الوضعية الديموغرافية لساكنة الجزء الغربي للريف الشرقي (إقليم الدريوش)
دكتور في الجغرافيا
مختبر التواصل، التربية، الاستعمال الرقمي والإبداع
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة – المغرب
ملخص
يتميز سكان الجزء الغربي للريف الشرقي بتركز بشري وكثافة سكانية مهمة، فقد بلغ عدد ساكنة المجال حسب آخر إحصاء رسمي حوالي 211059 نسمة؛ أي ما يعادل 9.1% من مجموع سكان جهة الشرق، وبذلك فهو يحتل الرتبة السادسة على مستوى أقاليم الجهة. يتوزع السكان بشكل متفاوت بين المجالين الحضري والقروي؛ فالأخير يستحوذ على نسبة 73.5% مقابل 26.5% لصالح السكان الحضريون. غير أنه ما يثير الانتباه أن عدد السكان بهذا المجال قد عرف تراجعا واضحا مقارنة بإحصاء 2004. ويعزى هذا التراجع المستمر في عدد الساكنة إلى جملة من العوامل، ترتبط بالأساس بانخفاض معدلات الزيادة الطبيعية اليوم مقارنة مع ستينيات القرن الماضي وما قبلها، ومس هذا التراجع بالخصوص سكان الأرياف التي تعرف إفراغا سكانيا لصالح المراكز الحضرية المجاورة، فإذا كانت معظم أقاليم جهة الشرق سجلت نسبة نمو سكاني إيجابية فإن إقليم الدريوش على عكس من ذلك بحيث سجل نموا سلبيا. ومن جهة أخرى تتميز ساكنة الجزء الغربي للريف الشرقي بهيمنة واضحة للفئة الفتية القادرة على العمل والإنتاج وفي نفس الوقت تعتبر سوق استهلاكية تساهم في الرواج التجاري وترفع من الطلب. تسعى هذه الدراسة إلى تشخيص الوضعية الديموغرافية لساكنة الجزء الغربي للريف الشرقي من خلال إبراز التطورات التي عرفها عدد السكان وتوزيعهم المجالي علاوة على تحديد بنيتهم العمرية وهجراتهم.
كلمات مفتاحية: الوضعية الديمغرافية – النمو السكاني – الكثافة السكانية – البنية العمرية – الهجرة – الجزء الغربي للريف الشرقي.
The population of the western part of the eastern countryside is characterized by a significant human concentration and population density. According to the last official census, the number of residents in the area reached about 211,059 people. This is equivalent to 9.1% of the total population of the eastern region, and thus it occupies sixth place at the level of the regions of the region. The population is unevenly distributed between urban and rural areas. The latter accounts for 73.5%, compared to 26.5% for the urban population. However, what is noteworthy is that the population in this area has witnessed a clear decline compared to the 2004 census. This continuous decline in the number of residents is attributed to a number of factors, mainly related to the decline in natural increase rates today compared to the sixties of the last century and before. This decline particularly affected the rural population, which is experiencing population emptying in favor of neighboring urban centers. If most of the regions in the east recorded a percentage Positive population growth, the Driouch region is the opposite, as it recorded negative growth. On the other hand, the population of the western part of the eastern countryside is characterized by a clear dominance of the young group capable of working and producing, and at the same time it is considered a consumer market that contributes to the commercial boom and increases demand. This study seeks to diagnose the demographic situation of the population of the western part of the eastern countryside by highlighting the developments witnessed by the population and its spatial distribution, in addition to determining their age structure and migrations.
Keywords: demographic situation – population growth – population density – age structure – immigration – the western part of the eastern countryside.
