الوظائف التنفيذية: من التعريف إلى إعادة التأهيل

طالب باحث بسلك الدكتوراه
جامعة عبد المالك السعدي
تطوان، المغرب

أستاذ علوم التربية
المدرسة العليا للأساتذة
جامعة عبد المالك السعدي، تطوان، المغرب

ملخص

تتضمن الوظائف التنفيذية مجموعة من السيرورات المعرفية العليا والتي تشمل كل من: الذاكرة العاملة، المرونة الذهنية، الكف والتخطيط…، وتسمح هذه الوظائف بالعديد من القدرات كتنظيم والتحكم في الأفكار والسلوكات والانفعالات لتحقيق هدف معين، والتكيف مع المواقف الجديدة والتنسيق بين العمليات الأساسية لحل المشكلات في مختلف أبعاد الحياة. وبدأت دراسة الوظائف التنفيذية منذ الستينات من القرن العشرين من خلال ملاحظة المرضى الذين يعانون من إصابات في الفص الجبهي. وقد ارتبطت الوظائف التنفيذية بالفص الجبهي في البداية، إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت أن الوظائف التنفيذية تتحكم فيها مجموعة من المناطق غير الجبهية، خصوصا ما تبين من خلال دراسات التصوير الدماغي. وتستعرض هذه المقالة نبذة تاريخية عن الوظائف التنفيذية وبعض مكوناتها، بالإضافة إلى الأسس العصبية التي تسنذ هذه الوظائف، علاوة على بعض النماذج التفسيرية ونمو هذه الوظائف، ثم طرح بعض الأدلة على تدخلات إعادة التأهيل. وقد يساهم فهم هذه الوظائف وتحليل مكوناتها بدقة إلى تطوير تدخلات لتحسينها، باعتبار أن هذه الوظائف مهمة لقدرات الفرد في شتى مجالات الحياة.

Abstract

Executive functions include a group of higher cognitive processes, which include: working memory, mental flexibility, planning, and planning… These functions allow many abilities, such as organizing and controlling thoughts, behaviors, and emotions to achieve a specific goal, adapting to new situations, and coordinating basic processes. To solve problems in various dimensions of life. The study of executive functions began in the 1960s by observing patients with frontal lobe injuries. Executive functions were initially linked to the frontal lobe, but recent studies have shown that executive functions are controlled by a group of non-frontal regions, especially as shown through brain imaging studies. This article reviews a historical overview of executive functions and some of their components, in addition to the neural foundations that underlie these functions, in addition to some explanatory models and the growth of these functions, and then presents some evidence on rehabilitation interventions. Understanding these functions and carefully analyzing their components may contribute to developing interventions to improve them, given that these functions are important for an individual’s abilities in various areas of life.

مقدمة

تُعتبر الوظائف التنفيذية مجموعة من القدرات المعرفية العليا التي تسمح للفرد بالانتباه والحفظ على التركيز، والاختيار وضبط النفس لتفادي الاندفاع والتسرع أو إصدار رد فعل بدون تفكير، ورؤية الأشياء من وجهات نظر مختلفة، والتفكير وحل المشكلات، وملاحظة مدى ارتباط الأفكار أو الوقائع ببعضها البعض، والتكيف مع التغيير أو المعلومات الجديدة (Jacques & Marcovitch., 2010 ; Diamond, 2020 ; Zelazo, Blair & Willoughby., 2016). وبتعبير آخر، فالوظائف التنفيذية هي عمليات معرفية ومجموعة من السيرورات والإواليات التي تسمح للفرد بتنظيم ومراقبة أفكاره وسلوكه من أجل بلوغ مهمة غير مألوفة، جديدة أو معقدة. ويُعد مصطلح الوظائف التنفيذية، من بين أكثر المصطلحات شيوعا في الأدبيات التي تتطرق لهذا الموضوع، إلا أنه في بعض الأحيان قد نجد مصطلحات أخرى من قبيل “المراقب التنفيذي executive control” أو “المراقب المعرفي cognitive control” (Diamond, 2013; Espy, 2016)، وكل هذه المصطلحات لها نفس المعنى ومرادفة لبعضها البعض.

تتضمن الوظائف التنفيذية مجموعة من القدرات المعرفية العليا والمعقدة، ويتفق معظم الباحثين على ثلاثة مكونات أساسية للوظائف التنفيذية والتي تشمل كل من: الذاكرة العاملة، working memory المرونة الذهنية cognitive flexibility، الكف inhibition (Carlson, Zelazo & Faja., 2013 ; Blair & Diamond., 2008 ; Jacques & Marcovitch., 2010 ; Cicerone et al., 2000; Kennedy et al., 2008 ; Devine, Ribner, Hughes, 2019)، بالإضافة إلى مكونات أخرى كالتخطيط planning (Devine, Ribner, Hughes, 2019 ; Cicerone et al., 2000; Kennedy et al., 2008)، التفكير reasoning، حل المشكلات problem solving (Cicerone et al., 2000; Kennedy et al., 2008)، التحكم الإنفعالي emotional control، المراقبة monitoring، تنظيم المواد organization of materials ( Devine, Ribner, Hughes, 2019)… . وتعتبر هذه الوظائف (البنيات المعرفية متعددة الأهداف) ضرورية للسلوك الهادف وحل المشكلات في شتى أبعاد الحياة، سواء كانت أكاديمية، مهنية أو إجتماعية (Fogel, et al., 2020 ; Otero, Barker & Naglieri., 2014). وتسمح بالتحكم في الفكر والسلوك والعواطف على أساس تحقيق الهدف الموجه (Zelazo & Carlson, 2012).

