تتبع جوانب الاختلاف في القراءات القرآنية: دراسة لغوية
أستاذ مشارك بكلية الآداب
جامعة الإمام المهدي: قسم اللغة العربية وآدابها
السودان
أستاذ مشارك بكلية الآداب
جامعة الإمام المهدي: قسم اللغة العربية وآدابها
السودان
ملخص
تهدف هذه الدراسة إلى توضيح الجوانب اللغوية في اختلاف القراءات القرآنية ومناقشتها وفق جوانب علمية لتوصيل الفهم والإفهام إلى عامة الناس. تمثلت مشكلة الدراسة في حقيقة اختلاف القراءات، وموقف علماء المسلمين منها، ومفهومهم لها، وكيف ساهم الاختلاف في القراءات القرآنية في تعدد المعاني واتساعها من خلال منظور لغوي، هذا وقد اشتملت الدراسة على أربعة محاور وهي: المحور الأول: الجانب الصوتي، والمحور الثاني: الجانب الصرفي، والمحور الثالث: الجانب الدلالي، والمحور الرابع: الجانب النحوي. أما المنهج الذي اتبعناه في إعداد هذه الدراسة فهو المنهج الوصفي التحليلي مع ما يقتضيه من وصف وحصر مع الاستعانة بالمنهج التاريخي لتتبع آراء اللغويين والنحويين، ولا يخفى ما في ذلك من فائدة تمكننا من معرفة شيء من مراحل تتطور هذا الضرب من العلم، والإضافات المتراكمة عبر الأجيال في هذا المجال.
This study aims to clarify the linguistic aspects of the different Quranic readings (recitations) and discuss them according to scientific aspects to convey Understanding to the general public. The problem that this study aims to solve is to trace aspects of difference in Quranic readings as a linguistic study and it included four axes: The first axis: the acoustic aspect، the second axis: the morphological aspect، the third axis: the semantic aspect، the fourth axis: the grammatical aspect. As for the method that we followed in preparing this study، it is the descriptive and analytical method with what this method could require in terms of description and inventory، with the help of the historical method to trace the views of linguists and grammarians. It is not secret that the benefit in that enables us to know something from the stages of the development of this type of science، and the accumulated additions over the generations in this field.
كلمات مفتاحية: الاختلاف - القراءات القرآنية - الجوانب اللغوية - المعاني.
Keywords : Variation، Quranic readings، linguistic aspects، meanings.
مقدمة
الحمد الله الذي يغير الأشياء كما يريد، وهو القديم الباقي الذي لا يتغير سبحانه صرف كل شيء إلى أن يشاء الله تعالى، لا معقب له، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ونصلي ونسلم على علم الهدى محمد صلى الله عليه وسلم الذي حاز على أعلى درجات الفصاحة والبلاغة في اللغة العربية وأصحابه الذين اختارهم الله لصحبته الشريفة وعلى آله الطيبين الطاهرين.
فمن أهم الدواعي التي دفعتنا لكتابة هذه الورقة هو الجانب اللغوي الذي نتج عن اختلاف وتباين القراءات القرآنية والتي جعلها الله يسري على عباده وهو العالم على اختلاف ألسنتهم كاختلاف ألوانهم.
علما بأن هذه القراءات التي يقرأون بها هي غاية جهدهم، ورغم ذلك فإنهم يبذلون جهدا مقدرا ليقرأ ونها كما نزل القرآن الكريم إكراما لعظمته وهو موضوع مهم، لأنه يظهر الظواهر اللغوية المتباينة كتباين اللغات العربية المختلفة، ثم يزيل الخلط الذي يحدث عند سماع تلاوة أو قراءة القرآن الكريم بوجوه مختلفة كاختلاف القراءات القرآنية
المحور الأول: الجانب الصوتي في اختلاف القراءات
علم الأصوات: هو العلم الذي يدرس أصوات اللغة المنطوقة، فهو فرع من علم اللغة، وتميز عن غيره من فروعها بأنه يعني بجانبها المنطوق فقط، كما أنه يعني بأدق وأصغر الوحدات الدلالية في اللغة، والأصوات طبيعة اللغة، والكتابة لاحقة عليها، فهي رمز الصوت وتجسيد مادي له.
تنقسم أصوات اللغة على نوعين، هما الصوامت والصوائت، والصوامت هي الأصوات التي تتعلق بمخرج معين يعترض الهواء الصادر عن الحنجرة حيث أداء الصوت المراد اختباره، يشكل هذا النوع معظم أصوات العربية ويمثله جميع أصوات العربية عدا الحركات القصيرةshort Vowels (الفتحة، الضمة، الكسرة ) والحركات الطويلة Long Vowels أصوات المد الساكنة ( الألف والواو والياء).
والأصوات الصائتة هي التي يعترضها عضو من أعضاء النطق، أو لا تنطق بمخرج صوتي بثني النفس (الهواء الصادر من الحنجرة عن امتداده، فيكون الصوت أثناء نطقها ممتدا حرا لا يعيقه عائق حتى ينفذ، يمثل هذا النوع أصوات المد أو اللين أو العلة وتعد الحركات القصيرة أبعاض هذا هذه الأصوات أو جزء منها، لكنها لا تبلغ مقدارها من ناحية الطول، وكم الهواء المندفع، وهذا النوعان (الصوامت والصوائت) يشاركان في الدلالة أكثر من الحركات القصيرة ([1]).
والدلالة الصوتية تتحقق في نطاق تأليف مجموع أصوات الكلمة المفردة، وتسمى بالعناصر الصوتية الرئيسية، التي يرمز إليها بالحروف الأبجدية أ، ب، ت،… إلى آخره ويشكل منها مجموع حروف الكلمة التي ترمز إلى معنى معجمي.
وتتحقق كذلك من مجموع تأليف كلمات الجملة وطريقة أدائها الصوتي ومظاهر هذا الأداء وتسمى بالعناصر الصوتية الثانوية. وتعد هذه العناصر أكثر اسهاما في الدلالة من العناصر الصوتية التي تصاحب الكلمة المفردة ([2])
ويطلق العلماء على الأصوات الصامتة والأصوات الصائتة الصوت المقطعي الأول أو الصوت التركيبي Segmental Phoneme وهو أصغر وحدة صوتية ويضمنون هذا القسم قسما آخر سموه بالصوت فوق التركيبي وهو ما يطلق عليه الصوت الثانوي، وهو ملامح صوتية غير تركيبية مصاحبة تمتد عبر أطوال متنوعة في الأداء الصوتي، وتشارك في تنوع معانى الكلام مثلما تشارك فيه الأصوات التركيبية([3]).
تتمثل المصاحبات اللغوية أو السمات شبه اللغوية في ثلاثة أنواع:
- السمات التحبيرية الصوتية Prosodic Pictures ويعرف كذلك بالتطريز الصوتي وهي التي تصاحب الكلام أو الخطاب المنطوق وتتمثل في:
أ. النبر Stress
ب. التنغيم Intonation والوقفات والسكتات الكلامية أو الفواصل Pauses ومعدل الأداء الكلامي Tempoودرجة الصوت Pitch وصفته وقوته Volume
- 2. الأصوات غير الكلامية أو الفضلات الصوتية مثل: الضحك، البكاء، الصراخ ، التأوه ، والنحنحة والسعال القمقمة وغيرها من الأصوات التي تصاحب الأداء الكلامي في الخطاب المنطوق وتشارك في الدلالة أو يفهم المستمع منها معنى.
