العدول عن أصل الترتيب في مكوّنات الجملة الفعلية العربية
من التفسير النحوي إلى التفسير اللساني المعاصر: دراسة مقارنة
باحث في سلك الدكتوراه
اللسانيات التطبيقية والإعداد اللغوي
كلية اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل
أستاذ اللسانيات
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
كلية اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل
ملخص
تُعالج هذه الدراسة موضوع تفسير ظاهرة العدول عن أصل الترتيب في رتبة مكوّنات الجملة الفعلية في اللغة العربية، وذلك من خلال مُقاربتين، مقاربة لسانية توليدية، ومقاربة لسانية وظيفية، وقد توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج، منها: أنّ المقاربة اللسانية التوليدية التحويلية قدّمت تفسيرا يرى أنّ ترتيب الجمل يبدأ في مستوى البنية العميقة، وهي بنية ذهنية، ثم تمر الجملة عبر مجموعة من المكونات التي تروز اشتقاقها، ثم تظهر في مستوي البنية السطحية، وتطرأ عليها تحويلات تُغيّر ترتيب مكوّناتها وفق قيود تركيبية، خاضعة لقواعد مُركبية، وقواعد تحويلية. في حين قدّمت الـمقاربة اللسانية الوظيفية، في إطار نظرية النحو الوظيفي الـمُؤسس تداوليا، تفسيرا للعدول عن أصل الترتيب، يقوم على افتراض مستوى ثالث تُمَثل فيه مُكونات الجملة، وهو مستوى الوظائف التداولية؛ حيث يتمُّ ترتيب مكونات الـجملة وفق الوظائف التداولية التي تُسند إليها.
This study deals with the subject of explaining the phenomenon of reversal of the origin of the order in the rank of the components of the actual sentence in the Arabic language, through two approaches, a generative linguistic approach, and a functional linguistic approach, and the study has reached a number of results, including: The generative linguistic approach transformative provided an explanation that sees that the order of sentences begins at the level of the deep structure, which is a mental structure, then the sentence passes through a set of components that derive it, then appears at the level of the surface structure, and changes occur Arranging their components according to structural constraints, subject to compound and transformative rules. While the functional linguistic approach, within the framework of the pragmatic theory of functional grammar, provided an explanation for the reversal of the origin of the order, based on the assumption of a third level in which the components of the sentence are represented, which is the level of deliberative functions, where the components of the sentence are arranged according to the deliberative functions assigned to them.
كلمات مفتاحية: العدول – الرتبة – التفسيري اللساني التوليدي – التفسير اللساني الوظيفي.
Keywords: Audul – Order – Generative linguistic interpretation – Functional linguistic interpretation.
حظي مفهوم الرتبة في الدراسات اللغوية القديمة والحديثة باهتمام كبير، غير أنّ ذلك الاهتمام لم يحقق الكفاية العلمية المرجوة منه، والمتمثلة في الوصول إلى حل نـهائي للإشكال الذي يطرحه والحسم فيه، خاصة مع تطور اللغات، وتطور بنيات العدول عن أصل الترتيب فيها، ومنها اللغة العربية؛ حيث ظلت التفسيرات التي قدّمها العلماء تختلف باختلاف الخلفيات النظرية التي يصدر عنها كل عالم لغوي في أثناء مقاربته لـموضوع رتبة العناصر اللغوية في الجملة العربية. إسهاما في تعميق البحث حول هذه الإشكالية تسعى هذه الدراسة إلى ردم الهوّة المعرفية بين المنجز النحوي العربي القديم والـمنجز اللساني العربي الـمعاصر بخصوص ما تمّ تقديمه من اجتهادات تصفُ وتفسّرُ ظاهرة العدول عن أصل الترتيب، ولتحقيق هذا المسعى ننطلق من الأسئلة الآتية: ما النظريات اللسانية الـمعاصرة التي عالجت تنوّع الرتبة في اللغة العربية؟ وما التفسير الذي قدّمه النُّحاة القدماء، وكيف فسّر اللسانيون المعاصرون التحولات التي تطرأ على بنية ترتيب عناصر الجملة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الأخرى الـمتناسلة من رحمها الإشكالي، قسّمنا هذه الدّراسة إلى محورين: خصصنا الـمحور الأول الرتبة في اللسانيات المعاصرة. أما المحور الثاني فقد بحثنا فيه عن التفسير الذي قدّمه النحاة واللسانيون للتغيرات التي تطرأ على ترتيب عناصر الجملة، انطلاقا من الأصول النظرية لاشتقاق الجمل، وذلك قصد تعليل تلك التغيرات، وإبراز ما يتصل بالمستوى اللغوي المحض وبالمستويات التداولية الحافة بالوقائع اللغوية، ثم ختمنا الدراسة بخاتـمة استخلصنا فيها جملة من النتائج التي توصلت لها، وفتحنا وآفاق البحث في الموضوع ذاته اعتقادا منا بأنّ ظاهرة العدول في نظام اللغة نسقا واستعمالا، لم تبُحْ بكامل أسرارها، الأمر الذي يجعل البحث فيها مستمرّا.
1- الرتبة في اللسانيات العربية المعاصرة
اهتم اللسانيون العرب بدراسة رتبة عناصر الجملة ضمن مشاريعهم اللسانية في سياق تطبيقهم للنماذج النظرية التي أفرزتها اللسانيات الغربية، وقد نتج عن تلك الدراسات اختلافٌ في النتائج والأنماط المستخلصة لوصف وتفسير ظواهر اللغة العربية، ومنها ظاهرة الرتبة. ومردُّ ذلك الاختلاف إلى نموذجين لسانيين مختلفين على مستوى الخلفية النظرية لدراسة اللغة، نلمس النموذج الأول في النظرية اللسانية الوظيفية، خاصة في نموذجها المُؤسّس تداوليا ([1]) ويَكْمُنُ النموذج الثاني في النظرية اللسانية التوليدية المُؤسّسة على النحو التوليدي الصّوري ([2])، وقد انطلق النموذجان من أسئلة وإشكالات، منها:
- ما الرتبة الأساس في اللغة العربية؟ وما مظاهر الاختلاف بين رتبة البنية العميقة ورتبة البنية السطحية؟
- هل يمكن توحيد الجملة الاسمية والجملة الفعلية في نمط تركيبي واحد، ومنه تجاوز التقسيم الذي وضعه النحاة العرب القدماء إلى جملة اسمية وفعلية وظرفية؟
طُرحتْ هذه الأسئلة وغيرها، لتحقيق غايتين:
- دراسة رتبة عناصر الجملة العربية من أجل تنميطها ومقارنتها مع رتبة عناصر الجملة في اللغات الطبيعية الأخرى، مثل الفرنسية والإنجليزية ([3]).
