الثقافة الشعبية والإعلام بين الحماية والتدمير من خلال نماذج عالمية
طالب باحث بسلك الدكتوراه
كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وجدة
المغرب
أستاذ محاضر مؤهل
باحث في قضايا الإعلام والتواصل
كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وجدة
المغرب
مقدمة
يضم التراث مجموعة العلوم والآداب والعادات والتقاليد والطقوس والفنون التي يتوارثها الأجيال أبا عن جد، وهي التي تشكل هوية الأفراد والجماعات والشعوب والأمم وهي لصيقة بهم عبر الزمان والمكان، وتعتبر حصنا منيعا لكيان الشعوب تحفظ بقاءه واستمراريته بالنسبة للأجيال اللاحقة باعتباره ميراثا وإرثا يتمتع بمجموعة من الخصائص من بينها الانتقال من جيل إلى آخر والبقاء راسخا في الشعور الجمعي والذاكرة الجماعية.
نجد في ظل التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الإعلام والاتصال والعولمة الثقافية والمعرفية التي غيرت العالم وحولته إلى قرية كونية بلا حواجز وبلا حدود ، باتت كل الثقافات الشعبية مهددة وتهدد معها الهويات الثقافية الوطنية بسبب الحملات الإعلامية الممنهجة والمهيمنة التي تهدف أساسا إلى التنميط الثقافي من أجل نموذج ثقافي عالمي موحد وتسعى إلى تفتيت وتهميش الثقافات المحلية وجعلها تذوب ثم يعاد تشكيلها ، و من هنا ظهر مفهوم صناعة الثقافة أي إنتاج الثقافة باستخدام أحدث وسائل الإعلام والاتصال ،وازدادت شدة هذه العملية بتطور وسائل الإعلام بشكل سريع ومهول، ونجد مجهودات كبيرة تبذل من طرف الدول والمنظمات والجماعات من أجل السيطرة على هذه الصناعة الثقافية والتمكن من آلياتها وتطويرها .
واعتبارا لما سبق ولدواع موضوعية وأخرى ذاتية يعتبر البحث في هذا الموضوع من أهم سبل المحافظة على الثقافة الشعبية، لتسليط الضوء على العديد من الاتجاهات والنوايا الصالحة تارة والخبيثة كثيرا، خاصة عند معاينة الصناعات الإعلامية للثقافة الأجنبية عن وطننا سواء كانت صناعات من طرف دول غربية وكذلك دول عربية تختلف ثقافاتها عن ثقافتنا الوطنية، فالملاحظ اليوم في مجال الإعلام والثقافة يلاحظ أن هناك ثقافة عالمية آخذة في التشكل تتجاوز كافة الثقافات الشعبية المحلية، وقد يصف البعض هذه الثقافة العالمية الجديدة بأنها ثقافة سطحية أو استهلاكية أو غزو ثقافي أو مادية أو غير ذلك من النعوت التي يمكن أن تطلق عليها، ولكن مهما كان الوصف المعطى فإنه لا ينفي الحقيقة القائمة التي هي أن مثل هذه الثقافة تنتشر وتسود على حساب ثقافات محلية ووطنية، وبذلك “قد نشجب مثل هذه الثقافة وقد نرفضها ولكن لا الرفض ولا الشجب قادران على وقف زحفها طالما أننا لا نقدم بديلا ثقافيا قادرا على المنافسة في عصر متغيرات متسارعة وليس مجرد الوعظ والنصح”[1] ومن هنا يصير من الواجب على المهتمين والباحثين أن يتجندوا من أجل تشكيل جبهة الدفاع عن الثقافة الشعبية وتشكيل المناعة الثقافية عبر التسلح بأدوات وتقنيات الإعلام الجديد، وهي مسؤولية الدولة التي وعت هذه الأهمية وأسست لها. من خلال مجموعة من التدابير التشريعية والمبادرات الرسمية والتظاهرات الثقافية فقد جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي[2]: غير أنه في عالم مفتوح ويزداد عولمة بفضل التكنولوجيات الرقمية، فإنه يتعين إعادة التأكيد على واجب الدولة على الاستثمار في التنمية الثقافية لتحقيق غايات ثلاث:
- تشجيع حرية الإبداع الفني والثقافي، وتيسير ولوج الجميع إلى المنتوجات الثقافية؛
- الرفع من مستوى تربية المواطنين وتقوية التماسك الاجتماعي؛
- تشجيع الإشعاع العالمي للإنتاجات الثقافية المغربية، وتوفير شروط تطويرها في المنافسة الثقافية العالمية.
كما أنها مسؤولية كل غيور على ثقافته الشعبية وموروثه الثقافي، وتزداد حدة هذا التكليف على كل المهتمين والباحثين الأكاديميين من أساتذة وطلبات ومثقفين، وأنا واحد من هؤلاء الطلبة الباحثين الذين استشعروا هذا الأمر، وأسعى أن أكون من هؤلاء الحراس مستعينا بتكويني الأكاديمي خلال مسلك “التعدد اللغوي والتلاقح الثقافي بالمغرب ” ومن خلال البحث في هذا المجال متيقنا بأن شرف المحاولة يستحق بذل الجهد في ذلك.
