في محاولة تأصيل جهاز مفاهيمي للشأن البيئي في الإسلام
أستاذ التعليم العالي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة
المغرب
ملخص
تشغل البيئة في عصرنا الحاضر مكانة رئيسة ومحورية لما لها من انعكاسات على صحة الفرد والمجتمع. فقد فطر الله تعالى هذه البيئة لاحتضان الإنسان من الوهلة الأولى التي أوجده الله فيها على وجه الأرض. حديثا بدأ الاهتمام بالجانب البيئي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي. وقد تدرجت كلمة "بيئة" في مفهومها الاصطلاحي من مجرد مفهوم محدود وضيق دال على الطبيعة باعتبارها وسطا ومجالا بما يلازمها من نبات وحيوان وجماد إلى فضاء أشمل وأوسع، لاسيما بعد أن احتضنت عناصر جديدة ذات تأثير مباشر في حياة الإنسان وفي مجموع الحياة البيئية. فقد ضمت البيئة إلى مفهومها المتعارف عليه العناصر الفيزيائية، لتنتقل إلى الأنظمة والتوازنات التي تتحكم في جميع العناصر، لتشمل بعد ذلك كافة المنشآت المشيدة في إطار الأنظمة الاجتماعية التي تدير شؤون المجتمعات البشرية. والمستخلص من مجموع التحديدات الاصطلاحية للفظ "بيئة" أنها تضم ثلاث منظومات متكاملة وفق ما انتهت إليه استنتاجات بعض الباحثين في الشأن البيئي، وهي المحيط الحيوي "biosphere"، والمحيط المصنوع أو التكنولوجي "Technosphere"، والمحيط الاجتماعي "Sociosphere" إن مفهوم البيئة في الإسلام يصر على إبراز ذلك الخيط الناظم الذي يربط بين مكونات البيئة والنظام البيئي وبين النفس البشرية التي يراد لها أن تبلغ درجة التزكية والتطهير. والمتأمل في الدراسات والكتابات التي تخص جوانب البيئة وما حوته يخلص إلى ما مؤداها أن الاهتمام بشؤون البيئة وحمايتها والحفاظ عليها مما يمكن أن يلوثها أو يكدر صفوها أو يخل بتوازنها، هو من صنيع الغرب واجتهاده، وأنه كان دائما السباق إلى كل مبادرة تخص البيئة وما يتعلق بمقوماتها ومكوناتها؛ ناسيا أو متناسيا الدور الريادي للإسلام في حماية البيئة ورعايتها، وما هذا الجهل وذاك التنكر لحضور الإسلام في موضوع البيئة إلا سببا من أسباب غياب البعد التاريخي الإسلامي لمصطلح "بيئة" وكذا مدلولاته عند هؤلاء. لقد حث الإسلام من خلال تشريعاته وأحكامه ونصوصه وآدابه وإرشاداته إلى حماية البيئة ووقايتها والعناية بها والرفق بكل مكوناتها ومحيطاتها، مع التحذير المسبق من مغبة تكدير صفوها وإلحاق الأضرار بها عن طريق الملوثات بمختلف أنواعها وأجناسها. لقد حدد الإسلام المنهج والسبيل أو السبل التي يتحتم على الإنسان اتباعها في تعامله مع البيئة، من خلال ضبط قواعد علاقته بها في تعامله مع مكوناتها المادية منها والمعنوية على حد سواء، حتى يتسنى له الانتفاع بمقدراتها الاقتصادية، والاجتماعية، والبيولوجية، والفيزيائية.
Nowadays, the environment plays an important role in human societies as it reflects the state of health of both the individual and society. Allah has created this nature to provide humans with shelter and sustenance. Researchers have started their concern with nature since 1970s, and the term “nature” has known a developing conception from its limited view of nature as the natural environment involving, for example, trees, rivers, seas, mountains, and animals to its general definition of whatever surrounds humans and maintains their balance; nature has come to mean even the built environment. Therefore, from this general definition, the term “nature” covers three interconnected categories: the biosphere, the technosphere, and the sociosphere. The Islamic conception of Islam embodies that interconnecting line of nature that combines the constituents of nature, the ecosystem, and human nature that is meant, through faith, to achieve the highest degree of purity. Although the West has carried out a lot of studies on nature, it has overlooked the Islamic conception. Islam has insisted on the protection of nature, preserving, and caring for, it and warned against harming it through whatever pollutes or destroys it. Islam has defined ways to protect nature and shown humans how to follow these ways through respecting Islamic rules in dealing with it, so that they can benefit from its economic, physical, and biological resources.
كلمات مفتاحية: البيئة، صحة الفرد والمجتمع، مفهوم البيئة، السبعينيات، البيئة الفيزيائية، الأنظمة والتوازنات، المنشآت الاجتماعية، المحيط الحيوي، المحيط التكنولوجي، المحيط الاجتماعي، الإسلام وحماية البيئة، التشريعات والأحكام، الملوثات، المنهج الإسلامي، التوازن البيئي.
Keywords : environment, individual and community health, concept of the environment, 1970s, physical environment, systems and balances, social structures, biosphere, technosphere, sociosphere, Islam and environmental protection, legislation and regulations, pollutants, Islamic approach, ecological balance.
تشغل البيئة في عصرنا الحاضر، مكانة رئيسة ومحورية لما لها من انعكاسات على صحة الفرد والمجتمع. فقد فطر الله تعالى هذه البيئة لاحتضان الإنسان من الوهلة الأولى التي أوجده الله فيها على وجه الأرض. وجعلها (بيئة حفيّةً به، حانيةً عليه، رفيقةً بصحته، ضامنةً لأسباب حياته. وقد كان يمكن أن يظل الأمر كذلك، كما استمر منذ آلاف السنين، لولا أنَّ ما واكب التحضر السريع والتصنيع اللاهث من تغيّر عميق وتبدل وخيم وبيل في بنية هذه البيئة ونسيجها وتركيبها، قد جعل منها مصدر شر بدل أن تكون مصدر خير، ومباءة مرض بدل أن تكون مثابة عافية. وسرعان ما أخذ الإنسان يعاني ما جنت يداه، ويدفع غاليا جزاء ما اقترف من عدوان على موازين هذه البيئة الخيّرة المعطاء)[1].
