فرص تدريس التاريخ في التعليم الثانوي بالمغرب عبر الألعاب الإلكترونية:
نموذج لعبة Assassin’s Creed

مراد الزكراوي

طالب باحث في سلك الدكتوراه
مختبر تاريخ، لغات، تراث وعمارة
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة – المغرب

ملخص

تأثرت المدرسة المغربية منذ بداية القرن الواحد والعشرين بالمد الرقمي الذي عرفته البلاد شأن باقي بلاد المعمور، خاصة في السنوات الأخيرة، مع انخفاض تكلفة الأجهزة الرقمية وانتشار استعمال الانترنيت المحمول، وأيضا بما فرضته جائحة كورونا من ضرورة اللجوء إلى الرقمنة في جميع مجالات الحياة اليومية. وبذلك أصبحت المدرسة في مواجهة مباشرة مع الحاجيات المتزايدة للمتعلمين، الذين تعودوا على وفرة المعلومات وسهولة الوصول إليها، وكذا التعامل مع برامج وتطبيقات تتفاعل معهم وتساير رغباتهم. من هذا المنطلق اجتهد البيداغوجيون للبحث عن طرق تدريس وتعلم أكثر فاعلية وإنتاجية، ومنها على سبيل المثال التعلم النشط والقسم المقلوب، مع استثمار كل ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيات الحديثة من مصادر للتعلم ومكتبات وتطبيقات وبرامج تعليمية، بل وحتى الألعاب الالكترونية. إن الحديث عن تطبيقات وبرامج الهواتف الذكية واللوحات اللمسية يدفعنا للتفكير في موضوع الألعاب الالكترونية، التي يقضي معها الأطفال والمراهقون أوقات طويلة دون ملل. في مقابل ذلك يعاني الآباء والأمهات مع هذا الوضع الذي قد يصل الى الإدمان، وما قد يظهر معها من أعراض جانبية صحية أو نفسية.

Abstract

The Moroccan educational system has been influenced by the digital wave since the beginning of the 21st century, reflecting the global trend experienced by other countries. This impact has become particularly pronounced in recent years due to the decreasing cost of digital devices and the widespread use of mobile internet. The COVID-19 pandemic has further emphasized the necessity of digitization in various aspects of daily life, including education. Consequently, schools find themselves directly confronting the increasing needs of learners who are accustomed to the abundance of information and easy access to it, as well as interacting with programs and applications that align with their preferences. In response to these challenges, educators have diligently sought more effective and productive teaching and learning methods. Examples include active learning and flipped classrooms, leveraging the resources offered by modern technologies such as learning libraries, educational applications, and even electronic games. The discussion of smartphone and tablet applications leads us to consider the topic of electronic games, where children and teenagers spend extended periods without boredom. However, parents face challenges as this behavior can lead to addiction and potential health or psychological side effects.

تقديم

تأثرت المدرسة المغربية منذ بداية القرن الواحد والعشرين بالمد الرقمي الذي عرفته كل بلاد المعمور، خاصة في السنوات الأخيرة، مع انخفاض تكلفة الأجهزة الرقمية، وانتشار استعمال الأنترنيت، وأيضا بما فرضته جائحة كورونا من ضرورة اللجوء إلى الرقمنة في جميع مجالات الحياة اليومية. وبذلك أصبحت المدرسة في مواجهة مباشرة مع الحاجات المتزايدة للمتعلمين، الذين تعودوا على وفرة المعلومات، وسهولة الوصول إليها، وكذا التعامل مع برامج وتطبيقات تتفاعل معهم وتساير رغباتهم. من جهة أخرى، ارتفع ارتباط المتعلمين بتطبيقات من جيل جديد، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، وبدرجة أكبر الألعاب الإلكترونية بجميع أنواعها.

من هذا المنطلق اجتهد المنظرون، والباحثون التربويون، من أجل إيجاد طرق تدريس وتعلم أكثر فعالية وإنتاجية، ومنها على سبيل المثال التعلم النشط، والتعلم المقلوب، مع استثمار كل ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيات الحديثة من مصادر للتعلم، ومكتبات وتطبيقات، وبرامج تعليمية، بل حتى الألعاب الالكترونية.

