الذكاء الاصطناعي بين التخليق والتقنين
دكتور في الحقوق
إطار بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة
المغرب
ملخص
أصبح الذكاء الاصطناعي موضوعًا متداولًا في الوقت الراهن، مع إدماجه في العديد من التخصصات والمجالات، رغم غموضه لدى العديد من الأفراد والمؤسسات وحتى الباحثين. بسبب التطورات المتلاحقة المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة، يتطلب فهم هذا المصطلح قراءة كرونولوجية لنشأته وتطوره. يثير الذكاء الاصطناعي قضايا أخلاقية مهمة حول تأثيره على المجتمع، مما يزيد من أهمية الاعتبارات الأخلاقية والمعنوية وضبط استخدامه. يستدعي هذا الوضع التنبيه إلى مخاطر الذكاء الاصطناعي وضرورة تقنينه.
Artificial intelligence has become a prevalent topic in recent times, as it is being integrated into numerous disciplines and fields, despite its obscurity among many individuals, institutions, and even researchers. Due to the rapid advancements associated with the Fourth Industrial Revolution, understanding this term necessitates a chronological exploration of its origin and evolution. Artificial intelligence raises significant ethical concerns regarding its impact on society, highlighting the importance of ethical and moral considerations and regulating its use. This situation calls for raising awareness about the risks of artificial intelligence and the urgency of its regulation.
كلمات مفتاحية: الذكاء الاصطناعي- التخليق-التقنين-المخاطر-التحديات.
Keywords: Artificial intelligence – Creation – Regulation – Risks – Challenges.
شهدت السنوات الماضية تطوراً في كافة مجالات المعرفة والعلوم، حتى أطلق على العصر الحالي مسميات عديدة منها، عصر الانفجار المعرفي، وعصر المعلوماتية، وعصر الثورة العلمية المعرفية، وعصر حرب المعلوماتية كـقـوى تتحكم في العالم، كما أصبح تقدم الدول لا يرتبط بما تملكه من معلومات فحسب، بل وبما تستطيع تنظيمه وتوظيفه من هذه المعلومات لخدمة أفرادها.
وأضحى الذكاء الاصطناعي (Artificial intelligence) من الموضوعات التي تستقطب أكثر تغطية في جميع المجالات الأكاديمية، حيث يشهد الميدان انتشاراً واسعاً نظراً لأسباب تكنولوجية متسارعة من جهة، وأسباب اقتصادية بحتة مفتعلة من طرف الشركات من جهة أخرى، والتي تم تعزيزها بظهور البيانات الضخمة في السنوات الأخيرة.
وأصبح الذكاء الاصطناعي اليوم مفهوماً متداولاً بشكل كبير، وقد استخدم في جميع المجالات العلمية والتقنية وحتى العلوم الإنسانية، وفي ظل التضخم الذي يعيشه العالم اليوم أصبح من الطبيعي، اقتناء أجهزة ذكية، والتعامل ببرامج معلوماتية ذكية، وعادة يكون البرنامج ذكيا إذا قام تلقائيا بسلوك غير مبرمج مسبقا، حيث يستطيع من نفسه أخذ قرارات جديدة للتكيف مع حالته، وحالة محيطـه عبر الزمـن.
لكن، مهما بلغ مستوى تطور الآلة، واقترابها من التفكير والمشاعر والذكاء الإنساني، إلا أنها تظل دائما قاصرة أمام الذكاء البشري، فيكون صنعها، وبرمجتها وتوجيهها دائما تحت تَـحَـكُّـم الإنسان، وهو ما قد يؤدي أحيانا إلى السيطرة على الذات الإنسانية ورغباتها وتوجهاتها، على عملية برمجة الآلات ،في ظل الذكاء الاصطناعي، مما ينعكس بصفة مباشرة على مسار عمل هذا الذكاء، وهذا يلاحظ في الكثير من الأحيان في الاستخدامات السلبية للإمكانيات والمزايا التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، وهو ما يثير مسألة الاستخدام العقلاني والأخلاقي والقانوني للذكاء الاصطناعي في أعمالنا وحياتنا اليومية.
وتستمد الدراسة أهميتها من الموضوع الذي نتناوله، وهو الذكاء الاصطناعي ودوره في تحقيق العديد من الأهداف في الكثير من المجالات ومنها التعليم، فبالإضافة إلى كون أغلب المعاملات، تتم عبر مجموعة من التطبيقات والخوارزميات والنماذج التي تكون متضمنة في الحواسيب، والهواتف النقالة، وآلات الدفع، والأنظمة الإلكترونية وغيرها، وهو ما يستدعي ضرورة توضيح واستجلاء النطاق الأخلاقي، الذي تستخدم فيه هذه التطبيقات، مع التنبيه إلى ما يمكن أن يتم استخدامه، في إطار غير قانوني، أو غير سليم بعيداً عن المسعى الإيجابي للذكاء الاصطناعي.
وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على أهمية تقنية الذكاء الاصطناعي، في العملية التعليمية والتأصيل النظري لمفهوم الذكاء الاصطناعي، بما يسمح بمزيد من الفهم لهذا المصطلح والتطبيق في نفس الوقت، كما تسعى الدراسة، إلى تسليط الضوء على بعض الممارسات غير الأخلاقية والخطيرة التي يمكن أن يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي.