مقدمة
تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بانفجار ديمغرافي كبير خاصة ببلدان العالم الثالث التي عرفت أعلى معدلات النمو السكاني عالميا، نتيجة لمجموعة من العوامل منها الزيادة السكانية الطبيعية وضعف نسبة الوفيات وارتفاع معدلات الخصوبة وتحسن المستوى المعيشي والتقدم الطبي وفي هذا الصدد يعتبر المغرب من هذه البلدان التي شهدت نموا سكانيا ملحوظا، حيث لم تعرف ساكنة المغرب زيادة ذات إيقاع سريع إلا مع بداية القرن العشرين، أي عندما انخفضت نسبة الوفيات التي كان السبب في ضعفها سابقا، مختلف الاضطرابات الاجتماعية والمجاعات والأوبئة. وهكذا عرف القرن العشرين طفرة ديمغرافية مهمة ناتجة عن الفرق المهم الذي أصبحت تعرفه نسبة الولادة ونسبة الوفيات. وهو الشيء الذي كان من نتائجه ارتفاع معدل الزيادة بالمغرب حيث وصل إلى حوالي 3% ويوجد المغرب اليوم في مرحلة متقدمة من النقلة الديمغرافية وذلك نتيجة للانخفاض المستمر لنسبة الوفيات خلال العقود الأخيرة[1]. نفس الوضعية شهدها الجزء الغربي للريف الشرقي الذي عرف نموا ديموغرافيا إيجابيا في مرحلة أولى بينما تحول خلال العقد الأخير لنمو سلبي خاصة بالأرياف كما سنرى من خلال مجموعة من المؤشرات.
- أهمية وأهداف الدراسة
تكمن الأهمية العلمية للدراسة في محاولة تقديم مؤشرات ومعطيات إحصائية دقيقة عن الوضعية الديمغرافية بالمجال والتحولات التي عرفها، وذلك من خلال التطرق إلى إبراز تطور السكان وتحديد توزيعهم المجالي وتركزهم وبنياتهم العمرية وهجراتهم.
- إشكالية الدراسة وفرضياتها
تعتبر الدراسات السكانية من أهم المواضيع التي تهتم بها جغرافية السكان (علم الديموغرافيا) بهدف إبراز التطور العددي للسكان وتوزيعهم الجغرافي وتركزهم المجالي، على اعتبار أن العنصر البشري يشكل القاعدة الأساسية لأي تنمية اقتصادية أو اجتماعية، لذلك تبقى الدراسة الديموغرافية لأي وحدة جغرافية في غاية الأهمية لتحديد علاقة السكان بالموارد المتوفرة والحاجيات المطلوبة والتخطيط المستقبلي الجيد. لذلك أردنا بهذا المقال مقاربة إشكالية الوضعية الديموغرافية بالجزء الغربي للريف الشرقي.
يمكن تحوير إشكالية الدراسة حول مجموعة من الفرضيات التي تسمح برسم معالم واتجاهات البحث في خطواته النظرية والتطبيقية:
– عرف الجزء الغربي للريف الشرقي تطورا سكانيا سريعا؛
– يتميز الجزء الغربي للريف الشرقي بتركز بشري مهم؛
– يتوفر المجال على بنية عمرية فتية قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد؛
– تأثر المجال بموجات الهجرة الدولية، مما انعكس على وضعيته الديموغرافية.
- المناهج المعتمدة ومصدر جمع المعطيات
اعتمدنا في دراسة وتحليل وتفكيك إشكالية الوضعية الديموغرافية بالجزء الغربي للريف الشرقي على عمل منهجي يتكامل فيه المنهج الوصفي التحليلي بالمنهج الإحصائي؛ فمن جهة أولى قمنا بوصف الظاهرة المدروسة وتحديد أبعادها الزمنية والمجالية وتوزيعها الجغرافي، ومن جهة ثانية استندنا على المنهج الإحصائي باعتباره أسلوبا مهما في الدراسات السكانية وتتبع الظاهرة بالاعتماد على أرقام ومؤشرات. علاوة على توظيفنا للعمل الميداني الذي دعم الدراسة من خلال مجموعة من المعطيات الإحصائية، وبخصوص الأدوات فقد اعتمدنا على التقنيات الجغرافية الحديثة التي ساعدتنا في معالجة وتحليل البيانات المحصل عليها.