بدأت دراسة الوظائف التنفيذية انطلاقا من ملاحظة المرضى الذين يعانون من إصابات في الفص الجبهي (حالة Phineas Gage) (Ratiu, Talos, Haker et al., 2004)، حيث وجد الباحثون عند هؤلاء الأفراد قصورا في الأداء خصوصا في الوضعيات التي تتطلب استخدام الوظائف التنفيذية (تحديد هدف، التخطيط، التنظيم، المرونة الذهنية، كف الاستجابات غير المرغوب فيها…). وبذلك، ربط الباحثون الوظائف التنفيذية بالفص الجبهي، بالإضافة إلى مناطق أخرى في الدماغ. وقد ساهم مجموعة من الباحثين بنمذجة الوظائف التنفيذية منذ السبعينات من القرن العشرين، وكانت البداية مع ألكسندر لوريا Alexander Luria (1973) الذي اقترح أول نموذج للسيرورات التنفيذية.

وسنتطرق في هذه الورقة إلى بعض مكونات الوظائف التنفيذية واختباراتها المستعملة. وسننتقل إلى تاريخ الوظائف التنفيذية بشكل مختصر. ثم سنعرج على الأسس العصبية للوظائف التنفيذية. وبعد ذلك سنتناول بعض النماذج التفسيرية للوظائف التنفيذية، ثم سيتم تسليط الضوء على تطور هذه الوظائف خلال مراحل النمو. وآخيرا، سنقوم بسرد أدلة حول تدخلات إعادة التأهيل.

1 ـ الوظائف التنفيذية: السيرورات والاختبارات

سنحاول في هذا المحور أن نتطرق إلى تعريف مجموعة من السيرورات التنفيذية والاختبارات الخاصة بها.

نوع السيرورة

تعريفها

الاختبار الخاص بها

الذاكرة العاملة

تُحيل الذاكرة العاملة حسب بادلي Baddely (2000) إلى نظام ذهني يقوم بالاحتفاظ المؤقت للمعلومات المستعملة ومعالجتها بفعالية من أجل الاستدلال والفهم والتعلم (Gillet, Hommet & Billard, 2000 ).

n-back task

المرونة الذهنية

تُعرف المرونة الذهنية بأنها “القدرة على التحول أو التناوب الديناميكي بين العديد من المهام، الاستراتيجيات، أو تخزين المهام. هذه القدرة تكون في العادة جاهزة عندما تكون القواعد التي تنطبق على الأشياء في المحيط تتغير بطريقة غير متوقعة” (Gaunet, 2012, PP :3).

تُعرف أيضا بأنها القدرة على تمرير نوع من معالجة المعلومة إلى نوع آخر بطلاقة وبسرعة. وتُطلب هذه القدرة في غالب الاحيان في المدرسة (Sandrine, 2007).

ميز الباحثان إلسينجي Elsinger و غراتام Grattam (1993) بين نوعين من المرونة الذهنية (Elsinger & Grattam, 1993):

ـ المرونة الإرتكاسية Reactive flexibility: وتسمح هذه المرونة بتغيير السلوك وفقا للتعديلات الخارجية. وهي كذلك القدرة على نقل الانتباه من نوع معين من المثيرات إلى نوع آخر، أي القدرة على التناوب بين مجموعات معرفية مختلفة.

ـ المرونة التلقائية Spontaneous flexibility: وتسمح بإنتاج الاستجابات المختلفة في السياقات التي لا تتطلب التعديلات. وهي بذلك القدرة على إنتاج استجابات لأفكار سهلة.

– Wisconsin Card Sorting Test

– Trail Making part B

الكف

الكف هو إيقاف فعل، فكرة، بطريقة تسمح بمتابعة فعل، أو استراتيجية لتحقيق مهمة (حسية حركية أو معرفية) التي ترتبط بالفعل أو الفكرة. وهو ميكانيزم عام لضبط السلوكات، وكذا ما هو معرفي حسي حركي (Mazzeau & Pouhet, 2014 ). ويُعرف أيضا باعتباره القدرة على إيقاف أو حذف الاستجابة الأتوماتيكية التي لها صلة للهدف المراد (Gaunet, 2012).

ميز كل من فريدمان Friedman ومياك Miyake (2004) بين ثلاثة أنواع من الكف نجيزها فيما يلي:

1ـ الكف الذي يعمل على مقاومة التداخل الذي يصدر عن التشتت distractors أو التصفية filtering حتى لا يتشتت انتباه الفرد حيث يعمل على منع المثيرات غير المرغوب فيها من الوصول إلى الذاكرة العاملة. هذا النوع من الكف يسمح بحماية المعلومات ذات الصلة بالذاكرة العاملة.

2ـ كف الاستجابات الراجحة أو الكف السلوكي behavioral inhibition والذي يعمل على منع الاستجابات الأتوماتيكية للأفعال الألية الخارجية بالنسبة للمعايير المحيطة.

3ـ الكف الذي يعمل على مقاومة التداخلات الاستباقية proactive أو الكف التصوري conceptual inhibition ويتجلى في حذف المعلومات التي ليس لها صلة أو الزائدة في الذاكرة العاملة، والتي من شأنها أن تؤثر على استجابات الفرد وتشويشه من الوصول إلى الهدف (Friedman & Miyake, 2004 ).