وانطلاقا من ذلك، فإشكالية الدراسة تتجلى في التساؤل المركزي الآتي، في ظل التطورات الهائلة والمتسارعة التي يعرفها الذكاء الاصطناعي، كيف يمكن وضع إطار قانوني وأخلاقي وتنظيمي لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وآمنة؟ وللإجابة عن هذه الإشكالية المركزية، تم الاعتماد في هذه الدراسة على المنهجين الوصفي والتحليلي، بحيث اعتمدنا المنهج الوصفي عن طريق مسح مكتبي لعدد مهم من المراجع المتنوعة التي تناولت الموضوع، ناهيك على المنهج التحليلي بغية تحليل بعض النماذج والمعطيات، التي تشير إلى تهديدات ومخاطر الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن ينجم عن سوء استخدامه ضرب الممارسة الأخلاقـية.
ولمعالجة هذه الدراسة ارتأينا تقسيمها إلى مبحثين:
المبحث الأول: الإطار النظري للذكاء الاصطناعي
المبحث الثاني: استخدام الذكاء الاصطناعي بين هاجس تدبير المخاطر وتحديات الممارسة الأخلاقية والحاجة نحو تقنينه.
المبحث الأول: الإطار النظري للذكاء الاصطناعي
لقد كـثر الحديث عن الذكاء الاصطناعي في الوقت الراهـن، مع إدماجه في العديد من التخصصات والمجالات، بالرغم من بقاءه غير واضح المعالم لدى شريحة كبيرة من الأفراد والمؤسسات، وحتى الباحثين كذلك، ونظراً لعدم اكتمال الضبط المفاهيمي التام لهذا المصطلح المثير للجدل، وما نجم عنه من تطورات متلاحقة ومتسارعة التي تعرفها تطبيقاته في إطار ثورة جديدة أطلق اسم الثورة الصناعية الرابعة، ولاستجلاء الغموض الذي يكتنف هذا المصطلح سنعمل على رصد قراءة كرونولوجية في نشأته وتطوره (المطلب الأول) على أن يستقر بنا الحديث عن أهمية الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: قراءة كرونولوجية رصدية لنشأة وتطور الذكاء الاصطناعي
يعد جون ما كارتي (John Mc Carthy) أول من استعمل مصطلح الذكاء الاصطناعي، حتى سُمي بأبي الذكاء الاصطناعي، الذي ينسب إليه الفضل في الذكاء الاصطناعي مع آلان تورينغ (Alain Turing)، وهوبرت (Hobert)، ومارفين مونسكي (Marvin Minsky) وآلان نُويل (Alain Newell) وغيرهم كمؤسسي الذكاء الاصطناعي[1].
لقد خطا الذكاء الاصطناعي الخطوة الأولى في سنة 1941، كمفهوم الذكاء الاصطناعي كما هو معروف حتى يومنا هذا، لم يتم تعريفه بشكل رسمي بعد، وخلال هذا الوقت لعب عالم الرياضيات والمنطق الشهير ألان تورينغ (Alain Turing) دوراً مهماً بمفهومه لآلة الحوسبة النظرية المعروفة باسم آلة تورينغ في ورقته البحثية التي نشرها في 1936[2].
في سنة 1943، لم يكن مصطلح الذكاء الاصطناعي قد صيغ بعد بشكل جيد، وقد أرسى هذا العصر الأساس لتطوير المادة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي سنوات الخمسينات بدأت المحاولات الأولى لإعداد نَمَاذج آلية قادرة على القيام بسلوكيات بسيطة، حيث كان الفكر السائد في تلك الفترة هو أن الذكاء الاصطناعي يعني محاكاة العقل، وذلك عن طريق وضع مجموعة من البرامج التي تقوم بمحاكاة عمل الشبكات العصبية للمخ وربطها معـاً، لتقوم بعملية تَـعَـلُّم بسيطة، لكن كل المحاولات فشلت.
وبناءً على هذا الفشل، تبنى فكر ومدخل آخر على يد Alain Newell & Herbert Simon حين أَفَـادا بأن الشكل الصحيح لوصف قدرات الإنسان على حل مشاكل معينة، تبدأ مع بدء الإنسان في اكتساب قدرات المقارنة بين العمليات وتحليلها إلى العناصر الأولية، عن طريق استخدام قواعد خاصة بذلك التحليل ووصفها في شكل عناصر متتالية، وبالرغم من أن هذه الأفكار، قد أعطت قفزة نوعية في التعامل مع المعرفة البشرية، والذاكرة بشكل خاص، إلا أنها أيضا لم تجد نجاحا ملحوظاً، كونها تصلح لبعض الحالات، ولا تصلح لحالات أخرى[3].
تميزت المرحلتان السابقتان، بالعمل على حل الألعاب والألغاز، وباستخدام الحاسوب، حيث تم الاعتماد على تطوير طرق البحث في التمثيل الفراغي، وقد أدى ذلك إلى تطوير النمذجة الحسابية، واستحداث النماذج الحسابية، كما سمحت النمذجة باستحداث طريقة تتمثل في اقتراح الحل واختباره، وبالتالي سهولة وضع الخوارزميات، لتمثيل الشطرنج على الحاسوب.
خلال هذه المرحلة، وخصوصاً في منتصف الستينات، واستمراراً إلى غاية منتصف السبعينات، قام العديد من العلماء بتقديم إضافاتهم في هذا المجال، فتم تمثيل المعلومات، وتم وضع نظام لفهم الجملة الإنجليزية مثل المحادثات والقصص، إضافة إلى وضع تلخيصات لما أتت به العديد من البحوث الخاصة، بمعالجة اللغات الطبيعية، والرؤية بالحاسوب والروبوتات، والمعالجة الشكلية والرمزية.