- الأصوات غير الانسانية مثل أصوات الحيوانات، مظاهر الطبيعة مثل: صوت الرياح، أصوات الكهوف، وحفيف أوراق الأشجار وغيرها من الأصوات الصناعية مثل الآلات الأجراس والأبواق التي تستخدم للدلالة على معاني معينة ([4])
نجد أن هذه الاختلافات أو الصفات الصوتية التي قد اشتملت عليها القراءات والتي تعزيها إلى اختلاف اللهجات العربية وهي: الفتح الإدغام الإمالة الهمز.
أولا. الفتح والإمالة:
الإمالة لغة: هي مصدر أملت الشيء إمالة: عدلت به إلى الجهة التي فيها واصطلاحا: أن تذهب بالفتحة إلى جهة الياء إن كان بعدها ألف كالفتى ، وإلى جهة الكسرة إن لم ذلك كنعمة وسحر .
وأصحابها: بنو تميم، أسد، قيس وعامة نجد ولا يميل الحجازيون إلَّا قليلاً فهي تسمى الكسرة أي لما فيها من الإمالة إلى الكسرة والبطح أي لما فيها من بطح الفتحة إلى الكسرة أي إمالتها إليه، وأصل بطح الشيء إلقاؤه ورميه ([5]).
وأيضا هي الميل بالفتحة نحو الكسرة والألف نحو الياء وقد لجأ إليها العرب لإيجاد التناسب والتجانس بين حروف الكلمات وحركتها ([6]).
إننا نعلم أن هناك تأثيرًا يقع في الأصوات المتجاورة إذا كانت متماثلة أو متجانسة أو متقاربة في الفتح والإمالة صوتان صائتان أي، يندرجان تحت ما يسميه الأوربيون Vowels فالفتح عبارة النطق بالصوت مع فتح الفم، وهو إما صائت قصير Short Vowels أو فتحة a)) وإما صائت طويل Long Vowlesأي ألف aa)).
أما الإمالة فهي أن تتجه بالفتحة نحو الكسرة ((e بالألف نحو الياء a)) ومعنى ذلك أن الإمالة متحولة عن الفتح ، ولذلك اهتم القدماء وبعض المحدثين بموضوع الأصلية والفرعية فيهما وذهب الأكثرون إلى أن الفتح هو الأصل والإمالة فرع عليه .ومهمها يكن من أمر فإن الإمالة كانت منتشرة في لهجات عربية قديمة فهي تمثل مستوى من اللغة الفصحى ويقرأ بها القرآن . وهي الآن منتشرة في بعض اللهجات العربية العامية وبخاصة في لبنان.
وقد يطلق القدماء على الفتح على أكثر من اسم فيسمونه (التفخيم، النصب، الإمالة، الاضجاع، البطح أو الكسر ([7]).
الإمالة أن ينحني بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء وتمال الألف إذا طرفا، بدلا من أو صائر إلى الياء دون زيادة أو شذوذا فالأول: كألف (رمى ـ مرمى )
الثاني (ملهى) فإنها تصير ياء في التثنية (ملهيان) وغرضها تناسب الأصوات وتقام بها التثنية على أصل أو غيره وحكمها الجواز ([8])
نجد أن علماء العربية ينسبون الفتح إلى أهل الحجاز، وللإمالة لأهل نجد ذلك يدل على أن القبائل العربية قبل الإسلام انقسمت إلى مجموعتين واحدة تؤثر الفتح ولا تقيم ألسنتها بغيرها وأخرى كثر فيها الإمالة، ويمكن نسب الفتح إلى جميع القبائل التي كانت تسكن غرب الجزيرة العربية بما ذلك قبائل الحجاز مثل قريش ـ ثقيف ـ هوازن، سعد ابن بكر كنانة، وقد سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقرأ ( يا يحيى ) بالإمالة فقيل : يا رسول الله، تميل وليس في لغة قريش؟ فقال هي الأخوال من بني سعد([9]).
وقد ورد في كتاب شذى العرف في فن الصرف أن أصحاب الإمالة: بنو تميم ـ أسد، قريش، عامة نجد ولا يميل الحجاز يون إلا قليلا وقال إنها تسمى الكسر لما فيها من الإمالة وإلى الكسر والبطح أي بطح الفتحة إلى الكسرة وأصل بطح الشيء إلقاؤه ورمية ويلزمه إمالته([10])، وكذلك تنتشر في أمصار العراق بعد الفتح الإسلامي.
أما أقسامه:
- تحول الفتحة القصيرة إلى كسرة قصيرة، مثل:
أ. أن تتحول الفتحة السابق إلى ها تأنيث إلى كسرة قصيرة في الوقت نحو: رحمة Rahmih نعمة niamh معصية massiyih وهو ينسب إلى الكسائي.
بـ. حرف المضارعة:
يكتب yiktubu – نلعب nileabu – تسمع tismacu
- تحول الفتحة الطويلة إلى كسرة نحو:
أ. الاسم المقصور: الهدى aghuda الفتىal fati.
ب. الفعل الناقص: اشترى ishtari .
الأجوف: باع bica خاف hifa كاد kida مات mita ([11])
أسباب الإمالة ترجع إلى عشرة، تشترك في شيئين
أحدهما: الكسر والثاني الياء.
1/ الكسرة المتقدمة، وذلك إن فصل بين الكسرة المتقدمة والألف فاصل وأقله حرف واحد مفتوح نحو، كتاب حساب والفتحة والإمالة لا فاصل بينهما وبين الألف
2/ ياء مفتوحة نحو، أيامى، الحياة.
3/ كسرة متأخرة نحو عابد ـ من الناس ــ في النار.
4/ياء متأخرة نحو، مبايع.
5/ كسرة مقدرة في المحل الممال، نحو حاف ( خوف)
6/ ياء مقدرة في المحل الممال، نحو يخشى (خشي) ــ أتى (يأتي)
7/ كسرة تعرض في بعض أحوال الكلمة نحو، طلب ــ جاء ــ زاد
8/ إمالة لأجل إمالة نحو، (رأيت عمادا).
9/ إمالة لأجل الشبه، نحو (الحسنى) أمالوا ألفها لشبهها بألف (الهدى).
10/ إمالة لأجل كثرة الاستعمال نحو (الناس) والمهم من ذلك أن الإمالة تنظم التأثير الرجعي والتقدمي أو الاثنين معا ([12]).
فلإمالة الكسرة والياء المتأخرين تأثير رجعي إذ يتأثر الصوت الأول بالثاني. ([13])
ولما نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم نزل بالفتح والإمالة ليفهموه جمعيا، ويتفهموا آياته، ويتدبروا شئون دينهم ودنياهم، قرأ به القراء من مختلف القبائل الذين يفتحون والذين يميلون في لهجاتهم. ([14])
فنجد القراء الذين اشتهروا بالإمالة هم: أبو عمرو، حمزة، الكسائي، فقد أمال حمزة والكسائي كل ألف منقلبة عن ياء حيث وجد في القرآن سواء أكانت في الاسم أو الفعل مثل: الهدى – مأوى – مثوى – الأذكى – الأعلى، وأمل أبو عمرو وحمزة والكسائي كل ألف بعد الراء المتطرفة المجرورة سواء كانت أصلية أم زائدة نحو: الدار – النار – القهار – الغفار – الكفار.
