الحوار الدرامي الساخر في النص المسرحي المغربي المعاصر

باحث وإطار تربوي
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق
وجدة - المغرب

“منذ اليوم الذي اكتشف فيه الإنسان حاجته إلى التعبير عن الذات بوسائط الفن المتعددة، ومنذ ذلك اليوم الذي اتخذ فيه من اللغة أداة للإفصاح، وطريقة للتواصل، سبق إلى أداته تلك سوء التواصل جهلا أو قصدا، أو قُل انحرف عن أصل التواصل عجزا أو مكرا؛ فأضحك وأبكى ببلاغة واعية، أو ببلاهة حمقاء في الحالين معًا”[1]. من هنا، ندرك أن السخرية قديمة قِدَم وجود الإنسان، عبّر من خلالها عن واقعه ومشاعره ومكابداته مع الحياة، واتخذها الكُتاب، عبر العالم، وفي مختلِف العصور، أسلوبا لإبداعاتهم؛ من أمثال أرسطو فانيس وسقراط وشيشرون وفولتير وبرنارد شو وفرانسوا رابليه وبودلير والجاحظ والمعرّي والمتنبي والمازني… الذين عبّروا، من خلالها، عن وجهات نظر مجتمعاتهم، وما تشهده من مفارقات، ونظروا إليها بوصفها سبيلا من سبل الإفصاح والترويح عن النفس كذلك.

وتعدّ السخرية إحدى الطرق التي تعكس – بشكل أو بآخر – الواقع (تراجيدي/ كوميدي)، وتجعلك تبحث عن الغرائبي وغير المألوف في الواقع، وعن العصي عن التعريف أو الفهم؛ فـ”إذا سَخر الإنسان من مفارقاتٍ يراها أمامه، فإنه يأبى على الحياة أن تعود إلى الوراء، أو تقف عن التقدم؛ فيتجمد معها الأحياء.. إنه يحس بالخطإ الذي يقع فيه التناقض؛ فيواجهه بالضحك عليه والسخرية منه، ويتخذ من ذلك مادةً لنقده، وقد يكون نقدا لاذعا، ولكنه – بخفته الساخرة – قادر على ألاّ يثير ردَّ فعلٍ مضادّا؛ فينتصر الإنسان على التناقضات، ويقضي على الخطإ”[2].

ويمثل الفن المسرحي أحدَ أبرز الفنون التي صاحبت الحضارة الإنسانية منذ بزوغها، وحملت هموم الإنسان، وعبّرت عن نبضه؛ من خلال توظيف الخطاب الساخر بوصفه سلاحاً لتحقيق التغيير المنشود، وتعرية مثالب العصر اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وطرْح القضايا الحارقة والمُلِحّة.

 وقد لفتتِ السخرية نظر الكتاب والنقاد المسرحيين المغاربة أيضا، فبادروا بتوظيفها في إنتاجاتهم الإبداعية توظيفا متنوعا، أسهم في تطور المسرح المغربي فنيا، وأضفى عليه طابعا خاصّا.

وتكمن قيمة السخرية في نزوعها الدائم إلى المساءلة، وإعادة قراءة الماضي والحاضر، واستشراف المستقبل، كما أنها وسيلة تعبيرية انتقادية وجدلية، تبرز مكامن الخلل وعيوب الناس، وتنير ما هو حالك، وتعمل على إثارة السؤال وحُرقة المعرفة، مثلما أنها ظاهرة تداولية، لا يمكن فهمها وتحديدها خارج سياقها؛ فهي تعتمد على القدرات التأويلية لدى المتلقي، وعلى فهم قصدية الكاتب لفهم دلالة الخطاب الساخر وعُمقه.

كما تحمل السخرية على عاتقها عبء الكشف عن الحقيقة، وفضح تركيبة الواقع واختلالاته، ونقد بعض سلوكيات المجتمع. وغير خافٍ على أحد أنها عنصر ضروري لخلق الفرجة المسرحية بالنسبة إلى مُشاهِد العرض المسرحي، والمتعةِ بالنسبة إلى قارئ النص المسرحي. وهذا ما حدا بالكتاب المسرحيين المغاربة إلى إحكام العُقدة في الكتابة المسرحية، وإيراد أحداث ومواقف ساخرة، تسهم في تعميق دلالة العمل المسرحي، وتبرز براعة الكاتب في اختيار شخصيات وأحداث وحوارات عبر مجموعة من آليات تشكيل بنية النص الساخر؛ كالقلب، والتحويل، والتشويه، والمسخ، والتدنيس ونزع القداسة.

لقد وعى الكاتب المسرحيّ المغربي أهمية هذا الخطاب، وما للسخرية من تأثير، وما تبعَثُ عليه من دهشة ومتعة وتأمّل؛ فتوسل بالنكتة واللمحة وروح الفكاهة والمزاح، مازجا بين جدّية الحقيقة والسخرية منها في نصوصه المسرحية، وعُني بمسألة القصدية كشرط لتحقق السخرية، إلا أن هذا الوعي، في إطار الكتابة الدرامية، رافقته نزعة معظم الكتاب المسرحيين المغاربة نحو التأصيل والتأسيس لمسرح يحمل هُوية مغربية؛ فركنوا إلى التراث، وجعلوه ركيزة أساسية استلهموها في كتاباتهم. ومن هنا، نجدهم قد استحضروا شخصيات ومواقفَ وأحداثاً من التراث العربي والمغربي، أضفوا عليها أحيانًا لمسات ساخرة، واعتمدوا على الرمز والأسطورة والحكايات الخرافية والنكتة الهزلية الساخرة؛ بهدف خلق تواصل فني يضاهي نظيره في المسرح الغربي. فـ”قد تأثرت الكتابة المسرحية المغربية بكل ما كان يطرأ على المسرح الغربي من تحولات وتوترات؛ فكلما ظهرت مفاهيم وتجارب جديدة في الغرب، إلّا ووجدت لها صدى في الكتابة المسرحية المغربية”[3].

إن المتمعن في ريبرتوار المسرح المغربي يجده، من الناحية الثيماتيكية، عاجّاً بمختلِف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، التي عالجها كُتابُه بلغة يمتزج فيها الجد بالهزل، والبكاء بالضحك؛ هذا الأخير الذي “كان على الدوام دالاّ من الدوال المعاودة للتساؤل، والمستأنِف للاستفهام، والناقد والمستفِزّ للعقائد الجامدة والعادات الكسولة والإجماع المسكوك.. إنه يرفض الارتماء السهل في الطمأنينة الهشة لقناعات تهدّئ الرغبات والهواجس القلقة”[4].

وقد أعانَ التجديد، والانفتاح على المدارس المسرحية الغربية، على معالجة مختلف القضايا الإنسانية، واعتماد السخرية بوصفها أكثر تأقلما مع معاناة المجتمع، وتعبيرا عنه. كما اضطلع التجريب بدور مهمّ في قيام مفهوم جديد للكتابة المسرحية، تنظر إلى الظواهر والقضايا نظرة متحرِّرة، وقد شكلت السخرية آلية وأسلوبا للتحرر والانعتاق من شَرَك الرقابة.

بناء على ما تقدم، فإنّ هذه الدراسة تأتي للبحث في آليات السخرية وبلاغتها في النص المسرحي المغربي المعاصر، ولكشف عن أسلوبها ودلالتها.

يقول إريك بنتلي (Eric Bentley): “هذه هي الحياة. الفنون تعويضية. لقاء الكتابة الرديئة التي نقرأها كل يوم، يهيّئ لنا الأدب الكتابة الجيدة التي تدهش وتَسُر. لقاء الكلام الرديء الذي نسمعه كل يوم، تهيئ لنا الدرامة الكلام الجيد الذي يُدهش ويَسُر. إن الدرامة حلم المتكلم، وانتقام الرجل السَّكوت؛ ذلك أنها (كلها كلام). فالمسرحية يكتبها إنسان لا يريد إلا الكلام لجمهور لا يريد شيئا سوى الإصغاء إلى الكلام”[5]. فالمسرح فن تعويضي يلامس مشاكل الحياة ومعاناة الإنسان، ويكشف الغطاء عن كل ما هو بحاجة إلى الفضح والتعرية والإصلاح. كما أنه منبر للكلام عن المسكوت عنه، وفن للبوح.

 ويتطلب المسرح وجود كاتب مسرحي موسوعي مُجَرّب، يملك القدرة على التقاط الأحداث الواقعية، والتعبير عنها إبداعيا، كما أن المسرح من أكثر الفنون استعصاء، “وأشدها حاجة إلى مهارة فنية خاصة، تستطيع أن تؤلف بين عناصر هذا الفن المتشعبة؛ من قصة وممثل ومسرح وجمهور وحوار…”[6]. وكل هذه العناصر تسهم في تكوين خطاب مسرحي، وتكشف عن خصوصيته الفنية.

ويُعد الحوار من أهم هذه العناصر، بل هو أساس وجود النص المسرحي، والخيط الرابط بين مكونات العمل المسرحي، إذ يكشف لنا خصائص الحدث، وطبيعة الحبكة وطبائع الشخصيات، بالإضافة إلى موقف الكاتب وإمكانياته وثقافته.. كل هذا يتم من خلال التواصل الحواري بين الشخصيات. وغالبا ما يتخلل هذا التواصل -الحواري- مفارقات تكشف عن التناقضات بين الشخصيات. وتلجأ الشخصية أحيانا إلى السخرية بوصفها وسيلة لإثبات فكرتها والدفاع عنها، أو للحط من الآخر ومن أفكاره. وهذا عيْنُه ما كان يستعمله الفيلسوف سقراط في حواراته مع السوفسطائيين؛ بحيث كان يرى أن الحوار هو الطريقة المثلى لبلوغ الحقيقة. إن السخرية الحوارية أو السقراطية من أهم التقنيات التي تضفي على الفن المسرحي الدهشة والمتعة والتأمل في القضايا المطروحة؛ استجابةً لحاجة جماعية، تتبنى رؤية نقدية لما هو سائد، تحررية من جدية الحياة وقساوتها، لتجد ثأرها السلمي في الضحك؛ كما وصفه الفيلسوف الإنجليزي سلي sully في قوله: “الضحك هو الثأر السلمي والعادل لجماعة الضعفاء، من أطفال ونساء وعمال؛ لأنه في أيديهم كأمضى سلاح”[7]. وبذلك يصبح الضحك، المتولد عن السخرية، بمثابة عقوبة اجتماعية، وهذا ما يجعل من الكتابة المسرحية تعبيرا ذاتيا عن أفكار مشتركة.

وقد سعى المسرح المغربي، منذ السبعينيات إلى البحث عن صيغة مسرحية مغربية، تعبر عن خصوصية المجتمع العربي بصفة عامة، والمغربي بصفة خاصة، فارتكن لأجل ذلك إلى التجريب بما هو رؤية فنية متكاملة، وعمد إلى كتابة جمالية عبر تجديد صياغة النص المسرحي بما يناسب بيئته، ونسج حواراته عن طريق التوسل بالنكتة واللمحة وروح الفكاهة والمزاح والسخرية، والجمع بين جدية الحقيقة والسخرية منها، والوعي بمسألة القصدية كشرط لتحقق السخرية؛ عبر استخدام الآلية اللغوية الراقية المترفعة عن الخطاب اليومي العادي، تأثرا بالمسرح الطلائعي الغربي، كما لدى يوجين يونيسكو، وصامويل بيكت، وأداموف، وبريخت… في اتخاذهم السخرية شكلا من أشكال الرفض والتمرد على الواقع. وهذا لا يعني أن الكتاب المسرحيين المغاربة لم يعرفوا الكتابة الساخرة من قبل، بل إنها –في واقع الأمر- أسلوب استعمله الأدباء العرب على مر العصور أمثال الجاحظ وابن المقفع وأبي العلاء المعري وغيرهم من المبدعين. وقد جمع أولئك بين الأسلوب العربي الساخر والتقنيات المسرحية الغربية؛ مما جعل الإبداع المسرحي عندهم، في شموليته، “يدخل مجال الرمز والفنطازيا والسخرية والمبالغات الكاريكاتورية، وتوليف الأحداث المتعارضة والمفارقات العربية، وصياغتها بأصوات متعددة ودلالات مختلفة؛ مما أدى إلى خلق لغة درامية أصيلة تنبذ التعليمية، أو كل محاولة لدغدغة إحساس الجمهور. كما تنبذ الخطاب المسرحي الجاهز، الذي يقف وراء الأحداث الساخنة، ولا يعطي أهمية لحدَّتها بقدر ما يسعى إلى تكريس ما هو قائم؛ كما هو الشأن بالنسبة للمسرح التجاري”[8].