والوصف قد لا يكفي ويحتاج التحليل والاستنتاج لاستكشاف ما وراء هذه الصناعات وأهدافها ووسائلها…كل هذا يحتاج البحث الحثيث والسعي الشديد وقد لا أستطيع الوصول من خلال هذا البحث للغاية المقصودة ولكن البداية أحيانا نجاح خاصة عندما تكون الأهداف نبيلة والوعي جميل بقيمة البحث في التراث الشعبي والمحافظة عليه وحمايته، فعندما أصادف كتابات ومؤلفات أو إنتاجات إعلامية (صور أو فيديوهات…) تناولت الثقافة الشعبية المغربية، فهذا يثير فضولي للتأكد من صحة ما كتب أو قدم وعن النوايا والأهداف وعن تأصيل للمحتوى ثم المقارنة مع التغيرات، وأحيانا كانت بعض هذه الكتابات تستفزني لأنها تصور ثقافتنا الشعبية في صورة مخالفة للحقيقة، ولذلك قررت اختيار البحث في هذا المجال.
المنهج المتبع:
ارتكزت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي، الذي كان من أنسب المناهج وأقربها إلى ما أرمي إليه من هذا البحث، والذي يقوم على مبدأ تجميع الحقائق والمعلومات من مصادر متعددة لتشخيص الواقع ثم تحليلها وتفسيرها للوصول إلى تعميمات مقبولة نسبيا ، وهذا المنهج عبارة عن اجتماع منهجين مع بعضهم البعض، حيث يكون المنهج الوصفي هو المنهج الأساسي المعتمد في البحث ويساعده المنهج التحليلي من أجل عن الظاهرة وإيجاد حلول مناسبة وتقديم خلاصات واقتراح توصيات، ولعل من أهم أسس المنهج الوصفي التحليلي هو القيام بمقارنات بين الظاهرة التي يدور حولها البحث وبين ظواهر أخرى مشابهة لها، ثم القيام بتحليل هذه النتائج والمقارنة بينها، وهذا الذي اعتمدته حين حاولت القيام بمقارنة للصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية بمجموعة من الدول ومقارنتها مع مجهودات المغرب في هذا المجال لأصل إلى خلاصات وتوصيات متمنيا أن تساهم في الإحاطة بموضوع الصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية بالمغرب، وأن تكون قاعدة أنطلق منها في بحوث مستقبلية من أجل تصنيف ما يمكن تحقيقه من توصيات وما لا يمكن تحقيقه .
نماذج عالمية من الصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية.
لا بد قبل الحديث عن الصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية بالمغرب من سرد لبعض التجارب الدولية للوقوف عليها من أجل استخلاص بعض الدروس منها، ومقارنة تجربة المغرب معها. وهي تجارب تختلف من حيث الأهداف والمنطلقات والوسائل، تجارب تستحق الدراسة والبحث في مشاريعها وسياساتها بخصوص إنتاج مضامين ثقافية، والمنهجية والمقاربات المعتمدة، ومن هنا ارتأيت ذكر تجارب بعض البلدان من مختلف الثقافات واللغات، خاصة تلك التي استطاعت أن تفرض نفسها كقوى إعلامية عالمية، فاخترت كلا من: تجارب الإمارات العربية المتحدة، تركيا واليابان، ثم تجربة نيجريا والسينغال.
- الإمارات العربية المتحدة:
أصبحت دولة الإمارات مركزاً عالميا لصناعة الإعلام، وفاعلا أساسيا في صناعة الثقافة الشعبية من خلال مبادرات ومشاريع إعلامية رائدة، وشهدت دبي نقلة نوعية بعد تأسيس منطقة حرة مخصصة للأنشطة الإعلامية تحولت خلال سنوات قليلة إلى أكبر تجمع إعلامي عالمي في المنطقة وهي «مدينة دبي للإعلام» التي أسسها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في عام 2000، والتي تعتبر مركزاً مهماً للإعلام في الشرق الأوسط والعالم وهي مخصصة للعمل الإعلامي بكافة صوره وأشكاله، واستطاعت مدينة دبي للإعلام أن تجعل دبي مركزاً مهماً للإعلام في الشرق الأوسط، حيث تحتضن مقرات كبريات الشركات الإعلامية والإعلانية العربية والعالمية. حققت دبي مكانة متميزة في مجال الإعلام، لتتحول إلى أحد أهم مراكزه على المستويين الإقليمي والعالمي، مع نجاحها في بناء مجتمع متخصص يغطي كافة قطاعات الإعلام بأكثر من 4000 شركة عربية وعالمية تتخذ من دبي مقراً رئيساً أو إقليمياً لها.[3]
يواصل الإعلام الإماراتي مسيرته في إبراز جهود الدولة إقليمياً وعالمياً في كل مجالات الحياة العلمية والإنسانية والاقتصادية، ويعزز نجاحه خلال السنوات الماضية قدرته على مواكبة المستقبل، ليكون أكثر تأثيراً وانسجاماً مع خطط التنمية الشاملة في الإمارات، كما تشكّل تهيئة المناطق الحرّة إحدى ركائز تطوير الإنتاج الثقافي وقطاع الإعلام. فمن بين المناطق الحرة العديدة في الإمارات العربية المتحدة، توجد حوالي عشر مناطق متخصصة في الصّناعات الثقافية والإعلام. نذكر من بينها:[4]
- مدينة دبي للإعلام: وهي مؤسسة خاصّة بالإعلام، تضمّ العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية (التلفزيون والصحافة المكتوبة والنشر)؛
- “توفور 54”: وهو مركز مفتوح في وجه المستثمرين الراغبين في إطلاق مشاريع في الصناعات الثقافية وإنتاج المضامين (التلفزيون والسينما والمسرح والرسوم المتحرّكة والألعاب والموسيقى ووسائل الإعلام الرقميّة…)؛
- مدينة الشارقة للنشر: وهي منطقة حرة خاصّة بقطاع النشر؛
- مدينة دبي للأستوديوهات: وهي بنية تحتية توفر التجهيزات والخدمات اللوجستية (معدات، استوديوهات، موارد بشرية…) لمختلف أنواع الإنتاجات (سينمائيّة، سمعية- بصريّة، وموسيقيّة…)؛
- حيّ دبي للتصميم: وهو مشروع غير مسبوق يهدف إلى توفير بيئة خاصّة بعالم التصميم والموضة. وتطمحُ الإماراتُ العربية المتحدة من خلاله إلى جعل دبي عاصمة للتصميم العالمي.