ورد في الموسوعة العربية الميسرة أن الإرهاصات الأولى للاهتمام بالبيئة وصحتها كانت في منتصف القرن 19، فقد ذكرت أنه (انتشر بمدينة ميونيخ في منتصف القرن التاسع عشر الحمى التيفودية بسبب إلقاء الفضلات البرازية في أقبية وخزانات وأخذ الماء من آبار سطحية، فاتجهت الأنظار إلى جواز علاقة هذا باستيطان المرض، وعمل المسؤولون على إيجاد مجار جديدة، وأخذ الماء من البحيرات، فانقطعت الحمى التيفودية منها. ومنذ ذلك التاريخ وجه الأطباء والمسؤولون على الصحة اهتمامهم إلى نظافة البيئة باعتبارها مصدر الأمراض الوبائية، فصدرت قوانين لصيانة مياه الشرب وتصريف الفضلات تصريفا صحيا، وتطبيق أحكام خاصة بنظافة الشوارع والمساكن والمصانع. ورغم اكتشاف الجراثيم والكائنات الحية المسببة للأمراض المعدية، وتحويل الأنظار إلى الكائنات الحية الممرضة، ومشاربه، ومقدرة الإنسان على مقاومتها، ظل للبيئة مكانتها الهامة في علاقتها بصحة السكان وسارت تدرس بالمعاهد بوصفها علما أو فرعا من فروع الصحة العامة، ولذلك تطور علم صحة البيئة)[2].
أما حديثا فقد بدأ الاهتمام بالجانب البيئي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، فانعقد لهذا الغرض جملة من المؤتمرات كان من أهمها: مؤتمر ستوكهولم بالسويد سنة 1972، ومؤتمر تبليسي سنة 1977، ومؤتمر ريو دي جانيرو وقمة الأرض سنة 1992. وقد أكدت في مجموعها على ضرورة إعداد برامج دولية للتربية البيئية[3].
1- تحديد مفهوم البيئة:
المقصود بالبيئة عموما هو ذاك المحيط الذي يعيش فيه الإنسان، ويحن إليه في حال السفر أو الاغتراب؛ وهو ومرجعه وموئله في آخر المطاف، رغب في ذلك أم أبى.
وتتكون هذه البيئة من البيئة الجامدة (الطبيعة) التي خلقها الله سبحانه تعالى، والبيئة (الصناعية) التي صنعها الإنسان؛ كما تشمل البيئة (الأرضية)، والبيئة السماوية بما تحويه من شمس وقمر ونجوم.
على أن البيئة الصناعية تتكون مما يحفره الإنسان من أنهار، وما يغرسه من أشجار، وما يُعبده من طرق، وما ينجزه من أبنية، وما يصنعه من أدوات وآلات، صغيرة دقيقة كانت أم كبيرة.
1-1 لفظ البيئة لغة
يقصد بالبيئة في المعاجم العربية: المنزل والحال، وهي كلمة مشتقة من لفظة “بوأ”، يقال: (باء إلى الشيء، يبوءُ بَوْءاً، أي: رجع)[4]. ويطلق هذا اللفظ على المنزل الذي ينزل به الإنسان، ولعل مرد ذلك راجع إلى أن منزل الإنسان هو معاده الذي يرجع إليه، فأخذ معنى النزول في المكان من كثرة تردد الرجوع إليه وتواليه[5].
ولفظة “بيئة” لفظة عربية أصيلة، يرجع جذرها اللغوي إلى مادة “بوأ ” (الباء والواو والهمزة أصلان: أحدهما الرجوع إلى الشيء، والآخر تساوي الشيئين)[6].
وللبيئة دلالات لغوية كثيرة في لغة العرب، حاول الجوهري استعراض معظمها في قوله: (المباءة: منزل القوم في كل موضع، وتعني أيضا معطن الإبل أي: مسكنها.
وتبوّأت منزلا: نزلته، وبوأت الرجل منزلا: هيّأته، ومكنت له فيه.
وهو ببيئة سوء، أي: بحالة سوء.
وبوّأت الرمح نحوه، أي سددته نحوه.
والباءة، مثل الباعة، والباء: النكاح.
البواء: السواء، ويقال: دم فلان بوّاء لدم فلان إذا كان كفؤا له، وأبأت القاتل بالقتيل أي: قتلته به)[7].
2-1 لفظ البيئة في القرآن الكريم:
بالرجوع إلى القرآن الكريم نجد أن الفعل “بوأ” ورد باشتقاقاته المختلفة أربع عشرة مرة بدلالتين رئيستين: أولاهما بمعنى الانصراف والرجوع بالشيء والاعتراف به أو الاستحقاق، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾[8]، وقوله عز من قائل: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ﴾[9]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾[10]، وقوله جل شأنه: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَن بَاءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[11].
وثانيهما، وهي الغالبة، بمعنى النزول والإقامة بمكان أو منزل، كما في الآيات التالية: يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾[12]، ويقول تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[13]، ويقول عز من قائل: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[14]، ويقول جل شأنه: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[15] أي: تنزلهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم، ويقول عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون﴾[16]، ويقول سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[17]، ويقول تعالى: ﴿وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾[18]، ويقول جل شأنه: ﴿وَكَذَٰكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِيــنَ﴾[19]، ويقــول عـــز من قائل: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[20]، ويقول تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾[21].
أما لفظة “بيئة” بهذه الصيغة فلم ترد في النص القرآني، تقول إيمان قشقوش (ولم ترد صيغة المصدر في السياق القرآني “بيئة”، وأعتقد أن الكلمة المرادفة للبيئة هي لفظة الأرض المهيأة للإقامة والسكن، وتشمل كل المخلوقات الحية وغير الحية، والظواهر والعلاقات المختلفة)[22].
3-1 لفظ البيئة في الحديث النبوي الشريف:
جاء حديث رسول الله ﷺ متضمنا لجذر “بوّأ” بمشتقاته، كقوله ﷺ: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء))[23]، وقوله ﷺ: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار))[24] [مسلم، البخاري، الترمذي، أبي داوود، ابن ماجة، أحمد]، وجاء في حديث سيد الاستغفار: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت))[25].
بشيء من التفصيل نحاول استعراض هذه الدلالات المتباينة وما سواها للفظ “بيئة” فيما يلي:
أ- دلالته على معنى الرجوع، من ذلك قولهم: باء بالشيء بوءا وبواء بمعنى رجع، وقد جاء في قول الله تبارك وتعالى في حق بني إسرائيل: ﴿وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾[26].
ب- دلالته على الإقرار والاعتراف والتحمل، يقال: باء به وإليه، وباء عليه بمعنى احتمله واعترف به، ومن ذلك قول رسول الله ﷺ في دعائه: ((أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي)). (قال الأصمعي: باء بإثمه، فهو يبوء به بوءا: إذا أقر به. وفي الحديث: أبوء بنعمتك علي، وأبوء بذنبي أي ألتزم وأرجع وأقر)[27].
ج- دلالته على التكافؤ والمساواة، من ذلك مثلا قولهم: باء فلان بفلان أي قتل به.. وهو كفء له.. وباوأه كان دمه كفئا لدمه.. وقولهم: تباوأ القتيلان في القصاص أي تعادلا[28]. جاء في معجم “اللسان”: (والبواء: السواء. وفلان بواء فلان: أي كفؤه إن قُتِلَ به، وكذلك الاثنان والجميع.. البواء: التكافؤ، يقال: ما فلان ببواء لفلان: أي ما هو بكفء له. وقال أبو عبيدة يقال: القوم بَواءٌ: أي سواء. ويقال: القوم على بواء. وقُسِمَ المال بينهم على بَواءٍ: أي على سواء… ويقال: هم بواء في هذا الأمر: أي أَكْفاءٌ نُظَراء)[29].