أمال حمزة الألف التي عين الفعل الثلاثي نحو: (زاد – شاء – ران – خاف) وغير ذلك، لكنهم اختلفوا في الإمالة والفتح في قوله تعالى (جرف هار) فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة بفتح الهاء، وروي أن الكسائي قرأها كذلك بالفتح واختلفوا في إمالة (الهدى ــ الهوى ــ استوى ــ أعطى) فالكسائي يميل هذه الكلمات كلها، أما أبو عمرو وعاصم فإنهما يفتحان إلا كلمات (رأى ــ رمى ــ رآه) فهما يميلانها، وأما حمزة فإنه يميل ذوات الياء، وابن كثير وابن عامر فإنهما يفتحان.
ونستنتج من ذلك : أن الفتح والإمالة هما صوتان من أصوات اللين سواء كانا قصيرين أو طويلين ، وأصوات اللين القصيرة في الاصطلاح الحديث هي ما كان يسميه القدماء بالحركات ، أما الطويلة فهي ، (ألف المد ـ واو المد ــ ياء المد) فلا نجد فرق بين الحركات القصيرة والطويلة إلا في الكمية ومخرج الحرف والفتحة منها هو نفسه ألف المد ، ووضع اللسان منها ، والفرق أيضا نجده في الكمية وكذلك الكسرة وياء المد متماثلتان في المخرج ووضع اللسان ، كما أن الضم وواو الجماعة متماثلتان أيضا، ونجد اللسان مع الفتح يكاد يكون مستويا في قاع الفم، فإذا أخذ في الارتفاع أو الصعود نحو الحنك الأعلى بدأ حينئذ ذاك الوضع أخذ الذي يسمى بالإمالة، وأقصى ما يصل إليه أول اللسان في صعود الحنك الأعلى هو ذلك المقياس الذي يسمى عادة الكسرة الطويلة أو القصيرة فإذن هناك مراحل بين الفتح والكسرة لا مرحلة واحدة ، فلا فرق بين صاحب الإمالة والفتح ليس إلا اختلافا في وضع اللسان مع كل منها حيث النطق بهذين الصوتين، واللسان في حالة الإمالة أقرب إلى الحنك الأعلى منه في حالة الفتح. ([15])
أما بالنسبة لأصوات الصوامت والصوائت أي الحروف الصوتية والصوامت هي بقية حروف الهجاء، نجد أن بعض القراءات تأخذ أشكالا، وصورا متنوعة في الإطار الصوتي بنوعيه هي:
1/ قراءات تفضل حركة معينة (فتحة – كسرة – ضمة) (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ) ([16])فقرأ بعضهم (برآء) (برئ) وهي مفاضلة بين الفتحة والكسرة.
قراءات تثبت حركة أو تحذف، فكان بعضهم يثبتون حركة معينة في مكان معين على حين أن غيره يحذفها مثل قوله تعالى: )وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ( ([17]) فقرأ (سلام) بسين مفتوحة وألف وجمهور القراء( نافع وابن كثير وأبو عمرو وغيرهم )، وقرأ يحي ثابت وابراهيم النخعي وحمزة والكسائي (قال سلم ) بسين مكسورة وبلا ألف ، وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها ([18]).
ثانيا. الإدغام
الإدغام: هو النطق بحرفين من مخرج واحد، دفعة واحدة، وهذان الحرفان يكون الأول منها ساكنا أصالة أو عرضا، والثاني متحركا، ونجد أن المستوى الصوتي يتمثل في ظاهرة تخفيف الهمزة، نجده من أصعب الحروف في النطق، وذلك لبعد مخرجها، إذ تخرج من أقصى الحلق، كما يتبع فيها صفات القوة والجهر والشد والإظهار والإدغام ظواهر لغوية اهتم بها العلماء قديما وحديثا، ووضع لها كثيرا من الضوابط والقواعد.
- أمثلة للإدغام:
مد madda – مال malla – رد radda – لم يخرج جمال lam yakhrug gamal
وهذا يعني أن الإدغام هو تحويل الصامتين المثلين القصيرين إلى صامت طويل.
- أقسامه:
أ ــ يختص الإدغام خارج التركيب أي خارج الجملة بنحو رد ــ مد ــ مل؛
ب ــ داخل التركيب أي داخل الجملة: نحو كم يخرج جمال.
- أنواعه
أ ـــ إدغام كبير
هو ما كان أول الحرفين متحركا فيه سواء كانا مثلين أم جنسين أو متقاربين، وسمى كبيرا لأنه أكثر من الصغير لما فيه تصير المتحرك ساكنا، ولما فيه من الصعوبة، وقيل لكثرة وقوعه، إذ أن الحركة أكثر من السكون ، لشموله المثلين المتقاربين وقد انفرد به أبو عمرو بن العلاء ، وكان يدغم المتحرك في مثله وفي مقاربه إذا كانا متحركين وأسكن ما قبله.([19])
أقسام الإدغام
إدغام مثلين وهو إذا كانت نهاية الكلمة مماثلة لبداية الكلمة التي بعدها ([20]) مثل : (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)([21]) أدغم الباء في الباء لتماثلها (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا } ([22]) {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ) ([23]) (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ) ([24]) المتقاربين: هما صوتان موضعا نطقهما وهو من قراءة أبي عمرو وكثير مثل: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ([25]) أدغم التاء في الجيم لقرب مخرجهما ومثله : (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) ([26]) (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا) ([27]) (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) ([28]).
الإدغام الصغير
فيه يتجاوز الصوتان الساكنان دون فاصل من أصوات اللين وهو الذي شاع في معظم اللغات، لأن شرط تأثير صوت بآخر هو التقائهما التقاءً مباشرا، وذكر من أمثلة الإدغام الصغير مثل أن تقع السين قبل الحرف المستعلى فيقرب منه بقلبها صادا مثل: (سقت ـــ صوت) (السوق ــ الصوق) ومن التعريب سيت أصلها سيد.
أسبابه
1ــ التماثل: وهو أن يتفق الحرفان في المخرج والصفة معا مثل الباء (فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) ([29]) .
2ــ التقارب: أن يتقارب الحرفان في المخرج ويتفقا في بعض الصفات مثل: الذال ــ الزاي مثل (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) ([30]) فالذال والزاي متقاربتان في المخرج من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، والزاي من طرف اللسان وأطراف الثنايا السفلى، وهما مشتركتان في الجهر ــ الرخاوة ــ الفتح ([31]) .
3ــ التجانس: هو ما اتفق الحرفان في المخرج دون جميع الصفات مثل إدغام الدال في التاء نحو (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) ([32])
والذين يؤثرون الإدغام هم، أبو عمرو ــ الكسائي ــ حمزة ــ خلف وإن اختلف النسبة بينهم ([33])
الهمزة
هو صوت يخرج من أقصى الحلق، كما يقول علماؤنا القدامى ومن الحنجرة ما توصل إليه علماء الأصوات، وهي صوت مجهور شديد عند القدماء لا مهموس على الأرجح في العصر الحاضر وينبق منها الوزن تماما ثم ينفرجان فيخرج صوت له دوي وانفجار وفرقعة شديدة.
وكانت العرب تختلف في نطقها فبعضهم من يحققها ومنهم من يخففها بإبدالها بحرف من جنس حركة ما قبلها، وكل ذلك حتى يمكن نطقها بسهولة ويسر([34])
أما تخفيف الهمزة: وهو أعلاها من الأداء، فكل أهل البادية يحققونها في لهجاتهم، حيث يبالغ في تحقيقها حتى تكون أوضح في السمع فستبدل بها أحد الأصوات الغريبة منها في المخرج وأقرب أصوات الحلق إليها هو العين، وهو صوت مجهور يخرج من الحلق أيضا، وكأننا إذا بالغنا في تحقيقها تصبح عينا.