قامت الإمارات العربية المتحدة، في السنوات الأخيرة، بإطلاق سياسة عرضانية تتكامل فيها قطاعات التربية والتكوين والثقافة والإعلام والسياحة من خلال تطوير البنيات التحتية والإنتاج الثقافي على نطاق واسع، وذلك بهدف أن تصبح بلدا رائدا على الصّعيديْن الإقليمي والدولي.
وتهدف هذه السياسة الثقافية إلى المساهمة في بناء «مواطن إيجابي» بفضل المعرفة، وبناء اقتصاد يعتمد على الصّناعات الإبداعية وعلى تشجيع السياحة، وذلك في إطار مشروع التنويع الاقتصادي[5].
وقد تمكّنت الإمارات من تنفيذ عدّة مشاريع طموحة في مجالات مختلفة: النشر والكتاب والمتاحف (متحف اللوفر في أبو ظبي ومتحف الاتحاد في دبي، الخ)، والتظاهرات الثقافية والمعارض الفنيّة والمهرجانات السينمائيّة (مهرجان ذو شهرة عالمية)، وجائزة عربية كبرى للصحافة تمنحها، أيضا، للجرائد والمجلات التي تعنى بالمضامين الثقافية.
اهتمت دولة الإمارات بالتراث الشعبي وتوثيقه ونشره والترويج له إعلاميا بفعاليات ومؤسسات نشطة (عشرات المتاحف التراثية المهتمة بحفظ تراث الوطن.. اهتمام ملحوظ بالقرى التراثية والمؤتمرات والمهرجانات الدولية.. مؤسسات اتخذت مكانتها الدولية المرموقة، ومنها- على سبيل المثال- مركز الدراسات والوثائق الذي تأسس عام 1986 برأس الخيمة بهدف إعادة كتابة تاريخ منطقة الخليج العربي والتاريخ العربي والإسلامي. ونادي تراث الإمارات الذي تأسس عام 1993 ويتبعه عشرات النشاطات والمؤسسات ويقوم بإجراء البحوث المتعلقة بتراث الإمارات وخاصة التراث المتعلق بالأدب الشعبي كالقصص والشعر والأمثال…) وفضلاً عن هذه المؤسسات تحظى الإمارات بعشرات الجمعيات المهتمة بالتراث الشعبي، وفرق الفنون الشعبية وبيوت التراث…إلخ.[6]
أولت إدارة التراث المعنوي بهيأة أبو ظبي للثقافة والتراث عناية فائقة بالطفل الإماراتي من خلال إصدار بعض السلاسل التي تعيد تقديم التراث الشعبي للطفل، كما أنشأت العديد من القنوات التلفزية التي تهتم بالطفل مثل قناة “ماجد” التي تقدم برامج من التراث الشعبي الإماراتي ، كما استعانت بالعديد من الحكواتيين والإعلاميين العرب من أجل إنتاج سلسلة حكايات شعبية إماراتية وتحويل الحكايات الشعبية والأمثال وكذلك الألعاب إلى إنتاجات إعلامية بتقنيات احترافية وإبداعية ،وفي عام 2014، أنشأ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي مبادرة #MyDubai، ودعا المقيمين والزائرين للانضمام إليه في مشاركة الصور ومقاطع الفيديو والقصص على وسائل التواصل الاجتماعي وإظهار تجاربهم في دبي لصناعة “أول سيرة ذاتية في العالم لمدينة”، والقصد من ذلك، بحسب تعريف الصفحة الرسمية للمبادرة “الاحتفال بالحياة اليومية لشعوب ومجتمعات الإمارة”. فقد شهدت المبادرة استجابة واسعة مع تحميل أكثر من 500 ألف صورة على موقع “إنستغرام” بعد مضي أربعة أشهر فقط على إطلاق المبادرة.[7]
وارتباطا بالصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية الموجهة التي تسعى من خلالها دولة الإمارات إلى تلميع صورتها عربيا ودوليا، تقدم العديد من البرامج الإعلامية عبر مختلف المنصات الإعلامية وتسخر لذلك الأموال الكبيرة ، ولعل برنامج “قلبي اطمأن” الذي استطاع أن يعطي صورة إعلامية عن الإمارات العربية جميلة ،وتبدأ القصة حين يقوم الشاب غيث من خلال برنامج “قلبي اطمأن” الذي يدعم الفقراء والمحتاجين في بلدان مجاورة، شاب إماراتي يعطي ظهره للكاميرا ولا يظهر من وجهه شيئا، يحمل على ظهره “حقيبة السعادة” التي يذهب بها لمد يد العون لأصحاب الحاجة، ليحل أزماتهم المالية أو تأمين مستقبل تعليمي لأحد أطفالهم أو حتى كفالة يتيم، يوزع “غيث” ملايين الدراهم دون إظهار وجهه لكن يبدأ برنامجه بعبارة “أنا من الإمارات“.