لقد استخدم الكتاب المسرحيون المغاربة السخرية، في كتاباتهم، بعدّها أسلوبا بلاغيا للإجابة عن الأسئلة الوجودية. ودعوة إلى إعادة النظر في المسلمات والحقائق الموجودة؛ فهي وليدة الفكر الفلسفي الذي يُسائل ويجادل، ويبحث عن الحقيقة الإنسانية لإثبات الوجود والتميز والاستمرارية داخل مجتمع متعدد التناقضات والمفارقات؛ فـ”تتفرع الرؤى، وتتداخل التفسيرات والتعليلات؛ حيث يتقدم الفرد على الجماعة عند بعض الفلاسفة، ويحظى بالحرية في التعبير والتفكير وإبداء الرأي، بل والتمرد على القيم والضوابط الأخلاقية. وهؤلاء لا يرون في الضحك والهزل هدما للأخلاق، بل تشغيلا للآلة العقلية، وممارسة للفعل النقدي، الذي يعبر به الفرد عن بشريته”[9]. فالضوابط الأخلاقية المُتَمرَّد عليها هي الضوابط الوضعية، التي اختلقها الإنسان، ووضعتها الأنظمة، أو التي يتوافق عليها المجتمع خارج الإرادة أو حرية الاختيار؛ فتأتي السخرية لتشغيل العقل وتنويره، وتحريضه، ودعوته إلى التجديد والتجاوز. وهذا يفرض على الكاتب الساخر أن يشحن لغته وحواراته، في النص المسرحي، بالمفارقات والأساليب الفنية الغنية بالإيحاءات والرموز والعلامات الجمالية.

ولعل هذا ما جعل الكتاب المغاربة يتأثرون بالمسرح الملحمي البريختي، بما هو نقيض للمسرح الكلاسيكي، المبني على التطهير الأرسطي، معتبرين الشكل الملحمي سبيلا للتنوير الفكري، بعد أن تجاوز المسرحيون المغاربة مرحلة الاقتباس، التي كرست للفكر الغربي. وهذا لا يعني أن الكتابة المسرحية المغربية، تنحو اليوم نحو التغيير الكلي؛ في اهتمامها بالاستهلاك بدل الرؤية الفنية، ولكنها دخلت مرحلة تكريس كتابة أخرى، تمثلت في مسرح جاف، لا يطرح الأسئلة بقدر ما أصبح نتاجا “يكثر من الهزل والثرثرة المسلية، التي تجعل المرسل يراقب حرية الإدراك لدى المتلقي/ المتفرج؛ فيفرض عليه وجهة نظره في الفهم والإدراك”[10]، مُجَرِّدَة المجتمعَ من وعيه وذوقه وثقافته. وقد ظهرت، فيما بعد، كتابات مسرحية مغربية اهتمت بالرؤية الفنية، مولية –في أثناء ذلك- أهمية كبرى للحوار المسرحي الساخر، الغني بلغته و دلالته، والمنشغل بقضية الالتزام الفني.

وسنحاول هنا الكشف عن تجليات السخرية على مستوى الحوار المسرحي؛ من خلال البحث في الأساليب واللغة، وازدواجية الدلالة، وكسر قواعد التعاون الحواري.

  1. الحوار الساخر في مسرح عبد الكريم برشيد:

بدأ المسرح الاحتفالي في الورق على شكل تنظيرات، قبل أن يخرج إلى الوجود الفعلي. وكان النص المسرحي لدى أصحابه الوسيلة الناجعة لكشف الغامض، وتعرية المستور، فالاحتفالية – كما أشار برشيد- “تنطلق من الرغبة في الكشف؛ كشف الذات –ذات الفرد والجماعة –، وكشف أسرار العالم المحيط.. مثل هذا الكشف يقتضي التحرر من العادي، والهروب من المعروف والشائع بحثا عن المدهش والعجيب”[11]؛ ومعنى هذا أن المسرح الاحتفالي لا يؤمن بالعادي والبديهي والشائع والمعروف، وكل شيء بالنسبة إليه غريب وعجيب. ويدعو إلى الانتقال من الوعي الفردي إلى الوعي الجمعي؛ من أجل خلق تواصل فعَّال مع جمهوره، ولذلك كان من الضروري أن يصطنع لغة إنسانية تحقق هذا التواصل؛ فوقع اختيار عبد الكريم برشيد على اللغة الاحتفالية التراثية؛ أطلق عليها “اللغة الفردوسية”، وهي “لغة الشعر، سواء أكانت فصحى أم عامية. ولا يعنى بالشعر شعر القصائد الشعرية المعروفة، ولكنه الشعر الذي يجمع اللغة الكلية، والإيحائية، والمعبرة عن جوهر الأشياء، والقادرة على التعبير بالملموس والمحسوس؛ فهي إذن ليست ألفاظا، ولكنها كل الأدوات التعبيرية الإنسانية”[12].

 يعد الحوار من أهم وجوه التعبير الإنساني والتواصلي بين الذات والأخر، كما أنه مركز ثقل داخل بنية النص الدرامي؛ لما يحدثه من تأثير في بقية العناصر الأخرى المكونة للعمل المسرحي؛ من أحداث وصراع ومكان وزمان وغيرها. فمن خلال الحوار يبرهن الكاتب عن مهارته في التأليف ونسج الحوارات، وموهبته في التخيُّل، وطرح أفكاره ومواقفه ورؤيته للعالم ولقضايا الإنسان من خلال شخصياته، دون المس بمبادئ وآليات العمل المسرحي. فللحوار المسرحي الاحتفالي فلسفته وبلاغته، التي تمزج بين التأثير العقلي والعاطفي، وهذا ما جعله ينتقد التغريب الملحمي البريختي، ويتبنى فكرة “الاندماج المنفصل”* أو التغريب الاحتفالي، الذي يتمثل في الخروج عن الانصهار الكلي في الحدث المسرحي؛ بتكسير الإيهام، وخلق الدهشة والاستغراب. كما أن تلك الفكرة لم تَتَبنَّ أي فلسفة أو إيديولوجيا معينة، بقدر ما تبنت فلسفة جمالية حرة، تقوم على الإبداع الحر؛ فلم ترهن نفسها مدرسة مغلقة، ولم تحشر ذاتها في بوثقة محددة. وبالتالي فهي مزيج من فلسفات متنوعة، يحضر فيها “شيء من الشك الديكارتي، وفيها شيء من النقد الكانطي، وفيها شيء من العقلية الجدلية عند هيجل، وفيها شيء من النسبية لدى إينشتاين، وفيها شيء من إشراقات الصوفية، وفيها شيء من الحدس البرجسوني”[13].

وقد ارتكزت الاحتفالية على سلطة التجريب في إبداعها المسرحي لتضمن الاستمرارية والمواكبة الشاملة، ومتخذة موقفاً من الوجود. ولا بد لهذا الموقف من أساليب تُصحِّح وتنتقد وتطرح الأسئلة، بلغة جماعية تواصلية أكبر من لغة الحوار المسرحي اللفظي، تعتمد لغة الجسد، وهي لغة المسرح الكلي، وهذا ما يجعلنا نبحث في الحوار المسرحي الاحتفالي، باعتباره قناة تواصلية تحفل بالأساليب الشاعرية، المجسدة للتراث الإنساني بصفة عامة. وسنحاول دراسة هذا الحوار، لاستنباط الجانب الساخر فيه، باعتبار السخرية أسلوباً محركاً للصراع الدرامي، وأسلوباً انتقادياً معاً.  كما أنه وسيلة للدفاع عن رأي الكاتب، وهو أرقى أشكال التعبير الأدبي، ومن أهم أنواع التحليل العميق للمتناقضات. كما أنها أي: (السخرية) خارقة لقواعد الحوار المألوف أو كما أطلق عليها “غرايس” (Grice) “قواعد التعاون الحواري”، التي صنفها إلى أربعة أنواع أشار إليها أحمد الشايب في كتابه “الضحك في الأدب الأندلسي”[14]، وهي:

  • قاعدة الكم: أي الإمداد بالمعلومات كما هو متطلَّب، ولكن بدون إفراط.
  • قاعدة الكيف: انعدام الصدق، وعدم كفاية المعلومات المقدمة، بين ثنايا الكلام.
  • قاعدة الورود أو العلاقة: وتسمى أيضا (الملاءمة)؛ أي أن تكون ذات صلة بالموضوع المقدم.
  • قاعدة الصيغة أو الكيفية: أي التلفظ بوضوح ودقة…

فالالتزامُ بهذه القواعد ضروري للحوار الجاد، وخرقها يؤدي إلى الوقوع في حوار هزلي ساخر، يخرج عن مقتضى الظاهر؛ ليُحْدِث نوعا من التضارب أو التعارض؛ فتُحَطَّم قواعد التعاون الحواري، إلا أن هذا الخروج أو الخرق لا يعني خلو الحوار من المعنى، أو بعده عن المقصدية. فغرايس أحدث قواعده على أساس الحوار الجاد الرسمي واليومي العادي، إلا أن الحوار المسرحي – على خلاف ذلك – يتطلب كسراً لتلك القواعد؛ خدمةً للحدث، والصراع الدرامي، واختلاف مقاصد المتحاورين. كما أنه يتميز بخصائص اللغة الفنية عكس الحوار العادي. ومع ذلك، فالحوار المسرحي يحقق فعل التواصل باستحضار الوظيفة الجمالية والإيحائية. فكسر قواعد التعاون الحواري فعل قصدي لتحقيق (الاستلزام الحواري)، الذي صاغه غرايس. ويقوم هذا الاستلزام على “تعدد المعاني التي يقدمها الخطاب، إذ تشي العبارة دائما بمعنيين؛ أحدهما ظاهر وحرفي دلالي، وثانيهما قَضَوي* تستلزمه بشكل غير ظاهر”[15]. فالاستلزام الحواري يتحقق من خلال احترام مبدأ التعاون الحواري. كيف ذلك يا تُرى؟

يتطلب الاستلزام الحواري – كما أسلفنا القول – وجود معنيين؛ معنى حرفي مخالف للمعنى المقامي، يستلزم معرفة المتحاورين بالمعنى الخفي في الحوار، فيكون التوصل إلى المعنى الخفي المضمر دلالة على تحقق مبدإ التعاون الحواري. إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن معظم المقاطع المسرحية المدروسة في هذا المحور، سنجد فيها أكثر من قاعدة لخرق التعاون الحواري؛ مما فرض عدم الالتزام بالترتيب الذي وضعه غرايس.

ومن أمثلة كسر قاعدة الكم عند عبد الكريم برشيد ما جاء في مسرحية اسمع يا عبد السميع على لسان عبد السميع:

عبد السميع: ليس لي شيء يا الخامسة.. اسمعي.. سآتيك بكل ما تبغين..

الخامسة: حقا؟!

عبد السميع: نعم.. فقط اصبري وصابري بعض الشيء.

الخامسة: سأصبر، ولكن إلى متى؟

عبد السميع: إلى ما شاء الله، الرحمان الرحيم، ملك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (يقرأ على طريقة الأطفال في الكُتَّاب).

الخامسة: تسخر مني أيها الملعون؟[16]

فكلام عبد السميع توفر على أكثر مما هو مطلوب منه؛ لذا فقد كسر قاعدة الكم التي عرفنا بها من قبل؛ بذكر سورة الفاتحة في معرض جوابه عن سؤال لم يطلب منه كل ذلك، كما لم يكن هناك داعٍ لاستعراض السورة بكاملها. بيد أن الكاتب وظفها قصد إلهاء الشخصية المحاوِرة (الخامسة)، وإبعادها عن الموضوع؛ فكانت تعبيرا عن التحامق والتغافل المصطنع في شخصية (عبد السميع). إلا أن مبدأ الاستلزام الحواري تحقق من خلال فهم (الخامسة) للمعنى الخفي من حوار عبد السميع، وهو التهرب من الجواب، والسخرية منها.

ونجد أيضا لدى برشيد حضور خرق قاعدة الورود )أو العلاقة(؛ حيث الجواب لا صلة له بالسؤال، خارج عن سياق الحوار، وغير ملائم له؛ فيكتشف المتلقي سخرية )عبد السميع( من زوجته )الخامسة(، التي تنتظر الوقت الذي يفي فيه )عبد السميع( بوعده. وتتعمق السخرية أكثر في طريقة قراءته، التي أشار إليها الكاتب من خلال الإرشاد المسرحي (يقرأ على طريقة الأطفال في الكُتَّاب). إن خرق قاعدة نجدها بكثرة في مسرحية “اسمع يا عبد السميع”، يفرضها حدث المسرحية الرئيس ودلالتها؛ فمسرحية “اسمع يا عبد السميع” تدور أحداثها بين رجل وامرأة، “يجمعهما فضاء واحد، ولكنهما – داخليا – يحملان فضاءين اثنين: المرأة ملتصقة بالأرض، والرجل متعلق بالسماء”[17]. وهذا الاختلاف بينهما هو ما سيولد حوارات متنافرة، باعثة على الضحك. ولتوضيح ذلك نورد الأمثلة الآتية:

(المثال الأول)

الخامسة: اسمع يا عبد السميع.. ضيوفك سيأتون قريبا، وأنت منشغل في لعبك هذا..

