 910/2014 and Directive (EU) 2018/1972, and repealing Directive (EU) 2016/1148 (NIS 2 Directive) (Text with EEA relevance), disponible sue le sit: http://data.europa.eu/eli/dir/2022/2555/oj.

[25] Ibid.

[26] الظهير الشريف رقم 1.09.15 صادر في 22 من صفر 1430 (18 فبراير 2009) بتنفيذ القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

[27] مرسوم رقم 165-09-2 صادر في 25 من جمادى الأولى 1430 (21 ماي 2009) لتطبيق القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

[28] الظهير الشريف رقم 100-20-1 صادر في 16 من جمادى الأولى 1442 (31 ديسمبر 2020) بتنفيذ القانون رقم 20-43 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية.

[29] المرسوم رقم 2.22.687 الصادر في 21 ربيع الثاني 1444 (16 نوفمبر 2022) المعتمد بتطبيق القانون رقم 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الإلكترونية في الجريدة الرسمية رقم 7160.

[30] قشطى نبيلة، حوكمة التحول الرقمي، مجلة الشرق الأوسط للعلوم الإنسانية والثقافية، المجلد 1 ، العدد 5, ص. 230.

[31] الظهير الشريف رقم 1.20.69 صادر في 4 ذي الحجة 1441)25 يوليو 2020) بتنفيذ القانون رقم 05.20 المتعلق بالأمن السيبراني.

[32] الفصل 27: “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 30 يوليوز 2011، ص: 3600.

[33] مرسوم رقم 406-21-2 صادر في 4 ذو الحجة 1442 (15 يوليو 2021) بتطبيق القانون رقم 20-05 المتعلق بالأمن السيبراني.

[34] المجلس الأعلى للحسابات بشأن تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي 2013، مرجع سابق.

[35] L’Institut Royal des Etudes Stratégiques (IRES), “La transformation numérique : les leviers d’une stratégie ambitieuse pour le Maroc”, 5 septembre 2017, p. p. 42-46.

[36] قشطى نبيلة، حوكمة التحول الرقمي، مرجع سابق، ص. 403.

[37] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril, Transition numérique et intelligence artificielle : d’importants enjeux éthiques à surveiller, op. cit, p. 60.

[38] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril, Transition numérique et intelligence artificielle : d’importants enjeux éthiques à surveiller, op. cit, p. 60.

[39] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril,… op. cit., p. 61.

[40] محمد البقالي، إدخال المعلوميات إلى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2000-2001، ص. 14.

[41] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril, Transition numérique et intelligence artificielle : d’importants enjeux éthiques à surveiller, op. cit., p. 62.

[42] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril, Transition numérique et intelligence artificielle : d’importants enjeux éthiques à surveiller, op. cit., p. 62.

[43] KLA Abdelhak, L’administration Marocaine dans ses relations avec le public, Thèse pour l’obtention du Doctorat d’Etat en droit public, faculté de science juridiques, économique et sociale, Agdal, Rabat, 1985, p. 264

[44] Ibid.

[45] Joé T. Martineau, Emmanuelle Gril, Transition numérique et intelligence artificielle : d’importants enjeux éthiques à surveiller, op. cit., p. 63.

Scroll to Top