إن الحديث عن تطبيقات وبرامج الهواتف الذكية، واللوحات اللمسية، يدفعنا للتفكير في موضوع الألعاب الإلكترونية، التي يقضي معها الأطفال، والمراهقون، أوقات طويلة دون ملل. في مقابل ذلك يعاني الآباء والأمهات مع هذا الوضع الذي قد يصل الى الإدمان، وما قد يظهر معها من أعراض جانبية صحية أو نفسية[1].

أمام هذا الوضع، لا تزال المدرسة المغربية بمناهجها وبرامجها تقدم للمتعلمين من الجيل الرقمي الحالي، دروسا وأنشطة تربوية عبر الكتاب الورقي، ودعامات بيداغوجية تقليدية، ومناهج وبرامج لم تحين منذ سنوات طويلة. ومنها مادة التاريخ بالتعليم الثانوي؛ حيث تزداد الحاجة الى هذه الوسائط والتقنيات، من أجل تجاوز إكراهات التموقع في الزمن، أو لإضفاء طابع المتعة، والتشويق لمجموعة من الدروس، والمحاور التي قد تكون مملة ومنفرة.

الإشكالية:

في ظل تخوف الآباء، والأمهات، والمربين من سلبيات الألعاب الإلكترونية، وأمام الفوارق التي يعيشها المتعلمون بين الإمكانات المغرية التي توفرها الأجهزة الذكية، مقابل جمود الكتاب الورقي والسبورة. يمكن التساؤل حول إمكانية استثمار الجانب الإيجابي للألعاب الالكترونية من أجل دعم التعليم، والتعلم الذاتي خاصة، في مادة التاريخ في التعليم الثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي.

منهج وأدوات البحث:

تم إنجاز هذا البحث باعتماد المنهج الوصفي، والاستعانة بالاستمارة لجمع معطيات إحصائية تهم الفئة المستهدفة، وهم تلاميذ مستوى الثانوي بسلكيه، وذلك عبر عينة عشوائية من تلاميذ مستوى الثانية ثانوي إعدادي (90 تلميذ وتلميذة)، وتلاميذ مستوى أولى بكالوريا (90 تلميذ وتلميذة) من ثلاث مؤسسات للتعليم الثانوي الإعدادي، وثلاث مؤسسات للتعليم الثانوي التأهيلي، تابعة للمديرية الإقليمية بفاس، إضافة إلى استمارة تم توزيعها على آباء وأمهات التلاميذ (120 أب، وأم، لتلاميذ مستوى الثانية ثانوي إعدادي بمديرية فاس). بالإضافة إلى هذه الأدوات، قمنا بتجريب لعبة إلكترونية، وتحليل مضمونها مع الاستعانة بمقالات علمية حول اللعبة الإلكترونية نفسها.

  1. الإطار المفاهيمي:

1.1- الألعاب الإلكترونية:

إن ظهور الألعاب الالكترونية حسب Alain LE DIBERDER كان في سبعينيات القرن العشرين. ومنذ تلك الفترة إلى الآن، عرفت هذه الألعاب تطورا عبر مراحل؛ حيث انطلقت بألعاب بسيطة تمارس عبر جهاز وسيط، وجهاز عرض، وهو التلفاز (مثل لعبة PONG). ثم ظهور جهاز “ATARI” ومعه لعبة “PAC MAN” لشركة NAMCO اليابانية. فيما تميزت المرحلة الموالية بدخول جيل جديد من الألعاب مع شركة “SONY”، وهو جهاز ” Play Station”[2]. ثم بعد ذلك جاءت مرحلة اللعب الجماعي عبر شبكة الأنترنيت، ومنها تفرعت أنواع جديدة من الألعاب، خاصة بعد طرحها على منصات التحميل المجاني بالهواتف الذكية، واللوحات اللمسية.