- تركيا:
قامت السياسات الثقافية للحكومة التركيّة، منذ بداية الألفية الجديدة، بإحداث تحوّل جذري في المشهد الثقافي بتركيا. حيث عملت المقاربة الجديدة على مأسَسَة ومَهْنَنَة الثقافة من خلال إعادة هيْكلة وتنشيط مؤسسات رسمية قائمة والعمل في الوقت نفسه على خلق بنيات جديدة مثل[8]:
- الأناضول للثقافة: وهي مؤسسة للنهوض بالثقافة تأسست سنة 2002 على يدِ فاعلين ينتمون إلى عالَم الفنّ والقطاع الخاصّ والمجتمع المدني؛
- سولْتْ: وهي هيئة متخصصة في الفن المعاصر أُنشِئتْ سنة 2011 من طرف مؤسسة بنكيّة وأحد المثقفين المعروفين في تركيا؛
- مركز الأبحاث حول التدبير الثقافي والفني، الذي أنشئ سنة 2010 بجامعة بيلجي، وهو مركز يقدم تكوينا متخصصا في مجال التدبير الثقافي.
تسند هذه السياسة الثقافية خُطّة إعلامية قويّة تهدف إلى نشر الثقافة التركية في الخارج خاصّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعزيز قوّة نفوذ تركيا في العالم. ويتمّ تنفيذ الاستراتيجية الإعلامية التركية عبْر شبكة التلفزيون العمومي والراديو، وكذا عبْر الدعم المالي الذي يُقدَّم للقنوات التلفزيونية الخاصة ولدُور الإنتاج. وتركّز هذه الاستراتيجية بالخصوص على إنتاج مسلسلات تلفزيونية تشهد نجاحًا كبيرًا، إلى درجة أنّ تركيا تُعتبر اليوم ثاني أكبر منتج وموزّع للمسلسلات في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكيّة[9].
تسلّط هذه المسلسلات التلفزيونيّة الضوء على تاريخ البلاد وتراثها ومآثرها وعلى نمط العيْش التّركي. وتبيّن الأرقام الرسمية التي تقدّمها وزارة الثقافة والسياحة الارتفاع الكبير في عدد السّياح الذين يزورون تركيا، وهو تطوّر يُعزى في جانبٍ منه الى تأثير المسلسلات التلفزيونيّة في الخارج.
ويمكن الاستنتاج أنّ الاستراتيجية الإعلامية والثقافية التي أطلقتها الدولة التركية وحرصت على رعايتها عززت موقع تركيا على الساحة الدولية، كما خدمت مصالحها السياسية والاقتصادية. فامتلأت الأسواق المغربية بأثواب وألبسة تركيا، وانتشرت الثقافة التركية وقدم تاريخ تركيا في صورة جميلة جدا، وازدهرت السياحة بدولة تركيا.
- اليابان:
في عام 2004 وعلى إثر القصف الأمريكي للعراق قررت اليابان إرسال شاحنات مياه لإغاثة العراقيين إلا أن المتطوعين في الحملة رأوا أن علم اليابان وحده لن يكون كافيا لتمييز الشاحنات فالكثير من العراقيين لم يكن يعرفه ، ولذا اقترحوا بدلا منه أن يضعوا ملصقات كبيرة للكابتن ماجد فوق الشاحنات، فهذا يعلمه الجميع ويعلم نسبته لليابان وهذا أكثر من كاف للتمييز الآن بين هوية اليابان الأشهر بين أركان العالم ،فقد لا يعرف الناس علم اليابان حتى علمائها ولكنهم يعرفون بيكاتشو وكونان كما يعرفون أسمائهم ، لقد جعلت اليابان من الأنمي (أفلام الرسوم المتحركة ) مفتاح هويتها الأبرز إضافة إلى مساهمته في نمو الاقتصاد الياباني ، والأهم من ذلك كله كيف نجحت شعبية الانيمي اليابانية في غرس صور أكثر إنسانية لليابان، التي تخفي صورة اليابان الاستعمارية البشعة والدموية، فمن البر الرئيسي الصيني ومرورا بالكوريتين وهونغ وميانمار وفيتنام وتايلاند والفلبين وماليزيا وسنغافورة وحتى إندونيسيا وغيرها بلغت مجازر اليابان خلال الحرب العالمية الثانية حدودا لا يمكن وصفها، في الصين وحدها قتلت الجيوش اليابانية الملايين وكذلك في فيتنام، ثم في إندونيسيا ناهيك عن مذبحة “نجي” الصينية التي أحرقت ثلث منازلها، حتى أن جيمس مالكوم يصف ذلك العدوان في مذكراته قائلا: “لا أعرف متى سينتهي هذا، لم أشاهد في حياتي مثل هذه الوحشية، اغتصاب، اغتصاب، اغتصاب، كانت هناك 1000 حالة اغتصاب في اليوم، وأي رفض أو استنكار يقابل برصاصة أو بطعنة في القلب.[10]