– go/no-go task

– Stroop test

التخطيط

يُعرف التخطيط باعتباره تخطيط للوقت لاستمرارية المراحل، لتحقيق هدف معين أو إنتقاء وتطبيق استراتيجية مناسبة ومتنوعة، لاشتغال مهمة مكتملة، للحصول على نتيجة في زمن محدد (Mazzeau & Pouhet, 2014 ).

وبالتالي، فالتخطيط هو القدرة المعرفية التي يستعملها الفرد باستمرار ليتمكن من توقع الطريقة الصحيحة التي سيتبعها لإنجاز مختلف المهام.

– Tower of London

– Tower of Hanoi

2 ـ نبذة تاريخية عن الوظائف التنفيذية:

ظهرت دراسة الوظائف التنفيذية من خلال ملاحظة المرضى الذين يعانون من إصابات في الفص الجبهي، وتعود أقدم حالة موصوفة لمتلازمة الفص الجبهي frontal lobe syndrome إلى سنة 1835 (Lyketsos, Rosenblatt & Rabins, 2004). إلا أن حالة فينيس غاج Gage Phineas تعتبر من أهم وأشهر الأدلة على دراسة الوظائف التنفيذية التي وصفها الطبيب جون هارلو John Harlow (1868) والذي كتب تقريرا عن حالة Gage Phineas بعدما إخترق عمود حديدي المناطق القبل جبهية prefrontal regions في دماغه، ونظرا لهذه الإصابة تغيرت شخصيته وسلوكه، وقد شكلت هذه الحالة نقطة بداية الحديث وحجر الزاوية عن أول نظرية حديثة لوظيفة الفص الجبهي كما جاء بها ديفيدفيرير David Ferrier (Barker, 1995).

بالرغم من أن الاهتمام بالمناطق القبل جبهية prefrontal regions لم تتطور بشكل فعلي، إلا بعد الحرب العالمية الثانية. خصوصا والتحولات الطارئة في شتى الميادين والمجالات، بما فيها علم النفس العصبي. توصل لوريا Luria (1966) من خلال عمله حول العلاقة بين القشرة الجبهية والأداء التنفيذي وحل المشكلات، إلى تسجيل مجموعة من السلوكيات لدى الأفراد المصابين بتلف في الفص الجبهي أثناء محاولتهم لحل مشكلة معينة. واستنتج بذلك أن حل المشكلة يحتاج عدد من المهارات الأساسية أو الوظائف التنفيذية (بالرغم من أن هذا المصطلح لم يُطلق من قبل
لوريا (Luria)، والتي كان أساسها الفص الجبهي (García-Madruga et al., 2016). ميز لوريا بين ثلاث وحدات وظيفية في الدماغ: حيث تهتم الوظيفة الأولى بتحفيز الإثارة arousal-motivation؛ ويهتم بها كل من الجهاز اللمبي والشبكي limbic and reticular systems، وتقوم الوظيفة الثانية بإستقبال المعلومات، ومعالجتها وتخزينها؛ والتي يتم التحكم فيها من طرف المناطق القشرية ما بعد الرولاندية post-rolandic cortical areas، وأخيرا برمجة النشاط والتحكم فيه والتحقق منه؛ عن طريق نشاط القشرة القبل جبهية prefrontal cortex. ويعتبر لوريا Luria أن هذه الوحدة الثالثة والأخيرة هي التي لديها الدور التنفيذي (Ardila, 2008). ويُعد بذلك أول من بحث في الوظائف التنفيذية. وقام الباحث لوزاك Lezak (1983) بنحت مصطلح الوظائف التنفيذية Executive Functions كمفهوم لأول مرة، وقام كل من بادلي Baddely وولسون Wilson (1986) بوضع مصطلح ساندروم الاختلالات التنفيذية Dysexecutive Syndrome (Ardila, 2008).

بفضل تطور علم النفس العصبي التجريبي في الستينات والسبعينات من القرن العشرين على وجه الخصوص، سمحت الدراسات بتطوير معارف نظرية حول الاضطرابات المعرفية الناتجة عن الإصابات الجبهية. واستخدمت الدراسات الأولى التي كانت على الوظائف التنفيذية مجموعة من الاختبارات المعرفية المُكيفة والتي كانت في الأصل اختبارات للأفراد الذين يعانون من إصابات جبهية. وتشمل هذه الإختبارات كل من اختبار ستروب Stroop Test (Stroop, 1935) وفرز بطائق وسكونسن Wisconsin Card Sorting Test (Grant & Berg, 1948 ; Milner, 1963) واختبار GO NO GO (Drewe, 1975) ومهمة برج هانوي Tower of Hanoi
وبرج لندن Tower of London (Shallice, 1982).