د- دلالته على النزل والإقامة، يقولون: بوَأ فلانا منزلا، فيه أنزله، وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة دالة على هذا المعنى، من ذلك مثلا قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجَنَّةِ غُرَفاً﴾[30]. وورد في معجم “العين” للخليل بن أحمد الفراهيدي: (الباءة، والمباءة: منزل القوم حين يتبوؤون في قبل واد، أو سند جبل، ويقال: بل هو كل منزل ينزله القوم)[31] جاء في “اللسان”: (يقال: بَوَّأْتُهُ منزلا، وأَثْوَيْتُهُ مَنْزلا ثُواءً: أَنْزَلْتُه، وَبَوَّأْتُهُ منزلا أي جعلته ذا منزل. وفي الحديث: “مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ“، وتكررت هذه اللفظة في الحديث ومعناها: لِيَنْزِلْ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ.. ويُسَمَّى كِنَاسُ الثَّوْرِ الوَحْشِيِّ مَبَاءَةً، ومَبَاءَةُ الإِبِلِ: مَعْطِنُها)[32]. وجاء في حديث رسول الله ﷺ: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)). (أراد بالباءة النكاحَ والتزويج. ويقال: فلان حريص على الباءَةِ أي على النِّكاح. ويقال: الجماعُ نَفْسُهُ بَاءَةٌ، والأصلُ في الباءَةِ المَنْزِلُ ثم قيل لِعَقْدِ التَّزْويجِ بَاءَةٌ لأنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امرأةً بَوَّأَها مَنْزِلاً. والهاء في الباءة زائدة)[33].
هــ- دلالته على الحالة، ورد في “تاج العروس” للزبيدي: (البيئة بالكسر الحالة، يقال: إنه لحسن البيئة)[34].وجاء في “لسان العرب”: (وبَاءَتْ بِبِيئَةِ سُوءٍ، على مِثال بِيعَةٍ؛ أي بِحالِ سُوءٍ، وَإنَّهُ لَحَسَنُ الِبيئَةِ، وعَمَّ بَعْضُهُمْ بِهِ جَميعَ الحَالِ)[35].
هذه معظم المعاني التي دلت عليها لفظة “بيئة” في المعاجم العربية القديمة، وقد تكرر ذكرها في المعاجم العربية الحديثة، مع استعراض البعض من هذه المعاجم للتطور الدلالي الذي عرفته اللفظة، لتصبح حمالة معنى اصطلاحي موسع هو أكثر شمولا من ذاك المعنى اللغوي، ساريا بذلك على مجالات حياتية مختلفة.
4-1 لفظ “البيئة” اصطلاحا:
تضاربت آراء الدارسين والباحثين وتشعبت بخصوص محاولة إيجاد تعريف اصطلاحي مناسب لمصطلح “بيئة”، ولعل مرد ذلك عائد إلى كون لفظ “بيئة” من المصطلحات التي تطورت دلالاتها اللغوية فاستحالت دلالات اصطلاحية.. فحتى أواسط القرن التاسع عشر كان معنى البيئة يقتصر على المنزل في تعريفه الضيق، لكنه غدا فيما بعد ذا معنى أشمل وأوسع من معناه اللغوي الضيق. ومن ضمن هذه التعريفات الاصطلاحية التي أعطيت للبيئة أقترح ما يلي:
* البيئة (هي المحيط الحيوي الذي يشمل الإنسان والكائنات الحية وما يحويه من مواد وما يحيط بها من هواء وماء وتربة، وما يقيمه الإنسان من منشآت)[36].
* البيئة (هي مجموع الأحوال والظروف الخارجية والتأثيرات الفاعلة في تطور الكائنات الحية وحياتها)[37].
* البيئة (هي المحيط الذي تعيش فيه الأحياء مؤلفا من الأرض وغلافها الجوي، وما عليها وما في باطنها)[38].
* البيئة (هي الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان، بما يضم من ظاهرات طبيعية وبشرية ويتأثر بها ويؤثر فيها)[39].
* البيئة (هي مجموعة النظم الطبيعية والاجتماعية التي تعيش فيها الكائنات الحية والتي تستمد منها حاجاتها المختلفة، وتؤدي فيها أنشطتها)[40].
*البيئة (رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في زمن ومكان ما لتلبية حاجات الإنسان وتطلعاته)[41].
* البيئة (حيز مكاني يتكون من مكونات حية[42] ومكونات غير حية[43]، وهذه المكونات تسمى بالعوامل التي تتفاعل مع بعضها البعض ضمن الأحوال والظروف التي تعيش فيها)[44].
* البيئة هي (المحيط الذي تعيش فيه الكائنات الحية -ويدعى أيضا بالمحيط الحيوي- الذي يتضمن بمعناه الواسع العوامل الطبيعية والاجتماعية والثقافية والإنسانية التي تؤثر على أفراد وجماعات الكائنات الحية، وتحدد شكلها وعلاقاتها وبقاءها)[45].
وقد أوجز مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد بمدينة استوكهولم سنة 1972 ويبليس عام 1978 تعريف البيئة بقوله:
* (البيئة هي رصيد الموارد المادية والاجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته)[46]؛ أو قوله: (إن البيئة هي مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى، والتي يستمدون منها زادهم، ويؤدون فيها نشاطهم)[47]، أو قوله معرفا البيئة في مفهومها الواسع الدال على استمرارية التفاعل بين عناصرها المكونة لها، دونما غفلة من العنصر البشري الذي يعتبر واحدا من مكوناتها الرئيسة: (الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته، من غذاء، وكساء، ودواء، ومأوى يمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر)[48].
وقد علق بعض الدارسين على التغييرات التي لحقت مفهوم “البيئة” انطلاقا من مجموع التحديدات السابقة وغيرها، كقول الدكتور محمد زرمان: (تدرج مفهوم البيئة من اعتبارها هي الأرض وما عليها من جماد ونبات إلى إضافة البيئة الحيوانية ثم العناصر الغازية والضوئية ثم الأنظمة والتوازنات التي تحكم كل هذه العناصر، وأضيف إليها في الأخير المنشآت العمرانية المختلفة التي شيدها الإنسان من مبان وطرق ومصانع وموانئ وغيرها، ثم اعتبارها بيئة صناعية، كونها عنصرا خارجيا طارئا ذا تأثير قوي على البيئة الطبيعية)[49].