فطريا يميل الأطفال والمراهقون إلى اللعب، الذي من خلاله يتم اكتساب مجموعة من المهارات والمعارف التي تسهم في بناء الشخصية، وتطور المستوى الإدراكي والعلمي لدى هاته الفئة العمرية. وهو ما أكدته العديد من النظريات حول اللعب، منها النظريات التقليدية، ونذكر هنا نظرية الطاقة الزائدة ل “فريديريك سيلبر”، و”فان شيلر”، التي تقول بأن للطفل طاقة زائدة يجب تفريغها في عدة أشكال منها اللعب. ونظرية التدريب على المهارات لـ “كارل غروس” الذي يعتبر اللعب غريزة طبيعية تسمح للطفل بالتمرن، والتثبيت من أجل الإعداد للحياة الناضجة.[3]

في حين تذهب النظريات المعاصرة للعب، ومنها نظرية التحليل النفسي ل ” سيكموند فرويد”، التي توصلت إلى أن الاضطراب لدى الأفراد يعود لتأثير الخبرات المبكرة التي تعرض لها الأفراد في بداية حياتهم، وللعب في هذا السياق وظيفة نفسية لتخفيف ما يعانيه من صراعات داخلية، وقلق نفسي وتوتر يومي.[4]

هذه الألعاب التي تحدثت عنها هذه النظريات، تدفعنا للتساؤل عن موقع الألعاب الإلكترونية منها؟

سنستند هنا إلى نظريات “جون بياجي” الذي يعتبر اللعب عنصرًا أساسيًا في نمو الطفل، حيث ينطلق من الألعاب الحسية الحركية، التي تتضمن احتكاكا مع الأجسام. لينتقل بعد ذلك إلى استعمال اللغة، ثم في مرحلة موالية يتفاعل مع الألعاب الرمزية التجريدية. وفي مراحل لاحقة من التطور، يكتسب الطفل المهارات الاجتماعية المتعلقة باللعب (التعاون، وفهم قواعد اللعبة، وتبادل الأدوار، وإدارة العواطف والتحكم فيها) ثم لاحقًا، فهم المفاهيم، والقواعد المرتبطة باللعبة، الأمر الذي يتطلب مستويات أعلى للتجريد والتعميم.[5] انطلاقا إذا من نظريات “بياجي”، في أي تصنيف يمكن أن نضع الألعاب الإلكترونية؟

إن هذا النوع من الألعاب، لا يستخدم كائنات أو أشياء ملموسة، بل مجموعة من الصور والأصوات وأحيانا بعض النصوص. هذه الصور، والألوان، والأصوات، والحركات، هي إذا علامات ذات معنى سيميائي، بمعنى أنها تمثل أشياء أخرى غير الذي جاءت به. هنا يأتي دور الأطفال في استعمال هاته العلامات من أجل تقمص الأدوار، أو إنجاز مهام عبر تحريك خيالهم الواسع، كما تمكنهم على المستوى النفسي من أخذ القرارات وتجاوز وضعيات صعبة، وإظهار مشاعرهم نحو الآخر، عبر شخصيات خيالية توجد باللعبة الإلكترونية.

2.1- التلعيب:

ظهر مصطلح التلعيب (Gamification) سنة 2008، ولم ينتشر بشكل موسع إلا في العشرية الثانية للقرن الحالي، وبلغ أوجه متصدرا المشهد التعليمي ابتداء من سنة 2017.[6]

ينبغي التأكيد في البداية أن التلعيب ليس هو اللعب، بل هو استعمال لعناصر اللعب لغرض التحفيز، والمشاركة الفعالة لإنجاز عمل ما[7]. كما أن التلعيب ليس هو اللعب الجاد، الذي لا يستعمل إلا ألعاب التعلم. إن التلعيب باختصار هو استعمال عناصر، وتقنيات اللعب، في بيئة تعلمية مواكبة للطفرة الرقمية، مثل المكافأة، والسيناريو، وحبكة القصة، والتغذية الراجعة، والعمل في الفريق.