عبد السميع: من سيأتي يا الخامسة…؟

الخامسة: سيأتي الحسن والحسين..

عبد السميع: ومن غيرهما…؟

الخامسة: ورزاق ومرزوق، والراضي ورضوان، وحميد وحمدان.. سيطرقون بابك غدا أو بعد غد، فماذا أعددت لهم يا عبد السميع؟

عبد السميع: أعددت لهم كل شيء.. نعم كل شيء.. انظري يا الخامسة.. هذا حصان من خشب سيمتطونه ويلعبون. سيفتحون به حصونا وممالك.. سيرفعون راياتنا في كل مكان.. وهذه العجلات سيلعبون بها.. سيرحلون إلى جزر الأحلام والخيال. سيكون لهم عالمهم الطفولي.. عالم يفيض بالسحر والغرابة..[18]

(المثال الثاني)

عبد السميع: هل تعلمين – يا زوجنا المصون- بأن مستقبل العالم في يديَّ هاتين؟

الخامسة: وهل تعلم أيضاً – يا زوجنا الوقور- بأن طبخ المطبخ في يديَّ هاتين؟[19]

يتمثل خرق قاعدة الورود أو العلاقة في إلحاح الخامسة على زوجها عبد السميع بأن يبحث عما يسد رمق أبنائهما، الذين لم يولدوا بعد؛ فحلم الخامسة يتمثل في الإنجاب وتربية أبنائها في كنف بيتها الضيق، عكس عبد السميع، الذي يحمل حلم الجماعة الأكبر، خارج الحدود الضيقة، المتمثل في التوصل إلى اختراعات تنفع البشرية؛ لهذا جاء جوابه متنافرا مع رغبة الخامسة، ومؤكداً أنه أعد لأبنائه اختراعاته! والشيء نفسه نلحظه في المثال الثاني؛ حيث لا علاقة بين ما قاله عبد السميع (مستقبل العالم في يديه)، وما قالته الخامسة (طبخ المطبخ في يديها)! وهذا يبرز حجم التنافر والاختلاف بين الشخصيتين، الذي نتج عنه خرق لبعض قواعد التخاطب؛ فتحقق الاستلزام الحواري؛ من خلال فهم الدلالة الخفية التي أشرنا إليها سابقا، والمتعلقة بحلم كل واحد منهما؛ فعبد السميع حلْمُه مستقبل العالم، في حين أن الخامسة حلْمُها أن يوفر عبد السميع لأبنائه القادمين ما يسدون به رمقهم!!

كما نجد في مسرحيات عبد الكريم برشيد خرقاً لقاعدة الكيف، المتمثلة في “انعدام الصدق والمعلومات الكافية في الكلام”. ونحن نعلم أن الحوار المسرحي هو كتابة قصدية، تتوخى هدفا أو مجموعة أهداف مخطط لها سلفا، وهذا يستدعي من الكاتب أن يبدع في نصه الاحتفالي، وينسج حوارات تتميز بالمفارقات وتكسير رتابة الحوار العادي، فالحوار المسرحي الاحتفالي حوار جدلي متشابك، يمنح العمل الدرامي نوعا من الخصوبة. ومن ضمن الحوارات الباعثة على الضحك والسخرية ما توفر منها على (الكذب)؛ “لأنه يمثل مفارقة صارخة بين الكائن والظاهر”[20]. وإذا استحضرنا المثال الآتي من مسرحية “اسمع يا عبد السميع”، يمكننا إدراك ذلك:

عبد السميع: أبي كان اسمه عبد الناصر..

الخامسة: أبوك هذا أيها الولد الشقي كان مقاولا كبيرا..

عبد السميع: بل مجرد بناء صغير..

الخامسة: (وقد غيرت لهجتها) لقد كذبت علي إذاً أيها الطفل..؟

عبد السميع: هذه الأشياء تحدث عادة في أيام الخطوبة… إنها شيء عادي.. استمري يا امرأة.[21]

لقد دخل عبد السميع والخامسة في لعبة التمثيل داخل التمثيل (الميتا مَسرح)*؛ بحيث جسدت الخامسة دور أم عبد السميع يوم كان طفلا، وداخل هذه اللعبة تكسرت قاعدة التعاون الحواري من خلال الكذب، الذي تم فضحه كان مضمرا، وهذا ما جعل الخامسة تخرج من لعبة “التمثيل داخل التمثيل” لتكسِّر التفاعل الخطابي بتغيير لهجتها، وتعود إلى شخصيتها الأولى (الزوجة). إلا أن ما يثير الضحك هو قول عبد السميع بأنه أمر عادي، يحدث في أيام الخطوبة، وذلك لكسب رضا الزوجة وعائلتها، وهذا خرق لقاعدة الورود والملاءمة؛ فالموقف (حدث الخطوبة) يقتضي الجدية والصدق إلا أن الاستلزام الحواري تحقق من خلال معرفة الدافع إلى الكذب، وهو حب عبد السميع لزوجته، فاستمرت الخامسة في حوارها، بعد أن أذن لها زوجها بذلك؛ كما يتضح من آخر المقطع أعلاه.

وتعد قاعدة خرق الورود “من أكثر القواعد التي يخرقها الهزل في أساليبه وأشكاله المختلفة؛ وذلك عندما يحصل تنافر أو عدم تلاؤم في موضوع الحديث، أو تناقض بين أحد عناصر هذا الموضوع والسياق الخارجي. وخرق هذه القاعدة يساهم في ظهور دلالة جديدة غير متوقعة، يستلزمها الحوار، أو يوحي بها”[22]. ومن أمثلة ذلك ما جاء في مسرحية “على باب الوزير”، وهي مسرحية كتبها عبد الكريم برشيد كرد فعل ضد إجراء تعسفي ضده**، مصوِّراً قضية الريع الثقافي في بلده، وتوزيع مناصب المسؤولية وإسنادها إلى من ليسوا أهلا لها، وقد أشار في بداية المسرحية إلى صلب القضية بقوله: “كل مشابهة مع الواقع لا علاقة لها بالصدفة”؛ فهي قصدية نبه إليها عبد الكريم برشيد حتى يتحقق مبدأ التعاون الحواري، وفهم السياق. فمعرفة سياق المسرحية أمر ضروري لمعرفة أنماط الإضمارات التداولية، وما يتضمنه القول من معانٍ خفية. إذ تحكي المسرحية قصة (صليحة)، وهي معلمة أُحيلت على التقاعد، فأضحت تتقاسم البيت مع ابنها سلطان العاطل عن العمل، وزوجها عبد العلي الذي يقاسمها الفراغ والعجز. وتكتشف صليحة، من خلال المذياع، الذي صار يشكل متنفسها الوحيد، أن أحد تلاميذها الكسالى أصبح وزيرا لثلاث وزارات بقدرة قادر، في حين أن معلمته تعيش على عتبة الفقر والمعاناة!!

صليحة: يالله.. ما أجمل تربية الأطفال الأبرياء!

عبد العلي: فعلا، ما أجملها من مهنة، ولكن ألا ترين، يا مُولاَةْ الدَّارْ، أن تربية العجول أجمل منها؟!

صليحة: العجول؟ ماذا تقول يا عبد العلي؟

عبد العلي: أو تربية الماعز أو الدجاج أو الأرانب، أو حتى تربية الخنازير..

صليحة: إنك تمزح – بلا شك – يا عبد العلي؟

عبد العلي: أنا؟ أبدا.. إنني أقول لنفسي دائما لو أن حرمنا المصون، السيدة صليحة، أصلحها الله، وسامحها الله، قد اشتغلت بتربية العجول لكان الحال اليومَ غير الحال، ولكنتِ اليوم من أصحاب الجاه، ومن أصحاب السلطة والمال![23]

ففي الحوار بين صليحة وعبد العلي إشارة إلى معاناتهما المادية، ومستواهما الاجتماعي، لكن هناك خرق لقاعدة الكم، فكلام عبد العلي بالغ في الإفادة أكثر مما يقتضيه المقام؛ وبذلك خرج عن قاعدة التعاون الحواري بينه وبين صليحة، – بالتالي- لم يتحقق الاستلزام الحواري؛ فصليحة اختارت مهنة تعليم الأطفال وتربيتهم لما تحمله من مبادئ وقيم إنسانية، عكس عبد العلي الحالم بالسلطة والمال؛ مما جعله يفضل تربية المواشي على تربية الأطفال. كما تولدت السخرية من خلال عدم الملاءمة بين المقال والمقام؛ فالحديث عن تربية المواشي لا يتلاءم والحديث عن تربية الأطفال، إلا أن الكاتب حمل رسالة ضمنية أراد أن يبرز من خلالها وضعية رجال ونساء التعليم المزرية. فالاستلزام الحواري لم يتحقق من خلال الحوار بين الشخصيات، لكنه تحقق من خلال الكاتب (عبد الكريم برشيد) والقارئ أو المتلقي من خلال المراهنة على الوصول إلى المعنى المقصود.

ومن أمثلة خرق قاعدة عدم الملاءمة قول عبد العلي، وهو يهم بفتح الباب على صاحب البيت طلبا لثمن الإيجار:

صليحة: اُطلب منه أن يمهلنا قليلا.. شهراً أو أقل.. كلمه بكل احترام يا عبد العلي. قلت بكل احترام. هل سمعت؟

عبد العلي: نعم سمعت.. سأكلمه باحترام يليق بأولاد الحرام.[24]

فعبد العلي ينقل رسالته إلى المتلقي بشكل ضمني، مخالف لما هو حرفي، وهو على دراية بأن متلقي حواره قادر على إدراك قصده. فهو يقول كلاما، وفي قرارة نفسه نقيض ما يقول، وقد حاول إبلاغ هذا النقيض إلى المتلقي باستعمال جملة (يليق بأولاد الحرام)؛ ومن هنا نكتشف نوع الاحترام الذي سيُسْتَقبل به صاحب البيت!.

 تساعدنا قواعد الالتزام الحواري على تسهيل عملية التواصل، وخرقها يؤدي إلى التعمق والبحث في الدلالة المضمرة؛ فنصرِف الكلام “عن ظاهره إلى معنى خفي يقتضيه المقام، وهذا المعنى المصروف إليه بطريقة الاستدلال من المعنى الظاهر، ومن القرائن”[25]؛ فيتحقق الاستلزام الحواري. ومن أمثلة ذلك حوار صليحة مع الراديو الذي يبث خبر تعيين الوزير الجديد، الذي كان تلميذها الكسول:

صليحة: بلاغ؟ اللهم اسمعنا خيرا (تنادي عبد العلي).. تعال تسمع.

الراديو: بسم الله الرحمان الرحيم، في إطار التغيرات الوزارية، وتماشيا مع مصلحة البلاد العليا، فقد تم تعيين الأستاذ رابح ولد رابح وزيرا.

صليحة: هذا الاسم ليس غريبا علي..

الراديو: لقد تم تعيينه في هذا المنصب السامي؛ نظرا لعلمه وخبرته وحنكته ومصداقيته، ونظرا أيضا لغيرته ولوطنيته وعلمه وأدبه ولسمعته الطيبة، سواء داخل الوطن أو خارجه…[26]

إن الإفراط في وصف الوزير رابح ولد رابح، من طرف (الراديو)، هو “ضرب من الكذب، لكنه كذب عذب إذا بلغنا الغاية الحقيقية من الفن، وهي التأثير”[27]. فالغلو في الوصف جائز عند بعض البلاغيين؛ أمثال ابن قتيبة إذ يقول: “وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء في هذا الفن، وينسبها إلى الإفراط وتجاوز المقدار، وما أرى هذا إلى جائزا…”[28]؛ وهو مستحسن في الإبداع المسرحي إذا حمل معنى تأثيريا ساخرا، يريد به الكاتب معنى معينا.

 ففي المقطع المذكور، خرق الكاتب قاعدة الكيف في حوار (الراديو)، وقال ما لا يستطيع البرهنة على صدقه، إلا أن صليحة كانت على دراية ومعرفة بالحقيقة؛ فهي كانت أستاذة الوزير رابح ولد رابح، بيد أن الاستلزام الحواري بين المتحاورين في النص لم يتم حيث لم يُصدِّق أحدهما الآخر؛ وبالتالي فقد انتفى مبدأ التعاون الحواري بينهما، ومن هنا، فالرسالة الساخرة تحتفظ بالمعنيين (الصريحة والضمنية) معا، إلا أن مبدأ التعاون الحواري تحقق خارج النص المسرحي بين الكاتب والمتلقي المتتبع للأحداث.