- تقديم مجال الدراسة
ينحصر طبيعيا المجال الذي نحن بصدد دراسته والبحث فيه، بين وادي النكور غربا ووادي كرت شرقا، كما أنه ينفتح على واجهة متوسطية شمالا ويتصل بحوض جرسيف جنوبا. وينتمي جغرافيا، كما هو معروف لدى الجغرافيين، إلى الريف الشرقي. أما من الناحية الإدارية، فيعتبر الإقليم حديث التأسيس حيث تم إحداثه وفصله عن إقليم الناظور بموجب مرسوم ملكي رقم 2.03.319 الصادر بتاريخ 11 يونيو 2009، فهو ينتمي إلى الجهة الشرقية حيث يحده إقليم الناظور شرقا وإقليم الحسيمة غربا وإقليم جرسيف جنوبا وإقليم تازة بالجنوب الغربي، وهو بذلك يعتبر مجالا انتقاليا بين الناظور والحسيمة.
خريطة 1. الموقع الجغرافي والتقسيم الإداري لمجال الدراسة
المصدر: خريطة التقسيم الإداري للمغرب 2015، عمل شخصي 2023
تبلغ المساحة الإجمالية لمجال الدراسة حوالي 2867 كلم2 أي ما يعادل 3.2% من المساحة الإجمالية للجهة و0.40% من مجموع مساحة التراب الوطني، يتكون من دائرتين: دائرة الدريوش ودائرة الريف، وثمان قيادات و3 باشويات و23 جماعة ترابية منها ثلاث جماعات حضرية. وبلغ العدد الإجمالي للسكان حسب آخر إحصاء رسمي سنة 2014 حوالي 211552 نسمة (9.16% من مجموع سكان جهة الشرق) موزعين على الشكل التالي: 55778 نسمة حضريون؛ أي بنسبة 26.36% و155774 نسمة سكان قرويون يمثلون بذلك نسبة 73.63% من مجموع سكان الإقليم.
النتائج والمناقشة
نسعى من خلال دراسة الوضعية الديموغرافية إلى إبراز أهمية حجم الساكنة وخصائصها بالجزء الغربي للريف الشرقي ومقارنتها بباقي أجزاء التراب الجهوي والوطني.
يبقى الهدف الرئيسي من دراسة حجم السكان وتوزيعهم هو تحديد العلاقة بين العنصر البشري ومؤهلات البيئة الطبيعية من أجل فهم صيرورة تطور المجتمع والحاجات الأساسية للسكان ومن ثم ظروف الاستقرار. سنقارب إشكال حجم السكان بالتركيز على ثلاثة مؤشرات أساسية؛ النمو الديموغرافي، والتوزيع المجالي، والكثافة السكانية أو درجة التركز. وسنعتمد في دراسة دينامية وحجم السكان والبنية العمرية على نتائج الإحصاءات العامة للسكان والسكنى إحصاءات: 1994، 2004 ،2014 التي تقدمها لنا المندوبية السامية للتخطيط، حيث عملنا على تجميع كل ما يفيد هذا المحور من مؤشرات وإحصاءات وقمنا بترتيبها وانتقاء منها ما يفيد موضوع أطروحتنا وتعزيزها بمعطيات العمل الميداني في إطار سد بعض الثغرات الحاصلة في المعطيات الإحصائية الرسمية المتوفرة.