3 ـ الأسس العصبية للوظائف التنفيذية :

ربطت الدرسات السابقة الوظائف التنفيذية بالفص الجبهي frontal lobe، وقد كان هذا الإرتباط منذ ظهور حالة فينس جاج Phineas Gage وإصابته في الفص الجبهي. بالإضافة، إلى أن المصابين على مستوى الفص الجبهي أظهروا قصورا في مجموعة من المهام التي تهم الوظائف التنفيذية (Alvarez & Emory, 2006; Collette et al., 2006). وقد أظهرت دراسة أن الأفراد المصابين في منطقتي القشرة القبل جبهية الظهرية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex والقشرة القبل جبهية المدارية الأمامية orbitofrontal prefrontal cortex أظهروا اختلالات
على مستوى الوظائف التنفيذية Executive Functions impairments
(Barbey et al., 2012). ويمكن تقسيم المنطقة ما قبل الجبهية prefrontal cortex إلى منطقتين عريضتين؛ الأولى تسمى القشرة ما قبل الجبهية الجانبية lateral prefrontal cortex؛ والتي تتضمن كل من القشرة القبل جبهية الظهرية الجانبية dorsolateral prefrontal cortex والقشرة القبل جبهية الباطنية الجانبية ventrolateral prefrontal cortex، ثم تتمثل المنطقة الثانية في القشرة فبل جبهية الباطنية ventromedial prefrontal cortex والتي تسمى كذلك القشرة القبل جبهية المدارية الأمامية orbitofrontal prefrontal cortex ( Hathaway & Newton, 2023). إن العديد من المعطيات النورو ـ سيكولوجية Neuropsychologic تُبين أن الوظائف التنفيذية تتوزع على مستوى القشرة الجبهية، وذلك من
خلال الإصابات الجبهية التي تم دراستها، مما يؤدي إلى دراسات ارتباطية عكس الدراسات التصويرية العصبية neuroimaging التي تسمح بالدراسات السببية
( Cristofori, Cohen-Zimerman & Grafman., 2019).

على الرغم من أهمية الفص الجبهي للوظائف التنفيذية، إلا أن مجموعة من دراسات التصوير الدماغي والإصابات الدماغية تستند إلى مجموعة من المناطق الدماغية المختلفة، والتي يتضمن كل من القشرة الترابطية الأمامية والخلفية frontal and posterior associative cortices وبالخصوص المنطقة الجدارية parietal، ثم المنطقة تحت القشرية subcortical structures والمهاد
thalamus (Heyder, suchan, & Daum, 2004 ; Collette et al., 2006;). وأكد تشيري مارفيل Cherie Marvel وجون طيسموند John Desmond (2010) أنه مع تقدم تقنيات التصوير الدماغي، خصوصا مع التصوير الدماغي بالرنين المغناطيسي الوظيفي تبين أن الوظائف التنفيذية تعتمد على شبكة واسعة موزعة بين مختلف المناطق الدماغية، والتي تشمل المناطق الجبهية والخلفية posterior
للقشرة الدماغية، وكذلك المناطق تحت القشريةsubcortical regions
(Goldstein & Naglieri, 2014).

هناك إذن مجموعة من المناطق غير الجبهية المرتبطة بالوظائف التنفيذية، إذ توجد العديد من المناطق الدماغية التي ترتبط ارتباطا رئيسيا بالمنطقة الجبهية، مما يؤدي إلى توسيع شبكة عصبية بشكل أكبر والتي تستند إليها الوظائف التنفيذية (Champod & Petrides, 2007).

عموما، تشير الدراسات الآنية إلى أن موضعة الوظائف التنفيذية لا تقتصر على الفص الجبهي كما افترضت الدراسات الأولى. وبدلا من ذلك، يبدو أن هناك مجموعة واسعة من بنيات ومناطق الدماغ المسؤولة، وهي تختلف باختلاف الوظيفة التنفيذية المستخدمة.

4 ـ النماذج التفسيرية للوظائف التنفيذية :

اقترح مجموعة من الباحثين منذ السبعينات من القرن العشرين، العديد من النماذج التفسيرية للوظائف التنفيذية، وسنحاول في هذا المحور أن نتطرق لبعض هذه النماذج كالآتي:

4 ـ 1 نموذج لوريا العصبي ـ التشريحي:

يُعد لوريا (1973) أول من وضع نموذجا للوظائف التنفيذية، وذلك من خلال ملاحظاته الإكلينيكية للأفراد ذوي الإصابات الجبهية. وتتطور هذه الاضطرابات إذن عند الأفراد، والذين لديهم إصابات جبهية Frontals، حيث نجد عند هؤلاء قصور في الأداء في وضعيات تتطلب تحديد هدف، تخطيط للمراحل قبل التنفيذ، تنظيم متتاليات الأفعال، القدرة على المرور من قدرة إلى أخرى والتحقق من الهدف الثابت المأمول الوصول إليه. (Luria, 1966). وخلص بأن مهام حل المشاكل تتطلب مجموعة من الملكات؛ وهذه الأخيرة تستند إلى الفصوص الجبهية. وتوصل بذلك إلى نموذجه في الوظائف التنفيذية؛ ووصف المكونات الأساسية له بأنها عبارة عن:

  • التوقع anticipation (من خلال وضع توقعات منطقية، وفهم النتائج)
  • التخطيط planning (تنظيم مختلف الأنشطة الضرورية المتطلبة للمهمة)
  • التنفيذ execution (المرونة والحفاظ على المجموعة)
  • المراقبة الذاتية self-monitoring (الضبط العاطفي، والتعرف على الأخطاء) (García-Madruga et al., 2016 ; Cristofori, Cohen-Zimerman & Grafman., 2019)

4 ـ 2 نموذج شاليس ونورمان للنظام الانتباهي للإشراف:

اقترح نورمان Norman وشاليس Shallice (1986) نموذجا للمعالجة التراتبية التسلسلية للأنشطة الذهنية التي تنتظم في ثلاث مستويات للمراقبة الانتباهية:

1ـ يتعلق المستوى الأول بقائمة من خطاطات الفعل التي تنطلق بطريقة آلية في الوضعيات الروتينية التي لا تتطلب أي مراقبة انتباهية.