ورد في الهمزة أن بنو تميم يهمزون أحرفاً مما كان على وزن (فعل) في موضع العين من الفعل ألف ساكنه نحو: الفأس ــ الرأس ــ الكأس.
المحور الثاني: الجانب الصرفي
نجد أن كل من حمزة والكسائي وخلف قرأ كلمة (يعكفون) بكسر الكاف، وهي لغة أسد وهم بذلك يمثلون قراء الكوفة التي نزحت إليها قبيلة أسد، عكف يعكف بفتح العين والقراء الآخرون غير هؤلاء قرأوا (يعكفون ) بضم الكاف، وهي لغة بقية العرب، فقرأ شعبة وابن عامر (يعرشون) بضم الراء وغيرهم قرأها بكسرها مثل يعكفون، والكسائي قرأ (يبشركم) بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين مخففة وهي لغة تهامة، والتخفيف من بشر يبشر بشرا بشورا والاسم البشارة بضم الباء وكسرها والتشديد من لغة أهل الحجاز، والتشديد من التبشير يقال بشره يبشره تبشيرا، واللغتان نجدهما بمعنى واحد، وكذلك قرأ ابن عامر وأبو جعفر ورويس بقراءة خلف، كلمة (تفتحنا) بتشديد التاء وهو يفيد التكثير، وقرأ الباقون بالتخفيف ويفيد نفس المعنى ولا يفيد التكثير وقرأ شعبة كلمة (قدرنا) بتخفيف الدال من قدر يقدر بفتح العين وكسرها في المضارع مخففة مثل ( ضرب ـ يضرب ) وقرأ غيره بتشديد الدال ، وتشديد الدال من قدر يقدر على وزن (فعل ــ يفعُل ) مثل كرُم ــ يكرُم.
نجد أن هناك اختلافاً كبيراً بين منهج الدرس الصوتي والصرفي، فإذا كانت الأصوات بحثا في العناصر البسيطة التي تكون منها اللغة فإن كثيراً من الموضوعات التي يدور حولها الصرف إنما هي مبنية على قوانين صوتية مرجعها ذلك التأثير المتبادل بين الحروف حين تتآلف ويتصل بعضها ببعض، بل أن اللغويين المحدثين حين يحددون ميدان النحو يجعلونه مشتملاً على المورفولوجيا (الشكل والتنظيم) ويشمل هذا الجانب
1ــ الأسماء والمشتقات على الضمير والمقصور والممدود من المصادر:
القراءات التي تمثل هذه الظاهرة، أي قصر الممدود والمقصور
* اختلفوا في (دكا) فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وطلحة وابن عامر (دكا) منونة مقصورة، وقرأ حمزة (دكاء) ممدودة غير منونة وقرأ طلحة (يكاد سناء برقه) بالمد وقرأ الجمهور (سنا برقه) بالقصر، وذلك يدل على أنهم أجازوا المد والقصر في القرآن، ومن ثم فإن قصر الممدود أو مد المقصور ليس من الضرورة الشعرية، ونجد أن الممدود من لهجات الحجاز حيث تذهب بنو تميم وقيس وربيعة وأسد إلى القصر.
والفرق بين المقصور والممدود هو في كمية الصائت الطويل الذي يقع في آخر الاسم، وإذا كانت القبائل الحجازية المستحضرة تذهب إلى التأني وتحقيق الأصوات فتستوفي كمية هذا الصائت حتى تصل إلى الهمزة، فإن قبائل البادية من تميم وقيس وربيعة وأسد تميل إلى السرعة في النطق مما يؤدي إلى كثير من الحذف ([35])
ونجد أن لغة طي وبني أسد هي لهجات على المستوى الصرفي في إبدال ألف المقصور واواً في حالة الوصل فيقولون: هذه (حبلو يا فتى) وهو إبدال جاء على غير القياس، إذ القياس أن ألف المقصور إذا كانت يائية تقلب ياءً في بعض تصاريف الكلمة مثل التثنية فيقال (فتيان) وإذا كانت واوية مثل (عصا) تقلب عصوان وكلمة (حبلى) يائية وكان القياس أن تكون ياءً، هذه لغة طي وهو يعتبر خروج على غير القياس. وفي أسد يضمون هذه التثنية فيقولون: في نحو (يا أيها الناس ) (أيه الرجل) (أيه الناس) وعلى هذه اللغة جاءت القراءات المتواترة في قوله تعالى (أيها المؤمنون) (يا أيه الساحر) ([36])
الضمير:
يمكن أن ندرس فيما عرضناه من فروق لهجيه في الأصوات كأن يجعل بعضه اللهجات التي تميل إلى الضم وبعضها تميل إلى الكسر وبعضها إلى الحذف.
ونجدهم يختلفون في الشكل يبنى على الضمير حيث يقول لبيان الحركة ومذهب الكوفيين أنه الأحرف الثلاثة، وفي (أنت) وفروعه أن الضمير (أن) عند البصريين واللواحق لها حروف خطاب، وذهب القراء إلى أن (أنت) لكامله هو الضمير، وابن كيسان ذهب إلى أن التاء هي الضمير وهي التي في (فعلت).
أنواعـــــــــه:
1ــ مفرد متكلم : مثل (أنا أحيي) نجدهم أسلفوا فيها ، (أنا : فقرأوا جميعا بحذف الألف من (أنا) إذا وصلوا في كل القراءات إلا أن أبي جعفر ونافع فإنهما يثبتان الألف في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القراءات(أنا احي) (أنا أخوك) وهذه القراءات ضمن ظواهر لهجيه
أــ إن ضمير المتكلم (أنا) تثبت ألفه في كل القراءات، لكنها لم تثبت وصلاً في قراءة أبي جعفر ونافع وهما قارئا المدينة.
ب ــ إن القراءات التي تحتوي على ضمير المتكلم تبين بنيته في حالة واحدة فقط، وهي أن يسبقه صائت طويل (بمصرخي) (عصاي) وهي تدل على أن هناك لهجة تحرك هذا الضمير بالكسر، في هذه الحالة وكنا نستطيع أن نعلل هذه اللهجة بالاتباع في (بمصرخي) لكن القراءة الأخرى تناقض ذلك.
2ــ ضمير الغيبة اختلفوا في قوله (فألقى إليهم) موصولة بياء، وقرأ عاصم وحمزة (فألقه إليهم).
وفي قوله (يؤدي إليه) فقرأ أبو عمرو وحمزة بإسكان الهاء والباقون بكسرها ووصلها بباء
- المقصور والممدود، بمعنى أن المصطلح الصرفي في الاسم المقصور والممدود كما يعرف بهما في علم الصرف
المقصور: هو الاسم المتمكن الذي آخره ألف لازمة، والممدود هو الاسم المتمكن الذي آخره همزة بعد ألف زائدة.
المحور الثالث: الجانب الدلالي اختلاف القراءات في الجانب الدلالي
إن دراسة النصوص القديمة هي صعبة وشاقة، وذلك لأن تحديد المعنى أمر ليس بالسهل، وقد حاول العلماء أن يدرسوا المتغيرات التي طرأت على المعنى تبعا للهجات المتباينة المختلفة للهجة الواحدة حيث يكثر المترادف والمشترك والألفاظ المتضادة. والمعاجم العربية التي وردت فيها مفردات كثيرة تختلف في معانيها دونما تنظيم علمي يبين لنا تطور المعنى حسب لهجات القبائل والبيئات المختلفة.