- تحديد نوع الرتبة في الجملة العربية، هل هي (فعل+فاعل+ «مفعول به») أو (فاعل+فعل+ «مفعول به»)
- رتبة الجملة في اللسانيات التوليدية: الرتبة الـمقيّدة
انقسم رواد اللسانيات التوليدية في العالم العربي إلى قسمين، هما:
يرى القسم الأول أنّ رتبة عناصر الجملة في اللغة العربية هي من نمط (فعل-فاعل-مفعول به) ويمثّل هذا الرأي كل من عبد القادر الفاسي الفهري ([4]) وخليل عمايرة ([5]) وميشيل زكريا ([6]).
ويرى القسم الثاني من اللسانيين التوليديين أنّ رتبة عناصر الجملة هي من نمط (فاعل-فعل-مفعول به) ويختص بهذا الرأي كلّ من داود عبده ([7]) وحلمي خليل والرشيد أبو بكر ([8]).
1-1-1- رتبة الـمكونات في الطّرح التوليدي: فعل-فاعل-مفعول
تبنّى هذه الرتبة عبد القادر الفاسي الفهري في دراسته لرتبة عناصر الجملة العربية، وذلك بالاستناد إلى أساس توليدي، من خلال التمييز بين الرتبة الموجودة في البنية العميقة والرتبة الموجودة في البنية السطحية، يقول الفاسي الفهري: «فالرتبة الموجودة في البنية العميقة، مثلا، تختلف عن الرتبة في البنية الوسيطة، علما أن الرتبة التي يمكن ملاحظتها هي الرتبة السطحية، ومن هنا يتبيّن خطأ من يسوّي بين مفهوم نظري كمفهوم الرتبة العميقة، ومفهوم عفوي غامض كمفهوم الرتبة الأصلية، وهو مفهوم نجده متداولا عند كثير من اللغويين دون تحديد أو تعريف، وغالبا ما يحيل على رتبة غير موسومة دلاليا أو ذريعيا»([9]) وعلى أساس هذا التمييز صرّح «الفاسي الفهري» أنه يتبنّى رتبة (فعل-فاعل-«مفعول([10])») وهي الرتبة التي أقرّها النحاة القدماء، حيث قال: «معلوم أن البنية الأصل في الجملة العربية هي من نمط (فعل-فاعل-مفعول)» ([11]) ودعّم تصوّره بنوعين من الحجج، حجج متصلة بمكوّنات الجملة ورتبها، وحجج متصلة بالرتبة في المركبات الأخرى مثل المركب الاسمي، والمركب الحرفي والمركب الوصفي، فعلى المستوى الأول تنحصر الحجج الأولى في الآتي([12]):
- الحجة الأولى تكمُنُ في اللبس المحتمل في الجمل التي يحضر فيها الفاعل والمفعول بدون إعراب الحركات البارز، مثل:
- – أ – ضرب عيسَى مُوسَى
ب- ضرب موسى عيسى
فـ«عيسى» فاعل بالضرورة في الجملة (1-أ) و«موسى» فاعل بالضرورة في الجملة (1-ب)، أما عندما يبرز الإعراب فالأمر بخلاف ذلك، مثل الجملة (2):
(2) – ضرب مُوسَى زيدٌ
- الحجة الثانية تتجلى في رتبة الضمير ومفسّره؛ فقد رأى الفاسي الفهري أنّ القيد الذي أوجبه النحاة القدماء يقضي بأن مفسّر الضمير يجب أن يتقدّم عليه إما لفظا أو رتبة، مثل:
(3) – أ – (وإذِ ابتلى إبراهيمَ ربُّهُ)
ب- دخلَ مكتبَهُ زيدٌ
فعملا بالقيد التركيبي لعود الضمير على مفسّره لفظا ورتبة، يجعلنا لا نقرّ بصحة الرتبة في الجملة (4) الآتي:
(4) – أ- وإذِ ابتلى ربُّهُ إبراهيمَ ❊
- لأنّ مفسّر الضمير «إبراهيم» تأخر عن ضميره «ـه» لفظا ورتبة، وهذا يجعل الرتبة في البنية (4-أ) بنية لاحنة❊([13])، ووجود هذا النمط يؤكد صحة ما زعمه الفاسي الفهري بخصوص الرتبة من نمط (فعل-فاعل-مفعول) فهو يرى توسّط (الفاعل) بين الفعل والمفعول به هو أساس صحة افتراضه ذلك أنه «لو كان الأمر يتعلق بجمل تحوي فعلا لازما لأمْكنَ افتراض نوع من قلب الفاعل أو نقله من موضع قبل الفعل إلى موضع بعده» ([14]).
- أما الحجة الثالثة فيجعلها الفاسي الفهري في التطابق بين الفعل والفاعل من حيث الجنس والعدد؛ فالفعل يطابق الفاعل إذا تقدّم عليه في الرتبة الخطية للجملة، وإذا لم يتقدّم عليه فإنه لا يطابقه، ويمثل له بالجمل الآتية:
(5) – أ- جاء اللاعبون
ب- اللاعبون جاؤوا
ج- جاؤوا اللاعبون❊
يرى الفاسي الفهري أنّ الفعل لا يطابق الفاعل في الجملة (5-أ) في العدد، بينما الفاعل في الجملة (5-ب) تقدّم على الفعل، والفعل يطابقه في العدد والجنس، وهذا يؤكد أنّ رتبة العناصر في (5-أ) رتبة أصلية مستقلة عن نظيرتها في (5-ب)، بخلاف البنية في (5-ج) التي تعدّ جملة لاحنة لأنّ الفعل إذا تقدم الفاعل لا يطابقه.