ويهدف التلعيب للرفع من منسوب المتعة، والشغف، والتركيز لدى المتعلم، وهو ما يفتقد لحد كبير في الطرق التقليدية للتعليم. ويولد له نفس الانخراط، والانغمار الذي يعيشه أثناء اللعب، عندما يطلب منه أداء مهمة معينة.

إن مقاربة التلعيب أصبحت تفرض نفسها في الوسط التعليمي لأن جيل المتعلمين الحالي اعتاد عليها عبر التطبيقات، والبرامج المعلوماتية[8]، كما أنها تمكن من تحويل التدريس من لحظات عمل وجد إلى متعة، وهذا ما قد نحتاجه بشدة في دروس التاريخ للفئة العمرية التي تتكون من الأطفال والمراهقين.

لا يرتبط التلعيب بالضرورة بالأجهزة الرقمية ولا التكنولوجيات الحديثة، حيث يمكن اعتماده حتى داخل الفصول الدراسية دون حواسيب ولا لوحات لمسية. غير أنه يحقق نتائج أفضل عبر التطبيقات والبرامج المعلوماتية، وذلك بتوظيف المكافآت، وتحقيق مستويات التعلم، وشارات التميز (les badges) وملاحظة الترتيب (les classements)، وإنجاز التحديات.

يمكن استعمال أساسيات التعليب لمختلف المستويات الدراسية، من التعليم الأولي والابتدائي حتى الجامعي. كما يمكن أن يحقق النتائج نفسها على جميع المواد الدراسية، بما فيها الرياضيات والفيزياء، والتاريخ والجغرافيا.

  1. أنواع الألعاب الالكترونية وعلاقتها بالتعليم:

في دراسة ل “سيترزمان تريسي” تم مقارنة التعليم القائم على الألعاب، مع التعليم التقليدي[9]، وقد خلصت هاته الدراسة إلى أن “التعليم القائم على الألعاب، يزيد من ثقة المتعلم بنفسه بنسبة 20% تقريبا، ويغني المعارف المفاهيمية بنسبة 11%، ويتيح نجاعة تصل إلى 300% من المهام المنجزة”. هذا ما يؤكد أن هناك جوانب إيجابية للألعاب الإلكترونية في علاقتها بالتعليم، سواء كنشاط صفي، أو تقنيات داعمة، أو من أجل التعلم الذاتي. وبذلك يمكن استثمار هاته الفرص ضمن ممارسة المتعلمين لهوايتهم المفضلة خارج المؤسسة، أو حتى داخل الفصل الدراسي تحت إشراف المدرس.

فنتائج الاستمارة[10] التي وزعت على المتعلمين بمجموعة من المؤسسات التعليمية بفاس، ذهبت إلى أن 95% من المتعلمين يواظبون على اللعب يوميا عبر الهواتف الذكية، واللوحات اللمسية وأجهزة اللعب (les consoles de jeux). هذا الاهتمام له مجموعة من الأسباب التي تفسره، حيث أفرزت الاستمارة نفسها النتائج الآتية:

  • جميع المنازل تتوفر على جهاز رقمي (هاتف ذكي واحد على الأقل)؛
  • جميع المنازل تتوفر على ربط أنترنيت (ولو متقطع)؛
  • تكلفة الأجهزة الرقمية وربط الأنترنيت في متناول الجميع ويدخل في الاهتمامات الأولى للأسر المغربية.

هاته بعض الشروط التي تسهم بشكل مباشر في انتشار استهلاك الألعاب الإلكترونية في الوسط المدرسي. وهو ما دفعنا للتساؤل حول أنواع هذه الألعاب، وعلاقتها بالتعليم. في هذا السياق، وبناء على أبحاث Van Eck [11]، يمكن أن نصنف الألعاب الإلكترونية إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وهي:

  1. الألعاب الجادة التعليمية (Serious Game): وهي ألعاب ذات أهداف تعليمية صرفة، تستثمر الإمكانات التقنية ومتعة اللعب لتحقيق أهداف تعليمية؛
  2. الألعاب التجارية التي يمكن استثمارها في التعليم (Commercial Video Games): وهي ألعاب تجارية للتسلية، يمكن استثمارها لأهداف تعليمية. ومنها اللعبة الشهيرة “Minecraft”، وهي أكثر الألعاب استهلاكا في العالم؛ حيث تم تجريبها لتدريس العديد من التخصصات، مثل الرياضيات، والفيزياء، والتاريخ، والجغرافيا؛
  3. برامج تيسر برمجة الألعاب التعليمية، مثل البرنامج المجاني “Scratch”.