يتميز سكان منطقة الدراسة بتركز وكثافة سكانية مهمة، فقد بلغ عدد ساكنة المجال حسب آخر إحصاء رسمي حوالي 211059 نسمة؛ أي ما يعادل 9.1% من مجموع سكان جهة الشرق، وبذلك فهو يحتل الرتبة السادسة على مستوى أقاليم الجهة. يتوزع السكان بشكل متفاوت بين المجالين الحضري والقروي؛ فالأخير يستحوذ على نسبة 73.5% مقابل 26.5% لصالح السكان الحضريون. وما يثير الانتباه أن عدد السكان بهذا المجال قد عرف تراجعا واضحا مقارنة بإحصاء 2004 حيث كان العدد يتجاوز 222 987 نسمة؛ أي عرف نمو سكاني سنوي سلبي قدر ب 0.5% وسيواصل الانخفاض إذ تشير تقديرات إسقاطات السكان للفترة 2014- 2030 أن العدد سيتراجع إلى ما دون 168837 نسمة في أفق 2030 (شكل رقم 1) إذن يا ترى ما السبب في هذا التراجع؟
شكل 1. تطور عدد السكان بالجزء الغربي للريف الشرقي ما بين 2004- 2014 والإسقاطات المستقبلية
المصدر: معطيات المندوبية السامية للتخطيط 2021
يعزى هذا التراجع المستمر في عدد الساكنة إلى جملة من العوامل، ترتبط بالأساس بانخفاض معدلات الزيادة الطبيعية اليوم مقارنة مع ستينيات القرن الماضي وما قبلها، ومس هذا التراجع بالأساس سكان الأرياف فقد انخفض عددهم من 178072 نسمة سنة 2004 إلى 155035 نسمة سنة 2014، بينما سكان الحضر عرف تزايدا ملحوظا حيث انتقل العدد ما بين الإحصاءين من 44915 نسمة إلى 56024 نسمة سنة 2014، كما أن لتحسن المستوى المعيشي ووعي الساكنة بتنظيم النسل أثر على هذا الوضع الديموغرافي، إلى جانب الهجرة الداخلية (الهجرة نحو المراكز الحضرية القريبة) والدولية (إلى أوروبا الغربية بالتحديد) وما لها من انعكاس على إفراغ بوادي الريف الشرقي من سكانه لحساب المدن المجاورة والمراكز الحضرية الصاعدة. وتجدر الاشارة إلى ارتفاع عدد أسر الجزء الغربي للريف الشرقي ما بين الإحصاءين الأخيرين 2004 و2014، حيث انتقل العدد من 40097 إلى 43935 أسرة، أي بمعدل بلغ 0.9% ممثلة بذلك 8.9% من مجموع الأسر بالجهة الشرقية، أما بخصوص حجم الأسر فقد عرف انخفاضا طفيفا انتقل من 5.6 أفراد إلى 4.8 أفراد سنة 2014. من ناحية أخرى تعرف أعداد السكان تباينات على مستوى الجماعات الترابية، فإلى جانب الاختلاف بين المراكز الحضرية من جهة أولى والجماعات القروية من جهة ثانية، نلمس أيضا بعض الاختلافات بين الجماعات القروية نفسها ومن إحصاء لآخر.
شكل 2. تطور عدد سكان الجماعات الترابية ما بين الإحصاءات الرسمية 1994 و2004 و2014
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط 2021
يلاحظ بناء على الشكل رقم (2) أن من أصل 23 جماعة ترابية منها 20 عرفت تراجعا في عدد سكانها ما بين 2004 و2014 في حين باقي الجماعات الثلاث عرفت زيادة طفيفة أو على الأقل احتفظت بنفس العدد الذي كان فيما قبل. هذا التراجع انعكس على مستوى معدلات النمو الديموغرافي التي عرفت هي الأخرى تراجعا واضحا خصوصا في صفوف الساكنة القروية.
يعتبر المجال الذي نحن بصدده من بين الأقاليم الشرقية التي تعرف إفراغا سكانيا من البوادي لصالح المراكز الحضرية المجاورة، فإذا كانت معظم أقاليم جهة الشرق سجلت نسبة نمو سكاني إيجابية فإن إقليم الدريوش على عكس من ذلك بحيث سجل نموا سلبيا قدر ب 0.5-% ويعزى هذا التراجع بالأساس إلى انخفاض وثيرة النمو السكاني بالأرياف والذين يشكلون غالبة سكان المجال، حيث سجل معدل النمو تراجعا واضحا يقدر ب 1.4-% مقابل نموا إيجابيا لصالح المراكز الحضرية بحوالي 2.2%.