أمّا على المستوى الثاني، فإنّ الفاسي الفهري يؤكد تصوره لرتبة (فعل-فاعل-مفعول) من داخل نظرية (س/خط)([15]) والتي صيغت فيها القواعد الـمُركّبيّة التي تقضي بوجود مركب اسمي، ومركب وصفي، ومركب حرفي، وفيها يقول: «العربية يرد فيها الاسم رأسا في صدر المركب الاسمي، والحرف رأسا في صدر المركب الحرفي، والصفة رأسا في صدر المركب الوصفي (…) فإذا عممنا هذا المبدأ ليشمل الجملة (على اعتبار أنّ الفعل رأس للجملة) أمكن أن نقول إنّ الفعل في صدر الجملة هو أصل الرتبة، كسائر الرؤوس الأخرى التي توجد في صدر مركّباتها، اذن افتراض النمطية المذكورة يمكننا من تبسيط القواعد المقولية للغة العربية وصياغة مبدأ عام ينتظمها، وهذا المبدأ هو:» ([16]):
–> الرأس في الصدر الجملة
وتطبيقا لهذا المبدإ أضاف الفاسي الفهري قاعدة مقولية خلافا للقاعدة المقولية التي أوردها «تشومسكي» على الشكل التالي ([17]):
القاعدة المقولية (1) تشومسكي:
ج ← م س صُرفة مفعول؛ حيث (ج) تعني جملة، و (م س) تعني مركب اسمي، وهو رأس الجملة.
القاعدة المقولية (2) الفاسي الفهري:
ج ← ف-م س- م ح؛ حيث (ج) تعني جملة، و (ف) تعني فعل، وهو رأس الجملة ([18]).
تطبيقا لهذا المبدأ تصبح رتبة عناصر الجملة (7) الآتية رتبة أصلية رأسها الفعل (قرأ):
(6) – قرأ خالد الصحيفة/ فعل-فاعل- مفعول به
أما التغيرات التي تطرأ على هذه الرتبة، فقد سعى «الفاسي الفهري» إلى وصفها وتفسيرها في إطار شامل يضم مختلف البنيات التركيبية المحتملة، مع محاولة نمذجتها توليديا وذلك بناء على أساس توليدي لا تحويلي، في هذا السياق اقترح في إطار المقاربة القاعدية basic approach تصورا ينحو إلى وصف البنيات التركيبية للجملة التي وصفت في النحو العربي بأنها بنيات مختلة بما في ذلك البنيات الاستفهامية التي تضم أدوات الاستفهام (الهمزة-هل) والبنيات الناسخة (أنّ-إنّ..) وأنّ هذه البنيات تولد رتبها قاعدة مُركّبية لا تحويلية، من قبيل:
القاعدة المركبية (1): ج ← مص ← ج/ حيث يشير (مص) إلى المركبات الـمصدريّة، مثل الجملة:
(7) – أ – منْ ضربَ منْ بـماذا؟
ويعلّق عليها قائلا «الواقع أنّ المكان الذي تنتقل إليه هذه المركبات هو موضع خارج الجملة (خارج ج) وهو المكان الذي تولّد فيه الحروف المصدرية أو الحروف الناسخة، (كأنّ وأنّ وكذلك حروف الاستفهام: هل والهمزة» ([19]).
ويميّز بين ما يسمّيه ب «التبئير Focalization» و «التفكيك dislocation» منطلقا من قاعدة مركّبية، هي([20]):
القاعدة المركبية (2): ج ← بؤرة ←ج
فالتبئير حسب الفاسي الفهري هو «عملية صورية يتم بمقتضاها نقل مقولة كُبرى (مثل المركبات الاسمية أو الحرفية أو الوصفية…) من مكان داخلي، أي داخل الجملة، إلى مكان خارجي، أي خارج الجملة، أي مكان البؤرة» ([21]) كما هو موضّح في القاعدة المركبية (2) أعلاه، ومن أمثلة التبئير الجمل الآتية:
(8) – أ- إياك نعبدُ
ب- إياك أقصدُ
ج- اللهَ أدعو
د- في الشارع رأيتهُ
هـ- أَغدا سنلتقي
وفق التحليل الذي يقدّمه الفاسي الفهري فإنّ العناصر (إياك-اللهَ-في الشارع- أغدا) في الجمل (8) تقع خارج الجملة، لأنها منقولة من مكان داخلي يقع في حيّز الجملة إلى مكان خارجي بواسطة ما سمّاه ب «تحويل النقل»([22]) وتحويل النقل، هذا، كما صاغه الفاسي الفهري، ليس تحويلا حرّا، بل مقيدا بمجموعة من القيود تضمن سلامة النقل، ومنه سلامة الجملة، وتلك القيود هي:
- قيود على المكان المصدر، أي المكان الذي تنطلق منه المقولة المنقولة؛
- قيود على المكان الهدف، وهو المكان الذي ستتجه له المقولة المنقولة؛
- قيود على ميدان التحويل؛
- قيود على صورة التحويل.
وداخل مقترح التبئير، اقترح أيضا ما سـمّاه بـ«الـخفق Scrambling» وهو «تغيّرات تحدث بعد الفعل وتغيّر محليا رُتَب الفضلات» ([23]). وفي هذا الاقتراح يتم التـمييز بين تقديم يحصل بعد الفعل، وتقديم يحصل قبل الفعل، لأنّ الفرق بينهما يكمن في تطبيق قاعدتين هما: قاعدة الخفق للتغير بعد الفعل، وقاعدة الموضعة للتغيير قبل الفعل، كما في القاعدة المركبية (3):
القاعدة المركبية (3) الخفق: ج ← فعل – م س — م س
فاعل — مفعول به
مفعول — فاعل
تمثل الجمل (9) الآتية الفرق بين قاعدة الخفق وقاعدة الموضعة:
(9) – أ- قرأ خالد الصحيفة
ب- قرأ الصحيفة خالدٌ
ج- أَالصحيفةَ تقرأ؟
تمثل الجملتان (9-أ-ب) التغيير الناتج عن تطبيق قاعدة الـخفق؛ حيث تم الرتب بعد الفعل، وهذا التغيير لا يؤثر على البنية المنطقية للجملة حسب الفاسي الفهري، أما الجملة (9-ج) فهي مولّدة عن قاعدة الموضعة؛ حيث تم نقل المركب الاسمي إلى ما قبل الفعل.