من جهة أخرى، يمكن تصنيف الألعاب وفق معايير متنوعة ومتعددة. سنعتمد التصنيف الذي تطرحه منصة تحميل الألعاب التي يلجأ إليها معظم تلاميذ التعليم الثانوي، لمعرفة أكثر الألعاب استهلاكا لديهم. هذا التصنيف هو كالآتي:

  • الألعاب التعليمية (Jeux éducatifs).
  • ألعاب المغامرات (Jeux d’aventure).
  • ألعاب الإثارة (Jeux d’Action).
  • ألعاب التفكيك، والتركيب، والألغاز (Jeux de Puzzle).
  • ألعاب محاكاة الحياة اليومية (Jeux de Simulation).

انطلاقا مما سبق، نتساءل حول نوعية الألعاب التي يمارسها المتعلمون في الفئة العمرية التي تدرس بالتعليم الثانوي بسلكيه. وبناء على ذلك قمنا بتوزيع استمارة على مجموعة من المتعلمين[12]، وكذا استثمار الاحصائيات التي تقدمها منصات تحميل الألعاب الإلكترونية[13]، فكانت النتائج على الشكل الآتي:

توزيع أنواع الألعاب الإلكترونية حسب العشرة الأكثر تحميلا بالمغرب
(منصة PLAY STORE) مارس 2023

يتضح من خلال هذا المبيان، أن أغلب المستهلكين يفضلون ألعاب الرياضة، والإثارة، والمغامرات، مقابل غياب تام للألعاب التعليمية.

أما الفئة العمرية التي تدرس بمستويات التعليم الثانوي بسلكيه (الإعدادي والتأهيلي) فكانت النتائج على الشكل الآتي:

توزيع أنواع الألعاب الإلكترونية الأكثر استهلاكا من طرف المتعلمين (الاستمارة)

من خلال نتائج هذه الاستمارة، نلخص إلى أن أغلب المتعلمين المستهلكين للألعاب الإلكترونية يفضلون الألعاب التنافسية الرياضية، أو ألعاب الإثارة، وفي درجة أقل ألعاب التفكيك، والتركيب، والألغاز. مع غياب تام للألعاب التعليمية. مع الإشارة هنا أنه يوجد اختلاف بين الذكور والإناث في نوعية الألعاب ومضمونها. وبذلك نستنتج غياب دور الأسرة، والمدرسة، في توجيه المتعلمين نحو الألعاب التعليمية.

في هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن وزارة التربية الوطنية بالمغرب لم تغفل أهمية دور الألعاب الإلكترونية في التعليم، حيث أصدرت دليل الألعاب سنة 2009. ثم انتقلت للاهتمام بالألعاب الإلكترونية عبر مشروع “Minecraft Education” عندما وضعت له مجموعة من الأهداف[14]، ومن بينها: اكتشاف طرق جديدة للتعلم من خلال اللعب، وإنشاء نواة مجتمع تعليمي خاص باللعب كوسيلة تعليمية فعالة، وتنظيم ورشات تكوينية لفائدة الأساتذة حول استخدام لعبة “Minecraft” لخدمة الأهداف التعليمية. كما عملت على تدريب الأساتذة من إنتاج دروس باستخدام ماينكرافت. وانخرطت في برنامج دولي لتعميم البرمجة للتلاميذ عبر “Scratch” ومنها تصميم الألعاب الإلكترونية.