شكل 3. توزيع معدلات النمو السكاني بالجماعات القروية بالجزء الغربي للريف الشرقي ما بين 2004 – 2014
المصدر: معطيات من المندوبية السامية للتخطيط 2021
وتجدر الإشارة إلى أن النمو السكاني في الجزء الغربي للريف الشرقي يعرف تباينا حسب الجماعات القروية (شكل رقم 3)، ففي الوقت الذي سجلت فيه بعض الجماعات نموا إيجابيا وهي جماعة أمهاجر بزيادة 11,25% وجماعة أولاد بوبكر ب 3,4% ووردانة بنسبة 0,28% فإن باقي الجماعات القروية بدون استثناء سجلت نموا سلبيا وتحتل جماعة اجرماوس الرتبة الأولى ضمن هذه الجماعات ب3.95- % (شكل رقم 3). ويفسر هذا التراجع بجملة من العوامل المتداخلة، فنجد انخفاض التزايد الطبيعي تحت تأثير ارتفاع سن الزواج وتراجع معدلات الخصوبة، بحيث سجل المؤشر التركيبي للخصوبة بالمجال معدل بلغ 1.8 طفلا لكل امرأة سنة 2014 وهو بذلك يقل عن المعدل الجهوي ب 0.3% وعن المعدل الوطني ب 0.4% بمعنى معدل الإقليم يبقى دون عتبة تجدد الأجيال المحددة في 2.1 طفلا لكل امرأة. إلى جانب هذا تعاني أغلب الجماعات من هجرة قروية مكثفة نتيجة لضعف الخدمات الأساسية وغياب التجهيزات والضغط المتواصل على المجال وموارده الشيء الذي لا يشجع على الاستقرار بقدر ما يشجع على الهجرة. وهذا الوضع ستكون له انعكاسات خطيرة على المجال مستقبلا خصوصا إذا علمنا أن أغلب المهاجرين من فئة النشيطين. مما يعني ضرورة التفكير في إنجاز مشاريع تنموية محلية على صعيد الجماعات الترابية وخلق وحدات صناعية متوسطة وصغرى لاستغلال الموارد الترابية المتاحة وتشجيع السياحة والأنشطة غير الفلاحية.
لا أحد يمكن إنكار حقيقة أهمية الفئة الشابة داخل أي مجتمع، كونها هي المحور المحرك لمختلف الديناميات؛ الاقتصادية والاجتماعية والترابية، والفاعل الأساسي في مسلسل التنمية، لأنه لا يمكن تصور تقدم اقتصاد دولة معينة بدون وجود فئة نشيطة، حتى وإن افترضنا استقدام بعض الدول للعمال من خارج حدودها فهي لا تكفي وفي الغالب تكون مكلفة، لذا فكل دولة تراهن على ما تتوفر عليه من فئة النشيطين.