أمّا التفكيك، فهو نوعان عند الفاسي الفهري «تفكيك إلى اليمين، وتفكيك إلى اليسار» ([24]) بحيث يكون محور التفكيك هو الجملة (ج) ويشترك مع التبئير في «تحويل النقل» غير أنّ العناصر المنقولة تبئيريا لا تترك أثرا، بخلاف العناصر المنقولة تفكيكيا التي تترك أثرا ضميريا في الموضع الـمنقولة منه، نمثل لذلك بالجملتين الآتيتين:
(10) – أ- الكتاب قرأتهُ
ب- قرأته الكتابُ
تبعا لـمقترح الفاسي الفهري، نلاحظ أنّ العنصر الـمفكّك (الكتاب) إلى اليمين في (10-أ) وإلى اليسار في (10-ب) ترك أثرا ضميريا للمقولة المنتقلة في الموضع الـمنقولة منه، وبهذا يكون التفكيك ينتمي في إطار «تحويل النقل» إلى القواعد الناسخة ([25]) التي تعيد ترتيب مكونات الجملة، وإنْ قيد «ترك الأثر الضميري» ليس شرطا مطلقا، لأنّ هناك بعض البنيات تفكك إلى اليمين أو إلى اليسار ولا تترك أثرا، مثل الجملة (11):
(11) – أ- نعم الصديق الكتاب
ب- الكتاب نعم الصديق
فـالعنصر «الكتاب» المفكك إلى يمين الجملة ويسارها، لم يترك أثرا ضميريا، وهذا دفع الفاسي الفهري إلى القول بأنّ العنصر المفكك الذي لـم يترك أثرا في المكان الـمنقول منه، لا يولد تحويليا، بل يولد خارج الجملة أصلا كما في (11-ب)، وقد استنتج في الأخير إلى أن المقاربة القاعدية للتفكيك تحتاج إلى قاعدة تأويلية، يؤوّل في ضوئها المكان الذي تسطحُ في المكونات المفككة. وبالتالي فهي لا تنتمي إلى نحو الجملة، بل -حسب تعبير الفاسي الفهري- تنتمي إلى «نحو الخطاب discourse grammar أو إلـى الـمكوّن الذّريعي pragmatic component» ([26]).
1-1-2- رتبة الـمكونات في الطّرح التوليدي: فاعل-فعل-مفعول
تبنّى هذا النمط الترتيبي لمكونات الجملة «الفعلية» في اللغة العربية «داود عبده» مستندا إلى القواعد التحويلية ([27]) مبينا أنّها ليست معقدة، وأنها كفيلة بتحديد أصل الرتبة بين مكونات الجملة في اللغة العربية، وقد استند في طرحه إلى أربعة حجج، هي ([28]):
- الفعل والمفعول مكوّن تركيبي واحد:
يقدّم «داود عبده» هذه الحجة في سياق إثبات وجود المركب الفعلي الذي يجمع بين (الفعل-المفعول) في مكوّن واحد في نحو اللغة العربية، ويكون هذا المكوّن مولدا في قاعدة تحويلية جُمَلية، من قبيل:
قاعدة تحويلية (1): ج ← فاعل ← فعل – مفعول
ويبرهن على صحة هذا الـمقترح من خلال دراسة هذا المكوّن في أربع مستويات يلتقي فيها الفعل بالـمفعول، في المستوى الأول، يؤدي اعتبارهما مكونا واحدا إلى «الاستغناء عن قاعدة إلحاق ضمير المفعول به بالفعل (…) وفي المستوى الثاني، يظهر المفعول به إذا كان ضميرا ملتصقا بالفعل، ولا يجوز الفصل بينهما، (…) وفي المستوى الثالث المعادلة بين المكوّن (فعل-مفعول) والمكوّن (المضاف-المضاف إليه) إذا استعمل اسم الفاعل بدل الفعل في التركيب الإضافي (…) وفي المستوى الرابع من الممكن أن تحلّ كلمة واحدة محل الفعل والـمفعول دون أن يتغيّر المعنى»([29]) يمكن التمثيل لهذه المستويات بالجمل المدرجة في المجموعات الآتية:
(12) – أ- المذيع قرأها قبل ساعة
ب- قرأها المذيع قبل ساعة
ج- المذيع قرأ قبل ساعة ها ❊
د- قرأ المذيع ها قبل ساعة ❊
هـ – قرأ المذيع قبل ساعة ها ❊
(13) – أ- المذيع قرأ الصحيفة
ب- المذيع قارئ الصحيفة
ج- المذيع قارئها
(14) – أ – النائمُ رأى حُلما
ب- النائمُ حلمَ
تبيّن الجمل في المجموعة (12) أنّ (الفعل-المفعول) مكوّن جُمَلي واحد كما في (12-أ-ب) وهما جلمتان سليمتان قد اقترن فيهما الفعل بضمير الـمفعول، بينما الجمل (12-ج-د-هـ) جمل لاحنة لأنّ ضمير المفعول جاء مفصولا عن الفعل، وهذا لا يجوز لأنّ الفاعل اسم ظاهر في الجملة، غير أنّ «داود عبده» لا يتحدث في هذا التحليل عن موقع الفاعل هل قبل الفعل أو بعده. وتوضّح الجمل في المجموعة (13) المعادلة التركيبية بين المكوّن (فعل-مفعول) والمكوّن (مضاف-مضاف إليه) لأنّ المضاف والمضاف إليه يأتياني في سياق الجملة الابتدائية (المبتدأ والخبر) وقياسا على هذا يكون (الفعل-المفعول) مكونا واحدا. ويلجأ في الجملتين (14-أ-ب) إلى قاعدتين تحويليتين، هما: الحذف والتعويض؛ حيث حذف المركب الفعلي (رأى حلما) الموجود في (14-أ) وعوّضه بالمركب (حلم) كما في (14-ب) وهذا يقضي بالتساوي بينهما، وبتعبيره «لو لم يكن الفعل والمفعول به مكونا جُـمَليا واحدا لما أمكن زن يحلّ محلّهما كلمة واحد» ([30]).
