بيداغوجيا الإنصاف
باحث في اللغة والتواصل
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق
بركان ، المغرب
باحث في اللسانيات والتواصل
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق
بركان ، المغرب
ملخص
تسعى كل الأنظمة التعليمية إلى جعل حق التعليم في متناول جميع أفراد مجتمعاتها، ومع ذلك، فالفرص إلى الولوج إليه، أو الاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها، في كل أطواره وتخصصاته، ليست متكافئة. فكيف يتحقق مبتغى تكافؤ الفرص في التعليم؟ وهل المساواة في ولوجه كافية؟ أم لابد من إنصاف أولئك الذين يجدون صعوبات في التعبير عن إمكانياتهم؟ هذه جملة أسئلة، من غيرها، تحاول الباحثة الكندية “إميلي دوترلو” أن تجيب عليها باختصار؛ فهي أولا، تحدد معاني المفاهيم (المساواة والعدالة والإنصاف) والفروق الموجودة بينها، ثم، تقف عند أبعاد تكافؤ الفرص وكيف يمكنها أن تتجسد في الواقع، لتصل في الأخير، إلى اقتراح بيداغوجيا الإنصاف على الأساتذة الذين يرغبون في تطوير مهارات تلامذتهم وإبراز قدراتهم.
Every educational system aims to make the right to education accessible to all members of its society. However, opportunities for access or benefitting from its potential at all levels and specializations are not equal. How can educational equality be achieved? Is equal access sufficient, or is it necessary to accommodate those who struggle to express their abilities? Canadian researcher (EMILIE Doutreloux) attempts to answer these questions succinctly by defining concepts like equality, justice, and fairness, exploring the differences between them, examining the dimensions of equal opportunities, and proposing a pedagogy of fairness for teachers wishing to develop their students’ skills and highlight their capabilities.
كلمات مفتاحية: الإنصاف-التعليم-تكافؤ الفرص-النظام التعليمي-المساواة.
Keywords : Fairness-Education-Equal Opportunity-Education System-Equality.
“لنجعله في متناول الجميع، بغض النظر عن معتقدهم، أو أصلهم العرقي، أو ثقافتهم، أو خلفيتهم الاجتماعية، أو جنسهم، ومهما كانت صحتهم البدنية وقدراتهم العقلية؛ إنه التعليم الجيد الذي يستجيب لتنوع الاحتياجات” (مقتطف من تقرير المجلس الأعلى للتعليم بالكبيك سنة 2007).
للوهلة الأولى، يبدو هذا الاقتباس من حاضرنا، ومع ذلك، فهو يعود إلى سنة 1964، وكان، حينها، الهدَفَ للتعليم الثانوي الذي صاغه مقررو اللجنة الملكية للبحث في التعليم في مقاطعة الكبيك بكندا. فمنذ خمسين عاما، أدت الديمقراطية في التعليم، بلا شك، إلى توزيع في عدد التلاميذ: أجيال جديدة مكونة، خاصة، من الفتيات، وفرنكفونيون، وتلاميذ من خلفيات محرومة، تستفيد للمرة الأولى، من التعليم العالي في الكيبك، ومن ذلك الحين، يتزايد عدد الطلاب في الكليات: تنوع سوسيولوجي، وثقافي، ولغوي، وذهني، ومن الجنسين؛ تفكيرا وقدرات.
برغم هذا التعميم المكثف الذي تدفعه الرغبة في تكافؤ الفرص، لاتزال أوجه التفاوت وعدم المساواة في المدارس قائمة. يرى كل من الباحثين في سوسيولوجيا التعليم: “رائل” و”بيلوت” أن الجهود المبذولة لتعزيز الوصول إلى التعليم العالي لم تمنع آليات التمييز المنهجي التي تؤثر بشكل خاص على الأقليات والفئات المهمشة في التعليم: “المساواة في الفرص في التعليم تبدو نظرية أكثر منها حقيقية. هذا ما جاء في تقرير المجلس الأعلى للتعليم بكندا مقاطعة الكبيك. (CSE 2016/p.72).
ماذا نعني بالضبط، بتكافؤ الفرص؟ وكيف يتفق هذا المبدأ مع مبتغى العدالة والإنصاف؟ ثم، كيف تتحقق تكافؤ الفرص في المجال الثانوي؟
يحاول النص التالي الإجابة على هذه الأسئلة بإيجاز؛ أولا، بشرح الفروق التي تميز مفاهيم المساواة والإنصاف والعدالة. ثم، عرض بعض أبعاد تكافؤ الفرص، وعلى وجه الخصوص التكافؤ في الولوج والمكتسبات والنتائج والمعاملة.