شكل 4. توزيع السكان حسب الفئات الدلالية الكبرى سنة 2014
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط 2019، عمل شخصي 2023
تتميز ساكنة الجزء الغربي للريف الشرقي بهيمنة واضحة للفئات الفتية القادرة على العمل والإنتاج وفي نفس الوقت تعتبر سوق استهلاكية تساهم في الرواج التجاري وترفع من الطلب، فكما هو واضح من خلال الشكل رقم (4) فقد تبين أن الفئة التي يتراوح عمرها ما بين 15 و59 سنة تمثل نسبة 64.3% من مجموع سكان المجال، تليها فئة الأطفال أقل من 15 سنة بنسبة 24.9% بينما لا تمثل نسبة الشيوخ سوى 10.8% وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع باقي الفئات. أما بخصوص الاختلافات العمرية على مستوى الجنس فتبقى تقريبا متساوية مع بعض الاختلافات الطفيفة خصوصا القاعدة الشابة. وهذا يعني أن المجال يتوفر على طاقات شابة حيوية قادرة على إحداث دينامية اقتصادية واجتماعية خاصة والمساهمة في التنمية الترابية، وهو أمر جيد ومقبول لكن في الوقت نفسه قد يطرح عدة إشكالات مرتبطة أساسا بارتفاع نسب البطالة وعدم إشباع الحاجات الأساسية، مما يقتضي ضرورة توفير المزيد من التجهيزات والبنية التحتية من مؤسسات تعليمية وصحية بالإضافة إلى توفير فرص الشغل وإدماجها في محيطها الاقتصادي خصوصا الفئة المتعلمة والحاصلة على الشواهد العليا.
1.3. توزيع الكثافة السكانية بالجزء الغربي للريف الشرقي والعوامل المتحكمة
تكتسي دراسة الكثافة السكانية أهمية بالغة في الدراسات الجغرافية لا سيما عندما يرتبط الأمر بقياس درجة التركز البشري ومستويات الضغط على الموارد الترابية، كما تمكننا من تحديد الوزن الديموغرافي لكل مجال وأماكن الجذب والطرد. ولحساب الكثافة السكانية عادة ما نعتمد على معادلة إحصائية معروفة وهي قسمة المجموع الإجمالي لعدد سكان مجال معين على المساحة الكلية لنفس المجال. سنعتمد إذن لتحديد توزيع الكثافة على معطيات الإحصاءين الرسميين كنقطة مرجعية وعلى خريطة الكثافة السكانية.
بالرغم من الهزات الهجروية العنيفة التي شهدها المجال منذ الثمانينات من القرن الماضي ولا زالت مستمرة إلى اليوم وما أحدثته من انعكاسات على إفراغ البوادي، إلا أن الكثافة السكانية ما زالت مرتفعة في بعض الجماعات بالمقارنة مع المعدل الجهوي والوطني؛ فحسب الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014 بلغت الكثافة السكانية بالجزء الغربي للريف الشرقي حوالي 72.6 نسمة/كلم2 وهو معدل متقارب مع المعدل الوطني الذي يبلغ 83 نسمة/كلم2 ومرتفع بالنظر إلى معدل الجهة الشرقية الذي يقدر ب 25.67 نسمة/ كلم2 وبذلك يحتل الإقليم الرتبة الرابعة على مستوى أقاليم الشرق.
خريطة 2. توزيع الكثافة السكانية بالجزء الغربي للريف الشرقي سنة 2004
المصدر: معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2004، عمل شخصي 2023
يمكن التمييز داخل الجزء الغربي للريف الشرقي على مستوى الكثافة السكانية، خلال إحصاء 2004 بين أربع نطاقات رئيسية (الخريطة رقم 2) :
– النطاق الأول: كثافة مرتفعة تسجل أكثر من 200 نسمة/كلم2، تهم بالأساس المركز الحضري لبن الطيب والدواوير التابعة لجماعة ابن طيب؛
– النطاق الثاني: كثافة مرتفعة نسبيا تتراوح ما بين 140 و200 نسمة/كلم2 تشمل بالأساس الجماعات الواقعة في الشمال الغربي والجزء الغربي وهي تفرسيت، بني مرغنين، تمسمان، الدريوش وميضار؛
– النطاق الثالث: كثافة متوسطة ما بين 80 نسمة/كلم2 و140 نسمة/كلم2 والحديث هنا عن الجماعات الواقعة في الشمال والشمال الغربي للمجال وهي دار الكبداني، وتزاغين، وبودينار، وردانة، وتليليت، وأولاد أمغار وتركوت؛
– النطاق الرابع: كثافة سكانية ضعيفة لا تتجاوز 80 نسمة/كلم2 وتهم باقي الجماعات الترابية من مجال الدراسة.