هذا الاهتمام المتزايد بالألعاب الإلكترونية في صفوف الناشئة واكبه اهتمام حكومي أيضا؛ حيث تم تأسيس الجامعة الملكية المغربية للألعاب الإلكترونية سنة 2021 من أجل تشجيع، وتحسين ظروف ممارسة هذه الألعاب، وتنظيم مسابقات وطنية، لمسايرة التطور الذي يعرفه العالم في هذا المجال[15].

  1. استثمار الألعاب الإلكترونية في تدريس التاريخ (نموذج Assassin’s Creed) :

صدرت لعبة “Assassin’s Creed” لأول مرة سنة 2007، من طرف الشركة الفرنسية “UBISOFT”. وبعد النجاح الذي حققته النسخة الأولى، تم إنتاج نسخ أخرى تتحدث عن أماكن وأحداث تاريخية متنوعة، باعتماد الخيال العلمي من جهة، وكذا المعطيات التاريخية الدقيقة من جهة أخرى[16].

تناولت دراسة للباحث Romain Vincent[17] نشرت سنة 2021، حول الفرص المتاحة لاستثمار لعبة Assassin’s Creed دعامة ديدكتيكية لتدريس مادة التاريخ بالتعليم الثانوي الإعدادي في إحدى المؤسسات التعليمية في نواحي مدينة باريس. موضوع الدرس التجريبي كان حول الثورة الفرنسية، وتم تقديم هاته اللعبة مباشرة بعد إنجاز الحصة الدراسية داخل الفصل. الجزء الذي تناولته اللعبة كان حول لحظة اقتحام السجن الملكي ” la Bastille”، وقد حققت اللعبة حسب الباحث نتائج مهمة من حيث فهم المضمون والتفاعل مع الأحداث، كما عبر المتعلمون عن متعة كبيرة أثناء إنجاز الدرس. الدراسة العلمية التي أنجزت حول هاته اللعبة، سلطت الضوء على أربعة جوانب، وهي: السرد، والحكاية، والإعلام (médiatique)، والبيداغوجيا، والمتعة والمرح (ludique).

إن اختيار هذا النوع من الألعاب التجارية الصرفة له ما يبرره، فهي توفر
-مقارنة مع الألعاب الجادة serious game- إمكانات رسومية رقمية جد متطورة، من فيديوهات، وتحريك، وصور، وأصوات قريبة للواقع، مقارنة مع الألعاب التربوية التي تخصص لها إمكانات إنتاج متواضعة. ليكون الدور الرئيسي للمدرس في مثل هذا النوع من الألعاب هو التوجيه، أو تحويل تلك اللعبة لمجموعة من الوضعيات التعليمية وفق المستوى الدراسي للمتعلمين.[18] والنموذج هنا لعبة Assassin’s Creed التي تنتقل بالمتعلمين إلى وضعية افتراضية تحاكي الأجواء التي عاشتها الإنسانية في عدة عصور وأمكنة، ومنها الحضارة المصرية القديمة، وعصر الحملة الصليبية الثالثة، والثورة الفرنسية، والثورة الأمريكية.

بالإضافة إلى الأدوار البيداغوجية التي يمكن أن تحققها الألعاب الإلكترونية من حجم Assassin’s Creed في درس التاريخ، فإنها تحمل في طياتها قصصا وروايات تاريخية ينبغي التحقق منها. هذا ما قامت به مجموعة من الدراسات العلمية المنشورة، خاصة بعد ردود الأفعال التي خلفتها بعض أجزاء هاته اللعبة، فيما يخص الجانب الإيديولوجي منها.[19] في المقابل تبرر شركة UBISOFT المنتجة لهاته اللعبة، أن فريقا من الأساتذة الباحثين في التاريخ يسهر على تتبع مصداقية المعطيات التاريخية التي تقدمها اللعبة، هذا ما دفع أحد الباحثين لاستجواب مجموعة من المؤرخين الذين استشارتهم هذه الشركة فيما يخص المحتوى العلمي والتاريخي[20]. ومما جاء في هذه الاستجوابات أن التدقيق التاريخي قدم منتوجا يمكن الثقة به، بل تجاوز السرد التقليدي، وتعمق في الحياة اليومية للمجتمع والذهنيات، بل حتى في الهندسة المعمارية للمباني في فترات دقيقة من التاريخ، ونوع اللباس، وشكل الأزقة، وتفاصيل أخرى أثارت إعجاب المؤرخين أنفسهم.