على أن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، بتوسيع مفهوم “البيئة” استنادا إلى نمط العلاقة التي تربطها بمستخدميها، محاولا ربطها بمختلف الأنشطة الحيوية التي يمارسها العنصر البشري، فجعل الأم بيئة، والبلد بيئة، والمسجد بيئة، والمدرسة بيئة، ومكان الاجتماع بيئة، والكون بأسره بيئة.. ولقد تكاثرت مسميات البيئة حتى قيل: بيئة اجتماعية، وبيئة صناعة، وبيئة صحية.. إلخ[50]. يقول هاني سليمان الطعيمات: (هناك بيئة زراعية وبيئة صناعية، وبيئة ثقافية، وبيئة اجتماعية وبيئة سياسية، ويعنون بذلك النشاط البشري المرتبط بهذه المجالات، كما أنهم جعلوا من رحم الأم بالنسبة للجنين بيئة، ومن المدرسة بيئة ومن المدينة بيئة ومن الكرة الأرضية بيئة، بل من الكون كله بيئة)[51].
المستخلص من هذا كله أن كلمة “بيئة” تدرجت في مفهومها الاصطلاحي من مجرد مفهوم محدود وضيق دال على الطبيعة باعتبارها وسطا ومجالا بما يلازمها من نبات وحيوان وجماد، إلى فضاء أشمل وأوسع خصوصا بعد أن احتضنت عناصر جديدة ذات تأثير مباشر في حياة الإنسان وفي مجموع الحياة البيئية عموما. فقد ضمت البيئة إلى مفهومها المتعارف عليه العناصر الفيزيائية، لتنتقل إلى الأنظمة والتوازنات التي تتحكم في جميع العناصر، لتشمل بعد ذلك كافة المنشآت المشيدة في إطار الأنظمة الاجتماعية التي تدير شؤون المجتمعات البشرية.
فالتعريف الإجرائي الذي يمكن أن نرتضيه للبيئة في الأخير هو اعتبارها ذاك المحيط المادي الذي يحيى فيه الإنسان بما فيه من ماء وهواء وفضاء وتربة وكائنات حية، فضلا عن المنشآت التي ابتكرها الإنسان لإشباع حاجاته. وبالإضافة إلى هذا الإطار المادي للبيئة يمكن تحديدها في معناها العام والواسع بأنها مجمل المؤثرات الثقافية والحضارية والنفسية التي يعيشها الإنسان في محيطه.
يستنتج من مجموع التعريفات السابقة أنها تصب في اتجاهين اثنين: اتجاه يخص البيئة الطبيعية وآخر يخص البيئة الاصطناعية. فـ (البيئة الطبيعية هي كل ما يحيط الإنسان من ظاهرات أو مكونات طبيعية حية وغير حية من خلق الله تعالى، ممثلة في مكونات سطح الأرض: من جبال وسهول ووديان وصخور وتربة، وعناصر المناخ المختلفة من حرارة وضغط ورياح وتساقط أمطار وأحياء برية النشأة، نباتية أو حيوانية برية كانت أو مائية، إضافة إلى موارد المياه العذبة والمالحة.
البيئة الاصطناعية: وهي التي شيدها الإنسان من خلال تفاعله مع بيئته الطبيعية كالمصانع والسيارات وما شيد من منشآت)[52].
كما يمكن أن نستخلص من مجموع هذه التحديدات الاصطلاحية للفظ “بيئة” أنها تضم ثلاث منظومات متكاملة وفق ما انتهت إليه استنتاجات الباحثين محمد الصباريني ورشيد الحمد، وهي (المحيط الحيوي “biosphere”، والمحيط المصنوع أو التكنولوجي “Technosphere”، والمحيط الاجتماعي “Sociosphere”، (فالأول يشمل بيئة الحياة الأصلية أو الفطرية التي أوجد الله الإنسان فيها، والثاني يتألف من كافة ما أنشأه الإنسان في البيئة الطبيعية باستخدام مكوناتها، من مدارس، ومراكز صناعية، ومشاريع زراعية، وطرق، ومستشفيات. أما الثالث فيشمل المنظومة التي تدير في إطارها الشؤون الحياتية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية للجماعة البشرية)[53].
ويعلق عدنان بن صادق ضاهر على هذه التعريفات اللغوية والاصطلاحية للفظ بيئة بأنها لم تشر إلا للجانب المادي والمحيط الجغرافي، مهملة بذلك أو متغاضية عن الجانب الروحي والإيماني، وكذا القيمي والسلوكي والأخلاقي المرتبط بالإنسان، بوصفه الركن الأساس في حماية البيئة والحرص على توازنها[54]. لكنني أرى شخصيا، من خلال استقراء معظم التعريفات التي حددت مفهوم البيئة أنها لا تعدم، في مجموعها، الإشارة إلى تلك اللمسة الإيمانية أو البصمة الروحية التي أنكرها عدنان بن صادق ضاهر بشكل كلي وقطعي من خلال حكمه السابق، إذ إن هناك بعض التحديدات التي يمكن أن نشتم منها تلك النفحة القيمية والسلوكية المرتبطة بالإنسان كتعريف البيئة بأنها (هي المخزون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى للإنسان الزاخر بالعناصر التي يحولها الإنسان بجهده إلى موارد نافعة لحياته وثروات للإفادة منها في عيشه وبقائه)[55].
نستنتج من كل التحديدات السابقة بأن مفهوم البيئة منذ بداياته الأولى لم يستقر على تحديد واحد جامع مانع، فقد ظل يتغير بحسب الاجتهادات التي كانت تنتهي إليها الدراسات البيئية من حين لآخر، والتي كانت تسجل في كل مرة اكتشافات وابتكارات جديدة وضوابط عليمة غير مسبوقة..
2- مفهوم البيئة في التصور الإسلامي:
لا يختلف اثنان في أن مفهوم البيئة في الإسلام مفهوم واسع وشامل، مصدره إيماني عقدي ما دام مقتنعا بأن خالق وموجد وفاطر هذه البيئة هو الله سبحانه وتعالى، وأن الإنسان مستخلف فيها وأمين على مكوناتها ومقدراتها، يتبادل معها التأثر والتأثير إن سلبا وإن إيجابا بحسب انقياده لأحكام الله تعالى وتشريعاته.
فلا يخالجن أحد الشك في أن مفهوم البيئة في الإسلام يصر على إبراز ذلك الخيط الناظم الذي يربط بين مكونات البيئة والنظام البيئي وبين النفس البشرية التي يراد لها أن تبلغ درجة التزكية والتطهير. ومن الأمور التي يمتاز بها مفهوم البيئة في المنظور الإسلامي، ما يلي[56]:
* شمولية مفهوم البيئة: حيث إن البيئة تشمل الكون كله، من مكونات مادية حية وغير حية، مصداقا لقول المولى تبارك وتعالى:﴿الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)﴾[57].