ومن أمثلة خرق قاعدة الورود أو الملاءمة ما جاء على لسان صليحة في نفس سياق الحديث عن الوزير:

الراديو: كما تقول ترجمته، أيضا، بأنه حصل على شواهد عليا كبيرة وخطيرة وعلى…

صليحة: ومن أين تأتيه الشواهد العليا أو الدنيا يا ولدي؟ إن الشواهد الوحيدة التي كان يعرفها هي الشواهد الطبية..[29]

فكلام صليحة في سياق الحوار (يعرف الشواهد الطبية) يحمل معنيين اثنين ظاهرا ومضمرا. فأما المعنى الظاهر، فقد يكون دلالة على مرض يعاني منه، وأما المعنى الخفي، وهو المقصود، فإنه كان كثير الغياب، ويقدم الشواهد الطبية لتبرير تغيباته الكثيرة، وهذا ما يتضح من خلال السياق؛ فصليحة تمتهن التدريس، وهذا كافٍ لتعرف دور الشواهد الطبية، التي كان تلميذها آنذاك يحضرها، والغاية منها؛ فالسياق الحواري أزال الغموض والالتباس عن قول صليحة؛ فتحقق مبدأ التعاون الحواري، وحملت جملتها دلالة ساخرة باعثة على الضحك. ومن الأمثلة الشبيهة بهذا السياق والحاملة للدلالة الساخرة أيضا نجد:

عبد العلي: (كمن يكلم نفسه) الملعون لقد وصل رابح إذن؟

صليحة: نعم وصل، مع أنه لم يسر ولم يمش كما يمشي الناس على هذه الأرض!

عبد العلي: لقد طار يا صليحة، وحلق مع الطيور المحلقة في السماء..

صليحة: لقد قرأت، يا عبد العلي، أن أغلب ما يميز هؤلاء الوصوليين هو أنه عندما يصلون لا يذهبون[30].

قلنا سابقا إن قاعدة الاستلزام الحواري تقتضي فهم الدلالة الضمنية من خلال وضع الحوار في سياقه؛ فهناك المعنى المباشر والمعنى المستلزم حواريا؛ “فالأول تدل عليه العبارة بلفظها، والثاني تدل عليه العبارة باستعمالها في موقف تواصلي معين”[31]. والسخرية تبطَّن في المعنى المستلزم، المتخفي وراء المعنى الصريح. ومن هنا، فالدلالة الاستلزامية في حوار صليحة وعبد العلي هي كالآتي:

المعنى الصريح

المعنى الاستلزامي

المستوى الإنجازي المستلزم

وصل مع أنه لم يسر

تَبوَّأ رابح منصبا عاليا، رغم أنه لم يجتهد في سبيل بلوغه

السخرية من مسار رابح ولد رابح

لم يمشي كما يمش الناس

لم يتعب كما يتعب الناس

لقد طار

تبوأ المكانة المرموقة بطرق ملتوية، على نحو يبعث على الاستغراب.

عندما يصلون لا يذهبون

معناه المقصود البقاء في المناصب دون مفارقتها

ومن خلال ما سبق نستشف الخطاب الساخر عند عبد الكريم برشيد، انطلاقا من السياق الذي يمكن تعقبه من خلال ربط الجمل الحوارية بالسياق التداولي. وتجدر الإشارة إلى أن نص مسرحية (على باب الوزير) متميز في كتابته مقارنة ببقية النصوص التي اشتهر بها برشيد؛ لما تحمله من خطاب ساخر انتقادي للوضع القائم، يمزج فيه بين السياسي والاجتماعي والثقافي، في توليفة مسرحية ساخرة، بخطاب انتقادي ملطف يخلقه الكلام وهذا النوع من الهزل؛ “مدين بما هو عليه لبنية الجملة أو إلى اختيار الكلمات. فهو لا يلحظ، بواسطة الكلام، بعض حالات السهو الخاصة، التي تعتري الرجال أو الأحداث، بل يشير إلى مزالق وزلات الكلام بالذات. إن الكلام بالذات، هنا، هو الذي يصبح هزلا”[32].

إن الحوار المسرحي عند عبد الكريم برشيد، وطريقة صياغته بالذات هو الباعث على السخرية، إلا أن هذا ليس صحيحا دائما؛ ذلك أن استحضار الشخص، أو الحدث المَسخُور منه، ضرورة لفهم فحوى الخطاب الساخر، وتذوقه أكثر؛ لأنه فعل قصدي، ولأن الحوار ليس مستقلا عن الحدث أو الشخص المسخور منه؛ من ذلك على سبيل المثال حوار صليحة مع زوجها عبد العلي عن سيرة الوزير رابح لما كان تلميذا:

صليحة: في الفصل، يا عبد العلي، لم يكن يرفع أصبعه أبداً.

عبد العلي: نعم، وإذا حدث ـــ سبحان الله ــــ ورفعه يوما يا صليحة.

صليحة: آه.. إذا حدث ذلك، فلكي ينبهني بأن جرس الخروج قد دق..[33]

فلو افترضنا غياب القصد (حدث تعيين رابح وزيرا، وشخصية الوزير) من سياق الحدث، وافترضنا أن الشخص المسخور منه إنسان عادي، سيفقد الخطاب جانب الهزل فيه؛ فينقص تأثير السخرية. فالعيوب المذكورة في حوار صليحة موجودة في مجتمعنا بكثرة، ولا نستشعر غرابتها، إلا إذا ارتبطت بشخصية ذات مكانة عالية؛ كالوزير المفروض فيه أن يكون المثل الأعلى في الاجتهاد والتفوق، أو بحدث رسمي مهم؛ من قبيل التعيين الوزاري الذي يفرض الكفاءة والاستحقاق. إذا، فموضوع المسرحية وسياقها جعلا عبد الكريم برشيد يخرق قواعد الحوار، ويستدعي الخطاب الساخر، عكس ما نلمسه في بعض نصوصه من التزام بالتعاون الحواري، وطغيان الخطاب التنظيري والنقدي المباشر فيها، واستحضار الشخصيات والأحداث التاريخية، مما يعمق المرجعية التاريخية في النص المسرحي الاحتفالي ، ويقود المبدع إلى السقوط في الرمزية المبتذلة، والإغراق فيها؛ بسبب سعيه إلى إدخال نصوصه المسرحية، زمن التجريب، والبحث عن صيغة مسرحية أصيلة؛ وهذا كان سببا في ندرة الخطاب الساخر في بعض نصوصه المسرحية، وطغيان اللغة الشاعرية المعقدة؛ حيث كان هاجس التأصيل والتنظير حاضرا في معظمها.

أما في بعض نصوصه الأخرى؛ مثل: “جحا في الرحى”، و”اسمع يا عبد السميع”، و”ابن الرومي في مدن الصفيح”، و”على باب الوزير”… فقد التزم برشيد في حواره المسرحي الساخر، بالنموذج التداولي المعياري، الذي يعتبر السخرية شكلا خاصا من أشكال استعمال اللغة، والتلاعب بها؛ لتوليد المعنى المقصود من خلال سياق معين. علما أن الاستعمال اللغوي في الحوار المسرحي يختلف عنه في الحوار العادي اليومي، البعيد عادة عن التصوير البياني، والوظيفة الجمالية والإيحائية، والانزياح الفني.

 فالمبدع المسرحي بشكل عام، مشروط عليه أن يتميز بدرجة عالية من الانتقائية، والطلاقة في توليد المعاني والدلالات؛ ليتحقق ما سماه رولان بارت “لذة النص”، التي “لا يدركها إلا من تحرر من نفسه جسدا، ودخل في نفسه نصا”[34]. ويقصد بــ”لذة النص”Plaisir du texte النص “الذي يرضي فيملأ، فيهب الغبطة. إنه النص الذي ينحدر من الثقافة، فلا يحدث قطيعة معها، ويرتبط بممارسة مريحة للقراءة”[35]؛ فتتحقق متعة النص ولذته؛ من خلال التصادمات والتقاطعات الدلالية والالتباسات؛ وهي تعد من الاستراتيجيات التواصلية القصدية في الخطاب الساخر، و”مقوما من مقومات كفاية التواصل البليغ”[36]. إن النص المسرحي يعرض بيئة اجتماعية مصغرة، وشخصيات متنوعة، تفرض على الكاتب أن ينوع نسقه اللغوي معجميا وتركيبيا ودلاليا… حسب تنوع الشخصيات من حيث الجنس والعمر والمستوى الاجتماعي والطبقي والثقافي والانتماء الإيديولوجي. ويتغير النسق اللغوي أيضا حسب تغير الأحداث.. كل هذا يسهم، بشكل كبير، في ظهور السخرية على مستوى الحوار المسرحي. وقد أصبحت السخرية أسلوبا رئيسا في الكتابة المسرحية الواعية التي تهدف إلى إبراز أوجه الاختلاف بين المبادئ والأهداف والتوجهات من جهة، والأفعال والممارسات من جهة أخرى، وتترك للمتلقي سلطة التأويل للاستيعاب والتفاعل والتغيير، وإن الحوار الساخر يجب أن يكون “بيانا سريا بين الكاتب والقارئ، بين الهمِّ والضحك، بين الوجع وصاحبه، بين القلم والممحاة…”[37].

  1. الحوار الساخر في مسرح محمد مسكين:

أشرنا سابقا إلى أهمية الحوار المتمثلة أساسا في علاقته بالشخصية والحدث المسرحيين؛ فهو يكشف عن الشخصيات، ويؤدي إلى تطور الحدث. والحوار عند محمد مسكين “يمتلك وظيفة مزدوجة؛ على اعتبار أنه أداة تعبيرية في يد المؤلِّف وشخوصه، وهو أداة تواصل بين المؤلِّف والناس، بين الشخوص والناس، بين الشخوص والشخوص. إنه أداة للكشف كذلك، وبه تحدد الشخوص مواقفها من الأحداث؛ ومن بعضها البعض.”[38] كما أنه أداة تواصلية، تستدعي التكثيف والاختزال، مع تحقُّق الدلالة، وهذا ما تميزت به نصوص محمد مسكين، المتشربة بالفكر الفلسفي ومواقفه؛ فقد كان الراحل أستاذا لمادة الفلسفة، ومن هذا المنطلق، “يتأكد لدينا عمق تكوينه المعرفي والجمالي. هذا التكوين ساعده على أن يكتب أعمالا مسرحية، تتسم بالبعد الفلسفي، والسؤال المدهش حول قضايا الوجود والقيم والمعرفة”[39]. وبالتالي، كانت حواراته يطغى عليها الأسلوب الفلسفي المنطقي الساخر والثائر، المتجاوز لحدود المحظور، وتتسم بنوع من الانحراف الملفوظي، بتعبير باختين، فتنفتح على لغات أخرى. كما تتميز بالتنوع الأسلوبي.

إذ نجد محمد مسكين يستعمل اللغة العربية الفصحى في نصوصه المسرحية، لما تحمله من قوة تعبيرية وتأثيرية، بالإضافة إلى بعض الحوارات بالعامية (اللهجة المغربية)؛ “لخرق شروط تماسك العلاقات الملائمة بين الوحدات؛ مما يترتب عنه انزياح وخرق للمألوف”[40]، تستدعيه المواقف الدرامية لتتويج بعض المشاهد بالأسلوب الساخر، وتكسير الرتابة، مثلما جاء في مسرحية “اصبر يا أيوب”:

عبد الرحيم: إنه عرس، وجئنا نفرح مع أصحابه.

هامان: (باللهجة الدارجة) امْشُوشْ لعّرَاسْ.

الإمبراطور: قطط؟ يدعيان أنهما متطفلان فقط.[41]

فقد استقى الكاتب بعض معجمه من واقعه المادي، مستعملا التشبيه باللهجة الدارجة؛ التي تروم الطرافة والإبداع؛ فــ”الشيء من غير معدنه أغربُ، وكلما كان أغرب، كان أبعد في الوهم؛ وكلما كان أبعد في الوهم، كان أطرف؛ وكلما كان أطرف، كان أعجب، وكان أبدع”[42]. من هنا كانت عبارة “امشوش لعراس” بالعامية، أبدع وأطرف من استعمالها والتعبير عن مدلولها، باللغة العربية الفصحى؛ فتفقد آنذاك قوتها التعبيرية الساخرة. وقد تضمنت جملة التشبيه مفارقة “حالية”، تتضح لنا من خلال وجود حالتين في سياق واحد، لكنهما تختلفان تمام الاختلاف؛ فمن خلال السياق، الذي هو (العرس)، تبرز حالتان من خلال التشبيه كما يأتي:

 

الحالة المشَبهة

الحالة المشبه بها

زيارة العرس قصد الفرح (إنسان)

زيارة العرس قصد الأكل (قطط)

ولا شك في أن دمج اللهجة الدارجة في النص المسرحي هنا لم يكن بقصد الفكاهة فقط، وإنما لتؤدي الوظيفة (الصدامية)، وهذا ما يتضح من خلال مجموعة من العبارات الموظفة في نصوصه المسرحية عامة، بالإضافة طبعا إلى الوظيفة الجمالية. فالأمر يتعلق بنوع من التهجين، و”هو مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضا التقاء وعيين لغويين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي، أو بهما معا، داخل ساحة ذلك الملفوظ ولا بد أن يكون قصديا”[43]. إذا، فدمج اللهجة العامية مع اللغة العربية في نص واحد هو نوع من التهجين، ومن التصادم بين وعيين: أدبي نخبوي راق، وعامي شعبي مبتذل. والسخرية ينظر إليها دائما “كفعل مناقض لمعاني الجدية والرزانة والوقار، التي ميزت الخطابات الرسمية”[44]، ومن أمثلة المزج بين العامية والفصحى، ما ورد في مسرحية “تراجيدبا السيف الخشبي” لمحمد مسكين:

حمدان: ينكسر المنطق يا أبا السعد، وأُحَوِّلُ الطين مزهرية أقدمها هدية لأوفيليا.