وسيسمح هذا الوضع في السياق عندئذ، بعرض بعض سبل العمل للأساتذة لتعزيز تكافؤ الفرص داخل النسيج التلاميذي المتنوع الذي يشكل فصولهم. والأفكار المقترحة، هي جزء من بيداغوجيا الإنصاف؛ وهي مقاربة من أربع خطوات ترمي إلى كسر الصمت بالكلام، والإهمال بالذاكرة، والسلبية بالمشاركة الفعالة، والعجز بالقوة.
ومن شأن هذه الوسائل أن تتيح لجميع التلاميذ، بغض النظر عن ملامحهم واحتياجاتهم، أن يشعروا بالاهتمام أثناء مرحلتهم الثانوية، وأن يعيشوا تجربة مدرسية جيدة تساعدهم على نجاحهم التعليمي.
المساواة والإنصاف
تهدف كل من المساواة والإنصاف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية والتعليمية والسياسية والاقتصادية حسب تقدير الباحثين (هانسون وبرنيه Bernier et Hanson) إلا أنه في كلتا الحالتين، لا تعمل العدالة بالطريقة نفسها؛ حيث تستجيب المساواة لمبدأ العدالة التبادلية بإحداث فروق بين الأفراد وإعطاء الجميع نفس الحصة، بينما يستجيب الإنصاف لمبدأ عدالة التوزيع الذي يأخذ في الاعتبار قيمة الأشخاص ومزاياهم غير المتكافئة. باختصار، إن مبدأ المساواة يقدم نفس الشيء للجميع، بينما مبدأ الإنصاف، في وضع غير منتظم، يوزع حسب الاقتضاء أو الحاجات. وفي السياق المدرسي، يدعم الأول العدالة الاجتماعية لضمان حق كل شخص في التعلم المجاني وبالجودة ذاتها، ويتعلق الثاني، بالعدالة المدرسية التي تراعي تنوع التلاميذ والطلاب.
تكافؤ الفرص
المساواة: مفهوم معقد لا يعالج بطريقة مطلقة ” ولكن دائما، حسب الحالة التي تأخذ فيها قيمة نسبية تتحدث، أساسا، على المساواة في شيء ما” ( CSE 2016/p.8)، ثم ما المهم، و تحديد ما هو مطلوب لتحقيق المساواة بوضوح.
من الواضح أن المدرسة تسمح للجميع بتطوير إمكاناتهم الكاملة، كيف ما كانت، مع ضمان أن تتاح للجميع فرصة متساوية للوصول إلى ذلك ( CSE /2016) . وتتطابق هذه الفرصة في الواقع مع نوعية الخبرة التعليمية للشباب؛ فيما يتصل بعلاقته بالتعلم، وعلاقته بالمعرفة وحريته في التطلع إلى إمكانيات المستقبل نفسها مع الآخرين، وهذا، لا يقاس بالضرورة، بالحصول على الشهادة. سيصل المتعلم إلى كامل إمكاناته إذا ما تابع تعليمه بغض النظر عن مدى نجاحه في المدرسة.
“[فهو] أي المتعلم، لا يحس بالاعتراف به في المدرسة، إلا إذا طور شعورا بالانتماء وعلاقة إيجابية بالتعلم، وحينما يكتسب المهارات والاستقلال الذاتي للاضطلاع بدور نشط في المجتمع”.
ولذلك، فإن تنوع الإمكانات ينطوي على تنوع الفرص؛ والهدف هو تعزيز تكافؤ الفرص كمرجع معياري أساسي للنظام المدرسي.
غير أن مفهوم تكافؤ الفرص في التعليم لا يزال غير واضح، ويخلق توافقا صعبا في الآراء بسبب تعدد معاني مصطلح الفرصة ( 2016 CSE / ). ويمكن النظر إلى هذا المثل الأعلى بطرق تكميلية مختلفة: المساواة في الولوج، والمساواة في المكتسبات، والمساواة في النتائج، والمساواة في المعاملة. و [المعنى ] الأخير، مماثل لمفهوم الإنصاف، وهو نموذج يجري طرحه حاليا في النظام الثانوي استجابة لتنوع الطلاب.
سنكتشف إذن، هذه الأبعاد الأربعة لتكافؤ الفرص بشرحها وإعطائها أمثلة واضحة محددة للسياق العام في الكبيك بكندا.