* ارتباط مكونات البيئة فيما بينها: لقد جاء النص القرآني في أكثر من موطن ليشهد على قوة ومتانة الارتباط بين مختلف مكونات البيئة من خلال تلكم العلاقة السببية المنطقية الجامعة بين عناصرها. يقول الحق سبحانه: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (20)﴾[58].
* التوازن البيئي: ويفهم منه أن الله تبارك وتعالى قد خلق هذه البيئة بمقادير معلومة ومكونات مضبوطة، بشكل يمكنها من توفير أسباب حياة ملائمة متوازنة للمخلوق البشري، وكذا باقي الكائنات البشرية التي تقتسم معه الحياة في هذه المعمورة. يقول الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾[59]، ويقول عز من قائل: ﴿إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[60]. المفهوم من الآيتين الكريمتين أن كل شيء خلقه الله فهو موزون بصفات وأحجام معينة وبمقادير مضبوطة، بشكل يمكن الإنسان من أن يحيى حياة طيبة كريمة متوازنة شريطة ألا تتدخل أيد بشرية مدمرة ومخربة، فتفقد هذا الكون توازنه واستقراره واعتداله. والآية التالية تزيد من تعزيز هذا الطرح، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالاَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ﴾[61].
* امتثال الكون لأمر الله تعالى: بمعنى أن كل ما على الأرض من مكونات بيئية حية وجامدة، عاقلة وغير عاقلة، ممتثلة خاضعة لأمر الله تعالى، بدليل أنها تقتسم مع الإنسان خاصيتي التسبيح والسجود لله تبارك وتعالى. يقول الحق سبحانه: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[62]، ويقول عز من قائل: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون﴾[63].
* البيئة كائن حي: أوضحت نصوص قرآنية وحديثية، بأن البيئة كائن حي، له أحاسيس وانطباعات تعكس وتترجم حالة الفرح لدى رؤية عباد الله الصالحين، والحزن والبكاء عليهم في حال افتقادهم، لأنهم أَلِفوا منهم أعمال الخير والإحسان، يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾[64]. والعكس صحيح بالنسبة للفاسقين، إذ إنها لا تكترث لفقدهم أو هلاكهم، لشناعة أعمالهم وسوء صنيعهم، يقول الحق سبحانه: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ﴾[65]، في إشارة إلى قوم فرعون الذين عاثوا في الأرض فسادا[66].
وجاء في تفسير الطبري: (حدثنا أبو كريب قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال: أتى ابن عباس رجل، فقال: يا أبا عباس أرأيت قول الله تبارك وتعالى:﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ فهل تبكي السماء والأرض على أحد؟ قال: نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا له باب في السماء منه ينزل رزقه، وفيه يصعد عمله، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، بكى عليه، وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها، ويذكر الله فيها بكت عليه، وإن قوم فرعون لم يكن لهم في الأرض آثار صالحة، ولم يكن يصعد إلى السماء منهم خير، قال: فلم تبك عليهم السماء والأرض)[67].
هذه الآيات الكريمة كلها دليل ناطق وحجة دامغة على أن مفهوم البيئة في الإسلام مفهوم متأصل له خصوصياتها وضوابطه، خصوصيات تربطه بالجانب الإيماني والعقدي والقيمي الذي قد يفتقد في باقي الثقافات الإنسانية الأخرى التي تدعي لنفسها السبق إلى الاهتمام بالشأن البيئي، بل تدعي لنفسها التفرد فيه. وتجب الإشارة في هذا المقام إلى أن كل آية من الآيات التي تم الاستشهاد بها تحمل في طياتها شرحا وتفصيلا وتوضيحا وتزكية لحقيقة هذا الحكم.
3-البعد التاريخي للاشتغال بالشأن البيئي في الإسلام :
إن المتأمل في الدراسات والكتابات التي تخص جوانب البيئة وما حوته يخلص إلى ما مؤداها أن الاهتمام بشؤون البيئة وحمايتها والحفاظ عليها مما يمكن أن يلوثها أو يكدر صفوها أو يخل بتوازنها هو من صنيع الغرب واجتهاده، وأنه كان دائما السباق إلى كل مبادرة تخص البيئة وما يتعلق بمقوماتها ومكوناتها..، ناسيا أو متناسيا بأن هذا الغرب نفسه لم يكن في غالب الأحيان حارسا أمينا على هذه البيئة (فهو يلوث أرضها وسماءها وماءها كل يوم بالملوثات على اختلاف أنواعها الكيماوية، والإشعاعية، والصناعية وغيرها، وهو يلقي بنفاياته وفضلاته في محيطاتها وبحارها وأنهارها، وهو يتسبب في القضاء على حيواناتها وطيورها الجميلة، ومزارعها الخضراء، وبساتينها الغنَّاء، يؤثر مصالحه ورغباته في تحقيق الرفاهية والربح المادي والتقدم الصناعي على حسابها، وهذا الإجحاف بحقها ينذر بنتائج كارثية على هذه الأرض وعلى من يقطنها من الأحياء والأشياء)[68].
فليحذر هذا المتأمل في الدراسات والكتابات التي تخص البيئة من مغبة إهماله لذلك البعد الإسلامي في توظيف لفظ “البيئة” ومدلولاتها المختلفة والمتشعبة. فقليلون هم أولئك الذين يقفون عند الدور الريادي للإسلام في حماية البيئة ورعايتها، وما هذا الجهل وذاك التنكر لحضور الإسلام في موضوع البيئة إلا سببا من أسباب غياب البعد التاريخي الإسلامي لمصطلح “بيئة” وكذا مدلولاته عند هؤلاء. لقد حث الإسلام من خلال تشريعاته وأحكامه ونصوصه وآدابه وإرشاداته إلى حماية البيئة ووقايتها والعناية بها والرفق بكل مكوناتها ومحيطاتها، مع التحذير المسبق من مغبة تكدير صفوها وإلحاق الأضرار بها عن طريق الملوثات بمختلف أنواعها وأجناسها، يقول الحق سبحانه: ﴿وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾[69]. فكما إنه (أي الإسلام) شجع ورغب في كل ما هو مفيد ومُجْد للبيئة الإنسانية والطبيعية، وضع كذلك عقوبات على المسيء للبيئة بكل جوانبها؛ فقد سن لأجل ذلك قوانين وأنظمة من شأنها أن تحفظ للبيئة جماليتها ورونقها، بدءا من أول التاريخ البشري إلى يوم الناس هذا، وما يستقبل من الأزمنة، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فها نحن نجد القرآن الكريم يوجه ويرشد سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، عليهما السلام، منذ آلاف السنين إلى الاعتناء ببيت الله الحرام وبنظافته وتطهيره، وكذا طهارة من يتوجه إليه، حسا ومعنى، مصداقا لقول المولى تبارك وتعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ للِطَّائِفِينَ والعَاكِفِينَ والرُّكَّعِ السُجُود﴾[70]. (وأن تكون مكة نموذجا للطهارة الحسية والمعنوية حتى أنه حرم مجرد استقبالها في قضاء الحاجة، بل حرم البصق باتجاهها صيانة لحرمتها)[71]. ولقد تشبع علماء المسلمين بهذا الحس القرآني في ضرورة الاعتناء بالبيئة لما لها من أثر بالغ وواضح في حياة الناس وسلامة صحتهم. فهذا ابن قتيبة الدينوري يرى بأن عدم سكنى العرب في المدائن وانتقالهم إلى البيئة الملائمة وهي الكوفة واتخاذهم لها مقر إقامة، يعود إلى سبب بيئي[72]. ويذهب الجاحظ إلى أن فساد البيئة لا يؤثر فقط في الجسم، بل يعمل على فساد الطباع، يقول: (لا ننكر أن يفسُدَ الهواءُ في ناحيةٍ من النواحي فيفسدَ ماؤهم وتفسُدَ تُربتهم، فيعملَ ذلك في طباعهم على الأيَّام)[73].