لتعرف سنوات السبعينات والثمانينات تطورات مهمة ساهمت في بروز وتطور الذكاء الاصطناعي، متمثلة في «هندسة المعرفة» و«حركة التنوير أو تعلم الآلة» وبدأت عمليات البرمجة لما يعرف باستخلاص المعرفة، ووضعها في الآلات، كإكساب هذه الأخيرة القدرة على الرؤية والحركة، ونجاح هذه الخطوات دفع بالعلماء في سنوات التسعينات إلى العودة للأفكار الأولى المتعلقة بالشبكات العصبية، ولكن الاعتماد على التطور الهائل الذي حصل في الحواسيب، من حيث السرعة، والقدرة الكبيرة على التخزين مع تطور العديد من العلوم الأخرى، كعلم شبكات الأعصاب، وهو ما ترافق مع عقد العديد من المؤتمرات العلمية بهذا الخصوص.
تميزت هذه المرحلة، بظهور عدد من التقنيات التي تعالج الكثير من التطبيقات، والتي سمحت بانتقال جزء مهم من الذكاء الإنساني إلى برامج الحواسيب، وقد اعتبرت هذه المرحلة إلى غاية التسعينات العصر الذهبي الذي أدى إلى ازدهار هذا العلم، وبالتالي ظهور كثير من نظم الذكاء الاصطناعي الحديثة وتقنياته، كالنمذجة الرمزية، وميكانيكيات معالجة القوائم، والتقنيات المختلفة للبرمجة.
وأمام التطورات المتلاحقة والمتسارعة، التي عرفها الذكاء الاصطناعي منذ فترة التسعينات إلى غاية يومنا هذا، وحتى إلى المستقبل المنظور، ازدادت حدة موجة التطورات في تقلبات وأساليب الذكاء الاصطناعي، لتشمل تطبيقات عديدة في الحياة العامة، وتصل إلى أكبر قدر ممكن من المستخدمين[4].
ومن العوامل التي أدت إلى تزايد الاهتمام، وتضاعف انتشار مفهوم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، يمكن الاستدلال بما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
- التراجع الملحوظ في تكلفة تصنيع الحواسيب الآلية والهواتف النقالة، إذ أصبحت تكلفة تصنيع هاتف أيفون 15 بروماكس في الوقت الحالي بما يقارب 558 دولاراً.
- التوسع الكبير والمتسارع في استخدام شبكة الإنترنيت والهواتف النقالة، وهذا ما أدى إلى الزيادة في مستويات عرض وتخزين البيانات بالاعتماد على تقنيات الحوسبة المحاسبية[5].
- توفير كم هائل وغزير من البيانات والمعلومات، مع إمكانية مشاركتها الواسعة باستخدام الإنترنيت، سواء عن طريق الحواسيب أو الهواتف النقالة، مما يساهم في إحداث ثورة معلومات فيها يُعرف بالبيانات الضخمة (Big Data)، والتي عرفت معدل نمو مركب مقدر بـ 20٪ سنويا منذ [6]2010.
المطلب الثاني: أهمية وأنواع الذكاء الاصطناعي ومجالات تطبيقه
تكمن أهمية الذكاء الاصطناعي، في ضرورة تواجد الآلة في حياة البشر اليومية، من خلال سعيهم إلى صنع الآلات، لتسهيل مأمورية شؤون حياتهم اليومية، فتنوعت الآلات والوظائف، لتعزز العلاقة بين البشر والآلة، وقد عمل الإنسان بشكل مستمر على الآلات التي يخترعها، بتطور نوع وطبيعة الحاجة لها، ومع التطور الهائل والتشابك والتعقيد في الوظائف والمهام في وقتنا الحالي، فإنه لا يمكن للآلات التقليدية أن تفي بالغرض المطلوب، وتتماشى مع التطورات الحاضرة والمستقبلية، وهو ما ضاعف من دور أهمية الذكاء الاصطناعي والتي يمكن توضيحها وفق العرائض التالية:
- سيعمل الذكاء الاصطناعي على المساهمة في الحفاظ على تراكم الخبرات البشرية من خلال نقلها للآلات.
- سيكون للذكاء الاصطناعي دور بارز في الكثير من الميادين منها المساهمة الفعالة في تشخيص الأمراض وتحديد الأدوية الموافقة لكل مرض، ناهيك عن الاستشارات القانونية والمهنية، والتعليم بشكل تفاعلي وكذا المجال الأمني.
- ستساهم الأنظمة الذكية في مزيد من الموضوعية في اتخاذ القرارات، نظراً للاستقلالية والدقة والموضوعية التي تتمتع بها، وبالتالي تبتعد عن شبهة الخطأ والانحياز والعنصرية.
- ستخفف الآلات الذكية الكثير من المخاطر والضغوطات عن الإنسان، بمعنى يمكن استغلالها في القيام بالأعمال الشاقة والخطيرة والتعرف عن الأماكن المجهولة، والمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة أثناء وقوع الكوارث الطبيعية.
- سيمكن الذكاء الاصطناعي من استخدام اللغات الإنسانية في التعامل مع الآلات بدلاً من لغة البرمجة الحاسوبية، مما سيتيح استخدام الآلات لمختلف شرائح المجتمع بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بعدما كان التعامل مع الآلات، مقتصراً على المختصين والخبراء.
فيما يخص أنواع الذكاء الاصطناعي: فيتم تصنيفها بالاعتماد على مجموعة من المعايير وينطوي تحت كل معيار جملة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من بينها:
- أنواع الذكاء الاصطناعي وفقا لمجال التطبيق[7]:
فوفقا لهذا المعيار فإن سوق الذكاء الاصطناعي يتضمن المجالات التالية:
* تعلم الآلة: يقصد به العلم الذي يمكن الآلة من اكتساب القدرة على ترجمة وتنفيذ التحقق من البيانات عن طريق خوارزميات متطورة بقدرات رياضية معقدة، ثم ترميزها إلى لغة تستطيع الآلة فهمها وبالتالي مساعدة الإنسان على حل جل المشكلات التي تواجهه.