وقد وردت مفردات لها دلالات عند قبيلة معينة تختلف عنها عند قبيلة أخرى، وذكرت المعاجم كلمات لقبائل معينة اختصت بها دون غيرها من سائر القبائل الأخرى مثل:
1ــ وثب بمعنى جلس (حميرية) وبمعنى قفز عدنانية.
2ــ السرحان، السيد والسديد بمعنى ذئب عند معظم القبائل وتعني الأسد عند قبيلة هذيل.
3- تفاح المرأة، زوجها (يمانية) وقد وردت في لسان العرب ([37])
الكلمة |
معناها |
القبيلة |
السورة |
أمانيهم |
أباطيلهم |
قريش |
البقرة |
وسطا |
عدولا |
قريش |
البقرة |
تهنوا |
تضعفوا |
قريش |
أل عمرن |
مسافحين |
الزنا |
قريش |
النساء |
فلا تأس |
فلا تحزن |
قريش |
المائدة |
والذي يلفت الأنظار أنَّ القرآن أخذ ألفاظه من قريش بأوفر نصيب…….. معظم بلاد العرب قبل الإسلام ثم زادت هذه السيادة بعده ، ونجد أن هناك فرقا بين المعنى الدلالي الذي ذكره أبو عبيدة والذي ذكره غيره من المفسرين مثلاً: قال أبو عبيدة (أمانيهم) أباطيلهم وجاء في تفسير البحر المحيط يحتمل أن يكون (أكاذيبهم) أو تلك (مختاراتهم) أو (شهواتهم) أو تلك (تلاوتهم)، وكلمة (تفاوت) قال أبو عبيدة أنها لغة هذيل وفي الكشاف اختلاف واضراب في الخلقة وحقيقة التفاوت عدم التناسب أي كأنه يقون بعضه ولا يلائمه ، وهذا يرجع إلى المعنى إذ أن السبب يكون نتيجة للإضراب والاختلاف في حقيقة الشيء الواحد.([38])
وسأتناول في هذا الجدول بعض الألفاظ التي وردت في القراءات والتي تشير إلى لهجات عربية.
قراء حفص |
القراءات الشاذة |
القراء |
الصراط |
الزراط |
بالزاي الاصمعي عن أبي عمرو |
السراط |
بالسين حمزة ــ يعقوب ــ أبو عمرو |
|
القيوم |
القيام |
بألف بدل الواو ــ ابن مسعود ــ ابن عمرو ــ علقمة والنخعي |
الطاغوت |
الطواغيت |
على الجمع ــ الحسن ومن رواية جويرية بنت بير عنه |
رمزا |
رمزا |
بضمتين: ابن وثاب الأعمش ـ الحسن النخعي ـ علقمة بن قيس |
استبرق |
استرق |
بفتح القاق ووصل الألف ــ ابن معيض |
كرسيه |
كرسيه |
بكسر الكاف ــ لغة بعض العرب |
هيت لك |
هيت لك |
بكسر التاء ـ ابن عباس ـ أبو الأسود ــ وابن أبي إسحاق ــ وابن محيض وعيسى |
هين |
يكس الهاء وضم التاء ــ ابن محيض ــ زيد ابن على ــ ابن أبي إسحاق |
|
طه |
طه |
بكسر الطاء وفتح الهاء ــ عيسى بن عمرو ــ الكسائي في رواية معاذ عن أبي عمرو |
المحور الرابع: الجانب النحوي
إن تنوع القراءات القرآنية حكمة إلهية رائعة أتاحت للقارئ أن يؤدي النص القرآني بطريقة يحتمل النص معها وجوها كثيرة، عملا بظواهر لهجية وصوتية نطقت بها القبائل العربية أتاحت للسامع فهما نابعا من التفكر في تناغم الألفاظ وتنوع الدلالات.
وروعة القرآن الكريم وإعجازه يكمنان في قدرة هذا الكلام الموحى على تحمل كمٍ كبير من الوجوه كالاختلاف في الحركات الإعرابية والبنائيّة، والتقديم والتأخير، والزيادة والنقصان، والمد والقصر، والتخفيف والتشديد، والتّرقيق والتفخيم، والإخفاء والإظهار، والفك والإدغام، والإمالة والروم والإشمام، على اختلاف أنواعه، وغير ذلك مما فصّلتها كتب القراءات وحصل الاختلاف فيها بين أئمة القراّء السلف والخلف([39]).
الرفع مكان النصب:
قال تعالى : (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)([40]) وجه الإشكال النحوي في هذه الآية هو رفع “أموات” وهي واقعة في محل نصب مقول القول، وقد ذهب الأخفش في توجيه هذه الآية ، ونظيرتها من سورة آل عمران وهي قوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ([41]) ذلك على تقدير عامل محذوف منع النصب ، وعمل الرفع في “أموات” فقال : “قال (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ) على : ولا تقولوا : هم أموات ، وقال (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا) نصب على “تحسب” ثم قال: (بَلْ أَحْيَاء) أي بل هم أحياء” ([42]) فيكون “أموات” خبر لمبتدأ محذوف هو الضمير هم، والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول مفعول به.
قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)([43])
الشاهد في هذه الآية الكريمة قوله تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) رفع الفعل “يقول” وكان ظاهر الكلام يقتضي نصبه بأن مضمرة بعد حتى، وذكر ابن مجاهد في السبعة أن نافعا قد انفرد بقراءة الرفع، وقرأ الباقون كلهم بالنصب، ونقل رواية عن الفراء أن الكسائي مكث دهرا يقرأ بالرفع ثم تركها ورجع إلى قراءة النصب([44]).
وقد وجهت قراءة الرفع وهي قراءة مجاهد ونافع وبعض قراء المدينة كما حكي الفراء في معانيه بكون “حتى” مع الأفعال قد تكون غير عاملة، كما قد تكون عامل النصب: فتكون غير عاملة ل “يفعل” في حالتين اثنتين: الأولى إذا كان الفعل الذي قبل “حتى” والذي بعدها واقعين في الحال.
والثانية: إذا كانا واقعين جميعا في الماضي، ولا تعمل “حتى” النصب في الأفعال إلا ما كان منها مستقبلا، فخرج الماضي والحال، وبقيا على أصلهما مرفوعين لتجردهما من الناصب والجازم، وهو وجه الآية هنا؛ لأن المعنى هو الماضي، أي حتى قال الرسول، فرفع الفعل على معنى الماضي([45]).