المساواة في الولوج
تعني المساواة في الولوج حالة تتاح فيها لجميع الأفراد، أو مجموعة أفراد، نفس الفرص للاستفادة من الخدمات التعليمية في نظام مدرسي عام في عدد من مستويات التعليم وقطاعاته، بقدر ما تستوفي جميع شروط التسجيل. وفي أصل المطالبات بالتعليم المجاني، تمثل المساواةَ في الحصول على التعليم وعلى مستوى التعليم الثانوي. تحققت المساواة في الوصول إلى التعلم؛ من بين أمور أخرى، عن طريق نشر شبكة كبيرة من ( 48 cegeps = مؤسسات عمومية) تمنح تعليما عاما في الكبيك على مجموع تراب الإقليم، مع السماح للطلاب من جميع الخلفيات الاقتصادية أو الجغرافية للولوج إلى التعليم العالي، ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن إمكانية التحقق الكامل؛ لأن التلاميذ الذين يعيشون في المناطق التي تعرف تهميشا ما؛ بسبب العروض القليلة من تلك التي تُمنح للمراكز الحضرية الكبرى من مثل العدد المحدود في بعض التخصصات التقنية والمسافة التي ينبغي أن يقطعها المتعلمون يوميا للوصول إلى المدرسة برغم إمكانية بقائهم حيث يقطنون (CSE/2016).
المساواة في النتائج والمساواة في المكتسبات
إن المساواة في النتائج تشير عموما إلى أمرين :
” […] عند مغادرته [ أي التلميذ ] النظام المدرسي، يكون كل فرد قد طور إمكانياته وحصل على الحد الأدنى من المهارات والمعارف التي تسمح له بأخذ مكانته في المجتمع المعاصر […]؛ وأن تكون جميع الفئات الاجتماعية ممثلة تمثيلا عادلا بين الخريجين على جميع مستويات التعليم( (CSE, 2016/ p/ 49
من منظور الحد الأدنى المشترك؛ حيث يمكننا في الواقع، أن نتكلم عن المساواة في المكتسبات التي تشير إلى المبدأ التعليمي الذي يقضي بأن المدرسة يجب أن تسمح لجميع الشباب أن يُنجٍزوا التعلمات الأساسية نفسها وهذا يعني ضمنيا، توفير تكوين مماثل للجميع ( CSE/2016). وعلى المستوى الثانوي، فإن المواصفات الوزارية التي تحدد المهارات الواجب تطويرها بين التلاميذ، أو الأهداف والمعايير الواجب تحقيقها، يشكل وسيلة لضمان المساواة في المكتسبات من مؤسسة إلى أخرى. وعلى الصعيد المحلي، تشكل الأطر المرجعية لبرنامج ما، جزءً من فكرة تحديد التعلم الأساسي لنفس الدرس، بغض النظر عن الأستاذ. إن صيغة الجذع المشترك تسعى لتقديم المجموعة نفسها من الدروس لمختلف فئات التلاميذ، بغض النظر عن التخصص، أو الخبرات المقصودة، هو أيضا، مثال جيد للمساواة في المكتسبات. ويوفر التعليم العام المشترك مجموعة من الدروس في الفرنسية والفلسفة والانجليزية والتربية البدنية – إجبارية للجميع – وهي تساهم في تطوير المهارات المرتبطة بغايات التعليم الثانوي الذي يعزز قاعدة مشتركة من المعرفة.
وقد لوحظت المساواة في النتائج من منظور المكتسب، بعد إجراء تقييم وثيق الصلة بالتعلمات الأساسية؛ فعلى سبيل المثال: من أجل الحصول على دبلوم عام، يجب على الجميع اجتياز الاختبار التركيبي لبرنامجهم (ESP)، والامتحان الموحد في الفرنسية (EUF). والغرض من هذه الاختبارات هو التحقق من أن كل طالب يتمتع بالمهارات الكافية المنصوص عليها.