- الأفعال المتعدية بحرف الجر
يوجد في العربية أنماط تركيبية تضم مركّبا لغويا، وهي عبارة عن مكوّن جُـملي واحد، من قبيل (الفعل المتعدّي-حروف الجر) بحيث تكون حروف الجر مختلفة باختلاف الفعل الذي تقترن به في السياق التركيبي، مثل الجمل الآتية:
(15) – أ- وافقَ الرجل على القرار
ب- وافق على الرجل القرار ❊
ج- وافق فوق القرار ❊
تُظهر الجمل (15) أنّ الفعل ينتقي بعناية طبيعة الحرف الذي يليه في الجملة، وتبعا لهذا الانتقاء الدلالي نحصل على سلامة الجملة (15-أ) بينما نلاحظ لحنَ الجملتين (15-ب-ج) بناء على هذا التحليل رأى «داود عبده» أنّه «إذا اعتبرنا البنية العميقة للجملة الفعلية هي (فعل-فاعل-مفعول) فإنّ أصل جملة (وافق الرجل على القرار) هي (وافق على الرجل القرار) وهذا يعني أنّنا نحتاج إلى قاعدة تنقل حرف الجر إلى ما قبل المفعول، وهي قاعدة شبيهة بنقل الضمير الذي يحلّ محلّ المفعول به إلى جوار الفعل» ([31]) تطبيقا لهذا القول نحصل على الترتيب كما في الجملتين (16):
(16) – أ- وافق على الرجل القرار ❊
ب- وافق الرجل على القرار
- الأفعال المساعدة
ذهب «داود عبده» إلى أننا إذا اعتبرنا رتبة (فعل-فاعل-مفعول) هي الأصل، فإننا سنحتاج إلى قاعدة تحويلية إجبارية عندما يتعلق الأمر بالجمل التي تضم أفعالا مساعدة، بحيث يُنقل الفعل الرئيس وجوبا إلى موضع بين الفاعل والمفعول، كما توضح الجملتان (17):
(17) – أ- أخذ يقرأ الرجل الكتابَ
ب- أخذ الرجل يقرأ الكتابَ
بينما يرى إذا كانت الرتبة (فاعل-فعل-مفعول) هي الأصل فإنّ «كل ما نحتاج إليه هو قاعدة تحويلية اختيارية، تنقل الفعل المساعد إلى يمين الفاعل، أو نقل الفاعل إلى يسار الفعل المساعد» ([32]) وبهذا نحصل على الرتبة الآتية:
(18) – أ- الرجل أخذ يقرأ الصحيفة
ب- أخذ الرجل يقرأ الكتاب
- التوحيد بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية:
يقرّر «داود عبده» في الحجة الرابعة التي يدعم بها تصوره للرتبة الأصلية لمكونات الجملة العربية أنّ الرتبة (فاعل-فعل-مفعول) من شأنها أن توحّد بين الجملتين الفعلية والاسمية التي ميّز بينهما النحاة القدماء، وسنطلق من الجمل الآتية:
(19) – أ- وصلَ رجلٌ
ب- قرأ رجل الصحيفة
ج- في البيت رجلٌ
يُرجع «داود عبده» هذه الجمل إلى الأصول الآتية:
(20) – أ- رجلٌ وصلَ
ب- رجل قرأ الصحيفة
ج- رجلٌ في البيت
وقد اعتمد على «تحويل النقل» الذي أطلق عليه القدماء مسوغات الابتداء بالنكرة؛ حيث ينقل المبتدأ إلى نهاية الجملة إذا كان نكرة، أو يُبدأ به إذا كان مخصصا بشيء ما، وفي هذا يقول: «إنّ اعتبار الأصل في الفاعل وقوعه قبل الفعل (بصرف النظر عن الاسم الذي نطلقه عليه) يجعل الجمل في العربية نوعا واحدا يتألف من مبتدإ وخبر. بدلا من نوعية: اسمية وفعلية» ([33]). وإذْ يقرر داود عبده هذا التوحيد بين الجملتين، فإنه لا يرى مانعا من التمسك بـمصطلح «الجملة الفعلية) في حالة تقدّم الفاعل على الفعل، لأنه يعتبر الجملة الفعلية هي التي تحتوي على فعل، بصرف النظر عن موقعه في الجملة.
- رتبة الجملة في اللسانيات الوظيفية: العدول إلى الرتبة الحرّة
خلافا للتصور الذي قدّمته اللسانيات التوليدية العربية والذي انطلق من افتراض ثنائي يميز بين الرتبة الأصل والبنيات الفرعية لرتب مكونات الجملة العربية، بتنّي نمطين ترتيبيين، هما: (فعل-فاعل-مفعول) و(فاعل-فعل-مفعول) كما بيّنّا في المحورين السابقين، يأتي التصور اللساني الوظيفي الذي أفرزته مدرسة براغ وأعمال اللسانيين المعروفة بالوجهة الوظيفية للجملة، والذي اقترن أساسا في المستوى الأكاديمي بالعالم الهولندي «سيمون ديك» 1978، وتبنّاه وطوّره في العالم العربي اللساني «أحمد الـمتوكل» من خلال عدّة أعمال نشر أولها 1985.
يقوم التصور الوظيفي لرتبة المكوّنات في الجملة على افتراض واحد هو وجود «بنية تحتية» واحدة فقط لرتب المكونات، وليس بنية تحية تقابلها بنيات سطحية يتم اشتقاقها بموجد القواعد التحويلية أو التوليدية، يقول المتوكّل: «أمّا في نظرية النحو الوظيفي، التي هي من النظريات الـمُؤسسة تداوليا، فإنّ جميع البنيات الرتبية تعدّ بنيات متساوية تستقل كل بنية منها بتحقيق تشكيلة من الوظائف التداولية معيّنة تختلف عمّا تحققه البنيات الأخرى (…) والتمييز بين الرتبة الأصل والرتب الفرعية تمييز غير وارد في هذه النظرية» ([34]). يُستفاد من هذا ما يلي:
- اللسانيات الوظيفية تحدد رتب المكونات في بنية واحدة (البنية السطحية)([35]).
- البنية التحتية لمكونات الجملة في اللسانيات الوظيفية بنية غير مرتبة، ويتم ترتيب مكوناتـها بواسطة قواعد تعبير، وليس قواعد تحويل، وقواعد التعبير ترتبط بالوظائف التداولية ([36]).