وقد أجاز سيبويه قراءة الرفع والنصب في باب ما يكون العمل فيه من اثنين، وقال: “وقد يجوز أن تقول: سرت حتى يدخلها زيد إذا كانت أدَّاه سيرك، ومثل ذلك قراءة أهل الحجاز: (وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) ([46]) كما أجاز المبرد الرفع في المقتضب، وذلك على تقدير حكاية الحال الماضية فقال: “فالرفع على قوله: فإذا الرسول في حال قوله، والنصب عل معنى إلى أن يقول الرسول([47]) وقد شرح مكي هذا الوجه فقال: “من رفع يقول فلأنه “فعل” قد ذهب وانقضى وإنما الخبر عن الحال التي كان عليها الرسول فيما مضى، فالفعل دال على الحال التي كانوا عليها فيما مضى… فلا سبيل للنصب في هذا المعنى، ولو نصبت لانقلب المعنى وصرت تخبر عن فعلين قد مضيا وذهبا ولست تحكي حالا كان عليها… فتقديره “وزلزلوا حتى قال الرسول” كما تقول: “سرت حتى أدخلها أي قد كنت سرت فدخلت فصارت حتى داخلة على جملة وهي لا تعمل في الجمل فارتفع الفعل بعدها ولم تعمل فيه ([48])
النصب مكان الرفع:
قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ([49])
الشاهد في هذه الآية قوله تعالى “والصابرين” حيث نصبه وهو معطوف على المرفوع “الموفون” وذكر ابن حيان في البحر أن بعضهم قرأ بالرفع عطفا على الموفون فقال: “وقرأ الحسن، والأعمش، ويعقوب “والصابرون” عطفا على الموفون([50]) أما قراءة النصب فقد ذكر العلماء لها وجوها :
الأول: أجاز سيبويه والأخفش، والفرّاء، وأبو علي الفارسي النصب على العطف والرفع على الابتداء ونية المدح، وأن الأمر في ذلك كله واسع لا سيما إذا طال الكلام، واحتجوا له بشواهد من كلام العرب:
فقال سيبويه: “هذا باب ما ينتصب على التعظيم والمدح… وسمعنا بعض العرب يقول: الحمد لله ربَّ العالمين فسألت عنها ، فزعم يونس أنها عربية ، ومثل ذلك قوله عزَّ وجلَّ: (لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) ([51]) فلو كان كله رفعا كان جيدا ، فأما المؤتون فمحمول على الابتداء ، وقال جلّ ثناؤه : (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ) ولو رفع الصابرين على أول الكلام كان جيدا، ولو ابتدأته فرفعته على الابتداء كان جيدا كما ابتدأت في قوله (والمؤتون الزكاة)، ونظير هذا النصب من الشعر قول الفرزدق:
لا يبعدن قومي الذي هم |
|
سم اعداة وآفة الجزر |
النازلين بكلّ معترك |
|
والطيبون معاقد الأزر |
فرفع الطيبين كرفع المؤتين، ومثل هذا في هذا الابتداء قول ابن خياط العقلي:
وكلّ قوم أطاعوا أمر مرشدهم |
|
إلا نميرا أمر غاويها |
الظاعنين ولمـــا يظعنوا أحــــــدا |
|
والقائلين لمن دار نخيلها |
وزعم يونس أن من العرب من يقول “النازلون بكلّ معترك والطيبين” فهذا مثل “والصابرين”، ومن العرب من يقول: الظاعنون والقائلين فنصبه كنصب الطيبين إلا أن هذا شتم لهم وذم، كما أن الطيبين مدح لهم وتعظيم ، وإن شئت أجريت هذا كله على السم الأول، وإن شئت ابتدأته جميعا، فكان مرفوعا على الابتداء، كل هذا جائز في ذين البيتين وما أشبههما ، كلّ ذلك واسع([52]) وإلى نحو هذا ذهب أيضا أبو عبيدة في مجازه ” ثم أخرجوا (والصابرين في البأساء) من الأسماء المرفوعة ، والعرب تفعل ذلك إذا كثر الكلام([53]) ولم يبتعد الطبري عن هذا الرأي فقال: “والموفون رفع لأنه من صفة” من “ومن رفع فهو معرب بإعرابه، والصابرين نصب ــ وإن كان من صفته ــ على وجه المدح الذي وصفنا قبل([54]) ثم أن القول بالنصب على المدح يقتضي القول بتقدير فعل محذوف ، قال الأخفش ” نصب (الصابرين) على فعل مضمر([55]) وقال مكي قوله: “والصابرين نصب على إضمار أعني([56]) وقد نسب الرازي في تفسيره هذا القول إلى الخليل بن أحمد فقال: ” وقال الخليل المدح والذم ينصبان على معنى أعني الظريف…” ([57]) وعليه فإن القول بتقدير فعل محذوف لا يخرج عن القول الأول لأن “أعني” بمعنى ” أخصّ” أو ” أمدح” وهو قول البصريين، وأنكر ذلك الفرّاء مقتصرا عل نية المدح كما حكي الرازي عنهما .
ونقل الرازي عن أبي علي الفارسي استحسانه النصب في مثل هذه المواضع في قوله : ” وإذا ذكرت الصفات الكثيرة في معرض المدح أو الذم فالأحسن أن تخالف بإعرابها ولا تجعل كلها جارية على موصوفها ، لأن هذا الوضع من مواضع الإطناب في الوضع والبلاغي في القول ، فإذا خولف بإعراب الأوصاف كان المقصود أكمل ، لأن الكلام عند اختلاف الإعراب يصير كأنه أنواع من الكلام ، وضروب من البيان ، وعند الاتحاد في الإعراب يكون وجها واحدا وجملة واحدة ([58])
القول الثاني: ذكر الأخفش في نهاية توجيهه لهذه الآية قولا آخر ، خلاصته أن الصابرين منصوبة لأنها معطوفة على “ذوي القربى” لا على الموفون ويكون (الصابرين) معطوفا (على ذوي القربى) (وآتى الصابرين)([59]) وقد نقل هذا الرأي الرازي في تفسيره ونسبه إلى الكسائي إلا أنه اعترض عليه فقال: “قال الكسائي : هو معطوف على (ذوي القربى) كأنه قال: وآتى المال على حبه ذوي القربى والصابرين، قال النحويون : إن تقدير الآية يصير هكذا (ولكن البر من آمن بالله وآتى المال على حبه ذوي القربى والصابرين) فعلى هذا قوله : (والصابرين) من صلة من قوله : (والموفون) متقدم على قوله: (والصابرين) فهو عطف على “من” فحينئذ قد عطفت على الموصول قبل صلته شيئا ، وهذا غير جائز لأن الموصول مع الصلة بمنزلة اسم واحد ، ومحال أن يوصف الاسم أو يؤكد أو يعطف عليه إلا بعد تمامه وانقضائه بجميع أجزائه، أما إن جعلت قوله : (والموفون) رفعا على المدح، وقد عرفت أن هذا الفصل غير جائز، بل هذا أشنع لأن المدح جملة فلذا لم يجز الفصل بالمفرد لا يجوز بالجملة كان ذلك أولى …” ([60])
الرفع في مكان الجزم
قال الله تعالى: (أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)([61])
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)([62])
الشاهد في الآيتين قوله تعالى: (لاَ تَعْبُدُونَ) وقوله (لاَ تَسْفِكُونَ) وهما مرفوعتان، وكان حقهما بحسب الظاهر من قواعد النحاة أن يجزما؛ لأنهما واقعان بعد ” لا” الناهية، وقد ذكر الفرّاء في معانيه أن ذلك كذلك ” في قراءة أبي: (أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُوا…) معناها الجزم بالنهي، وليست جواب لليمين ” أما قراءة إثبات النون فلها وجهان:
الأول أن التقدير “أن لا تعبدوا” و”أن لا تسفكوا”، فلما سقطت “أن” ارتفع النصب وهو قول سيبويه والأخفش في أحد قوليه ([63])
الثاني: إنما رفع الفعلان بعد “لا” لأنه جواب قسم معناه والله لا تعبدون، والله لا تسفكون ([64])
الجر مكان الرفع
قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)([65]) في هذه الآية الكريمة شاهدان:
الشاهد الأول: قوله تعالى (قِتَالٍ فِيهِ) فقد جاء مجرورا في قراءة الجمهور، وحقه الرفع وحكي الرازي في تفسيره أنها ” قراءة ابن مسعود والربيع… وقرأ عكرمة {قتل فيه} ([66]) وفي قراءة الجهور بالخفض فيه أقوال:
الأول: ذهب سيبويه إلى أن، “قتال” بدل من الشهر الحرام، أي بدل اشتمال، فهو مجرور على البدل ([67])
الثاني: وقال الفراء “وهي في قراءة عبد الله ” عن قتال فيه ” فخفضته على نية “عن ” مضمرة “ ([68]) ونسب مكي هذا القول للكسائي([69]) فهو مجرور بعن مكررة وهي محذوفة ، الجر على التكرير.