أحمد: إنه ظلم، والظلم ضد الجمال يا أبا السعد.. إن الظلم ضد الشعر، والشعر جمال، وإن الظلم إساءة لله؛ لأن الله يحب الجمال.

أبو السعد: إيوا نَوَّضْهَا تَاكُلْ التّبَنْ.[45]

فعبارة “نَوَّضْهَا تَاكُلْ التّبَنْ”، عبارة مسكوكة وشائعة في تداولنا اليومي، ترمز إلى العجز وعدم القدرة، وتوظيفها في نص مسرحي، يتميز بلغة متعالية، هو خرق لنظام الثبات الحواري، وعامل يبعث على الضحك، ويُكسر جدية الحدث؛ فهو أسلوب (تغريبي)*، قائم على كسر “الإيهام المسرحي؛ فتُغرب الأحداث خارج نطاق المألوف”[46]، وتحقق الانجذاب إلى بقية الحوارات خارج مبدإ الاندماج الكلي.

 وجاء في مسرحية تراجيديا السيف الخشبي:

بوذا: (إلى ليلى) إنني أحس بأنفاسك معطرة يا امرأة اقتربي.. أكثر.. أكثر.. أكثر.. إن دفئا شيطانيا يسري في عروقي.. ما ألذه يا امرأة! اقتربي.. يكاد لساني بالوحي ينطق. سأرويك يا امرأة.. اقتربي.. الناس نيام…

أبو السعد: (باللهجة المغربية) “كَالوُهَالكْ أبَّا” إن أعيننا مفتوحة كبوابات البحر.[47]

فقولة )أبو السعد( تكسر الثبات الحواري وتنزع القداسة عن شخصية بوذا، غير المبصر لما حوله، كما تحقق الوظيفة الصدامية. فهذا النزول على المستوى اللغوي القصدُ منه خلق تواصل مع المتلقي وجعل الحدث المسرحي أكثر ارتباطا باليومي والمعيش والمتداول.

ومن المعلوم أن الحوار المسرحي يتوفر على عدة عناصر، متممة له. وتعتبر الإرشادات المسرحية من هذه المتممات، وهي عنصر مواز للنص الدرامي، وجسر تواصلي بين كاتب النص والقارئ، وتسمى أيضا بـ”التعيينات السياقية”، وهي “مساحة مخصصة لقضايا العرض، أو اقتراحات الكاتب على المشتغلين على العمل المسرحي قصد إنجازه عرضا”[48]. كما تكشف عن تصور الكاتب والصيغ التواصلية المقترحة، وتوضح دلالة الشخصيات، وتموقعها داخل النص المسرحي. ومن هنا، فقد جعلها محمد مسكين مساحة للكشف عن بعض شخصياته وسلوكاتها وحركاتها وملامحها؛ كما نجد في مسرحية “اصبر يا أيوب”، في معرض الحوار بين الإمبراطور وحَاجِبِه، وهما يتناولان أمورا تتعلق بالمعاشرة الزوجية التي يجهلها الأول:

الإمبراطور: عجيب كل هذا أيها الحاجب.. وكيف؟ (يعود الحاجب للحديث في أذن الإمبراطور)

الإمبراطور: (كما يكشف الطفل لعبته) وكيف لم تحدثني عن كل هاته الأشياء اللذيذة من قبل… خدعتني أيها الصعلوك… سنتحدث عن كل هذا بتفصيل في الليل…[49]

فمن خلال الإرشاد المسرحي الموظف بين معقوفتين، – في المقطع أعلاه- بوصفه من معلنات السخرية، والمساهم في لفت انتباه القارئ، شبه محمد مسكين الإمبراطور بالطفل عند اكتشافه للعبته، وفرحه، ولهفته بها، وهو تشبيه يعبر عن سذاجته، وجهله بالأشياء. كما أن تشبيه الإمبراطور بالطفل يحمل مفارقة تهكمية، لا تناسب حال الإمبراطور بهيبته وجلاله، إذ يضعه الكاتب موضع طفل يكتشف لعبته للحط من قيمة الإمبراطور، وإذلاله. فبعد أن سخر مسكين من شخصية الإمبراطور على المستوى الفِزيولوجي؛ من خلال الإرشادات المسرحية (… إنه أعرج، وصاحب عاهات كثيرة… كل ما فيه يوحي بالتكلف…)[50]، انتقل إلى السخرية منه على المستوى السيكولوجي، بذكر عدم معرفته بأمور تعتبر من البديهيات؛ كالمعاشرة الزوجية:

الإمبراطور: ( مخرجا مرآة صغيرة يضع الأصباغ، غير مكترث بالحاجب).

أجب أيها الحاجب… رجل أنت أم امرأة؟!

الحاجب: (وقد فاجأه السؤال) رجل، والحمد لله يا مولاي.

الإمبراطور: رجل؟ وكيف توصلت إلى هذا الاكتشاف يا حاجبنا الجميل؟

الحاجب: في الليل، وأنا وحيد مع زوجتي يا مولاي.[51]

إن وضع الأصباغ وحمل المرآة؛ هي أفعال مرتبط بالنساء، وهذا فعل غروتيسكي حاول من خلاله الكاتب تشويه الإمبراطور والسخرية منه، بالإضافة إلى السؤال الذي طرحه الإمبراطور على حاجبه: )رجل أنت أم امرأة؟(؛ يحمل أبعادا مختلفة عن معناها السطحي، المتعلق بالسؤال عن النوع (رجل/ امرأة) وإنما متعلق بالكيف؛ أي ما يجعل منك رجلاً، فكانت إجابة الحاجب ساخرة حين ربط مفهوم الرجولة بما اكتشفه وهو مع زوجته.

 إن الحوار المسرحي عند محمد مسكين “نقد للغة الوقار الخادع، وممارسة للغة الفضح والتعرية، وخلق لقاموس كلامي ولغوي يكشف عن طبيعة التناقضات الاجتماعية والسياسية، يمارس قول الحقيقة، ويصف الحالة بكل جرأة”[52]. ولذا، فقد اعتمد الكاتب على حوارات تمرد من خلالها على المنظومة القيمية المجتمعية، وفضح ما لا ينبغي استتاره في المجتمع، واقتحم الطابوهات. ومن أمثلة الانتهاك الحواري الساخر عنده ما جاء في مسرحية “مهرجان المهابيل” حين طلب القاضي من عبد الصمد (بواب المحكمة) أن يصف المتهمة (شهرزاد):

ع. الصمد: من أين أبدأ رحمك الله؟

القاضي: ابدأ من حيث يبدأ كل شيء.. ابدأ من حيث يبدأ الوجود، ويتدفق.. ابدأ منه؟

ع. الصمد: منه؟ .. من ماذا أيها القاضي؟

القاضي: منه.. من ذاك الشيء الذي يجتذبنا أيها البليد؛ من ذاك المتخفي.. من مكان خروجي إلى الوجود وخروجك وخروج كل الناس.. ابدأ منه.

ع. الصمد: عيب يا قاضينا..[53].

بحيث يسخر الكاتب من شخصية القاضي، الذي وُكِلتْ إليه مهمة محاكمة شهرزاد، بسبب حكاياها التي أفسدت المجتمع (موضوع المسرحية)، وذلك باستخدام لغة الكشف والتعرية، وتشويه القاضي، وفضح زيف القيم في المجتمعات العربية، وإماطة اللثام عن طبيعة النسيج الاجتماعي والأخلاقي الداخلي. إذ ينبهنا الموقف الساخر إلى “مكمن الخلل في السلوك، أو مكمن النقص في قيمة من القيم أو اعتقاد أو فكرة…”[54]. ويدعونا إلى تأسيس أخلاق سامية من خلال تجاوز ما هو مسخور منه، ورفض التشبه به. فالخطاب الساخر يسهم في بناء شخصية الفرد، و”يستدرك ويصحح سهوا طارئا، أو اعتقادا خاطئا، أو غير ذلك مما لا توافق عليه الجماعة التي ينتمي إليها”[55]. وهذا ما أكده محمد مسكين في تتمة حوار القاضي مع عبد الصمد؛ حيث الدعوة إلى إسقاط كل ما هو محظور:

القاضي: احك.. يا عبد الصمد.. احك.

ع. الصمد: كيف أحكي عن ما يحاكم.. كيف أحكي عن المحظور؟..

القاضي: احك وكفى.. أريد سماع ما تقوله هذه المرأة.

ع. الصمد: .. حتى ولو أساء هذا إلى مدينتنا وقيمنا!

القاضي: فلتسقط كل القيم.. ولتهدم حيطان هذه المدينة…[56]

 إن الكتابة المسرحية عند محمد مسكين يحضر فيها الفعل، وبالتالي فإنه يحضر فيها البعد الدرامي بمنأى عن الافتتان والإغراق في استعمال اللغة، وتعتمد الإيجاز الغني بالدلالات، وهذا ما يجعل الحوار الساخر، في مسرح النقد والشهادة، نقدا للمفاهيم التي تتبناها الأنظمة، من خلال توظيف بعض الآليات البلاغية؛ مثل التورية وهي من علم البديع، منْبَنِية على معنيين: ظاهر غير مراد، وخفي هو المراد والمقصود. فالتورية تقوم على التلاعب اللغوي، وبالتالي، فهي تستدعي عملية ذهنية لفهم فحوى الخطاب. فـ”المضمر خلاف المعلن، والصمت ناطق، والمبني للمجهول معلوم فيها”[57]. ومن أمثلة ذلك ما جاء في مسرحية “اصبر يا أيوب”:

كونغ: لا تقلق يا أيوب.. أنت الصبر، فكيف لا تصبر؟!

عبد الجبار: إلى متى الصبر يا ناس؟!

كينغ: بلا ارتجال يا هذا.

كونغ: الارتجال خروج عن النظام.

كينغ: ومسرحنا ليس مسرح ارتجال.

عبد الرحيم: لا تحاسبه يا سيدي فلسانه؛ لا يخضع للنظام.[58]

فسؤال عبد الجبار، الموحي بالرفض ونقد الأوضاع، كان – بالنسبة إلى كينغ وكونغ، وهما حارسان للإمبراطور – بمثابة احتجاج وإدانة لسياسة الإمبراطورية؛ ولذلك وُصِفَ بالارتجال الخارج عن النظام؛ فتحققت التورية من خلال كلمة (النظام)! فالمعنى الظاهر أنه ارتجَلَ حِوارًا؛ فخرج بذلك عن نظام النص المسرحي، والمعنى الخفي – وهو المقصود – أنه يحتج ويثور ضد نظام الإمبراطورية، أما كلمة (ارتجال) فهي كناية عن الاحتجاج، وما يرافقه من شعارات.

كما استعان محمد مسكين باستراتيجية “التحريف الهزلي”، الذي يبتعد عن الأسلوب الأصلي، ويحمل دلالة مغايرة، وهو استراتيجية تسعى إلى خلق انزياح لغايات ساخرة، وهذا التحريف “خلاف المحاكاة الساخرة.. إنه ذاك الذي يستعيد الموضوع، إلا أنه يبتعد عن حرفية النص. وهو بالتقريب ما سمي بـ”التشنيج”؛ إذ تتوالد الفكاهة والنقد فيه فعلا من الاختلال المؤسس للهزل بين الموضوع والسجل الأسلوبي المعالج به”[59] ومثال ذلك ما جاء على لسان شخصية عنترة، في مسرحية “تراجيديا السيف الخشبي”، في حواره مع عبلة، التي تسعى إلى الحصول على (الباسبور)؛ أي جواز السفر بمختلف الطرق:

عبلة: سأحول جسدي ناقة يمتطيها الرجال ساعة، وآتي بالباسبور.

عنترة: عيب، عيب يا عبلة. السيف أصدق أنباء من ” الرشوة” الحد في حده بين الجد واللعب، سأحول المدن جحيما وأهدم كل العالم.[60]

بحيث غير محمد مسكين في البيت الشعري المعروف للشاعر المتنبي، الذي يقول فيه:

السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ      فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ

مُحَرفاً ومُغيِّراً كلمة “الكتب”، التي قصد بها المتنبي المنجمين، كون النصر والحق يأتي بالسيف، بكلمة “الرشوة”؛ هذا الفعل المشين الذي تريد عبلة ركوبه للحصول على جواز السفر، فمحاكاته طريقة وأسلوب المتنبي في بيته الشعري وتحريفه للتعبير عن غيرة عنترة على ما ستُقبِل عليه عبلة من فعل مشين يجبرهُ على حمل السيف، أحدثت سخرية؛ تجلت في تحريف ما هو عظيم )الكتب(، إلى ما هو وضيع )الرشوة(.    