قررت الحكومات المتعاقبة تغيير هذه الصورة البشعة عن بلدها وتصدير صورة أكثر لطفا عن اليابان الجديد، فقامت وزارة الخارجية اليابانية بإنشاء مؤسسة اليابان عام 1972 التي اختصت بتنمية الصداقة والعلاقات بين اليابان والعالم من خلال نشر الفنون والتبادل الثقافي والأكاديمي وتعليم اللغة اليابانية في الخارج، ولهذا عمدت المؤسسة لإنشاء معارض يابانية عالمية لنشر فنون الأنمي اللطيفة بغرض تجميل الصورة القبيحة للإمبراطورية اليابانية في رحلة أخرى من الغزو لكنه غزو بقوة ناعمة بلا دماء، والقوة الناعمة كما يعرفها جوزيف ناي هي: قوة روحية ومعنوية للدولة من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والثقافة والفن مما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به. ثم اتباع مصادره وعلى رأس أسلحة هذه القوة يأتي الأنمي رفقة الرسوم المصورة أو المانجا إذا وضعت الحكومة اليابانية نحو 500,000,000 دولار في صندوق طول جابان من أجل الصناعات الدعائية لصورة اليابان الجديدة وتعزيز ثقافة النعومة اليابانية. وذلك كله عبر شخصيات الأنمي اللطيفة والمحببة والتي أخذت في نشرها عبر معارض الأنمي المتعددة في مختلف بلاد العالم بما في ذلك بلداننا العربية ، لتبدأ اليابان بصندوق “الكواي” في محو الدم الأحمر بريشة متعددة الألوان ، ليخرج الأنمي الياباني من رحم كوكب اليابان إلى كوكب الأرض بأكمله، وفي غمرة هذا الانتشار الواسع لم ينسى الوطن العربي نصيبه من الانمي كغيره من بقاع الأرض، ويذكر الباحث حيدر الكعبي أن اقتحام الأنمي بلادنا العربية قد تم عبر مراحل ثلاث طول هذه المراحل كانت مع الأنيمي المدبلج الذي بثته القنوات الحكومية العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الــ 20 وهي مرحلة خضع فيها الأنمي لرقابة مشددة لمحاولة توفيق هذا الإنتاج المستورد، لتتبع هذه المرحلة مرحلة الألفية الجديدة إذ كان لأحداث الحادي عشر من شتنبر أبلغ الأثر في لفت انتباه اليابان لمنطقة الشرق الأوسط ولعل الحدث الأبرز في هذه المرحلة هو إطلاق قناة سبيستون الشهيرة عام 2002 ودبلجة الأعمال اليابانية لتوفر القناة انتشارا واسع النطاق للأنمي الياباني وينطلق من خلالها الأنمي إلى المرحلة الثالثة وهي ما يمكن تسميتها بمرحلة الأنمي المترجم والتي شهدت انتشارا واسعا للأنمي عبر الأنترنت دون رقابة أخلاقية أو اختيار ما يناسب المراحل العمرية المختلفة ما أدى لانفتاح مطلق على الأنمي بكل ما يحمله،[11] فإن كان للأنمي المدبلج ميزات اجتماعية وتثقيفية أثرت لغة الأطفال ونمت أفقهم وارتبط بها جيل سبيستون كما يسمى، فإن مرحلة الأنمي المترجم قد وضعت الأطفال والمراهقين أمام منزلق خطير لا يجدون أمامه الحماية الكافية ،فمع دخول الأنمي ببلادنا مرحلة الانتشار الثالثة أصبحت الرقابة الأخلاقية والثقافية على الأنمي ضربا من المستحيل فالأمر لم يعد يحتاج أكثر من نقرة زر حتى إن الأنترنت صار مملوءا بشتى أصناف هذا المنتج الياباني بما فيها من انحرافات عقدية وجنسية وفكرية وثقافية .
صنعت ثقافة الأنمي اليابانية شعبيتها الكاسحة في داخل اليابان وخارجها حتى وجد المهووسون بها أنهم بحاجة لبصمة مميزة لهم ولقب حصري مخصص فأتى الــ “أوتاكوOtaku “[12] ليصبح هذا المصطلح تشريفا ويعني المهووس العاشق للأنمي والمانجا أو حتى الألعاب الإلكترونية أو أي منتج ثقافي أو تقني صادر من اليابان، وقد أصبح هذا المصطلح شائعا ودارجا في مجتمعاتنا العربية والمغربية أيضا وعلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات محبي الأنمي العرب، إلى أن هذا الهوس والتعلق الشديد بهذا المنتج الثقافي قد لا يخلو من مخاطر ثقافية لا ينتبه لها الكثير سواء الجانب العقائدي مثل صور الآلهة الوثنية حاضرة وشياطين الخير والأرواح العليا ذات القوى الخارقة بارزة في عدة أعمال، ففي أحد مسلسلات الأنمي المشهورة[13] نجد أن القتل وسيلة تحقيق العدالة في العالم وأن هذا القتل يتم عبر قدرات إلهية يمنحها أحد آلهة الموت لبطل القصة والذي يصنع من نفسه إلها يقضي حسب ما يراه ، بينما نجد في آخر يفوقه شهرة أن العالم يحكمه عمالقة ذووا قوى خارقة يترأسهم عملاق بقدرات لا يوصف بها إلا إله، بينما نجد الإبادة البشرية وسيلة مطلوبة لتحقيق غاية مجيدة حتى لو طرحها الكاتب على سبيل الصراع الدرامي، أما فيما يتعلق بنمط الحياة فإن صورة الفتاة المقاتلة الذكورية صارت مسيطرة بشكل كبير على هيئة الفتيات بينما نجد العكس صحيحا فيما يخص الشباب ،ففي أنمي هجوم العمالقة الشهير نجد شخصيتي الفتاتين “ميكاسا وآني” هما أقوى أعضاء فيلق التدريب بأكمله بل إن ميكا ستظهر أقوى جنود البشرية فيما نجد زميلهم “آرمين” في هيئة مخنثة مؤنثة في قواه وملامحه وكأنه فتاة ،بينما يأتي أنمي “جوجو” يصور الفتيان على هيئة فتيات ليل وليس فتيات طبيعيات وهذا كله بخلاف العلميات ذات التصنيف الجنسي والتي تقدم محتوى إباحيا تقريبا في هيئة قصص درامية… وكل هذا متاح ومفتوح ومترجم لأبنائنا وإخواننا الصغار.