لقد حدد الإسلام المنهج والسبيل أو السبل التي يتحتم على الإنسان اتباعها في تعامله مع البيئة، من خلال ضبط قواعد علاقته بها في تعامله مع مكوناتها المادية منها والمعنوية على حد سواء، حتى يتسنى له الانتفاع بمقدراتها الاقتصادية، والاجتماعية، والبيولوجية، والفيزيائية. كيف لا وقد ضبط الإسلام طريقة تعامل الإنسان مع الأرض والماء، والهواء، والحيوان، والنبات.. فما من دقيقة ولا جزئية إلا وقد حدد هذا الدين الحنيف طريقة تعامل الإنسان معها في علاقته مع كل الأشياء المتوافرة في هذا الكون إكراما له، باعتباره خليفة الله في أرضه[74].
فغير خفي على كل ذي لب أن الشريعة الإسلامية كان لها دوما السبق في معالجة كل ما فيه صلاح العباد في معاشهم وصحة أجسادهم، وادخار مواردهم، وعاقبة أمرهم في الحال والمآل. ويأتي في طليعة هذه الأمور الشأن البيئي بمدلوله الواسع والدقيق. ويجيء على رأس النصوص التي أولت أهمية كبرى للبيئة في الإسلام، القرآن الكريم الذي خصص مساحة واسعة للحديث عن البيئة بكل مكوناتها ومقدراتها[75]، يتلوه بعد ذلك في المقام التالي ما ورد في أحاديث رسول الله ﷺ من إشارات وإرشادات هامة تخص حماية البيئة وحفظها، فكتب الفقه والقواعد وما حوته من قضايا البيئة بتبويباتها المختلفة.
1-3 البيئة في القرآن الكريم :
تكلم القرآن الكريم فيما يزيد عن السبعمائة آية كريمة عن البيئة ومكوناتها من أرض، وأشجار، وحدائق، وماء، وأنهار، وبحار، ورياح، وسحاب، وبرق، ورعد، وغلاف جوي، وحيوان وطير، وحوت… يقول المولى تبارك وتعالى عن الأرض التي هيئها لتكون سكنا لعباده من بني آدم: ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾[76]. ويقول عز وجل: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾[77] ويقول سبحانه متحدثا عن خيرات الأرض وما تنبته من زروع وغيرها: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[78]. ويقول عز من قائل في شأن البحر وعظمته وما أودعه سبحانه فيه من أرزاق وأقوات: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[79]. ويقول تعالى متحدثا عن العمليات المناخية التي تحدث في الغلاف الجوي للأرض وعن الرياح والبرق والرعد وما ينجم عن ذلك كله من نزول للغيث رحمة للعباد: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِى ٱلسَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَٰلِهِۦ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾[80]. كما يصور لنا سبحانه عوالم الحيوان والطير في قوله عز شأنه: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون﴾[81].[82]
2-3 البيئة في الحديث الشريف:
أما عن الأحاديث النبوية التي جاءت متضمنة العناية بالبيئة ورعايتها والحفاظ عليها، وضرورة استثمارها والانتفاع بها مع عدم إهدار خيراتها، فنذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما روي عن عبد الله بن حبشي، قال: قال رسول الله ﷺ: ((من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)) رواه أبو داود [83]وقال: “هذا الحديث مختصر يعني: من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم غشما وظلما بغير حق يكون له فيها؛ صوب الله رأسه في النار. كما إنه، صلى الله عليه وسلم، كان يدعو إلى ضرورة الاهتمام بالغرس والزراعة، من ذلك ما جاء في “صحيح مسلم”: (( مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْها فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَها، وَعَجَزَ عَنْهَا، فَلْيَمْنَحْها أَخَاهُ المُسْلِمَ وَلاَ يُؤاجِرْهَا إِيّاهُ))[84].
3-3 البيئة في كتب الفقه والقواعد:
لا يكاد يخلو مصنف من مصنفات الفقه أو القواعد إلا وفيه إشارات ومباحث تخص البيئة وقضاياها، من خلال التبويب لها، كباب المياه وإحياء الموات، وباب الطعنة، وباب الشربة، وباب الصيد.. ونحو ذلك..
كما إن مصنفات الحسبة والنوازل، والفتاوى، وقواعد الفقه لم تعدم من الإشارات المتكررة والمتعددة المتعلقة بالتلوث البيئي، والأبنية الفوضوية، والأدخنة والفضلات والمياه القذرة وما سوى ذلك، مما يقع في المدن الإسلامية الكبرى مشرقا ومغربا، لاسيما تلك التي شهدت مستوىً حضاريا متطورا؛ ما حدا بأصحاب هذه المصنفات إلى وضع قوانين وتشريعات تبغي ضبط ومعالجة مختلف المشاكل البيئية، ودفع الضرر عنها عبر قواعد فقهية وأصولية، فضلا عن مقاصد الشرع التي جاءت لتحقق مصالح العباد وإتمامها. ولقد أبانت هذه المصنفات عن رؤيا وتصور إسلاميين غير مسبوقين عن البيئة وقضاياها[85].
4-3 البيئة في المؤلفات الإسلامية المستقلة:
لقد صنف علماء المسلمين مؤلفات في علم البيئة وخصائصها من خلال معالجة قضايا طبية وعلمية وأدبية تخص البيئة النباتية والحيوانية.
فمن أوائل الذين ألفوا في علم الحيوان كما هو معلوم العلامة الجاحظ (تـ 255 هـ). فقد أثبت من خلال كتابه “الحيوان” مدى التأقلم الحيواني بالبيئة، مشيرا إلى نظرية المكافحة الحيوية باستعمال بعض الحيوانات في القضاء على بعض. كما ألف زكريا بن محمد القزويني (تـ 682 هـ) مؤلفين أحدهما بعنوان “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات”، والآخر “آثار البلاد وأخبار العباد” أثار من خلالهما تأثير البيئة في الحيوان، دارسا العلاقة بين الحيوانات، مثبتا بذلك مسألة التكافل والمشاركة بينها؛ وهي القضية التي أكدها في فترة لاحقة كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى الدميري (تـ 808 هـ) في كتابه “حياة الحيوان الكبرى”.