وبالإضافة إلى التحريف الهزلي، نجد في مسرحيات محمد مسكين ما يطلق عليه “المحاكاة الساخرة”، وهي “تقليد نص أدبي، أو سمات مميزة لشخصية معروفة؛ بحيث تراعى خصائص الأسلوب الأصلي ولحنه ونظرته، أو تسخر من أفكار شاعر أو كاتب ما، ويكون ذلك بقصد الإضحاك، لا لما فيه من تهكم وسخرية، وإنما لبراعة ما فيه من تقليد”[61]. وتتم المحاكاة الساخرة؛ بتقليد نص رفيع، والحفاظ على أسلوبه وتطبيقه على نص وضيع. فالمحاكاة الساخرة تقوم على تقليد واستعارة أسلوب أو مفردات نص معين، مع اختلاف المضمون؛ بهدف السخرية، ومثال ذلك ما جاء في مسرحية “تراجيديا السيف الخشبي” على لسان شخصية بوذا، وهو يقرأ كف ليلى:

سليمان: اقرأ كفها يا بوذا..

بوذا: (في وضعية قراءة الكف بطريقة كاريكاتورية)

يا ابنتي، لا تحزني، فالحب عليك هو المكتوب

بحياتك يا ابنتي رجل عيناه سبحان المعبود

فمه مرسوم كالعنقود

ضحكته أنغام وورود

والشعر الغجري المجنون

يسافر في كل الدنيا

أبو السعد: إنه كلام يقال في الراديو

حمدان: بوذا يمارس سرقة الأغاني العاطفية، يا زمن المسخ. فلتسقط كل كاتدرائيات العالم وتبح الأجراس[62]

فقد قلد محمد مسكين واستعار أبياتا شعرية لقصيدة )نزار قباني( “قارئة الفنجان”؛ وحولها إلى قراءة الكف، مع تغيير المرسل إليه بين (بحياتك يا ولدي امرأة)  و(بحياتك يا ابنتي رجل)، فبوذا هنا يمارس فعل التغزل بليلى، وهذا مناقض لما تدعو إليه الديانة البوذية، التي تقوم على التجرد والزهد والتخلص من الشهوات. وقد قامت المحاكاة الساخرة على استحضار نص رفيع (قصيدة نزار قباني)، وتطبيقه على موضوع وضيع (تغزل بوذا)؛ وبالتالي، فمحمد مسكين يجعل من مؤسس الديانة البوذية محط سخرية!!

 إن التلاعب بالألفاظ، والخروج عن النظام اللغوي الأصلي، من سمات المسرح الساخر، الذي يسعى إلى الكشف عن الحقيقة؛ من خلال اللغة الفنية الباعثة على التأمل، عكس ما أشار إليه صاحبا كتاب “المسرح والعلامات”، من أنه “في الكوميديا يكون الخطاب الأيديولوجي اجتماعيا، وليس فلسفيا، والسلوك الإنساني هو موضوع للفحص الكوميدي، ويتعرض للسخرية من أجل سرورنا وتسليتنا، وليس من أجل التأمل”[63].

ومن مظاهر التلاعب بالألفاظ ما يسمى بـ”الإرداف الخلفي” أو “التناقض اللفظي”، وهو “مصطلح يوناني الأصل، يطلق على اجتماع كلمتين أو عبارتين متتابعتين متضادتين، للوصول إلى المعنى الحقيقي العميق بتأثير بلاغي، بواسطة تناقض ظاهري”[64]. والإرداف الخلفي يختلف عن الطباق في كونه “يعتمد غالبا على علاقة نحوية تربط بين اللفظتين المتناقضتين؛ كأن يكون التركيب مبتدأ وخبرا، أو فعلا وفاعلا، أو مضافا ومضافا إليه، أو صفة وموصوفا. وهذه العلاقة النحوية الوثيقة لا تعد شرطا في الطباق؛ فقد تبعد المسافة بين الكلمتين المتطابقتين، وقد تقترب، دون أن يكون بينهما اتصال نحوي”[65]. ومن أمثلة ذلك من مسرحية “تراجيديا السيف الخشبي” نذكر هذا النص:

عنترة: وطني نفط، بترول وجوع.. وطني أئمة وألف خيانة!!

الجماعة: وهزيمتك كبرى يا دون كيشوط، هزيمتك عظمى.[66]

بحيث أعطى للهزيمة، بما تحمله من انكسار وإحباط، صفة العَظمة! وبين المعنيين تناقض ظاهر، يسخر من خلاله الكاتب على الشخصية العربية المنهزمة والحالمة بالعَظمة. وفي قول عنترة (بترول وجوع) نجد أن البترول يدل على الغنى والثراء، إلا أن محمد مسكين أردفه بالجوع والفقر ساخرا من نظام فاسد مستبد، يحتكر ثروات الوطن. كما يسخر من خيانة الأنظمة العربية التي تتبنى الدين الإسلامي، وتسترشد بالأئمة في تسيير شؤونها، بقوله (وطني أئمة وألف خيانة)؛ فهذه الأنظمة تتظاهر في تبني البعد الديني، ولكنها في الواقع تعمل على استغلاله لمصلحتها، والترويج لسياساتها، وإعطاء الشرعية لقراراتها.

 ويستعمل محمد مسكين أيضا الخطاب النقدي الموارب أو الخفي، كآلية بلاغية ساخرة، إلا أن هناك من يرى أن المواربة لا يمكن أن تُدرجَ في خانة البلاغة، ويتضح لنا هذا من خلال بعض التعريفات. يقول ابن البناء المراكشي مثلا: “اعلم أن المحمود في جميع أساليب البلاغة إنما هو ما لا يظهر فيه التكلف، ولا يكون مطلوبا بالتعسف… وحُسن معنى الكلام، وصلاحه، إنما هو ببنائه على الصدق، وقصده إلى الجميل، وظهوره بالبرهان”[67]. فالبلاغة تقوم على الصدق، ومطابقة الكلام لمقتضى الحال، ووضوح الدلالة. وهذا ما لا نجده في المواربة، الحاملة لمعنى الدهاء والمخاتلة والكذب والمغالطة. أما عبد الرحمان حسن حبَنَّكة الميداني، فقد جعلها من البدائع البلاغية، المشتملة على محسنات جمالية ومعنوية؛ إذ يعرفها بقوله: “المواربة أن يقول المتكلم قولا يتضمن ما يُنكر عليه به؛ فإذا وُجِّه له الإنكار، استحضر بحذقه وجها من الوجوه، يتخلص به؛ إما بحمل الكلمة على أحد معانيها، أو بتحريفها، أو بتصحيفها، أو نحو ذلك”[68]. ومن أمثلة المواربة عند محمد مسكين ما نلمسه في حوار عنترة، في مسرحية “تراجيديا السيف الخشبي”، وهو يخاطب جاكلين؛ ساقية الخمر:

عنترة: مع الخمرة في وطننا، هناك، يقدمون لك طنا من البطاطس (كطعة).

جاكلين: أوو…

شيبوب: أجل.

عنترة: خليجا من البطاطس (كطعة) مع بيرة واحدة.[69]

فقد جاءت المواربة هنا على لسان عنترة في قوله (خليجا من البطاطس) بحيث قد يتبادر إلى الذهن أن المقصود بـ (خليجا) مسطح مائي محاط باليابسة من ثلاث جهات؛ لإبراز كثرة البطاطس المقدمة لعنترة، إلا أن المعنى غير ذلك؛ فالقصد في قوله: )خليجا من البطاطس( هو الخليج العربي، ولم يأتي حواره بقصد الفخر والاستحسان وإنما قصد الذمِّ والاستهجان، من التبذير الذي تنهجه بعض دول الخليج العربي. ومن الأمثلة على المواربة في المسرحية نفسها:

سليمان: لا أحد يرقع أحذيته في هذا الزمن، أيام النحس هاته، وكأن الناس يمشون حفاة عراة.. راة.. راة

د.كشوت: راة.. راتبك الشهري محنة.. راتبك الشهري مأساة! ماذا نقول نحن من لا نملك راتبا شهريا؟ إنه زمن الراتب الشهري؛ زمن تقلص الإنسان، السراب، الدخان[70]

بحيث يؤكد لنا مسكين، من خلال حواراته المسرحية، فعل الحركة والنقد والشهادة. فحوار (سليمان) ينتقد فيه مسكين الوضع الموبوء والبئيس الذي يعيشه الإنسان العربي، من تردٍّ وخنوع واستلاب وتدجين. فقول سليمان: (لا أحد يرقع أحذيته)؛ فالأحذية الممزقة دلالة على وجود الحركة والتغيير، وعدم تمزقها دلالة على الثبات والسكون. فالمعنى الظاهر هو كساد مهنة الإسكافي نتيجة التطور الصناعي، أما المعنى الخفي، في هذا الحوار، يتمثل في السخرية من ردة فعل الإنسان العربي المستكين، غير المستعد للتظاهر والنضال ضد الوضع القائم. وبالعودة إلى كتابات مسكين المسرحية الإبداعية والتنظيرية*، نتبيّن أنها كانت قائمة – كما أشرنا إلى ذلك سابقا – على المقاربة الفلسفية الحاملة للرؤية الجدلية الماركسية، والملحمية البريختية؛ ولذلك جاءت حواراته حاملة للبعد المعرفي، ويتضح لنا ذلك من قول دون كيشوت (راتبك الشهري محنة.. مأساة…)؛ فهو يحمل دلالة على النظام الرأسمالي، الذي شيَّأ الإنسان، وجعله سرابا ودخانا ونزيفا. إن محمد مسكين “لا يتعامل مع الأحداث والقضايا السياسية من باب المباشرة والتقريرية، وإلا تحول المسرح شعارا سياسيا تلوكه الألسن، بل يحاول دائما أن يذيب القضية السياسية أو الحدث السياسي في المتخيل”[71]، وهذا ما يجعل القارئ يحتمل وجود مدلولات أخرى مختلفة، يفرضها الخطاب الموارب، لدى الرجل.

ونجد في نصوص مسكين – كذلك – حضور السخرية اللفظية من خلال الركون إلى قلب الموقف الواقعي أو الحقيقي، وهو نوع من المواربة المبنية على “استبدال حالة الأشياء كما هي في الحقيقة والواقع بموقف أو حالة مثالية غائبة”[72]. ومثال على ذلك ما نلفيه في مشهد استرجاعي، يشخص فيه الممثلون زمن الاستعمار، )حمدان يشخص دور المعمر جاك، وسليمان دور المقاوم، ودون كشوت صديق سليمان…)، وهو:

حمدان (للجمهور): أنا المسيو جاك، الملقب “بنابليون”.. من لم يعرفني، يسأل عجائز قبيلته.. أنا فاتح كل الأوطان، المسمى “برجل الأقدار” (مشيراً إلى ليلى). وهذه مدام فرانس نابليون، من أجل قفازها بُعِثَ كل إمبراطوريات العالم.

سليمان (يعمل بمراقبة دون كشوت في حقل ما): أتسمع ما يقول هذا الخنزير يا أحمد؟!

حمدان: ماذا تقول يا سليمان؟

سليمان: أقول إن اليوم جميل مشرق كوجه مدام فرانس، والملائكة فرحة كبلابل تغرد.

ليلى: كلمات رقيقة يا سليمان كنسيم باريس… [73].

فالوضع الحقيقي كان يفرض أن يكون اليوم كئيبا مرعبا حزينا بدخول الاستعمار في شخص نابليون، إلا أن سليمان، الذي يؤدي دور المقاوم، قلب وصف حقيقة موقف جدي )دخول المستعمر(، بموقف هزلي مناقض تماما للموقف الجاد، من خلال وصف )اليوم بالجميل والتغزل بليلى(، فالسخرية لم تكن على الموقف بحد ذاته وإنما نشأت من خلال تعليق “سليمان” على هذا الموقف.

كما يتبنى محمد مسكين السخرية المباشرة، مستعملا لغة الفضح بكل جرأة، وهذا ما يتضح من خلال السياق اللساني، الذي بموجبه تحمل العبارة تناقضا صريحا بين متواليتين. فقد جاء على لسان دمياط في مسرحية “النزيف” ما يأتي:

موريس: يا دمياط، اتق الله، ولا تفقد أعصابك.. إنهم رجال الدولة، فاحترم الدولة.. الدولة أساس الحياة…

دمياط: الدولة أساس العذاب، وصانعة الجوع والخراب…

الحارس1: هذا الرجل يذكي لهيب الغاضبين والجائعين.. يجب أن يتخذ أصحاب الحال إجراء في أمره.