2ـ يرتبط بنظام حل الصراعات التي تتدخل في الأنشطة شبه ـ أتوماتيكية، ويسمح هذا النظام بانتقاء الخطاطة الأكثر تلاؤما مع الوضعية من بين العديد من الخطاطات المتنافسة.

3ـ النظام الانتباهي للإشراف Supervisory attentional system (SAS)، الذي يتدخل عندما يتعلق الأمر بالوضعيات الجديدة وغير المألوفة أو الوضعيات المعقدة التي تتطلب إعداد استراتيجيات الذي بدوره يحتاج تدخل مبادرة الفرد. كما أنه يسمح بمواجهة الوضعيات الجديدة باستعمال معارف سابقة مخزنة في الذاكرة بعيدة المدى، وإعداد استراتيجيات تخطيط مختلف مراحل الفعل وكبح الاستجابات غير الملائمة (Norman & Shallice, 1986).

هذا النظام أي (SAS) يعمل تحت دعامة القشرة القبل الجبهية، وأي اختلال يلحق اشتغال هذا النظام لا يتجلى فقط في البطء على مستوى إنجاز المهام المألوفة والروتينية، بينما تتمظهر القصورات خلال إنجاز الأنشطة المعقدة، التي تتطلب استراتيجيات معقدة، وتخطيط الأفعال.

فنظام الانتباه الإشرافي يلعب دورا مفتاحا في الذاكرة العاملة، إذ يسمح بالاحتفاظ بالمعلومة فيها وتحريكها أثناء إنجاز المهام والأنشطة المعرفية
(Eustache, Faure & Desgranges, 2014).

4 ـ 3 النموذج التراتبي لـ ستيس وبينسون:

حسب النموذج التراتبي التسلسلي لـ ستيس Stuss و بينسون Benson(1986) فالوظائف التنفيذية تنخرط في إنجاز المهام المعقدة التي تتطلب التعاون والتنسيق للعديد من الوظائف المعرفية تحت مراقبة الفص الجبهي. ويشتغل هذا الأخير تحت ثلاث مستويات:

1ـ المستوى الأول يتضمن الأنظمة الوظيفية الأمامية، وهي وظائف آلية ومهمة للتأقلم بشكل جيد في الحياة اليومية.

2ـ المستوى الثاني يتكون من الوظائف التنفيذية، بمعنى تلك الوظائف التي تحتاج المهام المعرفية الضرورية لإتمام كل فعل جاهز أو تام، والتي تنخرط بشكل خاص في التعلمات الجديدة، وتصبح أقل جدوى خلال عملية التعلم عندما يصبح الفعل آليا. وبذلك فالوظائف التنفيذية لا تتطلب سوى تعديل الوضعية التي تحتاج إلى تكييف السلوك.

3ـ يتعلق المستوى الثالث في هذا النموذج بالميطا ـ معرفية والتي تتمثل في الاشتغال الذهني الأكثر تطورا والأكثر تجريدا، فالميطا ـ معرفية بشكل دقيق هي الوعي المتكامل بالذات في علاقتها بالمحيط الذي تتواجد فيه (Stuss & Benson, 1986).

4 ـ 4 نموذج دامازيو للعلامات الجسدية

يتميز نموذج دامازيو Damasio (1995) عن النماذج الأخرى بالأهمية التي يوليها للمكون الوجداني، الذي يعتبر عاملا محددا لاتخاذ القرار: فمفهوم العلامة الجسدية هنا تشكل مرجعا للمعلومات النوروـ نباتية والانفعالية الناتجة عن التجارب السابقة وكذا إعادة تنشيطها في وضعيات مماثلة أو متشابهة بسبب توجيه سلوك الفرد.

تسمح القشرة الجبهية، وبشكل محدد الجزء الباطني الأوسط منها، بوضع علاقة بين الوضعيات الخاصة والحالات الإنفعالية النوعية، فالوضعية هي وسم أو تعليم قد يكون إيجابيا أو سلبيا حسب النتائج الفورية، وهذا الوسم يسمح بتفاعل فعال في تفادي الوضعيات المقلقة أو الخطيرة أو العكس، بمعنى يسمح أيضا بتفاعل جيد في اختيار الحل الأنسب من بين العديد من الإمكانيات المتاحة.

وبالتالي، فالعلامة الجسدية تلعب دور ميسر أو كابح في سيرورة اتخاد القرار (Eustache, Faure & Desgranges, 2014).

4 ـ 5 نموذج بادلي للذاكرة العاملة

اقترح كل من بادلي Baddely وهيتش Hitch (1974) نموذجا للذاكرة العاملة، حيث يتكون هذا الأخير من ثلاث مكونات، يتمثل الأول في المنفذ المركزي central administrator الذي يقوم بتوزيع الموارد المعرفية بين تخزين المعلومات ومعالجتها، وذلك من خلال المفكرة البصربة ـ المكانية والحلقة الفونولوجية، ويسمح كذلك بتسيير عمليات الذاكرة وذلك عبر تحويل ومعالجة ونقل وتنسيق المعلومات. ويتجلى المكون الثاني في الحلقة الفونولوجية Phonological التي تعتبر المسؤولة عن التخزين المؤقت للمعلومات اللفظية. أما المكون الثالث فهو المفكرة البصرية ـ المكانية Visuospatial الذي يسمح بالاحتفاظ بالمعلومات البصر ـ مكانية في الذاكرة العاملة ومعالجتها (Baddeley & Hitch, 1974). إذن، فالباحثان بادلي Baddely وهيتش Hitch (1974) لم يقدكا نموذجا للوظائف التنفيذية، بل الوظائف التي تُسند إلى المنفذ المركزي، والتي تبرر القرابة النظرية بين الذاكرة العاملة والوظائف التنفيذية. ويُعتبر المنفذ المركزي نظاما للمراقبة الإنتباهية ويتضمن كذلك انتقاء الاستراتيجيات المعرفية. إذ يعمل على تنسيق نشاط الأنظمة التابعة له التي تتجلى في المكونات الثلاث التي تناولناها أعلاه.