* الشبكة العصبية: يتم في إطار دمج العلوم الإدراكية والآلات، وذلك من أجل تأدية مهام محددة، بناءً وانطلاقا من محاكاة آلية وطريقة عمل الجهاز العصبي للمخ.
* الروبوتات: هي عبارة عن الآلات الناتجة، عن دمج علوم الكومبيوتر وعلوم البيانات والهندسة، ويتم إنشاء الروبوتات وبرمجتها، بطريقة تمكنها من تنفيذ، عدة إجراءات بشكل تلقائي، لذلك فهي تستخدم في مساعدة البشر، في القيام بالمهام الصعبة أو المملة.
* الأنظمة الخبيرة: تتميز هذه الأنظمة بكونها تستخدم الذكاء الاصطناعي، من أجل محاكاة نظم صنع القرار القائمة على الذكاء الإنساني، وذلك من أجل التعامل مع المشكلات المعقدة، عن طريق التفكير المنطقي.
* المنطق الضبابي: هُـوَ أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي، تتولى تحليل وتعديل المعلومات غير المؤكدة، إضافة إلى التعامل مع حالات عدم التأكد، وذلك من خلال قياس وتقيـيم درجة صحة مختلف الفرضيات. ويتم توظيفه في تحليل حالات عدم التأكد، بالاعتماد على فرضيات التفكير المنطقي، الذي يقوم بها العقل البشري.
* البرمجة اللغوية العصبية: تتعلق بتطوير أساليب متقدمة، تتيح عملية تواصل وتعامل الآلات مع مختلف اللغات البشرية بسهولة، كاللغة الإنجليزية، بما فيها الترجمة والتعرف على فهم النصوص المتنوعة، والتمكن من تحليل محتواها وفهمها.
2- أنواع الذكاء الاصطناعي وفقاً لدرجات الذكاء:
* الذكاء الاصطناعي الضعيف الضيق: يشير إلى العمليات الحسابية البسيطة، التي تقوم بها الآلات الحاسبة، فهو بذلك ذكاء محدود، يستند فقط إلى الحواسيب الآلية.
* الذكاء الاصطناعي القوي الضيق: يستند هذا النوع من الذكاء، على أسس البرمجة فتكون الأنظمة قادرة على اكتساب، بعض مهارات التعلم البسيط، ومن النظم المعتمدة على هذا الذكاء ما يعرف ببرامج المساعدة الآلية كـCortana, Alexa, Siri .
* الذكاء الاصطناعي العام القوي: في هذه الحالة، تكون الأنظمة قادرة على أن تتعلم كل شيء، بدون أن تعتمد على البرمجة، إضافة إلى قدرتها على محاكاة العقل البشري بصورة كاملة، بكل ما يتضمنه ذلك من مراحل الإدراك والإحساس[8].
* الذكاء الاصطناعي الخارق: هذا النوع من الذكاء الاصطناعي، تكون الحواسيب الآلية قادرة على التفكير، تماما مثل البشر، وربما تتفوق عليهم، نتيجة لتفوق قدرات الكفاءة الفكرية للحواسيب الآلية، وهو ما ينتظر بلوغه وحدوثه في حدود سنة 2099.
- أنواع الذكاء الاصطناعي بناءً على مستوى استخدام البيانات:
تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي، في غالب الأحيان، على استخدام كم هائل من البيانات، وبالتالي تستفيد هذه الأنظمة، من تطور علم البيانات الضخمة
Big Data ، ووفقا لذلك ولمدى استخدام ومعالجة البيانات، يمكن تقسيم أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى ثلاث مستويات[9].
* تعلم الآلة: تقوم هذه النظم على استخدام العديد من الخوارزميات، من أجل محاكاة وتحديد بعض الاستنتاجات، التي تقوم على بعض المعلومات.
* التعلم العميق: تتميز هذه المرحلة بالانتقال إلى مستوى أكثر تعقيداً، من تعلم الآلة السابق، بمعنى تستلزم بنية شديدة التعقيد تحاكي العقل البشري، وذلك من خلال الشبكات العصبية التي تتمكن من التفكير واتخاذ القرارات، في ظل بيانات مفقودة أو مستوى عال من عدم التأكـد.
* الذكاء الاصطناعي: ساهم الذكاء الاصطناعي في طفرة كبيرة وواسعة الانتشار منذ 2010، كنتيجة للتطور المستمر في كل من الأنظمة التي تهم تعلم الآلة والتعلم العميق.
* مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي:
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات، من خلال الاستفادة من مزايا استخدامه، ويتيح الكثير من الكفاءة والفرص في هذه المجالات:
- الذكاء الاصطناعي في التدريس والتعلم:
الذكاء الاصطناعي لديه القدرة، على إحداث ثورة في نظام التعليم، يمكن أن يساعد المعلمين والأساتذة، في توفير تجارب تعليمية مهمة وجيدة لطلابهم، وتعزيز تحليلات التعلم، والمساعدة في إرشاد الطلبة وتوجيههم، بالإضافة إلى استخدام روبوتات الدردشة التعليمية التي تدعم الذكاء الاصطناعي لتزويد الطلبة بالدعم والتوجيه الشخصي، وبالتالي سيساعد على إنشاء نظام تعليمي أكثر فعالية وكفاءة[10].