استعمل الكاتب التقابل بوصفه أسلوبا من أساليب السخرية الأكثر إثراء للدلالة، وأداء معنى التناقض. كما أنه أسلوب يفيد كثيرا في الإدراك الأوضح للعنصرين المتناقضين، فيثبت الكاتب من خلاله حقيقة الواقع بما فيه من مرارة وقسوة؛ بحيث أشار محمد مسكين في المقطع أعلاه بين الشيء وضده مما أحدث مفارقة على مستوى اللفظ والمعنى )الدولة أساس الحياة/أساس العذاب(، هكذا يعلن الكاتب موقفه الساخر من “الدولة”، ويؤكد رأيه على لسان )الحارس1(: “يجب أن يتخذ أصحاب الحال إجراء في أمره”؛ فهو يكشف نقده اللاذع لسلوك رجال الدولة في ممارسة القمع والتعذيب.

ونمثل للسخرية المباشرة، هنا، لمقطع آخر من مسرحية مسكين الموسومة بـ”مهرجان المهابيل”؛ وهو:

شهرزاد: أنت صاحب السلطة، كيف تتحدث عن المأساة؟!

شهريار: إن السلطة هي منبع المأساة…[74]

إذ يوضح الكاتب – من خلال هذا الحوار – حقيقة السلطة، وشكلها الذي يحصر وظيفتها في ممارسة التسلط، معتمدا “على فعل المساءلة والجدل والاختلاف، الذي يجعل الإنسان يفكر ويحاور ويناقش كل المسلمات والمعتقدات”[75]، بكل صدق؛ كما هو الحال مع “شهريار” صاحب السلطة؛ الذي استسلم لسؤال جاريته شهرزاد، وعبر عن امتعاضه من السلطة، ليتحقق فعل التنكر وقلب الأدوار – وهذا ضرب من السخرية – بحيث كان من الأصح أن تعبر شهرزاد عن ذلك الامتعاض وهي تعيش حالة مأساوية في قصر شهريار. وقد استند محمد مسكين فعلا على الأسئلة الفلسفية الساخرة لكشف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعيشة، معتبراً إياها وسيلة لتصريف طاقاته، والتعبير عن آلامه، وهو الذي تجرع مرارة السجن بسبب مواقفه السياسية المعارضة للسلطة وتوجهاتها.

لقد عبر المسرح النقدي عند محمد مسكين عن اللحظة قصد نقدها وتجاوزها؛ هذا التجاوز الذي لا يتم إلا عبر التركيز على الطابع الشمولي للعمل المسرحي، وطرح الأسئلة الشائكة ذات البعد الفلسفي، والغنية بالحمولة الفكرية والوعي السوسيو ثقافي، لا سيما بعد أن وجد مسكين أن في السؤال كشفا وتعرية وفضحا للخيانة والاستكانة والخذلان، ومن أمثلة ذلك ما جاء في مسرحية “نيرون السفير المتجول”:

نيرون: من زرع الرعب في أسوار روما، قائد الرعاة والسعيان؟

سلعة: من زرع بذرة الرفض في سانتياكو.. في القدس في بيروت في عمان..

عرق: فتغنى بالكلمة لغما، انفجارا… وانفجارا

نيرون: يجب أن نفتح القبور، نخرج وضاح ونعيد نفيه

سلعة: صلبه.

عرق: شنقه.[76]

إن السخرية عند محمد مسكين تقوم على السؤال ومبدإ نقد المفاهيم التمويهية التي تمارسها الدول الاستعمارية وتروج لها الأصوات المؤيدة لها؛ وهذا ما يتضح لنا في المقطع أعلاه في شخصيتي )سلعة( و)عرق(، وهما شخصيتان فضلتا الاستكانة والخضوع لنيرون وإمداده بالسلطة والقوة، فالأولى؛ رمز للبضاعة العربية، التي استغلها نيرون، والثانية؛ رمز للتعب العربي، الذي يستفيد منه نيرون، كما جعل منهما؛ صوتا مؤيدا له في رفض الأصوات المناوئة والمناهضة له. وقد سخر مسكين من نيرون وحلفائه وحط من هيبتهم وكشف زيف قوتهم وجبنهم من خلال طلب نيرون إعادة انتشال جثة )وضاح(؛ التي شكلت لهم عائقا وجوديا، والتمثيل بها وإعادة نفيها؛ بسبب مواقفه التي لم تمت. إن لعبة الكشف والتعرية، التي استعان بها محمد مسكين، في نصوصه المسرحية، قائمة –كما قلنا سابقا – على السؤال النقدي، وقائمة أيضا على مبدإ كشف ونقد المفاهيم التمويهية التي تمارسها الإيديولوجيات الرسمية، ومثالا على ذلك من مسرحية “النزيف”:

الكاشف: دعوا الجراح يحدث بما فعل..

الصحافي )يقدم نفسه(: أمين عبد القدوس، من جريدة الأمة العربية وإنها ثورة على الأعداء.

الطبيب: تفضل!

الصحافي: لقد قمتم سيدي – بعملية- جراحية خطيرة، الأولى من نوعها ولاشك، وتعتبر العملية مفخرة الأمة العربية في المحافل الدولية.. هل لكم أن تحدثونا –سيدي- عن هته العملية؟

الطبيب )بزهو الناجحين(: إن نجاح هته العملية جاء ثمرة أبحاث وتجارب متعددة، تعرفون أن الحمق كان ومازال يعاني منه الإنسان، ولقد أجريت تجارب متعددة، لإنهاء هذا المرض الذي هو مرض عقلي بالأساس، وليس مرضا نفسيا كما يدعي البعض. ولقد اخترع الإنسان مستشفيات الأمراض العقلية، وأسلوب الصدمات الكهربائية، إلا أن هذا لم يؤد إلى نتائج تذكر. ووصلنا بعون الله والجهات المختصة إلى اكتشاف العلاقة العضوية بين اللسان والدماغ. لقد كان يعتقد قديما أن الدماغ هو الذي يتحكم في اللسان، لكن اكتشفنا أن العكس هو الصحيح، والمرض العقلي يأتي نتيجة الخلل الموجود في اللسان. وكما ترون، إن قطع لسان المريض يرجع له عافيته العقلية؛ كما هو الشأن في هته التجربة…

الصحفي: نكتب –إذن- أنه اكتشاف علمي كبير.

الطبيب: اكتبوا، إنها ثورة علمية تفوق الثورة الكوبرنيكية، إنها ثورة عربية…[77]

تتجلى لنا سخرية محمد مسكين في هذا المقطع من خلال حديث )الطبيب( عن اكتشافه لطريقة معالجة مرض الجنون، المتمثلة في قطع لسان الشخص المجنون، وما المجنون في المسرحية إلا الشخص المثقف الجاهر بكلمة الحق، فعمد مسكين إلى قلب الموقف الأخلاقي؛ فأعطى الحضور والبطولة للطبيب الذي اكتشف آلية من آليات الإقصاء والإبعاد لصوت المثقف الذي يجسد القيم المستبعدة والمسكوت عنها، فهو لسان حال الفئات المضطهدة وضمير العصر، لذلك لم تجد الجهات الرسمية حلا في إبعاده إلا بقطع لسانه. كما سخر مسكين من لغة الزيف والمغالطات عند الصحافي الذي مجد هذا الفعل المشين وتواطأ مع السلطة في نهج أساليب القمع.

ومن هذا المنطلق، نستشف أن السخرية، في مسرح النقد والشهادة، تقوم على رصد عيوب الطبقة العليا من المجتمع، والمتحكمة فيه، وهذا عكس ما جاءت به نظرية التفوق عند توماس هوبس Hobbes Thomas التي ترصد عيوب الطبقات الدنيا، ويرى صاحبها أن “الضحك عادة ما يكون ضحك القوي، يتوخى الإكراه الرمزي بكافة أساليب الإفحام العنيفة، والمستقوية بمنظومة القيم والاعتقادات السائدة.”[78]

فالسخرية في مسرحيات محمد مسكين تسمو على النوع السطحي، وتستدعي وعيا ودراية عميقة بالأحداث، وأوضاع الأمة العربية؛ ولهذا كانت نصوصه حاملة لقضية الهوية والقومية العربية، متشربة بالسؤال الفلسفي النقدي والساخر. وهذا إلى القول إن السخرية في الحوار المسرحي عند الرجل؛ يتكئ فيها على اللغة الفلسفية أكثر من استعانته بالصور البلاغية، بسبب تشبعه بالفكر الفلسفي، علاوة على طبيعة الأحداث المسرحية عنده، التي تطرق فيها إلى موضوعات الفساد السياسي والأخلاقي والفكري البرجوازي، الذي يستدعي لغة الكشف والفضح والتعرية، بعيدا عن المواربة أو الاختفاء وراء الأصباغ البلاغية؛ لأنه كان على وعي بأن المسرح يُسمع ويُرى، وسلطة الكلمة رهينة بسلطة الفعل حتى تمارس الكلمة حريتها خارج أسرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العمل المسرحي عند محمد مسكين مشروع غير مكتمل إلا بوجود العرض المسرحي إذ يقول إن “المسرح يمتلك مشروعيته التاريخية/الحضارية والجمالية ضمن الأجناس الأدبية والفنية الأخرى من خلال امتلاكه لخاصية العرض”[79].

 وهذا ما جعله ينتج حوارات لا تكتمل إلا من خلال خروجها من سكونيتها إلى الوجود الفعلي التعبيري فوق خشبة المسرح، متأثرا في ذلك بفكرة مسرح القسوة عند أنطونان أرطو Antonin Artaud، الذي أولى أهمية واضحة للعرض على حساب النص، واعتبر الإخراج المسرحي كـ “نسق علامات؛ يعني أنه ليس مجرد وظيفة تعبيرية، بل هو قدرة تعبيرية على إظهار الخفي والمنسي وما جرى إقصاؤه”[80].

خاتمة:

تبنى الكتاب المسرحيون المغاربة السخرية الانتقادية، التي تسائل وتجادل وتطرح القضايا الشائكة بكل جُرأة؛ بحيث دعوا إلى التفكير فيها وتدبُّرها، وإلى البحث عن حلول عملية لها؛ لإيقاظ وعي المتلقي، وجعله منتبها لواقعه، والعمل على إصلاحه وتغييره نحو الأفضل. كما استحضروا بعض المستملحات والنكت الاجتماعية في نصوصهم المسرحية؛ من أجل توفير أقصى درجات المتعة، بوصف ذلك وسيلة تنفيس بالنسبة إلى المقهورين والمهمشين والكادحين. وقد اتخذت السخرية الصبغة التنويرية الرافضة لفكرة الوصاية والعطالة الفكرية؛ فعملت على تحريض وشحن ذهن المتلقي وتحفيزه للبحث عن البديل الإصلاحي؛ من خلال ما تحمله من بساطة وتلقائية وصِدْقيّة.

كما سعى الخطاب المسرحي المغربي الساخر إلى أن يعكس الواقع، ويعيد تشكيله من جديد، على نحوٍ فني جمالي، يثير الدهشة، بوصفه يحمل موقفا وجوديا واجتماعيا وسياسيا، يروم البحث عن صيغ ومرتكَزات جديدة، تجسدت في محاورة التراث الشعبي العربي والأمازيغي، وكذا العالمي، واستلهامه، واستحضار الأشكال الفرجوية الشعبية ومسرحتها، والاستفادة من التراث الأدبي بما يزخر به من صور بيانية، وتنويعات في الألفاظ والمعاني، واستعمال الرمز والأسطورة؛ لذا، وظف مؤلِّفو ذلك الخطاب السخرية، بمختلف آلياتها البلاغية والتركيبية والمعجمية؛ قصد تحقيق المتعة واللذة لدى المتلقي، وجعل النص المسرحي ذا قيمة تعبيرية وجمالية.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