إن الصناعة الإعلامية للثقافة اليابانية بلغت حدا لا يصدق لنجد أنفسنا أمام حقيقة لم نكن نتخيلها وهي أن هذه الثقافة باتت تتسرب إلينا دون أن ندري حتى وإن ظننا في أنفسنا نضجا كافيا، بل، حتى لو كنا كذلك فهل نأمن على أطفالنا ومراهقينا وثقافتنا وهويتنا التعرض لمنابع الانحراف الثقافي الإنساني دون أن ينتابنا القلق حول مصيرهم.
- السينغال:
برهنت التجربة السينغالية على حركية نشيطة في ميدانيْ الثقافة والإعلام. فهذا البلد يتوفر على نحو أربعين صحيفة، منها 17 جريدة يومية و17 قناة تلفزيونية عمومية وخاصة، وحوالي 200 محطة إذاعية خاصّة تجارية وجماعاتية، وعشرات المواقع الإخبارية على شبكة الأنترنت. ولقد قامت دولة السنغال بإطلاق استراتيجيّة أطلَقت عليها اسم “مخطط السينغال الصّاعدة “ترتكز على ثلاثة محاور تتمثل في: [14]
- التحويل الهيكلي لأسس الاقتصاد؛
- النهوض بالرأسمال البشري؛
- الحكامة الجيّدة ودولة القانون.
وفي هذا السياق اعتمدت وزارة الثقافة والاتصال إطارا يحدّد عملها على المدى المتوسط (2017 – 2021)، عرضته في “رسالة السياسة القطاعية لتنمية الثقافة والاتصال “، تحدّد فيها رؤيةَ السنغال للثقافة والاتصال كما يلي: “قطاع الثقافة والاتصال عامل من عوامل التنمية والسلم والديمقراطية والتماسك الوطني من أجل اقتصاد صاعد”. كما تحدّد الرسالة الهدف العام الذي ترمي إليْه السياسة القطاعية بحلول سنة 2021، المتمثل في: “تطوير قدرات الثقافة والاتصال للمساهمة مساهمة قويّة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتماسك الوطني من خلال تعزيز التنوع الثقافي والسلم والديمقراطية”. ورسمت الرسالة خمسة أهداف استراتيجيّة كما يلي:
- دعم اقتصاد الثقافة؛
- دعْم مقاولات القطاع الإعلامي؛
- تثمين التراث الثقافي المادي وغير المادي، وتعْزيز التنوّع الثقافي؛
- دمقرطة الولوج إلى وسائط الإعلام الكبرى وتعزيز حرية الصحافة؛
- تعزيز القدرات المؤسساتيّة وبنيات تدبير الثقافة والإعلام.
وامتد الإعلام السينغالي لينفتح على العربية والجمهور المتكلم بالعربية ، ويقول الإعلامي السنغالي “عبد الأحد امبيغ ” المدير العام لموقع “أخبار السنغال” إن الحكومة السنغالية تسعى من خلال تبني وسائل إعلام باللغة العربية وبث برامج بهذه اللغة في وسائل إعلام رسمية مثل الإذاعة والتلفزيون إلى تحقيق هدفين، أولهما التواصل مع جمهور عريض يفوق ثلث السكان يتكلم بالعربية، والثاني خلق جسر تواصل مع السلك الدبلوماسي العربي والجالية العربية في دكار، علاوة على التواصل مع الدول والشعوب العربية من خلال هذه الوسائل الإعلامية، وذلك لإيصال رسائل هامة تعكس السياسة العامة للنظام وتبرز أهم إنجازاتها.[15]
- نيجريا:
تُعتبر تجربة نيجيريا نموذجا مميزا سواء على صعيد “اقتصاديات الثقافة ” أو من زاوية التكامل بين الإعلام والمضامين الثقافية. وقد تمكّنت نيجيريا من تأسيس صناعة إعلامية وثقافية بفضل القطاع العمومي بالدرجة الأولى، كما أن للقطاع الخاص مساهماته النوعية، ترتبت عنها نتائج اقتصادية واجتماعية، بفضل الإنتاج الموسيقي والسينمائي، واللباس (الموضة)، ومجالات إبداعية أخرى.