يتضح من خلال هذا التصنيف أن بعض الجماعات سجلت تطورا مهما في الكثافة السكانية ما بين الإحصاءين وعلى العكس من ذلك تسجل أخرى كثافة سكانية ضعيفة حيث يبعد كل مسكن عن الآخر بمسافة مهمة نظرا لطبيعة السطح التضاريسي الوعر والتقطع الشديد في بعض الأجزاء من جماعة إجرماوس وأيت مايت وافرني التي عرفت تراجعا واضحا ما بين 2004 و2014. عموما هذا التطور في الكثافة السكانية يؤشر على تمركز السكان وارتباطهم بالأرض منذ القدم ويرجع كذلك إلى عودة المهاجرين من الجيل الأول للاستثمار والاستقرار بدواويرهم ومجالاتهم الأصلية إلى جانب بعض التدخلات والمشاريع المنجزة من طرف الدولة كشق الطرق وكهربة العالم القروي وما كان لها من آثار إيجابية على تثبيت السكان.
تتعدد العوامل المتحكمة في التوزيع الجغرافي للساكنة وتركزها في مجال دون الآخر، فنجد العوامل الطبيعية التي لها تأثير دائم في توزيع السكان، فإذا كان الجبل المركز الأول للاستيطان السكاني في تاريخ المغرب لأن الجبال كانت تلعب أدوار وظيفية مختلفة كتوفير الأمن والدفاع وأيضا تختزن ثروات ومؤهلات متنوعة، فإنه أصبحنا نلامس اليوم بعض التحولات حيث تراجع استقرار السكان بالجبل لفائدة السهل والأحواض كما هو الشأن بالنسبة لحوض تمسمان والكبداني وسهل الكرت نظرا للتدخلات التي شهدتها هذه المجالات (الكهرباء، الماء، استصلاح الأراضي). إلى جانب تركز السكان على ضفاف الأودية وبالقرب من العيون قصد الانتفاع من الماء الذي توفره. نجد أيضا عوامل أخرى مرتبطة بالتجهيزات والخدمات الأساسية حيث كلما توفرت الأخيرة في مجال ما إلا ويكون الاستقطاب السكاني مرتفع كما هو الحال بالنسبة للمراكز الحضرية وضواحيها التي تعرف كثافة سكانية مهمة. بالإضافة إلى اختيار السكان محاور الطرق الرئيسية كأفضل مواقع للاستقرار حالة دوار بوفرقوش وأزلاف ولعسارة وغيرها. ومن جهة أخرى كان لهذه الحمولة البشرية وارتفاع مستويات الكثافة السكانية، وبالتالي الضغط على الموارد المتاحة بالمجال، أثر بالغ على الحركات السكانية الداخلية والخارجية.
2.3. حركات السكان: هجرة داخلية وخارجية متواصلة
تعتبر منطقة الريف عامة والريف الشرقي بالخصوص إحدى المناطق القديمة لانطلاق تيارات هجروية مهمة سواء في اتجاه الداخل أو الخارج، وهذا المجال يعتبر اليوم من بين أهم الأحواض المغربية التي تعرف نزيفا ديموغرافيا مهولا. تعددت الأسباب التي كانت وراء هذه التحركات البشرية القوية التي شهدتها المنطقة ويمكن حصرها؛ في عوامل اقتصادية (الفقر وانتشار المجاعة، تراجع مداخيل الفلاحة) وأخرى سياسية وعسكرية معروفة باعتبار المنطقة شهدت مجموعة من الأحداث أثرت على أمنها واستقرار السكان، علاوة على الكثافة السكانية وظروف الوسط الطبيعي الصعبة.