  1. [1] – جمال مقابلة: الأدب الساخر- سخرية الكائن وكينونة السخرية، مجلة أفكار، الأردن، ع.267، نوفمبر 2010، ص 130.
  2. [2] – حامد عبده الهوال: السخرية في أدب المازني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط. 1982، ص 31.
  3. [3] يونس لوليدي: المسرح المغربي والبحث عن الهوية، مجلة آفاق، ع.68، 2002، ص 259.
  4. [4]  رشيد أوترحوت: مهازل القداسة، أنثروبولوجيا الضحك والمقدس في النص الثقافي الإسلامي، ضمن “أبحاث في الفكاهة والسخرية”، الورشة الثالثة، جامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، ط 1، 2011، ص 60.
  5. [5] اريك بنتلي: حياة في الدرامة ترجمة جبرا إبراهيم جبرا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط 3، ص 77
  6. [6] محمد زكي العشماوي: دراسات في النقد المسرحي والأدب المقارن، دار الشروق، القاهرة، ط 1، 1994، ص 41.
  7. [7] نقلا عن زكرياء ابراهيم: سيكولوجية الفكاهة والضحك، دار مصر للطباعة، د.ت، ص 70.
  8. [8] حسن المنيعي: المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة، من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز فاس، ط 1، 1994، ص 42.
  9. [9] عبد الله الكدالي: الهزل والسخرية من منظور فلسفات الأخلاق، المركز الثقافي للكتاب الدار البيضاء، ط1 /2018،
  10. ص 304.
  11. [10] عبد الرحمن بن زيدان: كتابة التكريس الواقع والنماذج، مجلة “إبداع”، المصرية، ع 8، س 1، أغسطس 1983، ص ص 89-90.
  12. [11] عبد الكريم برشيد: حدود الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، سلسلة الدراسات النقدية (3)، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط 1، 1985، ص ص 137-138
  13. [12][12] مصطفى رمضاني: مسرح عبد الكريم برشيد التصور والإنجاز، مطبعة تريفة، بركان، ط1، 2007، ص 125.
  14. * الاندماج المنفصل: الممثل في الاندماج المنفصل، “هو من يستخدم الحلم ويوظفه لخدمة الواقعي والآني والحقيقي… فهو يندمج حقا في الشخصية المسرحية، ولكن على أساس مغاير، أي أن يجعلها حاضرة عوض أن تجعله غائبا، وأن يعطيها الحياة من عنده عوض أن يأخذ الموت من عندها”. )عبد الكريم برشيد: في التصور المستقبلي لتغريب المسرح العربي، مجلة “البيان”، الكويت، ع 169، أبريل 1980، ص92.(
  15. [13] عبد الكريم برشيد: فلسفة التعييد الاحتفالي في اليومي وفي ما وراء اليومي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط 1، 2012، ص 94.
  16. [14] أحمد الشايب: الضحك في الأدب الأندلسي- دراسة في وظائف الهزل وأنواعه وطرق اشتغاله، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ط 2، 2008، ص 115-116، بتصرف.
  17. * القضوي: نسبة إلى القضية. والمحتوى القضوي هو “مجموعة معاني مفردات الجملة، مضموم بعضها إلى بعض في علاقة إسناد”. (عبد القادر البار: الاستلزام الحواري وديناميكية التخاطب في مفهوم غرايس، مجلة “مقاليد” الجزائرية، ع.14، 2018، ص 123)
  18. [15] نعمان بوقرة: لسانيات الخطاب: مباحث في التأسيس والإجراء، دار الكتب العلمية، بيروت، 2012، ص 108.
  19. [16] عبد الكريم برشيد: الأعمال الكاملة، ج1، منشورات وزارة الثقافة، المغرب، مطبعة دار المناهل، 2009، ص 504.
  20. [17] عبد الكريم برشيد: الأعمال الكاملة، ص 463.
  21. [18] عبد الكريم برشيد، ص 494.
  22. [19] نفسه، ص 493.
  23. [20] أحمد الشايب: الضحك في الأدب الأندلسي، م.س، ص 119.
  24. [21] عبد الكريم برشيد: اسمع يا عبد السميع، الأعمال الكاملة، ج1، منشورات وزارة الثقافة، المغرب، مطبعة دار المناهل، 2009، ص 544.
  25. * هو المسرح الذي يتناول موضوع المسرح. ويعرفه أحمد بلخيري بقوله: “المسرح داخل المسرح: تقنية فنية استعملها المسرح الغربي منذ القرن السادس عشر… وهي تقنية تتيح للدراميين صناعة مسرحيات جيدة… والكاتب الإيطالي بيراندِلُّو قد اتخذها دعامة في مسرحيته “ست شخصيات تبحث عن مؤلف”. وهاته التقنية كثيرا ما يوظفها المغاربة لغاية جمالية محضة، كتحطيم الإيهام مثلا، أو لطرح بعض القضايا المرتبطة بالمسرح المغربي وبممارسيه في علاقتهم مع المؤسسة”. )المصطلح المسرحي عند العرب ص 179(
  26. [22] أحمد الشايب: الضحك في الأدب الأندلسي- دراسة في وظائف الهزل وأنواعه وطرق اشتغاله، م.س، ص 124.
  27. ** “حوربت نصوص عبد الكريم برشيد، ومنعت من الدعم، على عهد وزارة الأشعري، لا لشيء إلا لأنه أبدى رأيه في هشاشة السياسة الثقافية، التي كانت تنهجها وزارة الثقافة آنذاك… فشددوا الحصار على أعماله المسرحية، والتعامل معها…” )لحسن قناني: الكوميديا الصادمة – سخرية الإنسان المقهور، سلسلة “الكوميديا الصادمة”، مطبعة الأنوار المغربية، وجدة، ط 1، 2012، ص 160، بتصرف(.
  28. [23] عبد الكريم برشيد: على باب الوزير، سلسلة “نصوص”، رقم 3، الهيئة العربية للمسرح، الشارقة، ط 1، 2011، ص19.
  29. [24] عبد الكريم برشيد: على باب الوزير، سلسلة “نصوص”، رقم 3، الهيئة العربية للمسرح، الشارقة، ط 1، 2011، ص 21.
  30. [25] عبد القادر البار: الاستلزام الحواري وديناميكية التخاطب في مفهوم جرايس، مجلة “مقاليد” الجزائرية، ع 14، 2018، ص 122.
  31. [26]عبد الكريم برشيد: على باب الوزير، ص 37.
  32. [27] أحمد الشايب: الضحك في الأدب الأندلسي، ص 123.
  33. [28] ابن قتيبة: تأويل مُشكِل القرآن، شرح وتحقيق السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1954، ص131.
  34. [29] على باب الوزير، ص ص 38- 39.
  35. [30] نفسه، ص 43.
  36. [31] كادة ليلى: ظاهرة الاستلزام التخاطبي في التراث اللساني العربي، مجلة “علوم اللغة العربية وآدابها”، الجزائر، ع 1، 2009، ص 106.
  37. [32] هنري برغسون: الضحك، ترجمة د. علي مقلد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط 2، 2007 ص 71، بتصرف.
  38. [33] مسرحية “على باب الوزير”، ص ص 43-44.
  39. [34] رولان بارت: لذة النص، ترجمة: منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، حلب، سوريا، ط 1، 1992، ص 7.
  40. [35] نفسه، ص 39.
  41. [36] حافيظ إسماعيلي علوي: لغة الخطاب الساخر)مقاربة تداولية حجاجية(، م.س، ص 59.
  42. [37] محمد نوار: الكتابة الساخرة مانعة الصواعق، مجلة “التبيين”، الجزائر، ع 36، يناير 2011، ص 229.
  43. [38] محمد مسكين: مفهوم الكتابة المسرحية النقدية، مجلة “التأسيس”، مطبعة الأنباء، الرباط، ع1، س 1، يناير ،1987 ص 57.
  44. [39] محمد جلال أعراب: خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة، مطبعة تريفة، بركان، ط 1، 2009، ص 140.
  45. [40] سعيد بكار: آليات اشتغال السخرية في الخطاب الصحفي: عمود شوف تشوف نموذجا، ضمن “أبحاث في الفكاهة والسخرية”، الورشة الثامنة، 2010، جامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، ص 192.
  46. [41] محمد مسكين: اصبر يا أيوب، منشورات اتحاد كتاب المغرب، سلسلة إبداع، ط 1، 1991، ص 165.
  47. [42]الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ج1، الطبعة 7، 1989، ص89.
  48. [43] ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1987، ص 18.
  49. [44] محمد بوستة: آليات اشتغال السخرية في النص الزجلي المغربي الحديث، ضمن “أبحاث في الفكاهة والسخرية”، الورشة السادسة، 2015، جامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير، ص 288.
  50. [45] محمد مسكين: مسرحية “تراجيديا السيف الخشبي”، من منشورات دار الأطفال، الدار البيضاء، ط 1، 1987،
  51. ص ص 26-27.
  52. * نسبة إلى مصطلح (التغريب)، وهو إحدى الوسائل التي قصد بريخت من ورائها تطوير وعي المتفرج، وتمكينه من رؤية العلاقات المتشابكة التي يموج بها مجتمعه حتى يخرج بقرار مما يشاهده، يساعده على التدخل في الآلية الاجتماعية بالتعديل والتغيير؛ لأنه يمثل البعد الرابع في هذا المسرح. (معمر بختاوي: مسرح الهواة- التغريب والإيهام، مجلة ضفاف، وجدة، ع7، نوفمبر 2004، ص 71)
  53. [46] إبراهيم حمادة: مفهوم التغريب في مسرح بريخت، مجلة “الأقلام”، ع 9، سبتمبر 1977، ص 36.
  54. [47] محمد مسكين: مسرحية تراجيديا السيف الخشبي، من منشورات دار الأطفال، الدار البيضاء، ط 1، 1987، ص 41.
  55. [48] محمد أعراب: مظاهر الكوميديا السوداء في المسرح المغربي، أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، بإشراف الدكتور مصطفى رمضاني، موسم 2003/2004، ص 175.
  56. [49] محمد مسكين: اصبر يا أيوب، منشورات اتحاد كتاب المغرب، سلسلة إبداع، ط 1، 1991، ص 153.
  57. [50] نفسه، ص 151.
  58. [51] نفسه، ص 152.
  59. [52] محمد أعراب: خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة، ص 146.
  60. [53] محمد مسكين: مسرحية مهرجان المهابيل، منشورات دار الأطفال، الدار البيضاء، ط 1، ص 25.
  61. [54] عبد الله الكدالي: الهزل والسخرية من منظور فلسفات الأخلاق، ص 14.
  62. [55] نفسه، ص 249.
  63. [56] محمد مسكين: مهرجان المهابيل، ص 29.
  64. [57] فرج بن رمضان: القص، التخييل، السخرية في “رسالة الغفران”، سلسلة “دراسات في اللغة والأدب والحضارة“، ع 2، دار البيروني للنشر، تونس، 1996، ص 149.
  65. [58] محمد مسكين: اصبر يا أيوب، ص ص 176-177.
  66. [59] بلعيد حبيبي: شعرية العتبات في ديوان “أسفار الملائكة” لعز الدين مهيوبي، مركز الكتاب الأكاديمي، عمان، 2016، ص 64.
  67. [60] محمد مسكين: تراجيديا السيف الخشبي، ص 15.
  68. [61] مجدي وهبه، كامل المهندس: معجم مصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، بيروت، ط 2، 1984، ص 340.
  69. [62] محمد مسكين: تراجيديا السيف الخشبي، ص41.
  70. [63] إلين أستون وجورج ساقونا: المسرح والعلامات، ترجمة: سباعي السيد، م.س، ص 88.
  71. [64] محمد التونجي: المعجم المفصل في علوم اللغة (الألسنيات)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2 1999، 1/27.
  72. [65] محمد متولي: بين الإرداف الخلفي والطباق، موقع: (http://www.hamassa.com)، بتاريخ 2020/05/17 (22:31)
  73. [66] محمد مسكين: تراجيديا السيف الخشبي، ص 17.
  74. [67] ابن البناء المراكشي: الروض المريع، تحقيق: رضوان بنشقرون، دار النشر المغربية، ط 1، 1985، ص ص 173-174.
  75. [68] عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: البلاغة العربية: أسسها وعلومها وفنونها، دار القلم، دمشق، ط 1، 1996،
  76. ص 2/469.
  77. [69] محمد مسكين: تراجيديا السيف الخشبي، ص 16.
  78. [70] محمد مسكين، ص 22
  79. * أصدر محمد مسكين بيان التأسيس لمسرح النقد والشهادة: “مفهوم الكتابة المسرحية النقدية: كتابة النفي والشهادة” مجلة “التأسيس”، مطبعة الأنباء، الرباط، ع1، س 1، يناير 1987.
  80. [71] محمد أعراب: خطاب التأسيس في مسرح النقد والشهادة، ص 58.
  81. [72] أحمد الشايب: مفهوم السخرية، م.س، ص 14.
  82. [73] محمد مسكين: تراجيديا السيف الخشبي، ص 25.
  83. [74] محمد مسكين: مهرجان المهابيل، ص 60.
  84. [75] عبد الرحمن بن زيدان: خطاب التجريب في المسرح العربي، م.س، ص 257.
  85. [76] محمد مسكين: نيرون السفير المتجول، ص69.
  86. [77] محمد مسكين: النزيف، من منشورات دار الأطفال، الدار البيضاء، ط1، 1987، ص ص 92-93.
  87. [78] عبد الله الكَدالي: الهزل والسخرية من منظور فلسفات الأخلاق، ص 53.
  88. [79] محمد مسكين: حول النقد والتنظير المسرحي، مجلة “الثقافة الجديدة” المغربية، ع 30، سبتمبر 1983، ص 94.
  89. [80] عبد الواحد بن ياسر: عشق المسرح )دراسات نقدية(، م. س، ص 34.

Scroll to Top