أما المنظور الثاني للمساواة في النتائج؛ فهو أنه يمكن تمثيل جميع الفئات الاجتماعية على المستوى الثانوي، وتكون لديهم نفس الفرص للحصول على الشهادة كما يفترض، من جانبه، أن من حق جميع التلاميذ، بغض النظر عن أصولهم وخصوصياتهم الحصول على جميع الفرص الوظيفية بما في ذلك الفرص الأكثر قيمة مثل الطب والقانون (CSE/2016). هذه الصيغة من التكافؤ تبدو أكثر تعقيدا عند التنفيذ؛ فمن جهة الجهود الحالية لتساوي الحظوظ لا تأخذ بعين الاعتبار حقا، التفاوت الحاصل في إيقاعات التعلم وأن لكل منها نقاط قوة ومصالح مختلفة؛ فالأهداف والمسارات المسطرة من قبل المدرسة تهيئ نفس الشيء للجميع دون إمكانية التكيف الحقيقي مع المهارات والإمكانيات الأولية لكل فرد. ومن جهة أخرى، ستكون هناك صلة بين المسار المدرسي المتبع في المدارس الثانوية والجامعية؛ (المدارس العامة أو الخاصة / برنامج عادي أو مكثف) واحتمال الالتحاق بالجامعة أو القبول في برنامج شامل وبالتالي، فإن المساواة في النتائج كثيرا ما تفسر من زاوية الاستحقاق؛ استنادا إلى افتراض أن المدرسة تُعِدُّنا للعيش في مجتمع توجد فيه سلطة معينة ومناصب محجوزة لأكثر الناس “استحقاقا”. ونتيجة لذلك، فإن النظام المدرسي الحالي يسمح لمن هم محظوظون اجتماعيا واقتصاديا… بالنجاح وإقصاء الآخرين وتصنيفهم “كفاشلين”.
ومع ذلك، يجب الاعتراف بأنه ليس لدى كل فرد الرغبة، ولا الغرض، في مواصلة الدراسة الجامعية، أو أن يكون لدى البعض مهارات وقدرات غير تلك التي يقدرها المجتمع عادة من هذا المنظور، ومن أجل تنفيذ إجراءات عادلة من الضروري ضمان أن تتاح لكل شخص فرص حقيقية لاتخاذ خيارات وظيفية وإيجابية ومعقولة بالنسبة له، واعتبار هذه الخيارات حرية، وبمثابة طريق معترف به للازدهار والاستفادة من مهاراته ومن أجل تعزيز المساواة الحقيقية في النتائج. من المهم إيجاد الوسائل الكفيلة بالتمكين، مع التسليم بتنوع المسارات وأنواع النجاح الأخرى؛ بما في ذلك مهن المدارس الثانوية، والمهارات العامة والتكوين بالنسبة للكبار(2016 CES /). “إن تنوع الإمكانيات ينطوي على تعدد في الفرص، والغاية هي تعزيز تكافؤ الفرص كمرجع معياري أساسي للنظام المدرسي”.
المساواة في المعاملة
تقوم المساواة في المعاملة على أساس الحرص على ضمان ظروف تعلم بجودة عادلة لجميع التلاميذ “حتى لو كانت هناك، في البداية أو في النهاية تفاوتات في القدرات أو المهارات” ومهما ظلا قائمين. CSE/2016 / p .36)) ومن الأهمية بمكان، تصحيح أوجه عدم المساواة هذه؛ بتزويد الجميع بالوسائل اللازمة لتحقيق مشاريعهم المعقولة. ويجب أن تفيد تدابير المساواة في المعاملة الأضعف والأقوى وهكذا، وباسم الصالح العام، توزع موارد معينة توزيعا غير متكافئ بغية الوصول إلى قدر أكبر من الإنصاف بين الجميع (CSE /2016).
وهنا نجد مبدأ الإنصاف الذي يتجلى في توفير المعاملة المتمايزة التي تراعي خصوصيات كل واحد، ولا ينطبق بنفس الطريقة على الجميع فعلى سبيل المثال: تلاحظ المساواة في المعاملة على المستوى الثانوي عند إجراء اختبار اللغة الموحد، وعندما يتمكن (التلاميذ المتعثرون في اللغة ) عند الاقتضاء، طلب الاستفادة من دقائق إضافية لإكمال امتحاناتهم بسبب تخلفهم في لغة التدريس التي هي لغة ثانية بالنسبة لهم ؛ ويراعي هذا النوع من الإنصاف الظروف الشخصية والاجتماعية الخاصة بشريحة من التلاميذ بهدف منحهم فرصا متساوية مع الآخرين.
بيداغوجيا الإنصاف
بالإضافة إلى الحاجة إلى التوزيع العادل للموارد، يهدف [مبدأ] تكافؤ الفرص إلى ضمان جودة التجربة التعليمية لكل شخص حتى يتمكن من تنمية إمكاناته كاملة. وهذا يعني أن تُوَفَّرَ للتلاميذ وضعيات تعلم مفتوحة؛ حيث يمكنهم الشعور بالاعتراف بهم. وفي القسم، يمكن أن يتم ذلك انطلاقا من أسئلتهم، ومن شواغلهم، ومن اهتماماتهم، ومعرفتهم الشخصية كدعامة للتعلم، وفي الوقت الذي يلتمسون فيه قدرتهم على ممارسة الخيارات (CSE/2016/p22).