وأضاف بادلي Baddely (2000) في فترة لاحقة المكون الرابع الذي يتمثل في الدارئ المشهدي Buffer épisodique، حيث يسمح هذا المكون بدمج المعلومات التي تدخل النظام المعرفي (Baddeley, 2000).

ساهمت كل من التطورات المهمة في أبحاث الوظائف التنفيذية من جهة وأبحاث الذاكرة بعيدة المدى من جهة أخرى، على إتمام نموذج الذاكرة العاملة لبادلي Baddely (2000). وتتجلى إسهامات الوظائف التنفيذية في صياغة أساس التحليلات الاحصائية البنيوية، والاقتراحات التي تؤكد على هذه الأعمال التي تسمح بتوضيح اشتغال المنفذ المركزي وتدل على كيفية تقيمه (Eustache, Faure & Desgranges, 2014).

4 ـ 6 نموذج مياك متعدد الوسائط:

قامت مياك Miyake وآخرون (2000) باقتراح مهمات معرفية بسيطة على 137 حالة من الراشدين، لتحديد ما إذا كانت الوظائف التنفيذية تعتمد على نفس السيرورات، ودراسة العلاقات الموجودة بين المرونة الذهنية Shifting or cognitive flexibility وكف Inhibition الاستجابات المهيمنة والتحيين Updating (Miyake et al., 2000).

أظهرت النتائج أن المتغيرات التي تمت دراستها من قبل الباحثين كانت متمايزة، مما يؤكد على استقلالية وظائفها، وهذا ما يشير إلى التميز بين هذه الوظائف. واقترحت بذلك مقاربتين لتفسير هذه الارتباطات:

  • تتجلى المقاربة الأولى في تطبيق الذاكرة العاملة من خلال مجموع الاختبارات المقترحة.
  • تحيل المقاربة الثانية بأن الكف يشارك في تحقيق كل المهمات المقترحة.

عرَفت مياك إذن ثلاثة وظائف تنفيذية خاصة، وبيَنت أن هناك تبادل للسيرورات المشتركة فيما بينها بالرغم من استقلالية وظائفها. حيث تسمح سيرورة الكف بمسح أو إيقاف المعلومات غير المهمة. في حين تقوم سيرورة المرونة الذهنية بالسماح بالانتقال سريعا من مهمة إلى أخرى، بما يلائم المحيط. وتسمح سيرورة التحيين بتنشيط محتوى الذاكرة العاملة.

5 ـ نمو الوظائف التنفيذية :

تنمو قشرة الفص قبل الجبهي prefrontal cortex بشكل تدريجي، كما تستمر بعض الأجزاء في التطور خلال فترة المراهقة وحتى البلوغ (Gilbert & Burgess, 2008). وتتقاسم الوظائف التنفيذية هذا التدرج في النمو على غرار الفص قبل الجبهي، إذ تعتبر هذه الوظائف آخر الوظائف الذهنية التي تصل إلى مرحلة النضج ( Cristofori, Cohen-Zimerman & Grafman., 2019).

إن وجود العلاقة بين تطور قشرة الفص قبل الجبهي pre-frontal cortex والوظائف التنفيذية، جعل الإعتقاد لفترة زمنية لا بأس بها أن هذه الأخيرة تتطور خلال فترة المراهقة (Bernier, Carlson, & Whipple, 2010). إلا أن الدراسات التي ستأتي فيما بعد، وخصوصا مع التطورات التي شهدتها العلوم العصبية المعرفية، تبين أن الوظائف التنفيذية وقشرة الفص قبل الجبهي تبدأ في وقت مبكر من الطفولة وسنوات ما قبل الدراسة الابتدائية (Fiske, Holmboe, 2019).

وتؤثر مجموعة من العوامل في تطور الوظائف التنفيذية خلال مرحلة الطفولة، ومن بين هذه العوامل الأكثر تأثيرا؛ العامل البيئي، إذ يلعب هذا العامل دورا كبير في تطور الوظائف التنفيذية خلال مرحلة الطفولة المبكرة (Müller, Baker, Yeung, 2013). وبشكل عام، فالوظائف التنفيذية تتطور بفعل التفاعل مع البيئة (Bernier, Carlson & Whipple, 2010 ; Blair & Raver, 2012). ومن بين المؤثرات البيئية التي تلعب دورا مهما في تطور الوظائف التنفيذية، هي ثنائية اللغة والتي تعزز تطور الوظائف التنفيذية (Antón, Carreiras & Duñabeitia, 2019 ; Abdolmohammadi et al., 2022). علاوة على ذلك، فالعامل الاجتماعي والاقتصادي له دور أيضا في تطور الوظائف التنفيذية (Last et al., 2018 ; Hackman et al., 2015).