تعود الإرهاصات الأولى للهجرة الداخلية بالجزء الغربي للريف الشرقي إلى بداية القرن 17. ففي هذه المرحلة شهدت عدة مناطق جبلية تحركات سكانية نحو المناطق المنخفضة والغنية، كما تطوع الريفيون في الجيش لتحرير مدن الريف الغربي[2]. ويقدر عددهم حسب BOSSARD ما بين 2000 و3000 مقاتل الذين استقروا بالريف الغربي وينتمي أغلبهم إلى قبائل الريف الشرقي من تمسمان وبني توزين وامطالسة وكبداني وبني وليشك وتفرسيت.[3]. وفيما بعد تعززت التيارات الهجروية نحو الجزائر خاصة مع احتلال فرنسا للجزائر منذ النصف الثاني من القرن 19، حيث كان أبناء قبائل الريف الشرقي يتوجهون إليها كل موسم حصاد للاشتغال كعمال فلاحيين في ضيعات المعمرين الفرنسيين ويعودون مجددا إلى مواطنهم الأصلية فور الانتهاء من أشغال الفلاحة في الجزائر. لأن المعمر الإسباني كان قد “ضيق الخناق على السكان الأصليين بسبب الإجراءات السياسية والاقتصادية التي تم نهجها، وبذلك فقد الريفيون مواردهم المعيشية من زراعة وصناعة تقليدية واضطروا إلى كراء سواعدهم للمعمرين الفرنسيين الموجودين بالجزائر”[4]. وقد أسهمت هذه الهجرة على الأقل في توفير موارد مالية لأفراد الأسر والعائلات المهاجرة مما مكنهم من تجاوز بعض التحديات والأزمات. وبقي الحال على ما هو عليه إلى غاية استقلال الجزائر عام 1962 وبذلك تغيرت معها وجهة الريفيون خلال السبعينيات من القرن الماضي، لكن هذه المرة نحو أوروبا التي استقطبت عشرات الآلاف من المهاجرين في إطار عقود عمل في البدايات الأولى وبعدها بالتجمعات العائلية ولازالت متواصلة إلى اليوم بأشكال مختلفة قانونية كانت أم بطرق غير مشروعة (سرية) وفي جميع الحالات فقد أحدثت تحولات ديموغرافية وسوسيو- اقتصادية مهمة بمجال الدراسة.
خاتمة
تبين لنا من خلال مقاربة الوضعية الديموغرافية أن أرياف الجزء الغربي للريف الشرقي تعرف تركزا بشريا وكثافة سكانية مرتفعة على الرغم من التراجع النسبي في عدد السكان ما بين الإحصاءين الذي يفسر بالهجرة القروية والدولية، كما خلصنا إلى أن بنية المجتمع يغلب عليها فئة النشيطين بنسبة تتجاوز نصف السكان (64.3%) ما انعكس سلبا على مستوى الضغط على الموارد الترابية وتراجع معدلات التشغيل وبالتالي ارتفاع نسب البطالة وتزايد الحاجات للتجهيزات والخدمات الأساسية، لذلك أضحى من الضروري التخطيط الجيد للمستقبل ووضع سيناريوهات واستراتيجيات فعالة للتوفيق بين الموارد الطبيعية والضغط البشري.
الإحالات:
- وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان، مديرية إعداد التراب الوطني (2000) – المجال المغربي : واقع الحال، ص 55.
- بوضيلب الحسين (2010)- الهجرة الدولية بالريف الشرقي وانعكاساتها، مقال ضمن مجلة أسيناك، عدد مزدوج 4-5، ص63.
- Bossard. R )1979( – Un espace de migration, les travailleurs du Rif oriental Province de Nador,et l’europe, Thèse de doctorat de 3ème cycle, Université de Montpellier, P 45
- زروالي علال (1999) – الوضعية الديموغرافية والبحث عن التوازن بالريف الشرقي قبل الاستقلال، مجلة كنانيش، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية رقم 28، سلسلة مجلات متخصصة، رقم 1، العدد الأول، ص202.