على أن أول من وظف مصطلح “بيئة” بمفهومه الاصطلاحي في التراث العربي الإسلامي مسلمة بن أحمد المجريطي (تـ 398 هـ) مثبتا تأثيرها في الأحياء من خلال براعته في علم الكيمياء، وذلك في كتابه: “في الطبيعيات وتأثير النشأة والبيئة على الكائنات الحية”، ومتحدثا عن مراتب الهيمنة الحيوانية.
وقد فسر أبو حنيفة الدينوري (تـ 282 هـ) علاقة النباتات ببيئتها من خلال مؤلفه “النبات” الذي عمد فيه إلى تصنيف النباتات.
أما عبد الله بن أحمد بن البيطار (تـ 646 هـ) فقد درس ووصف النباتات في مختلف البلاد، مما أعانه في تصنيفها بشكل دقيق[86].
كل هؤلاء وغيرهم من العلماء المسلمين ساهموا في رسم وتهيئة معالم علم البيئة الحديث.
بناء على ما سلف يمكننا الوقوف على البعد التاريخي الإسلامي للانشغال والاهتمام بالشأن البيئي، من خلال دراسة مفاهيمها وخصائصها، مع الوقوف عند الأحكام الشرعية الخاصة بها.
الإحالات:
- [1]– الخياط محمد هيثم: صحة البيئة في ميزان الإسلام، صدر ضمن سلسلة الهدي الصحي للتثقيف الصحي من خلال تعاليم الدين، رقم 7، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق المتوسط، 1995، راجع التقديم بقلم الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري، المدير الإقليمي للمنظمة.
- [2]– الموسوعة الميسرة، ط 2، طبعة دار الشعب، مؤسسة فراكلي، 1972، ص 1119.
- [3]– محمد أحمد الخضي ونواف أحمد سمارة: القيم البيئية من منظور إسلامي، مجلة الزرقاء للبحوث والدراسات الإنسانية، المجلد التاسع، العدد الثاني، 2009، بتصرف عن ص 72.
- [4]– ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرَّم بن علي الأفريقي المصري الأنصاري): لسان العرب، دار الحديث القاهرة، 2002، ج1/ص 542.
- [5]– إيمان قشقوش: موقف الشريعة الإسلامية من موضوع حماية البيئة، أطروحة مقدمة في نطاق الواجبات نيل ماجستير في الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة حيفا، تموز 2007، ص 7 (بتصرف)
- [6]– ابن فارس (أبو الحسين أحمد بن زكريا): معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام محمد هارون، ط1، دار الجيل، بيروت، 1411هـ/ 1991، ج1/ ص 312.
- [7]– الجوهري (إسماعيل بن حماد): الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999، ج 1/ص ص 161-162.
- [8]– سورة البقرة/ الآية 61.
- [9]– سورة آل عمران/ الآية 112.
- [10]– سورة المائدة/ الآية 29.
- [11]– سورة آل عمران/ الآية 162.
- [12]– سورة الأعراف/ الآية 74.
- [13]– سورة الحج/ الآية 26.
- [14]– سورة يونس/الآية 93.
- [15]– سورة آل عمران/ الآية 121.
- [16]– سورة النحل/ الآية 41.
- [17]– سورة الحشر/الآية 9.
- [18]– سورة الزمر/ الآية 74.
- [19]– سورة يوسف/ الآية 56.
- [20]– سورة يونس/ الآية87.
- [21]– سورة يونس/ الآية 93.
- [22]– إيمان قشقوش: موقف الشريعة الإسلامية من موضوع حماية البيئة، ص 9
- [23]– راجع: البخاري (أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي): صحيح البخاري، طبعة جمعية البشرى الخيرية للخدمات الإنسانية والتعليمية، كراتشي، باكستان، 1437هـ/2016م، الحديث رقم 5066، كتاب النكاح/ باب من لم يستطع الباءة فليصم، ج3/ ص 2305، ومسلم (أبو الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري): صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط1، دار الحديث، القاهرة، 1412هـ/ 1991م، الحديث رقم 91، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، ج2/ ص ص 1018-1019، وابن دقيق العيد: إحكام الإحكام، شرح عمدة الأحكام، دار الجيل، 1416 هـ/ 1995 م ج2/ص 552، والسفاريني (محمد بن أحمد بن سالم): غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب، ط 2، مؤسسة قرطبة، 1414 هـ/ 1993م، ج 2/ص 412.
- [24]– أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم برقم 107، ج1/ ص 189؛ ومسلم في المقدمة باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم 3، ج1/ ص 10.
- [25]-صحيح البخاري: أخرجه البخاري، الحديثان رقم 6306 و6323)، ج 4/ص 2798 وص 2806؛ والطبراني (أبو القاسم سليمان بن أحمد): المعجم الكبير، حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الحديث رقم 7172، ج 7/ص ص 350-351.
- [26]– سورة البقرة/ الآية 61.
- [27]– راجع ابن منظور: لسان العرب، ج 1/ص 542، وإبراهيم أنيس وآخرون: المعجم الوسيط، ط4، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 1425هـ/2004م، ج 1/ ص75.
- [28]– راجع ابن منظور: لسان العرب، ج 1/ص 543، وإبراهيم أنيس وآخرون: المعجم الوسيط، ج 1/ ص75.
- [29]– ابن منظور: لسان العرب، ج 1/ص 543.
- [30]– سورة العنكبوت/ الآية 58.
- [31]– الفراهيدي (عبد الرحمن الخليل بن أحمد): كتاب العين، دار الكتب العلمية، بيروت،2003، ج1/ص 170.
- [32]– ابن منظور: لسان العرب، ج1/ ص 544
- [33]– ابن منظور: اللسان، ج1/ ص 542.
- [34]– الزبيدي (محمد مرتضى الحسيني): تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق علي هلالي، ط2، سلسلة التراث العربي، مطبعة حكومة الكويت، 1407هـ/ 1987م، ج1/ ص 157.
- [35]– ابن منظور: اللسان، ج1/ ص 544.
- [36]– حافظ صلاح: الوضع البيئي في مصر حماية البيئة من التلوث واجب ديني، جمع وإعداد: سلسلة المنتدى الاقتصادي، القاهرة، 1998، ص 13.
- [37]– راجع دبس (محمد محرر): معجم مصطلحات العلوم والتكنولوجيا، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1988، ص 1033؛ والخطيب (محمد شفيق): قاموس العلوم المصور بالتعريفات والتطبيقات، مكتبة لبنان، بيروت، 1991، ص 195.