للإشارة، فإن الشركة المالكة للعبة Assassin’s Creed تقدم نسخة تعليمية منها، خالية من مشاهد العنف، وتتضمن زيارات افتراضية لعدة مدن ومناطق عاصرت أحداثا تاريخية مهمة، مثل الحضارة المصرية الفرعونية، أو مدينة باريس في عهد الثورة الفرنسية. في نفس السياق، يقدم بعض أساتذة التاريخ بالتعليم الثانوي بالمدارس الفرنسية، مقاطع فيديو ومشاهد من هاته اللعبة، في العديد من الدروس للمتعلمين[21].

إن استثمار لعبة بهذه الإمكانات الرقمية الهائلة تعوقه مجموعة من المشاكل، من أهمها:

  • هذه اللعبة غير مجانية، وتطرح للبيع بأسعار مرتفعة (حوالي 500 درهم).
  • تشترط النسخة الرسمية تجاوز المستعمل 18 سنة.
  • يتطلب اللعب فيها تخصيص أوقات طويلة تتجاوز المدة المخصصة لتدريس حصة للتاريخ.
  • تتضمن أغلب لحظات اللعبة مشاهد العنف والقتال.
  • تقدم اللعبة حقائق تاريخية جاهزة، ولا تمنح للمتعلمين فرصة بنائها عبر وثائق ونصوص، أو حتى نقدها والتعليق عليها.

خلاصة وتوصيات:

تؤكد نظريات علم النفس، وعلوم التربية، أهمية اللعب في بناء شخصية الطفل والمراهق. كما تبرز الأرقام الصادرة عن الهيئات الدولية والوطنية، وكذا الاحصائيات التي استقيناها من المؤسسات التعليمية، ارتفاع عدد المستهلكين للألعاب الالكترونية، لما تحققه من إشباع للحاجات الطبيعية للعب، وكذا المتعة، والتشويق التي تحتويه هذا النوع من الألعاب، خاصة في المواد الدراسية التي تحقق بعض الملل والنفور، مثل التاريخ. وبذلك أصبح من اللازم البحث عن صيغ لإدماج محتويات هذه الألعاب الإلكترونية في الأنشطة الصفية، والواجبات المنزلية، والحياة المدرسية، خاصة الألعاب التربوية والمتوفرة مجانا عبر منصات تحميل الألعاب. مع تتبع وتوجيه دائم من طرف الأسر والمدرسين.

ولتجاوز الإشكالات التي قد يطرحها الانفتاح على الألعاب الإلكترونية -خاصة الألعاب التجارية- وتماشيا مع الإمكانيات التي تتوفر عليها المؤسسات التعليمية، وأسر المتعلمين، وبالنظر للنتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث. اقترح التوصيات الآتية:

  • التحسيس بأهمية استثمار الألعاب الإلكترونية بجميع أنواعها في التدريس، ومنها تدريس مادة التاريخ؛
  • تنظيم ندوات، ولقاءات علمية، للنقاش حول استثمار الألعاب الإلكترونية في التدريس؛
  • تأسيس مختبرات، بالجامعات المغربية، وبكليات علوم التربية، ومراكز تكوين الأطر التربوية، لتحليل الألعاب الإلكترونية، والحسم في مدى ملاءمتها في العمل التربوي؛
  • إعداد دليل مرجعي للألعاب الإلكترونية التي تلائم كل مستوى دراسي، وفق البرامج والمناهج المغربية؛
  • إنتاج وتطوير ألعاب إلكترونية مغربية، على شكل سلسلة، كل حلقة تتمحور حول فترة زمنية للدولة المغربية عبر التاريخ (المرابطين، الموحدين، العلويين…) على شاكلة فكرة لعبة “ASSASIN’S CREED”؛
  • تشجيع البحث العلمي الوطني في موضوع الألعاب الإلكترونية التربوية؛
  • التفكير في عقد شراكة بين الجامعة الملكية للألعاب الإلكترونية، ووزارة التربية الوطنية.