إن بيداغوجيا الإنصاف، من خلال نهجها في التوعية، توفر طرق عمل للأساتذة الذين يرغبون في تحسين الخبرة التعلمية لتلاميذهم، مع التركيز على التقسيم الاجتماعي للموارد والسلطة والمعرفة لقد ولدت [هذه البيداغوجيا] من التقاء تربويين مدافعين عن حق المرأة، ومناهضين ضد العنصرية، وتحرُّريين. إن بيداغوجيا الإنصاف تفضي إلى التحرر الديمقراطي وتنطبق، بطبيعة الحال، على أنشطة التعليم الثانوي من أجل تعزيز الإنجاز الملموس لتكافؤ الفرص وتدعو جذورها النسوية إلى إعطاء المرأة تمثيلا أفضل في الفكر التعليمي. وتُذكرنا أصولها المناهضة للعنصرية بأن ننظر في مشكلة العرق في مداخلاتنا في الوقت الذي تدعو فيه أسسها التحررية إلى إجراء تحليل نقدي لدور التعليم للتمكن من التحرر الاجتماعي للطبقات المهمشة. ويشترك هؤلاء التربويون في إثبات صحة الاختلافات والتحدي المتسق للمعايير التي يضعها المجتمع، مما يسمح لكل فرد بأن يشعر بالتقدير بتنوعه وإمكاناته.
“إن بيداغوجيا الإنصاف تقترح استراتيجيات تضمن للجميع، وبخاصة، للأقليات والمجموعات المهمشة جودة لتجاربها التعليمية”.
المفاتيح الأربعة لبيداغوجيا الإنصاف:
تقترح بيداغوجيا الإنصاف أربعة مفاتيح للعمل لتساعد الأستاذ على وضع استراتيجية تشجع تكافؤ الفرص: الكلام، والذاكرة، والمشاركة النشطة، وتقاسم السلطة. ها هي باختصار، النقط التي تعد أساسية:
1- الكلام
على المستوى الفردي، يسمح الكلام للناس بالوجود، وعلى الصعيد الاجتماعي، يسمح للجماعة بالعمل؛ إن إعطاء الكلام للفئات المهمشة يساعدها على الخروج من الظل، والشعور بالاهتمام. تركز بيداغوجيا الإنصاف بشكل منظم واستراتيجي على أخذ الكلمة شفويا وخطيا على حد سواء، كتقنيات تيسر وتشجع تبادل الأفكار في جماعات صغيرة وتحفز على تبادل الخبرات والحوار المحتمل بشأن المعرفة. وبالتالي، فإن الخطاب يجعل الشخص الذي يتكلم مرئيا والفئة المهمشة قادرة على أن تقول ما تريد وأن يُعترف بها. وإعطاء الكلمة يتوخى، أيضا، بطريقة متداخلة استخدام لغة شاملة أو تحديث واضح لغياب مجموعة معينة في المواد البيداغوجية.
2 – الذاكرة
تركز بيداغوجيا الإنصاف، على وجه التحديد، على إغفال بعض الفئات المسيطرة أو المهمشة في الخطاب البيداغوجي ومواده؛ اعترافا بمساهماتهم ومعرفتهم وتجاربهم، عن طريق توفير مجال بيداغوجي لإضفاء الشرعية على التجربة وانتقاد المعرفة غير الشاملة أو غير الممثلة للتنوع. ويُقدِّر الأستاذ تنوع وجهات النظر، ويسمح للتلاميذ بتقاسم انطباعاتهم وعواطفهم. وتساعد الذاكرة على ملء الفراغ الهوياتي الذي قد تشعر به بعض المجموعات.