تبعا بهذا التمييز، يقترح «المتوكّل أحمد» في سياق تنميط رتبة اللغات، أنّ الرتب الآتية ليست رتب مولّدة أو مُحوّلة عبر قواعد تحويل، كما في المجموعتين:
(21) – أ- شرب الطفل حليبا ——> فعل – فاعل – مفعول
(22) – أ- حليبا شرب الطفلُ ——> مفعول – فعل – فاعل
ب- الطفل شرب حليبا ——> فاعل – فعل – مفعول
ج- شرب حليبا الطفلُ ——> فعل – مفعول – فاعل
د- الطفل حليبا شربَ ——> فاعل – مفعول – فعل
حسب الطرح اللساني الوظيفي، فإنّ بنية الجملة (21-أ) ليست أصلا اشتقاقيا للجمل في المجموعة (22-أ-ب-ج-د)، لأنه حسب «المتوكل» كل هذه «التراكيب الرتبة فيها مقيدة تداوليا، كل تركيب يُطابق مقاما مختلفا، وبالتالي يتضمن وظيفة تداولية مختلفة» ([37]). أقام «المتوكل» هذا الافتراض على أسس الوظائف التداولية التي تُسند لمكونات الجمل، والتي قسّمها إلى نوعين؛ وظائف داخلية، وتضم البؤرة والمحور، ووظائف خارجية، وتضم المبتدأ والذيل والمنادى ([38]) وبموجب هذه الوظائف يتم ترتيب مكونات الجملة، مثل الجملة (23):
(23) – خالدٌ، وهبته إياه، المنزل
فالوظيفة التداولية (الـمبتدأ) مسندة للمكون (خالد) باعتباره المكون «الدال على مجال الخطاب» ([39]) في حين أسندت الوظيفة التداولية (الذيل) للمكون (المنزل) لكونه يدل على «معلومة واردة للتبيين أو التعديل أو التصحيح بالنظر إلى معلومة تتضمنها الجملة» ([40]).
يتضح من التحليل الذي قدمه «المتوكّل أحمد» أنّ رتبة مكونات الجملة غير مرتبة في العمق، وأنه جميع الرتب سطحية يتم ترتيبها بعد انتقاء الرأس والمخصصات، وفق القاعدة الآتية:
(القاعدة 4) – (محدّد، رأس، فضلة)
تشير الفواصل (،) بين الكلمات في القاعدة (4) حسب «المتوكل» إلى أنّ مكونات الجملة غير مرتبة، ويمكن أن تتغير مواقعها بتغيّر الوظائف المسندة لكل مكوّن منها، واستنتج إلى أنّ هذا الاقتراح يُـمكننا من «التقريب بين مختلف اللغات الطبيعية، إذْ بذلك تصبح البنية التحتية قاسما مشتركا بينها جميعها باعتبار هذه البنية التمثيل للخصائص الدلالية والتداولية التي يُرجّح أن تشمّل كليات لسانية»([41]).
2- مستويات تفسير رتبة الـمكوّنات
ثمة سؤال جوهري ينطرح أمامنا في هذا المحور، وهو: ما المستويات التي يمكن أن يُفسّر في ضوئها العدول عن أصل الترتيب؟ تكمنُ أهمية هذا السؤال في كونه يُـمكّننا من تصنيف العلل الكامنة وراء أيّ «فعل» عدولي من نمط ترتيبي إلى آخر في مكونات الجملة، خاصة إذا علمنا أنه لا يحدث عدول بشكل اعتباطي، فالوقائع اللغوية تحدث نتيجة لجملة من القيود التي قد تكون تركيبية أو دلالية أو تداولية خارج نطاق اللغة أساسا، ينبغي البحث فيها وتفسيرها وتصنيفها في المستوى الذي تنتمي إليه. وتصنيف تلك العلل من شأنه أيضا أن يمكننا من الإجابة عن سؤال إشكالي فرعي آخر وهو: ما الإمكانات التعبيرية التي يبيحها نظام اللغة العربية في المستوى العدولي بين مكونات الجملة؟
إنّ الإجابة عن هذين السؤالين، تفرض أولا الانطلاق من تعريف مفهوم التفسير وإبراز علاقته بالبحث اللغوي عامة، وبالأطر اللسانية النظرية التي اشتغلت عليه بشكل خاص. تدور المادة اللغوية للجذر (ف-س-ر) حول التوضيح والتبيين والكشف عن المستور والمغطى، والتفسير والتأويل بمعنـًى واحد ([42]) أمّا دلالته الاصطلاحية فقد اختلف فيها كثيرا بين علماء التفسير الذين فسّروا القرآن الكريـم، وتطورت من عصر إلى آخر ([43])؛ لكنها تلتقـي في دلالة جامعة مفادها أنّ التفسير هو «علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الإفرادية والتركيبية ومعانيها التي تُحمل عليها دلالة التركيب والكشف عن المراد منها» ([44]). وقد اتصل التفسير بالبحث اللساني أول مرة مع ظهور اللسانيات التوليدية، خاصة حين أصدر تشومسكي كتابه «دراسات في الشكل والتفسير» سنة 1977م ([45])؛ حيث تحوّل التفسير بعد صدور هذا الكتاب، إلى الدلالة على نظام من التعليلات التي تفسّر انتظام الظواهر اللغوية بغض النظر عن اللغة التي تـمثلها، وذلك في إطار جملة من النظريات، مثل نظرية الحالة Case theory، التي تفسر ظاهرة المصادر المؤولة والمصادر الصريحة التي يمكن تمثيلها بمصادر مؤولة، ونظرية العمل والربط Goverment Binding theory، التي تفسر علاقة التحكم الـمُكوّني بين عناصر الجملة، ونظرية الفصل Binding theory التي تفسّر طبيعة القيود المفروضة على نقل عناصر الجملة تقديما وتأخيرا ([46]) .
تأسيسا على هذه الأرضية، لاحظنا أنّ العدول عن أصل الترتيب في الجملة العربية يرجع في جوهره إلـى جملة من العلل الـمختلفة من حيث طبيعتها وتأثيرها في العدول من نمط ترتيبي إلـى آخر، وتلك العلل منها ما هو لغوي محض، ومنها ما هو غير لغوي، ينتمي إلـى الظروف الحافة بوقائع الكلام.