تنظيم لقاءات علمية منتظمة تناقش الأهمية العلمية للعبة إلكترونية تجارية معينة، ومدى استثمارها في تدريس التاريخ بالتعليم الثانوي، من طرف الأساتذة بمراكز التكوين، والمفتشين التربويين.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

  1. واجهت الألعاب الالكترونية مجموعة من الانتقادات في علاقتها بالتعليم، لكن دون دراسات علمية دقيقة، أنظر: FOURMY, Elise. L’impact des jeux vidéo utilisés en tant qu’objet documentaire sur la motivation des apprenants. Mémoire de master, université de Toulouse, 2017. P 7
  2. LE DIBERDER Alain, « Le modèle économique des jeux vidéo, un colosse en péril », Hermès, La Revue, 2012/1 (n° 62), p. 136-143
  3. عدنان عارف مصلح، التربية في رياض الأطفال، الطبعة الأولى، دار الفكر للنشر والتويع، الأردن 1990 ص 48
  4. ليلى يوسف، سيكولوجية اللعب والتربية الرياضية، الطبعة الثانية، مكتبة الأنجلو-مصرية، مصر 1962، ص 30-31
  5. Quinche, F. Enseigner et apprendre avec les jeux vidéo dans une haute école pédagogique ? Journal de l’Association Comenius / Journal of the Comenius Association, 28, 2019. P 12
  6. ورد ب “دليل التلعيب” ضمن الحقيبة التكوينية لمشروع APT2C ص 12
  7. BRASSIER Pascal, RALET Patrick, « La gamification pour apprendre : perceptions des acteurs et pistes de développement », @GRH, 2021/2 (N° 39), p. 29
  8. BRASSIER Pascal, RALET Patrick, op. cit, p. 33
  9. دراسة لــــ “سيترزمان تريسي” وردت في دليل التعليب لوزارة التربية الوطنية: Sitzmann, Traci. “A Meta-Analytic Examination of the Instructional Effectiveness of ComputerBased Simulation Games.” Personnel Psychology, 64. 2011
  10. استمارة تم توزيعها على 120 أب وأم تلاميذ (مستوى الثانية ثانوي إعدادي)، بثلاث أحياء شعبية هامشية بمدينة فاس، إنجاز الباحث.
  11. FOURMY, Elise op,cit. P8
  12. تم توزيع استمارة على 90 تلميذ من مستوى الثانية ثانوي إعدادي، و90 تلميذ وتلميذة من مستوى أولى باكالوريا.
  13. تم اعتماد احصائيات منصة PLAY STORE بتاريخ 14 مارس 2023.
  14. أنظر المذكرة الوزارية رقم 21/0900 الصادرة بتاريخ 06 أكتوبر 2021
  15. أنظر الموقع الرسمي للجامعة الملكية المغربية للألعاب الإلكترونية: frmje.ma
  16. https://www.ubisoft.com/fr-fr/game/assassins-creed
  17. VINCENT Romain, « Du jeu vidéo au document de travail : la scolarisation d’Assassin’s Creed », Le Temps des médias, 2021/2 (n° 37), p. 183-199
  18. Quinche, F.op,cit, 28, p 14
  19. VINCENT Romain, « Du jeu vidéo au document de travail : la scolarisation d’Assassin’s Creed », Le Temps des médias, 2021/2 (n° 37), p. 187
  20. Éthier, M.-A. & Lefrançois, D. QUELLE LECTURE LES HISTORIENS D’ASSASSINS’ CREED FONT-ILS DE CE JEU VIDÉO D’HISTOIRE ? Revue de recherches en littératie médiatique multimodale, 7. Mai 2018
  21. ibid p. 191
Scroll to Top