- الذكاء الاصطناعي في علوم الحياة والصحة:
أدى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى إحداث تغييرات ملحوظة في مجالات الرعاية الصحية، والأخلاقيات البيولوجية على مر السنين، ويمكن أن تحدث تأثيرات إيجابية، من قبيل زيادة الدقة في الجراحة الروبوتية، وتحسين رعاية الأطفال المصابين بالتوحد، ولكنها في نفس الوقت تـثير شواغل أخلاقية، من قبيل التكلفة التي تنطوي عليها في سياق ندرة الموارد، في نظام الرعاية الصحية، والشفافية، التي ينبغي أن تجلبها من أجل احترام استقلالية المرضى[11]. كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأوبئة، وفهمها ومكافحتها، وقد تطور الأمر إلى اختراع تطبيقات جديدة، يمكنها تمييز الإنسان عند الحديث مع الآلة، مما يمكن من اكـتشاف العلامات المبكرة للنوبات القلبية وغيرها.
- الذكاء الاصطناعي في الأعمال:
حيث سيتم العمل على دمج الخوارزميات الخاصة، بالتعلم الآلي في الأنظمة الأساسية للتحليلات وفي أنظمة إدارة علاقات العملاء، وهو ما يسمح بالتعرف وتحديد المعلومات اللازمة عن أفضل طريقة لخدمة العملاء، مع إحداث روبوتات للدردشة في العديد من مواقع الويب للشركات المختلفة، والذي يسمح بتقديم خدمة فورية للعملاء.
- الذكاء الاصطناعي في التمويل:
يعمل ويظهر الذكاء الاصطناعي في العديد من التطبيقات الخاصة بالتمويل الشخصي في المؤسسات المالية، بحيث تتولى هذه التطبيقات، بجمع البيانات الشخصية وعرض المشورة المالية، وقد وصلت إلى درجة القيام بالتداول في بورصة وول ستريت الأمريكية، كما شهد القطاع المالي تحولاً كبيراً على مستوى قرارات وشراء الأسهم في سوق البورصة، يتم اتخاذها من قبيل الحاسبات الآلية[12].
- الذكاء الاصطناعي مجال التصنيع:
يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث ثورة الصناعات التحويلية، تشمل الزيادة في الإنتاج، وانخفاض النفقات، وتحسين الجودة، وانخفاض وقت التوقف عن العمل.
وعليه يلجأ المصنعون بشكل متزايد، إلى حلول الذكاء الاصطناعي مثل التعلم الآلي والشبكات العصبية للتعلم العميق لتحليل البيانات، واتخاذ القرارات بشكل أفضل.
وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن للمصانع إدارة سلاسل التوريد، بأكملها بشكل أفضل، بدءً من التنبؤ بالقدرة الإنتاجية إلى الجرد، من خلال إنشاء نموذج تنبؤي في الوقت الفعلي، لتقييم الموردين ومراقبتهم.
المبحث الثاني: استخدام الذكاء الاصطناعي بين هاجس تدبير المخاطر وتحديات الممارسة الأخلاقية وضرورة التقنين
يعد الذكاء الاصطناعي أحد أكثر المجالات، إثارة في عالم الكومبيوتر، ولديه القدرة على إحداث ثورة في العالم، يشير الذكاء الاصطناعي إلى تطوير الأنظمة الذكية التي يمكنها إدراك بيئتها والتعلم من الخبرة واتخاذ القرارات بناء على تلك المعرفة، تعمل هذه التكنولوجيا على إحداث تحول في العديد من الصناعات، وبالمقابل يثير تطوير الذكاء الاصطناعي أسئلة أخلاقية مهمة حول تأثيره على المجتمع، في الواقع مع هذه الموجة غير المسبوقة، التي يعرفها الذكاء الاصطناعي، أصبحت الاعتبارات الأخلاقية والمعنوية ذات أهمية متزايدة وتطرح نفسها بقوة بضرورة عقلنة وضبط مجالات عمل الذكاء الاصطناعي. لذلك فالمسألة تستدعي ضرورة التنبيه إلى مخاطر وتهديدات الذكاء الاصطناعي (المطلب الأول) بالإضافة إلى مراعاة المنظور الأخلاقي في استخدامه وإلزامية تقنينه (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مخاطر وتهديدات استخدام الذكاء الاصطناعي
يروم الذكاء الاصطناعي إلى أتمتة تشكيلة واسعة، من الوظائف والمهام المتنوعة ما بين الألعاب والمركبات ذاتية القيادة، إلى جانب الطائرات الموجهة دون طيار (Drones)، والروبوتات والأجهزة المنزلية والآلات وغيرها، وقد أشارت مؤسسة «جارتنر للأبحاث» أنه من المتوقع أنه بحلول سنة 2020، سيتم تضمين وإدماج الذكاء الاصطناعي في كافة المنتجات والبرامج، مع نمو قدرات الذكاء الاصطناعي بوتيرة سريعة، وقد أشار كذلك تقرير لمؤسسة «جارتنر للأبحاث»، بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يستخدم من قبل المتسللين لأغراض خبيثة، أي بإمكان الأشخاص المتمكنين من هذه التقنيات، من استخدام الذكاء الاصطناعي لتنفيذ هجمات إلكترونية، في مصلحة الأفراد والمؤسسات من خلال جمع المعلومات المتعلقة بالأهداف، من مختلف وسائل التواصل الاجتماعية، وغيرها من المصادر والمفتوحة للجمهور[13].