- المستوى النحوي: التفسير النحوي للعدول عن أصل الترتيب
انطلاقا من التقسيم الثنائي للرتبة، رتبة محفوظة ورتبة غير محفوظة، واعتبارها قرينة تركيبية، لاحظ النحاة أنّ الرتب غير الـمحفوظة تطرأ عليها تغيرات موقعية؛ حيث تتبادل المكونات الـجُملية مواقعها مع الاحتفاظ بدلالتها النحوية التي يسندها لها موقعها الإعرابي، فإذا كان ذلك التغيير الـموقعي يحدث بالعدول من المستوى الأصلي للبنية إلى المستوى الفرعي لبنية الجملة، فقد حاول النحاة البحث في العلل الكامنة وراء ذلك العدول، ولهذا نجد «ابن جنّي» يؤكد في مواضع كثيرة علي ضرورة البحث عن تلك العلل، ووفق تعبيره «اعلم أنه لا تنقض مرتبة إلا لأمر حادث، فتأمله وابحث عنه» ([47]).
في هذا السياق، نورد نصا من أقدم النصوص النحوية التي حاولت البحث في علّة العدول عن أصل الترتيب؛ حيث يعلّق سيبويه على تقديم المفعول على الفاعل ونقض المرتبة الأصلية قائلا: «كأنهم إنّـما يقدّمون الذي ببيانه أهمّ لـهم وهم ببيانه أعنى، وإنْ كانا جميعا يهُمّانـهم ويعنيانـهم» ([48]). يتضح من هذا النص أنّ سيبويه يُعلّل نقض الرتبة الأصلية بتقديم المفعول على الفاعل في الجملة (ضرب زيداً عبدُ الله) بعلّة غير لغوية ذات ملمح سياقي يكون العدول فيها قائما على أصل العناية والاهتمام بالعنصر المقدّم في الجملة. ونجد هذه العلّة تطّرد عند البلاغيين الذي جاؤوا بعده، فـ «الجرجانـي (ت 471 هـ)» يعلّق على قول سيبويه السابق؛ قائلا: «قال صاحب الكتاب وهُوَ يَذْكُر الفاعل والمفعول كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم وهم بشأنه أعنـى، وإن كانا جميعا يَـهمّانـهم ويعنيانـهم ولم يذكر في ذلك مثالا، وقال النحويون: إنّ معنى ذلك أنه يكون من أغراض الناس في فعل ما أنْ يقعَ بإنسان بعينه ولا يُبالون منْ أوقعَهُ كمثل ما يعلم من حالـهم في حال الخارجيّ يـخرج فيعيث في الأرض ويفسد فيكثر منه الأذى إنهم يريدون قتله ولا يُبالون من كان القتل منه. فإذا قتل وأراد مُريدٌ الإخبارَ بذلك فإنه يُقدّم ذكرَ (الخارجيَّ) فيقول: (قتلَ الخارجيَّ زيدٌ) ولا يقول (قتل زيدٌ الخارجيَّ) لأنه يعلم من حالـهم أنه الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه متـى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد (…)»([49]) بل إنّ الجرجاني يذهب في موضع آخر إلـى جعل العدول من نـمط ترتيبي إلى آخر مقترن بغرض ما حصرا، وأن ذلك الغرض لا يتحقق في نـمط ترتيبي آخر، كما هو الأمر في تقديم المفعول على الفعل، فيقول: «وأعلم أن من الخطأ أن يُقسم الأمر في تقديم الشيء وتأخيره قسمين ، فيجعل مفيداً في بعض الكلام، وغير مفيد في بعض، وأن يعلل تارة بالعناية، وأخرى بأنه توسعة على الشاعر والكاتب، حتى تطرد لهذا قوافيه ولذاك سجعه. ذاك لأن من البعيد أن يكون في جملة النظم ما يدل تارة ولا يدل أخرى. فمتـى ثبت فـي تقديم المفعول مثلاً على الفعل في كثير من الكلام، أنه قد اختص بفائدة لا تكون تلك الفائدة مع التأخير، فقد وجب أن تكون تلك قضية في كل شيء وكل حال. ومن سبيل من يجعل التقديم وترك التقديم سواء، أن يدعي أنه كذلك في عموم الأحوال. أما أن يجعله بين بين، فيزعم أنه للفائدة في بعضها، وللتصرف في اللفظ من غير معنـى في بعض، فمما ينبغي أن يرغب عن القول به» ([50]).
يُفهم من كلام الجرجاني أنه لا عدول بدون معنى جديد، ولا يستثنـي الجرجاني من كلامه الشعر الـمنظوم، ولا يرى «توسعة في ذلك» غير أنّ هذا الرأي لا ينسحب على الضرورة الشعرية التي تلزم الشاعر بنـمط تركيبي معين تفرضه القيود التركيبية على العناصر الـمكونة للجملة، كما في قول الشاعر:
صددْتِ فأَطْوَلْتِ الصدودَ وقلّما وصالٌ على طولِ الصدودِ يــــــــــدومُ
فقد وصف سيبويه هذا البيت بأنه من قبيح الكلام لأنه وُضعَ في غير موضعه، فالتركيب يقتضي: وقلّ ما يدومُ وصالٌ، غير أن سيبويه جعل ذلك محتملا في شعر العرب لأنه خرج مخرج الضرورة ([51]).
وفي سياقٍ موازٍ، بحث النحويون أيضا في علّة العدول الذي تفرضه كثرة الاستعمال؛ بحيث يصبح الأصل الاستعمالي بديلا للأصل الافتراضي، ويصير هو الأصل المقيس عليه، في هذا المضمار يورد ابن جنّي رأيا لأستاذه أبي علي الفارسي، في نقض مرتبة الفاعل والمفعول، وتقدمه عليه، يقول فيه: «قيل: الأمر وإن كان ظاهره ما تقوله، فإن هنا طريقا آخر يسوغك غيره، وذلك أن المفعول قد شاع عنهم واطرد من مذاهبهم كثرة تقدمه على الفاعل، حتى دعا ذاك أبا علي إلى أن قال: إن تقدم المفعول على الفاعل قسم قائم برأسه، كما أن تقدم الفاعل قسم أيضا قائم برأسه، وإن كان تقديم الفاعل أكثر، وقد جاء به الاستعمال مجيئا واسعا ، نحو قول الله عز وجل « إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ ، وقول ذي الرمة :
أستحدث الركب من أشياعهم خبرا أم عاود القلب من أطرابه طربُ» ([52])
لم يقف النحاة عند هذا الحد في محاولاتهم لتفسير علة العدول، بل قدموا تحليلا لبعض الأنماط التركيبية الـمعدولة عن أصلها، والتي فرضتها القيود التركيبية، مثل وجوب تأخير الفاعل «إذا اتصل به ضمير مفعول، أو وقع بعد إلا أو ما في معناها، أو اتصل مفعوله وهو غير متصل، فوجب تأخيره (…) مثل قولك (ضرب زيدا غلامهُ) إذ لو قدمته لكان إضمارا قبل الذكر لفظا وأصلا، (…) ونحو قولك: (ما ضرب عمرا إلا زيدٌ)، وإنما وجب تأخير الفاعل ههنا لما ذكرنا بعينه في وجوب تقديمه في: (ما ضرب زيد إلا عمراً) ، فإن مضروبية ما قبل إلا محصورة فيما بعدها، والضاربية محتملة، فلو قدمت الفاعل بلا «إلا» انعكس المعنى، ولو قدمته معها لجاء المحذور المذكور» ([53]).