3 – المشاركة النشطة
إن تهيئة مناخ تعلم يشعر فيه كل عضو في المجموعة باحترام، عنصر أساسي لتحقيق تكافؤ الفرص؛ هذا يعني قبل كل شيء، إيلاء اهتمام خاص للعلاقة البيداغوجية والتفاعلات بين الطلاب؛ بما ينطوي عليه، أيضا، كمحاولة لكسر القوالب النمطية للتلميذ السلبي. إن إنشاء هياكل تعاونية خاصة بالتعلم النشط من شأنها أن تتيح للتلاميذ من الفئات المهيمنة من أن يشغلوا أدوارا مختلفة عن الأدوار التي يحصرون فيها عادة. وبما أن المهمشين يميلون إلى تفضيل الحالات التعاونية وليس التنافسية، فإن هذه الطريقة توفر مناخا مشجعا للتعلم وتنعكس المشاركة النشطة، أيضا، على مشاركة الأشخاص في بناء معرفتهم فضلا عن تحديد أهدافهم التعلمية.
4 – تقاسم السلطة
تؤكد بيداغوجيا الإنصاف على التحول الاجتماعي، بالإضافة إلى إتاحة المجال للمتعلمين في الفصول الدراسية. ويمكن للأستاذ أن يحاول إزالة الغموض عن المعارف التي يتم تدريسها بشرح أبنيتها ومواطن قوتها وحدودها. وبالتالي، هناك اعتماد حقيقي للمعرفة وتطوير للتفكير النقدي؛ وهي ردود لا غنى عنها للتأمل في العمل والتصرف على أساس الفكر. ويتم تقاسم السلطة من خلال تنفيذ آليات الدعم. وأخيرا، فإن الأستاذ الذي يضع ممارسته في ظل بيداغوجيا الإنصاف يهدف إلى تمكين التلاميذ، أيضا، من أجل التغيير الاجتماعي، ونقل أشكال العمل التي تعزز العدالة الاجتماعية.
خاتمة
إن تحقيق تكافؤ الفرص على نحو ملموس يتطلب المساواة في الولوج إلى المدرسة والتحصيل والنتائج، وأيضا، معالجتها. ولهذا، تقوم غاية النظام التعليمي على مبدأ الإنصاف ويؤكد القانون هذا الانتماء الواضح في تعريفه لمفهوم تكافؤ الفرص.
“المبدأ الأساسي لدمقرطة التعليم الذي يعترف بالحق في الإنصاف والإمكانات لكل شخص، وبدون استثناء، بغض النظر عن ظروفه الجغرافية، والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من المميزات الطبيعية، في التطور الأمثل و المستمر للتعليم” (CSE :2005 :p543).
بيد أن تكافؤ الفرص هدف صعب لأنه يقع ضمن الهامش بين المصالح الفردية والصالح العام (CSE :2016). إن فعالية وأهمية الوسائل المستخدمة لتعزيز تنمية الإمكانات الكاملة لجميع الشباب على الاعتراف والقبول الاجتماعي لهذه الحلول ومبدأ المساواة ينطوي على مسؤولية الشخص الذي يتحمل نتائج اختياراته. ويعود الأمر إليه في اتخاذ أي إجراء؛ وهذا يعني أن الذين لا ينجحون لم يتمكنوا من الاستفادة من الفرص المتاحة. وينبغي أن يتحملوا عبء فشلهم. وإذا كانت الفرص المتاحة لهم لا تراعي إمكاناتهم، ولا تمكن من التكيف مع مهاراتهم الملائمة، فإن النظام هو الذي يعد غير مناسب.
إن البيئة المدرسية المنخرطة، فعلا، لن تأخذ المساواة في الولوج إليها، أمرا مسلما به، وتشكك في طرق الوصول إليها. يجب أن تعترف بجوانب القوة المتنوعة للشباب وستعتمد عليها لجعلهم يعيشون تجارب حتى يتمكنوا من الثقة بقدرتهم على التعلم. ونتيجة لذلك، سيرغبون في التعلم. ومن شأن ذلك، أن يُسمح لكل شخص بالاعتراف به، والشعور به، مستعينا بمصالحه وشواغله كأداة للنجاح. وستوفر نماذج متنوعة للناجحين وتهيئ لمسارات تكوينية تلبي تنوع المواصفات والحاجات.
ولا يمكن للأستاذ وحده أن يتحدى المظالم الاجتماعية والأكاديمية التي لا تزال قائمة في التعليم الثانوي؛ بيد أنه يمكن اعتماد قيادة تحويلية في سياق التدريس، وبالتالي، التشكيك في طرق استخدام سلطة الامتيازات التي تخلق أو تديم عدم المساواة في الفرص. تشكل بيداغوجيا الإنصاف سبيلا في هذا الاتجاه؛ من خلال اقتراح استراتيجيات وضمان تمتع الجميع، ولا سيما الأقليات والفئات المهمشة، بخبرة تعليمية جيدة.