الثالث: ذهب أبي عبيدة على ” أنه مجرور بالجوار لمل كان بعد ” فيه” كناية للشهر الحرام ، وقال الأعشى :
لقد كان في حول ثواء ثويته تقضّي لبانات ويسأم سائم ([70])
وقد لخص مكي هذه الأقوال ونسب بعضها إلى أصحابها، فقال ” قوله (قتال فيه) قتال بدل من الشهر، وهو بدل الاشتمال، وقال الكسائي: هو مخفوض على التكرير أي تكرير العامل “عن” تقديره عنده عن الشهر “الحرام” عن قتال، وكذا قال الفرّاء: هو مخفوض بإضمار عن، وقال أبو عبيدة: هو مخفوض على الجوار”([71])
الشاهد الثاني: قوله تعالى (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) بالجر عطفا على “الهاء ” في “به” ذلك أن بعض النحاة منعوا العطف على الضمير المجرور دون إعادة حرف الجر، وللعلماء في توجيه ذلك أقوال:
الأول قول بعض البصريين: إنما جر المسجد الحرام لكونه عطفا على الهاء في قوله تعالى : {وكفر به} وهو من العطف على الضمير دون إعادة حرف الجر ، والتقدير وكفر به والمسجد الحرام ، وقد أجاب الرازي في تفسيره على من اعترض على العطف الضمير دون إعادة حرف الجر بقوله : “لم لا يجوز إضمار حرف الجر فيه حتى يكون التقدير : وكفر به والمسجد الحرام ، والإضمار في كلام الله ليس بغريب، ثم يتأكد هذا بقراءة حمزة (تساءلون به والأرحام) ([72]) على سبيل الخفض، ولو أن حمزة روى هذه اللغة لكان مقبولا بالاتفاق، فإذا قرأ به في كتاب الله تعالى كان أولى أن يكون مقبولا ([73])
الثاني: قول الأكثرين من البصريين: جر لأنه معطوف على (سبيل الله) لا على الضمير في “به” فالتقدير حينئذ “وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام” فالصد عنهما معا : قال الأخفش : ” قال: { وصد عن سبيل الله } وقال ” { وكفر به والمسجد الحرام} على ” وصدٌ عن المسجد الحرام ” ([74]) ويؤكد هذا القول قوله تعالى في سورة الحج { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}([75]) وقد ذكر هذين القولين الرازي في تفسيره ، ونسبهما إلى البصريين على ما فصلناه .
الثالث: إن المسجد الحرام معطوف على الشهر الحرام قال الرازي: “هذا اختيار الفرّاء وأبي مسلم الأصفهاني… والتقدير يسألونك عن قتال في الشهر الحرام والمسجد الحرام ([76])
الرابع: إن عامل الخفض في المسجد الحرام واو القسم قبله لا لأنه معطوف على شيء قبله، نقل هذا القول الرازي في تفسيره وذكر اعتراض الجمهور عليه فقال: “وأما الخفض في قوله {والمسجد الحرام} فهو واو القسم إلا أن الجمهور ما أقاموا لهذا القول وزنا ([77])
الخاتمة
الحمد لله الذي أعاننا على كتابة هذه الدراسة العلمية وقد توصلنا من خلالها إلى النتائج التالية:
– القبائل العربية قبل الإسلام انقسمت إلى مجموعتين واحدة تؤثر الفتح ولا تقيم ألسنتها بغيرها وأخرى كثر فيها الإمالة، ويمكن نسب الفتح إلى جميع القبائل التي كانت تسكن غرب الجزيرة العربية بما ذلك قبائل الحجاز مثل قريش ـ ثقيف ـ هوازن، سعد، بكر، كنانة.
– لغة طي وبني أسد هي لهجات على المستوى الصرفي في إبدال ألف المقصور واوا في حالة الوصل فيقولون: هذه (حبلو يا فتى) وهو إبدال جاء على غير القياس، إذ القياس أن ألف المقصور إذا كانت يائية تقلب ياءً في بعض تصاريف الكلمة مثل التثنية فيقال (فتيان) وإذا كانت واوية مثل (عصا) تقلب عصوان وكلمة (حبلى) يائية وكان القياس أن تكون ياءً، هذه لغة طي وهو يعتبر خروج على غير القياس.
– هناك فرق بين المعنى الدلالي الذي ذكره أبو عبيدة والذي ذكره غيره من المفسرين مثلا: قال أبو عبيدة (أمانيهم) أباطيلهم وجاء في تفسير البحر المحيط يحتمل أن يكون (أكاذيبهم) أو تلك (مختاراتهم) أو (شهواتهم) أو تلك (تلاوتهم)، وكلمة (تفاوت) قال أبو عبيدة أنها لغة هذيل وفي الكشاف اختلاف واضراب في الخلقة وحقيقة التفاوت عدم التناسب أي كأنه يقول بعضه ولا يلائمه، وهذا يرجع إلى المعنى إذ أن السبب يكون نتيجة للإضراب والاختلاف في حقيقة الشيء الواحد.
– إن القرآن الكريم بأحرفه السبعة وما ترتب عنها من قراءات متنوعة أعم من مدونة النحاة التي اعتمدوها في تقعيد قواعدهم، ولذلك فلا غرابة أن يقع فيه ما لا تشمله قواعدهم المعتمدة على الاستقراء الناقص.
– إن القرآن الكريم بقراءاته الصحيحة هو الحاكم على اللغة والنحو وقواعدها، ولا يجوز بحال من الأحوال قلب الحقائق فتجعل القواعد النحوية المبنية على الاستقراء الناقص لكلام العرب حاكمة على القرآن الكريم وقراءاته بعد أن ثبت أنه فاق الشواهد الشعرية صحة وفصاحة.
الإحالات:
- ([1]) محمود عكاشة، الدلالة اللفظية، مكتبة الأنجلو المصرية، ط 1 2000م، ص، 5.
- ([2]) أحمد مختار عمر، دراسة الأصوات، عالم الكتب، 1411هـ ــ 1991م، ص، 219.
- ([3]) نفسه، ص 219.
- ([4]) كريم زكي حسام الدين: الدلالة الصوتية ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1992 ، ص 17.
- ([5]) أحمد الحملاوي : شذى العرف في فن الصرف ، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد محمد علي ، مكتبة الصفا ، ط1 ، 1430 هـ ، ص 167ص 167
- ([6]) أبراهيم أنيس : اللهجات العربية ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1999ص ، 94
- ([7]) عبده الراجحي ، التطبيق الصرفي ،ط2 ، دار المعرفة الجامعية ، ص ، 129
- ([8]) ابن عقيل شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، المجلد الثاني، دار الفكر ج3 تأليف محمد محي الدين عبد الحميد، ص، 182 ــ 183.