- [38]– الكيلاني (إبراهيم زيد): حماية البيئة في الإسلام، مجلة دراسات، عدد 3، مجلد 15، 1988، ص 181
- [39]– الفقي (محمد عبد القادر): البيئة مشاكلها وقضاياها، مكتبة ابن سينا، القاهرة، ص 10
- [40]– عويس (جمال السيد): الملوثات الكيمائية للبيئة، دار الفجر، مصر، 2000، ص 5.
- [41]– صالح وهبي: الإنسان والبيئة والتلوث البيئي، دار الفكر العربي، دمشق، 2001، ص 20.
- [42]– العوامل الحية تشمل الإطار الواسع للبيئة الحيوية، وتضم إيكولوجيا الإنسان، وإيكولوجيا الحيوان، وإيكولوجيا النبات.
- [43]– العوامل غير الحية: وتضم كل العوامل غير الحية التي تؤثر في توافر وتوزع عالم النبات والحيوان في الطبيعة، مثل عوامل المناخ كالحرارة، والرطوبة، والرياح، والعوامل الفيزيائية: كالجاذبية، والإشعاع، وعوامل الحموضة، والملوحة في التربة.
- [44]– CJ Borrow, developing The Environment (England, Longman Scientific and Technical, 1995 p3.
- [45]– غرايبة سامح والفرحان يحيى: المدخل إلى العلوم البيئية، دار الشروق، ط3، عمان، الأردن، 1419 هـ/ 1999م، ص 13.
- [46]– الكيلاني: حماية البيئة في الإسلام، نقلا عن صباريني: البيئة ومشكلاتها، مجلة دراسات، عدد 3، مجلد 15، 1988، ص 181.
- [47]– محمد مرسي: الإسلام والبيئة، ط1، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1420 هـ/1999م،
- ص 19.
- [48]– صباريني محمد والحمد رشيد: الإنسان والبيئة، دار الكندي، الأردن، 1994، ص 27.
- [49]– زرمان محمد: التصور الإسلامي للبيئة –دلالته وأبعاده- مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، عدد 55، 1424 هـ/2003م، ص ص 359-360
- [50]– عبد الله القاسم الوشلي: التوجيه التشريعي الإسلامي في نظافة البيئة وصحتها، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد 44، ذو القعدة 1429، بتصرف عن ص 366.
- [51]– الطعيمات (هاني سليمان): البيئة وعلاقتها بحقوق الإنسان والمنهج الإسلامي في حمايتها، مؤتة للبحوث والدراسات، مجلد 17، عدد 3، 2002، ص 53.
- [52]– الصمادي (عدنان أحمد): منهج الإسلام في الحفاظ على البيئة من التلوث، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، عدد 51، 1423هـ/2002م، ص ص 301-302.
- [53]– صباريني محمد والحمد رشيد: الإنسان والبيئة، ص 23.
- [54]– عدنان بن صادق ضاهر: أحكام البيئة في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير، كلية الشريعة والقانون، الجامعة الإسلامية، غزة، 1430هـ/2009م ص 14 (بتصرف)
- [55]– محمد عمر: حماية الإسلام للبيئة، اللواء الإسلامي، 1230، 2005، ص 6.
- [56]– راجع هذه الخاصيات في: إيمان قشقوش: موقف الشريعة الإسلامية من موضوع حماية البيئة، الصفحات 14-15-16
- [57]– سورة الرحمن/ من الآية 1 إلى الآية 15.
- [58]– سورة الروم/ الآيتان 19-20.
- [59]– سورة الفرقان/ الآية 2.
- [60]– سورة القمر/ الآية 49.
- [61]– الحجر/19.
- [62]– سورة التغابن/الآية 1.
- [63]– سورة النحل/ الآيتان 48-49.
- [64]– سورة الفرقان/ الآية 63.
- [65]– سورة الدخان/ الآية 29.
- [66]– الصعيدي عبد الحكم: البيئة في الفكر الإنساني، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1994، ص ص 103-104
- [67]– الطبري (أبو جعفر محمد بن جرير): جامع البيان عن تأويل القرآن، حققه وخرج أحاديثه محمود محمد شاكر، دار المعارف، مصر، ج 22/ ص 35.
- [68]– محمد محمد الشلش: رؤية الشريعة الإسلامية ومنهجها في الحفاظ على البيئة، دراسة في الواقع الفلسطيني، بحث أنجز بجامعة القدس المفتوحة، فلسطين، ص153.
- [69]– سورة الأعراف/ الآية 85.
- [70]– سورة البقرة/ الآية 125.
- [71]– عبد الله قاسم الوشلي: التوجيه التشريعي الإسلامي في نظافة البيئة وصحتها، مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة والدراسات الإسلامية، عدد 44، ذو القعدة 1429، ص 368.
- [72]– ابن قتيبة (أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري): عيون الأخبار، تحقيق منذر محمد سعيد أبو شعر، ط1، المكتب الإسلامي، بيروت، 1429هـ/ 2008م، ج1/ص 319.
- [73]– الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر): كتاب الحيوان، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ط2، شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، 1385هـ/ 1966م، ج4/ ص 70.
- [74]– قاسم محمد جابر: التربية البيئية في الإسلام، مجلة أسيوط للدراسات البيئية، جامعة أسيوط، مركز الدراسات و البحوث البيئية، مصر، العدد 31، يناير 2007، ص ص 119-120 (بتصرف شديد).
- [75]– عدنان بن صادق ضاهر: أحكام البيئة في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير في الفقه المقارن، كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية، غزة، 1430 هـ/2009م، بتصرف شديد عن ص 8.
- [76]– سورة الذاريات/ الآية 48.
- [77]– سورة الرحمن/ الآية 10.
- [78]– سورة الرعد/ الآية 4.
- [79]– سورة النحل/ الآية 14.
- [80]– سورة الروم/ الآية 48.
- [81]– سورة الأنعام/ الآية 38.
- [82]– عدنان بن صادق ضاهر: أحكام البيئة في الفقه الإسلامي، ص ص 8-9 (بتصرف)
- [83]– أبو داود (سليمان بن الأشعث السجستاني): السنن، كتاب الأدب، باب في قطع السدر، الحديث رقم 5239، تحقيق محمد عبد العزيز الخالدي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 1416هـ/ 1996م، ج3/ ص 364.
- [84]– مسلم: الصحيح، كتاب البيوع، باب كراء الأرض، الحديث رقم 91، ج3/ ص 1176.
- [85]– النجار (عبد المجيد عمر): قضايا البيئة من منظور إسلامي، ط3، وزارة الوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1409 هـ، 1999م، بتصرف عن ص 44.
- [86]– عليان حاتوغ بوران ومحمد حمدان أبو دية: علم البيئة، ط1، دار الشروق، عمان، الأردن، 1994، الصفحات بتصرف عن الصفحات 14-15-16.