وتجدر الإشارة كذلك، أن الذكاء الاصطناعي أحد أهم وأخطر إفرازات الثورة التكنولوجية المعاصرة في العصر الرقمي، نتيجة لما انبثق عنها من تطبيقات ذكية، أثرت على مختلف مناحي الحياة، وبالتالي يكون لديها القدرة على تحليل البيانات والمعلومات والقدرة على إيجاد العلاقات، إلا أن لهذه الطفرة النوعية في تاريخ البشرية جمعاء مجموعة من الآثار والمخاطر السلبية[14] ومنها ما يلي:
أ. انتهاك الخصوصية: تعتبر الخصوصية حقا من حقوق الإنسان، فخرق الخصوصية للفرد والمجتمع، باستغلال قدرات الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يسبب ضرراً شخصياً واجتماعياً، دون وعي لحجم الكارثة التي تحيط بنا.
ب. تطوير أسلحة مستقلة: تعتبر الأسلحة المستقلة أو الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، المعروفة باسم «الروبوتات القاتلة» هي الثورة الثالثة في مجال الحروب بعد البارود والأسلحة النووية، فالتطور الذي حدث، بداية من الألغام الأرضية وصولا إلى الصواريخ الموجهة للكمبيوتر عبر الأقمار الاصطناعية، كان مجرد مقدمة لاستقلال حقيقي لمجال الذكاء الاصطناعي. وإدماجه في عمليات القتل من خلال البحث عن أشخاص معينين.
ج. فقدان الوظائف البشرية: مع نمو وازدياد وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي في كافة المجالات، سيتولى بالتأكيد العمل الذي يقوم به العمال والموظفين، ووفقاً لتقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي، من المحتمل أن تفقد قطاعات العمل 800 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم بحلول سنة 2030، ومرد ذلك إلى أن الروبوتات لا تحتاج إلى دفع الرواتب أو التأمين الصحي والاجتماعي، لذلك سيحصد أباطرة الذكاء الاصطناعي في العالم كل الأموال، مما سيوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
د. احتمالية تحليل البيانات بشكل خاطئ: كما نعلم أن للذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في تحليل البيانات، ويعود الفضل في ذلك إلى تعلم الأجهزة الإلكترونية إلى بعض برامج التدريب، التي طُـوِّرَت، لكي تعلم تلك الأجهزة كبق تكشف نمطاً معيناً وسط مجموعة ضخمة من البيانات، لكن عندما يتعلم الجهاز إنجاز تلك المهمة، فإنه يوضع قيد العمل لتحليل مزيد من البيانات الجديدة، التي لم يعمل عليها قبل ذلك.
هـ. أتمتة خطوات ومراحل الجريمة: مثل معالجة عمليات الدفع المالي، وابتزاز الضحايا.
و. هجمات التشويش المعلوماتي: سيستفيد المهاجمون من هجمات توليد المعلومات على نطاق واسع، وبوتيرة عالية الدقة، في إغراق قنوات الاتصال بالمعلومات الكاذبة، مما يُصَـعِّـب من إمكانية الحصول على المعلومات الصحيحة.
ز. قرصنة أكثر تعقيداً: من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، لتغيير الأهداف أو الأولويات والتهرب من الكشف، والاستجابة الإبداعية التفاعلية للمتغيرات.
وخلاصة القول، أن الطفرات والثورات التقنية التي يشهدها العالم في العديد من المجالات بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يجب أن تحترم الخصوصية الإنسانية للفرد والمجتمع وأن لا تلقي به في خانة الاستغلال غير الأخلاقي واللاقانوني، ونعتقد أن السلبيات الكارثية الناتجة عن سوء استخدام وتوظيف الذكاء الاصطناعي، يلقي على عاتقنا ضرورة ضبط وعقلنة استخدام الذكاء الاصطناعي، بطرق شرعية، وقانونية، وأخلاقية، وإنسانية، وهو ما سنعمل على معالجته وتوضيحه قدر الإمكان في المطلب الثاني.
المطلب الثاني: مراعاة المنظور الأخلاقي في استخدام الذكاء الاصطناعي
يثير تطور الذكاء الاصطناعي، أيضا أسئلة أخلاقية مهمة، حول تأثيره على المجتمع، أحد المخاوف الرئيسية من خلال التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على الوظائف، وعليه فالذكاء الاصطناعي له القدرة على أتمتة (automatisation) العديد من المهام التي يؤديها البشر حاليا، مما قد يؤدي إلى فقدان وظائف عديدة في بعض الصناعات.
قد يكون لذلك تأثير كبير على المجتمع، خاصة إذا لم يتم استبدال هذه الوظائف بوظائف جديدة في صناعات أخرى[15].
وعليه، فلا يمكن النظر إلى صانعي التكنولوجيا على هذا النحو، لذلك يجب أن تكون الحكومات والقطاع العام قادرين على قيادة هذه المرحلة، من خلال الاستعداد لاتخاذ إجراءات للتكيف مع هذا الواقع، وكذا التأقلم مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واستخدامها بمرونة وحذر، نحن بحاجة إلى التفكير، في التحديات غير المسبوقة، التي تُمَـثِّـلُـها التقنيات الجديدة، بدون تخطيط دقيق، يمكن للذكاء الاصطناعي، أن يضر بالفئات الضعيفة من السكان، ويؤدي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، ويزيد الفجوة الرقمية، ويقلل من فرص التوظيف والاقتصاد[16].