تتحسن الوظائف التنفيذية بشكل مستمر في مرحلة الطفولة (Jurado and Rosselli, 2007). فخلال السنة الأولى من العمر يمكن ملاحظة قدرة الأطفال على استخلاص القواعد الأساسية وقدرات الذاكرة؛ الانتباه من خلال التفاعل مع المحيط المباشر (Rose, Feldman & Jankowski, 2016). ويستمر تطور أداء مجموعة من المهام في مرحلة المراهقة من قبيل: الذاكرة العاملة، الكف، إتخاد القرار وغيرها من المهام، حل المشكلات وغيرها (Cristofori, Cohen-Zimerman & Grafman., 2019). ويكون هذا التطور في مرحلة المراهقة المبكرة أو المتوسطة في الوظائف التنفيذية، إلا أنه يصبح ضعيفا في مرحلة المراهقة المتأخرة (Blakemore & Choudhury, 2006). وهذا ما تبين من خلال دراسة طولية أُجريت على مراهقين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و19 سنة، لمدة 12 إلى 16 شهرا، وقد توصلت الدراسة إلى إنخفاض هذه الفئة في اختبار الفرز sorting test (Taylor et al., 2015).

أما على مستوى مرحلة الشيخوخة، فقد أُجريت دراسة حول ما إذا كانت الشيخوخة مرتبطة بأداء التخطيط، وقد عرفت مشاركة ثلاث مجموعات؛ الأولى لأفراد يبلغون من العمر 22.7 سنة وكان عددهم 15 فردا، في حين بلغ عمر المجموعة الثانية 68.1 سنة وتكونت من 15 فردا، أما المجموعة الثالثة فتبلغ 78.75 سنة ويتراوح عددها 16 فردا. إختُبر هؤلاء المشاركون في مجموعة من الإختبارات (الكف، التحول، التحيين، سرعة المعالجة)، وتم تقييم التخطيط بواسطة برج هانوي Tower of Hanoi. وتوصلت الدراسة إلى تأثير الشيخوخة على العديد من الوظائف التنفيذية والتخطيط، وأن المشاركون الأصغر سنا في هذه الدراسة يتفوقون على كبار السن عند اختبارهم في مهمة التخطيط (Sorel & Pennequin, 2008). وتتأثر بعض المناطق الدماغية كمنطقةالحصين hippocampus والقشرة الصدغية السفلية inferior temporal cortex الفص فبل الجبهي prefrontal بفعل عامل تقدم العمر (Raz et al., 2005). وفي دراستين ميطا تحليلية meta-analyses حول الأداء في اختبار فرز بطاقات ويسكونسن Wisconsin Card Sorting Test، بحثت الدراسة الأولى التغيرات التي لها علاقة بالعمر في أداء عدد من الفئات، ودرست الثانية عدد أخطاء المثابرة perseverative errors. وتوصلت نتائج الدراسة الحالية إلى وجود فروق عمرية قوية في أداء اختبار فرز بطاقات ويسكونسن، وعدد الفئات التي تم إتمامها وعدد أخطاء المثابرة المرتكبة (Rhodes, 2004).

6 ـ إعادة تأهيل الوظائف التنفيذية

لقد حاول مجموعة من الباحثين تطوير تدخلات تأهيلية لتحسين الوظائف التنفيذية عند المرضى الذين يعانون من متلازمة الاختلالات التنفيذية dysexecutives syndrome. ويعتبر إعادة التأهيل المعرفي Cognitive rehabilitation من بين التدخلات المشهورة في تدريب الوظائف التنفيذية. ويمكن تعريفه حسب الكونجرس الأمريكي لطب إعادة التأهيل American Congress of Rehabilitation Medicine بأنه نشاط معرفي علاجي منظم، يكون موجها لتحقيق تغييرات وظيفية وذلك عبر إعادة تأسيس وتقوية السلوكات التي تم إكتسابها في الماضي من جهة، ثم تأسيس أنماط جديدة من النشاط المعرفي أو الآليات التعويضية للأنظمة العصبية الضعيفة (Novakovic-Agopians & Abrams, 2014). وتتمثل أهمية إعادة التأهيل المعرفي للوظائف التنفيذية، في تحسين بعض قدرات الوظائف التنفيذية، باعتبار أن هذه الأخيرة لها تأثير كبير على حياتنا اليومية.

طور مجموعة من الباحثين تدخلا تحت إسم التدريب على إدارة الأهداف Goal Management Training والمستمد من نظرية دنكان Duncan وآخرون (1996) حول إهمال الأهداف goal neglect، على السلوك غير المنظم بعد الإصابة الدماعية الداخلية traumatic brain injury. ويركز هذا الأسلوب في إعادة التأهيل على السلوكات الموجهة نحو الأهداف، من خلال مراقبة وضبط السلوك المستمر. وتوصلت الدراسة إلى فعالية تدخل التدريب على إدارة الأهداف في علاج قصور اختلالات الوظيفة التنفيذية executive functioning deficits والذي يكون حاجزا للإستقلالية لدى المشاركين من ذوي الإصابات الدماغية (Levine et al., 2000).