- ([9]) إبراهيم أنيس: اللهجات العربية، ص 60.
- ([10]) أحمد بن محمد بن أحمد الحملاوي: شذا العرف في فن الصرف، ص 167.
- ([11]) حازم كمال الدين: دراسة في علم الأصول، د. ط1، مكتبة الآداب، ص، 170 ــ 176
- ([12]) أحمد بن محمد الحملاوي: شذى العرف في فن الصرف، ص 168
- ([13]) عبد الراجحي: اللهجات العربية في القراءات القرآنية، دار المعرفة الجامعية، 1431هـ ـ 1996م، ص، 146 ــ 147
- ([14]) راضي نواصره، لهجات القبائل العربية، مؤسسة حمادة للدراسات الجامعية / الأردن، ص، 109
- ([15]) إبراهيم أنيس: اللهجات العربية، ص، 64 ــ 65.
- ([16]) سورة الزخرف، الآية، 26.
- ([17]) سورة هود، الآية، 69.
- ([18]) عبده الراجحي: اللهجات العربية في القراءات القرآنية، ص 66.
- ([19]) السيد رزق الطويل : علوم القرآن ، مدخل ودراسة وتحقيق المكتبة الفيصلية ، ط1 1405 ــ 1985 ص ، 184
- ([20]) إبراهيم أنيس: اللهجات العربية ، ص ، 72
- ([21]) سورة البقرة: الآية 20
- ([22]) سورة النبأ: الآية 40
- ([23]) سورة البقرة: الآية 235
- ([24]) سورة البقرة: الآية 213
- ([25]) سورة النساء: الآية 56
- ([26]) سورة الصافات: الآية 2
- ([27]) سورة الصافات: الآية 3
- ([28]) سورة النور: الآية 4
- ([29]) سورة البقرة: الآية 60
- ([30]) سورة الأنفال: الآية 48
- ([31]) راضي نواصره: لهجات القبائل، من ص، 113 ــ 155
- ([32]) سورة البقرة: الآية 256
- ([33]) إبراهيم أنيس: اللهجات العربية، ص، 72
- ([34]) إبراهيم أنيس: اللهجات العربية، ص 168.
- ([35]) عبد الراجحي ـــ اللهجات العربية، ص 159 ــ169.
- ([36]) محمد سالم: المقتبس من اللهجات، مؤسسة شباب الجامعة، 1968م، ص، 39 ــ 40
- ([37]) نواصره – لهجات القبائل العربية، ص، 163-164.
- ([38]) محمد سالم ــ المقتبس من اللهجات العربية، ص، 110.
- ([39]) عبد اللطيف الخطيب : معجم القراءات القرآنية، دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع، سوريا – دمشق ج1، ص 126.
- ([40]) سورة البقرة، الآية 154.
- ([41]) سورة آل عمران، الآية 169.
- ([42]) الأخفش الأوسط، معاني القرآن، ص 289-290.
- ([43]) سورة البقرة، الآية 214.
- ([44]) ابن مجاهد، كتاب السبعة في القراءات، ص 182.
- ([45]) الفرّاء، معاني القرآن، تحقيق إبراهيم شمس الدين، ط1، بيروت: 2002 م دار الكتب العلمية. ج1 ص 96 ــ 97
- ([46]) سيبويه، الكتاب، تحقيق، عبد السلام هارون، ط1، بيروت، دار الجيل ، ج3 ص 25 فما بعدها
- ([47]) المبرد ، المقتضب ، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة ، ط3 ، وزارة الأوقاف ، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، لجنة إحياء التراث الإسلامي ، القاهرة 1994 م ، ج2 ، ص 42
- ([48]) أما قراءة الجمهور {حتى يقول الرسول } بالنصب فعلى تقدير المستقبل ، بمعنى إلى إن يقول الرسول فيكون معنى “حتى ” الغاية ، وهو المقصود من قول المبرد السابق والنصب على معنى إلى أن يقول الرسول ، وقال مكي في مشكل إعراب القرآن ج1 ص 126 ـ 127 فأما وجه من نصب فإنه جعل حتى غاية بمعنى “إلى أن” فنصب بإضمار “أن” وجعل قول الرسول عليه السلام ؛ لخوف أصحابه لأن زلزلوا معناه خوفوا فمعناه ( وزلزلوا إلى أن قال الرسول ) فالفعلان قد مضيا ، وقال ابن زنجلة في حجة القراءات ص 131ـ 132 كقولك : سرت حتى أدخلها ، لم يكن الفعل واقعا ، معناه سرت طلبا إلى أن أدخلها فالسير واقع ، والدخول لم يقع ، فعلى هذا نصب الآية
- ([49]) سورة القرة، الآية 177
- ([50]) أبو حيان الأندلسي، البحر المحيط، ج2 ص 9 فما بعدها
- ([51]) سورة النساء، الآية 162
- ([52]) سيبويه، الكتاب، ج1 ص 62 فما بعدها
- ([53]) أبو عبيدة، مجاز القرآن، تحقيق محمد فؤاد سيزكين ط2، بيروت 1981مؤسسة الرسالة ج1 ص 33
- ([54]) الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: تحقيق أحمد عبد الحليم البردوني ” ط2، بيروت 1405 ه، دار الفكر، ج2، ص101.
- ([55]) الأخفش الأوسط، معاني القرآن، ص 293.
- ([56]) مكي أبي طالب، مشكل إعراب القرآن، تحقيق حاتم صالح الضامن، ط2، بيروت، 1405ه، مؤسسة الرسالة. ص11.
- ([57]) الفخر الرازي مفاتيح الغيب، ج5، ص47 فما بعدها.
- ([58]) نفسه: ص 49.
- ([59]) الأخفش الأوسط، معاني القرآن، ص 294.
- ([60]) الفخر الرازي مفاتيح الغيب، ج5 ص 47 فما بعدها
- ([61]) سورة البقرة، الآية 83
- ([62]) سورة البقرة ن الآية 84
- ([63]) سيبويه : الكتاب ، ج3 ص 104 فما بعدها ، ، انظر معاني القرآن للأخفش ، ص 258 ــ 259
- ([64]) أبو البقاء العكبري ، التبيان في إعراب القرآن ، تحقيق علي محمد البجاوي ، دار الجيل ، ط2 ، بيروت 1407هـ ـ 1987 ج1 ، ص 47
- ([65]) سورة البقرة الآية 217
- ([66]) الفخر الرازي مفاتيح الغيب ، ج6 ص 32
- ([67]) سيبويه ، الكتاب ج1 ص 150
- ([68]) أبو زكريا الفرّاء معاني القرآن، ج1 ص102 ـ 103
- ([69]) مكي ابن أبي طالب، مشكل إعراب القرآن، ص 127 ـ 129
- ([70]) أبو عبيدة، مجاز القرآن، ج1، ص 36
- ([71]) مكي ابن أبي طالب، مشكل إعراب القرآن، ص 127 ـ 129
- ([72]) سورة النساء، الآية 1
- ([73]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج6 ص 33 وما بعدها
- ([74]) الأخفش، معاني القرآن، ص 307
- ([75]) سورة الحج، الآية 25
- ([76]) الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج6 ص 33 وما بعدها
- ([77]) نفسه: ص 35