بالرغم من أن الثورة الصناعية الرابعة توفر فرصاً غير مسبوقة، فهي أيضا تخلق عدداً لا يستهان به من التحديات، أبرزها المهارات المستقبلية والعمل، ذلك أن كل ثورة صناعية تؤدي إلى خسارة الناس أعمالهم، بسبب تلاشي الحاجة إلى المهارات التي لديهم[17]، فقبل أكثر من 200 سنة، وفي ظل الثورة الصناعية الأولى، أدى ابتكار الآلات التي تعمل بالماء والبخار، الاستغناء عن العديد من العمال، مثل النساجين اليدويين وصانعي الجوارب. والحال نفسه مع الثورة التكنولوجية الراهنة، حيث تشير المؤشرات المبكرة إلى أن تأثيرها على المهارات والعمل سيكون أكبر، بحكم تغير طبيعة المهارات المطلوبة، عما اعتدنا أن نراه في أوقات التحول التكنولوجي الجديد.
الحاجة نحو تقنين الذكاء الاصطناعي:
إن التطورات المتسارعة والمتلاحقة، لتطبيقات الذكاء الاصطناعي وانتشارها في مجالات الحياة المختلفة، وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، التي تلقي بظلالها على حياة الناس، وسلامتهم وممتلكاتهم، فرضت على الدول، التوجه نحو وضع قوانين خاصة، بهذه التطبيقات، واستعانت بآراء الفقهاء في تشريع الضوابط، والنواظم، والأحكام القانونية، التي تنظم الذكاء الاصطناعي، عما يصدر من أفعال خطيرة أو أخطاء تسبب الأذى.
وعليه، فإن دخول استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، في مجالات الحياة الخاصة، جعل الحاجة إلى وضع الأطر القانونية، والتدابير الاحترازية، أمراً ضرورياً ومستعجلاً تفاديا للآثار السلبية، التي تحدثها هذه التطبيقات على المجتمعات البشرية، وقد بَـيَّـنَ معهد Al Now مدى ضرورة وضع إطار عمل أخلاقي وتشريعي محكم لعمل الذكاء الاصطناعي، بالشكل الذي لا يكون فيه مصدراً لإيذاء، أو تهديد للإنسان[18].
ورغبة من المشرع الأمريكي لمواكبة التطور الهائل في المجال التكنولوجي[19]، فقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية، في دجنبر 2018 تشريع «قانون مستقبل الذكاء الاصطناعي وآفاقه في العالم»، وهو أول قانون فيدرالي، يتمحور حول الذكاء الاصطناعي وبناء على هذا القانون، أنشأت لجنة مختصة، لدراسة جميع حيثيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإصدار القرارات الخاصة بها، ودراسة آثار استخدامها على القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية، بناء على دراسات قانونية عدة في هذا المجال بـ 17 ولاية أمريكية، وفي نفس السياق، أقر المجلس التشريعي لولاية إلينوي الأمريكية في ماي 2019 قانون إجراء المقابلات باستخدام الفيديو بالذكاء الاصطناعي، في عمليات التوظيف[20].
أما في ما يخص المشرع البريطاني، فقد قام مجلس اللوردات البريطاني في يونيو 2017 بتعيين لجنة مختارة حول الذكاء الاصطناعي، للنظر في الآثار الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية للتطورات في مجال الأنظمة الذكية، وأصدرت اللجنة أول تقرير لها في أبريل 2018، الذي وضع ضوابط تحكم الذكاء الاصطناعي، في إطار السياسة الصناعية البريطانية، فأخضعت الذكاء الاصطناعي للمساءلة القانونية وكل الأطراف المرتبطة به[21].
وفي نفس السياق، نجد البرلمان الأوروبي في عام 2018 قد حذا حذو سابقيه المشرعين الأمريكي والبريطاني، بحيث اقترح على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وضع تشريع بشأن الجوانب القانونية لتطوير استخدام الروبوت، والذكاء الاصطناعي، تماشياً مع التوجه الدولي، لتقنين الذكاء الاصطناعي، ووضع ضوابط حاكمة لنشاطاته، وأخطائه المحتملة، وفي فبراير 2018 اعتمد البرلمان الأوروبي المنعقد في ستراسبورغ الفرنسية قرارا جديدا، بشأن سياسة صناعية أوروبية شاملة، بشأن الذكاء الاصطناعي، في هذه الوثيقة المليئة بالأفكار الرائعة، حول هذا التطور التكنولوجي الكبير، يصر البرلمان على الحاجة إلى وضع إطار قانوني للذكاء الاصطناعي والروبوتات، بناء على تحديد المبادئ الأخلاقية، مع استحضار أهمية أن تكون أوروبا رائدة في هذا الحقل[22].
وفي ما يخص تقنين الذكاء الاصطناعي بالمغرب، فإن هناك حاجة للقيام بتفكير عميق بشكل جماعي مع الدول، بهدف التصدي لسلبيات الذكاء الاصطناعي، مع الحرص على وضع أنظمة صدٍّ في هذه المرحلة الانتقالية، لأننا لا نستطيع الوثوق في قرارات المبادلات الخوارزمية بشكل كامل. لذلك فإن مسألة التقنين بالمغرب ستكون سابقة في المنطقة، ومن شأنها أن تجعل المغرب من التجارب الرائدة، في هذه التكنولوجيا بالقارة الإفريقية.
ونخلص إلى أن، بلوغ درجة الريادة في المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي، قد يفرز عقد تحالفات، مع كبريات الشركات في هذا المجال، من قبيل غوغل وأمازون وميتا، مع دول إفريقية أخرى، لأن البقاء في هذا العالم، رهين بتضافر جهود الجميع.