تعتبر القناة التلفزية العمومية الأكثر مشاهدة (أكثر من 90 مليون مشاهد يوميا) وتمتلك قنوات جهوية في 36 ولاية تتكوّن منها الفيدرالية النيجيرية. وكل محطّة جهوية تنتج عشرات الساعات من البرامج يوميا بالإنجليزية وباللغات المحلّية، بحيث تتواصل مع مختلف الفئات والثقافات. كما أطلقت عددا من القنوات الموضوعاتية مثل NTV -المعرفة وهي موجهّة أساسا للتربية والثقافة، علما بأن لكل ولاية قناة إخبارية عمومية خاصّة بها. أما الإذاعات، وتعدُّ بالمئات، فلها امتداد وطني تتوزع برامجها حسب الفئات المستهدفة، وخصوصا الشباب، وإن كانت اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية المعتمدة أساسا في وسائل الإعلام، ولا سيما الاتصال السمعي البصري العمومي، إلا أن اللغات الجهوية الأساسية الأخرى خصوصا “يوروبا “في الجنوب الغربي، و “الهاوسا” في الشمال، و “الإيبو” في الجنوب الشرقي، فلها مكانتها في هذه الوسائط في بلد ينطق سكانه ب 300 لهجة ولغة.[16]
إضافة إلى الإعلام العمومي، بكل وسائله، هناك مئات الصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية الخاصة، وأكثر من 100 قناة خاصّة ساهم البعض منها في تطوير المشهد السمعي البصري القومي؛ ولأن للدولة النيجيرية انشغالا دائما بقضية الوحدة الوطنية فإن وسائل الإعلام، بمختلف أصنافها ومجالات امتدادها، مطالبة بإنتاج برامج سياسية وثقافية تسهم في تقوية الاندماج الوطني في بلد يتميز بتنوع إثني وديني وثقافي كبير.
وبفضل السينما (نوليوود)، أصبحتْ نيجيريا تحتلّ المرتبة الثانية على الصعيد العالمي من حيث عدد الأفلام المنتجة، حتى وإن كان إنتاج أغلبية أفلامها يعتمد على ميزانيات محدودة. وفضْلا عن الأثر الإيجابي على إشعاع صورة البلاد، فإنّ الفائدة الاقتصادية والاجتماعية لهذا الإنتاج تكتسي أهمية كبيرة، حيث يُعتبر قطاع السينما ثانيَ أكبر مشغّل في نيجيريا بعد الفلاحة، بمليون منصب شغل، ولعل ما يميز نوليوود هو شعبيتها لدى الجمهور بسبب كون الأفلام المنتجة:
- تعكس ثقافة وواقع وتنوّع المجتمع النّيجيري؛
- يتمّ تصوير معظم هذه الأفلام بالإنجليزية وخصوصا باللهجات المحلية؛
- تتوزّع على نطاق واسع بواسطة القنوات التلفزية وأقراص مدمجة، بالرغم من القرصنة الكبيرة التي تتعرض لها.
وبفضل المجهودات الإعلامية النيجيرية أطلقت قناة “تلفزيون نوليود” مخصّصة للإنتاج السينمائي النيجيري الموجه للخارج، حيث تمكنت من فرض ذاتها في ظرف وجيز، ولقيت نجاحا متناميا في البلدان الإفريقية الفرانكفونية، مثل الكونغو كينشاسا، بوركينا فاسو، وساحل العاج.. وذلك بفضل دبلجة مضامينها إلى الفرنسية، وتقدّم نفسها أنها «قناة التخيّل الإفريقي»، حيث أصبحت لها مكانة في جنوب إفريقيا، فضلا عن أنها موجهّة إلى الجمهور الإفريقي في بلدان الاستقبال الأوروبية. ونظرا للتلقي الإيجابي لهذه القناة تمكنت من استعمال خدمات متعهّدي الاتصالات مثل Free، و SFR وOrange. أما في إفريقيا فإنها تعرض في “كنال سات إفريقيا”.[17]
خاتمة
صارت الصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية جزءا أساسيا من الحياة اليومية للناس في العالم الحديث، حيث لا يمر يوم إلا وسمعنا أو شاهدنا تدوينة أو صورة أو فيديو أو خبرا حول طقس من الطقوس أو نوع من أنواع الثقافة الشعبية في مختلف وسائل الإعلام والاتصال وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وتوفر هذه الصناعات مجموعة من الخدمات التي تلبي حاجيات المجتمع الثقافية والترفيهية ويستمتع بها أفراد المجتمع ويتفاعلون معها سلبا وإيجابا، قبولا ورفضا، فوسائل الإعلام، بتعدد مرتكزاتها التقنية، تعتبر أداة مهمّة في تشكيل قيم الجمهور، وتؤثر على تنشئته وطرق اكتسابه لقواعد السلوك الاجتماعي، وتساهم في تشكيل مداركه وتنشيط خياله، وفتح آفاق معرفية متجددة، وذلك من خلال مضامين المقالات والبرامج الإذاعية والتلفزية والأفلام والإعلانات ومختلف النماذج الإيجابية أو السلبية التي تنقل مجموعة من المعلومات والقيم.
إن هذه الصناعات تواجه تحديات كبيرة وإكراهات متعددة، لذلك يجب على الجهات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية أن تكون مستعدة لتغيير وتحديث أنظمتها وتقنياتها لمواكبة المستجدات الحديثة خاصة مع التطور الهائل في وسائل الإعلام والتكنولوجيات الإعلامية. كما يجب على المستهلكين أن يكونوا حذرين ويدرسوا الأخبار والمعلومات المتاحة لهم بحرص، وذلك باستخدام مصادر علمية موثوقة لصون ثقافتهم الشعبية والحفاظ عليها ونقلها بكل صدق وأمانة من جيل إلى آخر، نقلا أمينا دون شوائب.
تحتاج الصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية للاستثمار في الابتكار والإبداع وتوفير تجارب ومحتوى جديد ومتنوع للمستهلكين، والاقتداء بالتجارب العالمية في هذا المجال. كما يجب على الشركات الإعلامية أن تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي والاجتماعي للجماهير المستهدفة وتقديم محتوى يستجيب لاحتياجاتهم وتطلعاتهم، وأن تكون مسؤولة عن تقديم محتوى يعكس القيم الإيجابية التي تعزز التعايش والتعددية الثقافية وتحترم الحقوق الإنسانية.