تلقى مجموعة من الأفراد ذوي الإصابات الدماغية لعلاج جماعي مبتكر innovative group treatment ضمن سياق التدخل المعرفي للذين يعانون من قصور في الوظائف التنفيذية (حل المشكلات). ويعد هذا التدخل موجها إلى تحسين وتطوير الضبط الذاتي الإنفعالي emotional self‐regulation وحل المشكلات problem solving. وبينت النتائج تحسين المشاركين في حل المشكلات (Rath et al., 2003).

واستخدم باحثون تصميم لموضوع واحد single-subject design من خلال المقاربة متعددة السياق multicontext approach لتعزيز استخدام الاستراتيجية عبر مواقف متعددة وزيادة التنظيم الذاتي والوعي والأداء الوظيفي بعد الإصابة الدماغية. وتوصلت الدراسة، إلى أن جميع المشاركين قد أظهروا تغييرات إيجابية في مهارات التنظيم الذاتي واستخدام الإستراتيجية (Toglia et al., 2010).

قامت دراسة مقارنة (مجموعة تجريبية تأخد هذا البرنامج ومجموعة ضابطة غير معنية بأخد هذا البرنامج) وباستعمال برنامج تدريبي معرفي ـ حركي مزدوج المهام ognitive–motor dual-tasking training program لتحسين مجموعة من القدرات الحركية (المشي) والمعرفية (نطق جملة) عند الأفراد ذوي الإصابات الدماغية المكتسبة acquired brain injury. وخلصت الدراسة إلى تحسن الأداء في النتائج الأولية، بالرغم من وجود أدلة قليلة على المقاييس measures الأخرى (Saffran & Robe-Torres, 2009 Evans,).

وفي دراسة أخرى شملت 19 مشاركا يعانون من أمراض في الدماغ brain disease والتي أثرت بشكل سلبي على وظائف الفص الجبهي. استُخدمت نسخة ممتدة من التدريب على إدارة الأهداف extended version of Goal Management Training بالتدخل البديل alternative intervention من أجل تحسين مجموعة من القدرات. وتوصلت النتائج إلى فعالية هذا الأسلوب التدخلي في إعادة تأهيل القصور في الأداء التنفيذي من خلال مهمة الإنتباه المستمر sustained attention وحل المشكلات البصرية ـ المكانية visuospatial problem solving (Levine et al., 2011).

وعلى غرار استخدام التدخلات عند الأفراد ذوي الإصابات الدماغية، تم استخدام التدخلات أيضا عند المصابين باضطرابات نمائية عصبية. فقد استُخدم تدخل Unstuck and On Target للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، ويستهدف هذا التدخل مجموعة من مكونات الوظائف التنفيذية. وقد توصلت النتائج إلى أن تدخل Unstuck and On Target أدى إلى تحسين مجموعة من مكونات الوظائف التنفيذية من قبيل: المرونة، التخطيط، التنظيم وحل المشكلات (Kenworthy et al., 2014).

على الرغم من توفر مجموعة من النتائج الإيجابية حول فعالية التدخلات المعرفية (Levine et al., 2000 : Levine et al., 2010)، و إشارة بعض الباحثين أن هذا التدخل هو أفضل أسلوب تدخلي متاح لتأهيل من يعانون من ضعف معرفي عصبي وقصورات وظيفية (Cicerone et al., 2005). إلا أن العديد من المراجعات، أكدت أن فعالية تدحلات التأهيل المعرفي لا يمكن دعمه أو دحضه (Lincoln, Majid & Weyman, 2000 ; Cicerone et al., 2005 ; Bowen & Lincoln, 2007). علاوة على أن غالبية ذوي الإصابات الدماغية الذين يعانون من متلازمة الاختلالات التنفيذية ويتلقون التدخل المعرفي المكثف لا يسترجعون وظائفهم التنفيذية بشكل كامل ( Cristofori, Cohen-Zimerman & Grafman., 2019). وبالتالي، فقد يحتاج الباحثون دراسات موسعة لتأكيد فعالية هذا البرنامج وتطويره.

خلاصة

نستخلص مما سبق، أن مفهوم الوظائف التنفيذية لم يكن حاضرا إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وعرفت هذه الوظائف تطورا تدريجيا، وهي مجموعة من القدرات التي يستعملها الفرد من أجل بلوغ هدف محدد. وتشتمل هذه الوظائف مجموعة من الإواليات أو السيرورات من قبيل المرونة الذهنية، الكف، التخطيط، الذاكرة العاملة… تتوزع هذه الوظائف بشكل رئيسي في الفص الجبهي، إلى جانب مناطق أخرى في الدماغ كالمناطق الخلفية وتحت القشرية والتي تم كشفها من خلال تقنيات التصوير الدماغي.

اقترح مجموعة من الباحثين العديد من النماذج التفسيرية للوظائف التنفيذية لتوضيح كيفية عمل هذه الوظائف وتوضيح دور كل مكون من مكونات الوظائف التنفيذية، وكانت البداية مع نموذج لوريا Luria (1973) لتأتي بعده مجموعة من النماذج الأخرى. وقد بينت الدراسات أن هذه الوظائف تتطور منذ المراحل المبكرة من الطفولة.

وتؤدي القصورات في الوظائف التنفيذية إلى الحد من قدرة الفرد في التكيف مع الحياة اليومية بشتى مجالاتها، الاجتماعية، المهنية والأكاديمية… وتساهم عملية التشخيص في التكفل بهذه القصورات من خلال البرامج المتوفرة والتي تقلص من حدة هذه الاختلالات ومساعدة الأفراد على تحقيق ذواتهم.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

Scroll to Top