خـاتـمـة:
نخلص في الختام إلى أن الذكاء الاصطناعي هو تقنية سريعة التطور، ولديها القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي نعيش ونعمل بها، ومع ذلك، فإن تطور الذكاء الاصطناعي، يثير أسئلة أخلاقية وقانونية مهمة، حول تأثيره على الفرد والمجتمع مـعا،ً وتتجلى المشكلات التأثيرية المحتملة للذكاء الاصطناعي في الوظائف، والتمييز والتحيز، الخصوصية، احتمال الاستخدام الحضاري للذكاء الاصطناعي.
وفي ظل الغموض الذي يحيط بمفهوم الذكاء الاصطناعي، بحيث لا يوجد في القوانين ولا في التشريعات، أي تعريف جامع مانع وصريح للذكاء الاصطناعي، يمكن الاعتماد عليه في تحديد شخصية الذكاء الاصطناعي. لذلك آن الأوان بضرورة تقنين مفهوم الذكاء الاصطناعي وتعريفه تعريفاً قانونياً، مع قيام مسؤوليته ومحاسبته عن أخطائه، وبالتالي إنزال العقوبات على شخصيته القانونية أي كان نوعها.
الإحالات:
[1] Elliot, N.K, & Onuado, F.F ; The Role of Artificial intelligence (AI), in the Near Future, 2019, p. 92.
[2] Mehebub Alain and Mera Al Hassan, Applications and futur prospects of Artificial intelligence in Education, international journal of humainties and social science studies (IJHSSS), volume X, Issue I, published by scholar publications, karimganj, Assam, India January 2024, p. 198.
[3] – وسيلة سعود، الذكاء الاصطناعي وتحديات الممارسة الأخلاقية، مجلة نماء الاقتصاد والتجارة، المجلد 07، العدد 02، دجنبر 2023، ص 3.
[4] عبد الهادي زين، الذكاء الاصطناعي والنظم الخيرة في المكتبات، الطبعة الأولى، المكتبة الأكاديمية، 2000،
ص 22.
[5] Ernest, Ekkechard ; The economics of artificial intelligence : implications for the futur of work, international labour organization, frist published 2018, p. 5.
[6] El Saadani, A. Pivatung with AI : How Artificial intelligence candrive deversification in the Middle East, consulté le 2022, sur accenture consultant http://www.accenture.com/- acnmedia/pdf-77/accenture-impact-ai-gdp-middle-east.pdf.
[7] Tyagi. N ; 6 Major Branches of Artificial intelligence (AI), consulte le 24/04/2020 sur Analytic steps : https://www. Analytic steps.com. blogs/6- major- Branche- – artificial-intelligence- ai
[8] Hintze .R, 2016 Understanding the four types of artificial intelligence consulte le 15/10/2022, sur gouvernement technology : https://www.govtech.com/compting understanding-the-four-types-of-Artifical-intelligence-html.
[9] وسيلة سعود، مرجع سابق، ص6.
[10] إسماعيل ياسين حسن، الذكاء الاصطناعي في التعليم، منشورة في موقع لنكد لن بتاريخ 11 شتنبر 2023، ص 1. تاريخ الولوج: 02 ماي 2024 على الساعة الواحدة وعشرون دقيقة.
[11] اللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية ومنظمة اليونسكو، دراسة آلية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، الملحق، منشورة بتاريخ 26 فبراير 2019- باريس- فرنسا- ص 12.
[12] ماكس تيجمارك، الحياة في طبعتها الثالثة: الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي Dns ، مجموعة مؤلفين، الثورة الصناعية الرابعة: بين البلوكشتين والعملات المشفرة، الإمارات العربية المتحدة، قنديل للطباعة والنشر والتوزيع، 2018، ص 5.
[13] شهاب أشرف، الذكاء الاصطناعي يهاجم الذكاء الاصطناعي، مجلة الأهرام والإنترنيت والاتصالات، العدد 2013، شتنبر 2018، ص 19.
[14] حسام الدين فياض، في الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية (رؤية تحليلية- نقدية)، منشورة في موقع الحوار المتمدن، بتاريخ 24 فبراير 2023، على الرابط:
https://m.ahewar-org/s-asp?aid=7
[15] روبرتوفراغامارتينيز، الذكاء الاصطناعي: التطور والقضايا الأخلاقية المرتبطة به رسالة ماجيستر في إدارة الأعمال، نشرت في 13 مارس 2023، ص 5.
[16] عماد عبد الرحيم الدحيات، نحو تنظيم قانوني للذكاء الاصطناعي في حياتنا، إشكالية العلاقة بين البشر والآلة. مجلة الاجتهاد للدراسات القانونية والاقتصادية، المجلد 8، العدد 05، 2019، ص 35.
[17] بلفار شوقي وقنديس أحمد، استخدام الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، ملتقى دولي حول «طرق وأساليب استخدام التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية: الواقع والتحديات» نظمت يومي 06 و07 فبراير 2021 بكلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة أحمد دراية- أدرار، ص 8.
[18] Al Now institute : Al Now report 2018, New York university 2018. P 29.
[19] Bundy, Alain ; preparing for the futur of Artificial intelligence, volume 32, 2017, p. 285.
[20] The National conference of state legislatures NCSL (2022) : legislation related to artificial intelligence, official website/updated August 26, 2022 link : hHps :www. Nesl.org/technology-and communication l’égislation- related- to- ortificial- intelligence- lastvisit mai 1rd 2024.
[21] Select committee on Artificial intelligence (2017) AI in the UK : ready, withing and Able ? Report of session 2017. 19 Hause of lords ; p. 107.
[22] Résolution du parlement européen du 12 février 2019, sur une politique industrielle européenne globale sur l’intelligence artificielle et la robotique (2018/2088 (INI)).