أما المستهلكون، يجب عليهم أن يكونوا على دراية بأن الصناعات الإعلامية لا تعكس بالضرورة الواقع بشكل كامل وأن جميع المنتجات الإعلامية تتم معالجتها وفقًا لأجندات وأهداف مختلفة. ولذلك، ينبغي عليهم الاعتماد على مصادر متعددة للحصول على المعلومات والاستفادة من المعلومات السليمة الموثوقة، وتقوية المناعة الثقافية ضد كل ما يقدم في الإعلام عن الثقافة الشعبية ، مناعة تتقوى وتتعزز بفضل حراس الثقافة الشعبية من مثقفين مسؤولين وأطر مواطنة تؤمن بالأصالة والتعددية في الثقافة الشعبية، وتساهم في التأطير والتوجيه والحفظ ثم النقل السليم ،من خلال تعاون بين الشركات الإعلامية والجهات الحكومية والمجتمع المدني والجامعات والمعاهد والإعلاميين والمؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي…لتحقيق التوازن اللازم بين الحرية الإعلامية والمصالح العامة وحماية حقوق المستهلكين والحفاظ على الثقافة الشعبية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال وضع قوانين وسياسات فعالة وتعزيز الشفافية والمساءلة وتحفيز الإبداع والتجديد والدعم التقني والمالي للصناعات الإعلامية للثقافة الشعبية.
يظل حضور الثقافة الشعبية في الإعلام الرسمي المغربي – القناتين الرسميتين الأولى والثانية لأنهما الأكثر مشاهدة والأقدم، رغم وجود قناة موضوعاتية هي الثقافية، إلا أنها لا تعرف نسبة مشاهدة كبيرة – ونجد في دفتر تحملات[18](مسؤوليات) القناتين الأولى والثانية لسنة 2012 أن من الأهداف العامة للخدمة العمومية، أي التلفزيون الرسمي المغربي، في المادة الثانية: “إشعاع الثقافة والحضارة المغربيتين ورفع تنافسية الإنتاج السمعي البصري”، غير أننا نكتشف برامج قليلة تعنى بالثقافة الشعبية المغربية، مع كثرة برامج الفن والترفيه التي تجذب الكثير من نسب المشاهدة وبالتالي الإعلانات. فيما النشرات الإخبارية بالعربية والأمازيغية والفرنسية اليومية لا تضم بالضرورة خبرا ثقافيا وغالبا ما تكون التقارير الثقافية مواد لإنهاء النشرة وتوديع المشاهد.
إن ضمان جودة الإنتاجات الإعلامية للثقافة الشعبية بشكل عام مرتبط بتوفير الإمكانيات المالية والتقنية مع المراقبة المستمرة وتتبع العملية الإنتاجية، وتوفير الوقت الكامل لفريق العمل وتعزيز هذا الفريق بمتخصصين في الثقافة الشعبية، والاستئناس بالتجارب الناجحة دوليا في هذا المجال.
الإحالات:
- [1] تركي الحمد، الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي بيروت، 2003، ص 7.
- [2] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018.
- [3] مدينة دبي للإعلام.. قبلة الإعلام وريادة الأعمال في المنطقة، مقال بمجلة البيان، بتاريخ 05 نونبر 2020، على الرابط (01).
- 4] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018، ص 34.
- [5] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018، ص 36.
- [6] أحلام أبو زيد، التراث الشعبي بالإمارات.. ثراء علمي وإبداعي، مجلة الثقافة الشعبية، السنة الثالثة، العدد 11، خريف 2010.
- [7] مبادرة #MyDubai تتخطى النصف مليون مشاركة على “انستغرام”، مقال على مجلة البيان الرقمية بتاريخ 27 أبريل 2014 (الرابط رقم 02).
- [8] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018، ص 32.
- [9]– تركيا الثانية عالميا في تصدير الدراما، مجلة الغد، عدد 908 بتاريخ 16 نونبر 2019.
- [10] الأنمي الياباني.. براءة محلاة بالسم، فيلم وثائقي على قناة رواسخ، بتاريخ 13 يناير 2023 بتصرف.
- [11] حيدر محمد الكعبي، الأنمي وأثره في الجيل العربي، المركز الإسلاميّ للدّراسات الاستراتيجيّة،2022 ص 56.
- [12] أوتاكو هو مصطلح ياباني شائع يطلق على مدمني الأنمي والمانغا وألعاب الفيديو، ومعنى كلمة أوتاكو الحرفي يعني المنزل, وفي اليابان يكون الأوتاكو مشاهد أنمي من الدرجة الأولى بحيث لا يقل عدد الأنميات التي شاهدها عن 30 أنمي، أيضا يعشق ألعاب الفيديو التي لها علاقة مع الأنمي.
- [13] قصة انمي Death Note تدور حول الطالب المجتهد ياجامي الذي صادف مذكرة الموت التي رميت من آله الموت ريكو… ويعابر المسلسل الأكثر شهرة عالميا.
- [14] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018، ص 32.
- [15] الصحافة العربية بالسنغال.. انتشار متزايد بإمكانات محدودة، مقال بمجلة الجزيرة الثقافية بتاريخ 13 يونيو 20218 (رابط رقم 03).
- [16] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018، ص 38.
- [17] تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رقم 35/2018، ص 31.
- [18] الثقافة في الإعلام المغربي.. التغطية غير متواصلة، عبد اللطيف بن طالب. (انظر ملحق رقم 11 )