يتضح من النصوص التي أوردناها أعلاه أنّ التفسير الذي قدّمه النحاة للعدول اتخذ حـيّزينِ، حُصرَ الـحيّز الأول في العلل غير اللغوية والتي يتم بـمقتضاها عدول المتكلم من نمط ترتيبي إلى آخر، وهو ما عبّر عنه النحاة بضابط العناية والاهتمام، بينما ضُبِطَ الـحيّزُ الثاني فـي العلل التركيبية التي تفرض نمطا تركيبيا معينا وإن جاء على خلاف الأصل التركيبي، وفي هذه الحال، يكون العدول إجباريا، وكل ذلك في إطار ما يسمح بها نظام اللغة نعبّر عن ذلك بالشكل التالي:
- الـمستوى اللساني: التفسير اللساني التوليدي
اهتم اللسانيون التوليديون العرب في تفسيرهم للتغيرات الـموقعية التي تطرأ على مكونات الجملة بالتركيز على وجود مُستوَيَين تشتق فيهما الجملة بـجميع مكوناتـها، وبصرف النظر عن نوعها، يُحدد المستوى الأول فيما أسموه بالبنية العميقة، ويُحدّد المستوى الثاني فيما يُسمى بالبنية السطحية، ويُميّز بين هاتين البنيتين بكون «الأولى بنية مجرّدة وضمنية وهي التي تعيّن التفسير الدلالي، بينما الثانية هي الترتيب السطحي للوحدات الذي يحدّد التفسير الصوتي» ([54]) ويضرب «تشومسكي» مثالا لهاتين البنيتين، كما في الـجمل (24):
حيث تشكل الجملة (24-أ) البنية السطحية التي ظهرت في الشكل النهائي للكلام عند الـمتكلم، بينما تشكل الجمل فـي (24-ب-ج-د) البنية العميقة التي تم توليدها في ذهن الـمتكلم، وإخراجها على شكل البنية السطحية بـموجب قواعد التحويل.
إنّ التمييز بين هاتين البنيتين، مرتبط أساسا بـمكونات القواعد التوليدية والتحويلية، لأنه لا يتم الانتقال من البنية العميقة التي تتحيّز في مكوّن خاص بـها إلى البنية السطحية التي تتحيّز بدورها في مكوّن آخر إلا بعد المرور من سلسلة من القواعد التوليدية. في هذا السياق يُميز التوليديون بين ثلاث مكوّنات ويعدّونـها مسارا لاشتقاق الجملة في شكلها النهائي، وهذه المكونات ليست منفصلة عن بعضها بعضا إلا في المستوى الإجرائي لدراستها، لأنها مكونات متكاملة فيما بينها ودراستها منفصلة ومتصلة تُـمكّن الباحث اللساني من تحقيق الكفايتين الوصفية والتفسيرية على النحو العلمي لكل لغة، وتلك المكونات، هي المكون الفونولوجي، والمكوّن التركيبي، والمكوّن الدلالي ([55]):
يتضح مما سبق أنّ اشتقاق الجملة حسب الطرح التوليدي التحويلي يتم حصرا عبر مسار توليدي تفاعلي بين جميع الـمكوّنات؛ فالمكوّن الفونولوجي مسؤول عن توليد الأصوات وعلاقتها بالصرف، والمكوّن الدلالي مسؤول عن الدّخل المعجمي وانتقاء السمات وتوسيعها، ثم إسقاطها في إطار شامل لجميع مكونات الجملة، أما المكوّن التركيبي فيضطلع بتوليد الـمركّبات من خلال ثلاث قواعد، هي قواعد التكوين، وقواعد الاستبدال بالوحدات المعجمية المناسبة، ثم قواعد التحويل التي تنتج عنها في النهاية البنية السطحية ([56]). ويتضح أيضا أنّ العدول من نـمط ترتيبي إلى آخر يُفَسّر بوجود إجراءين ذهنيـين، يقوم بِـهما الذهن ابتداء، وهما المسؤولان عن اشتقاق الجملة في تركيها المعدول عن أصله (البنية العميقة)، وهما:
- إجراء توليدي؛ حيث تُولّدُ العناصر المكوّنة للجملة.
- إجراء تـحويلي؛ حيث يتم تحويل البنية العميقة التي حصلنا عليها في المستوى التوليدي، إلى بنية سطحية. وفي البنية السطحية تظهر الجمل المختلفة والتي تحمل معنى واحدا. فالجملة (27) تُـمثّل هاتين العمليتين في السياق العدولي:
فالبنية العميقة في (أ) التي تضم {فعل-فاعل-مفعول} عُدلَ عنها في البنيات السطحية إلى أنماط تركيبية من قبيل {مفعول-فعل-فاعل} كما في (ب)، وإلى نمط {فعل-نائب فاعل} كما في (ج)، وإلى نـمط {اسم-فعل-اسم} كما في (د). وذلك بـموجب قواعد تحويلية تنقل مكونات الجملة موقعيا.
- التفسير اللساني الوظيفي للعدول
خلافا للتفسير التوليدي التحويلي، يأتي التفسير اللساني الوظيفي ليعيد الاعتبار لـمكوّن آخر لـم يـحظ باهتمام الاتجاهات اللسانية الأخرى، وهو الـمكوّن التداولي، ولا غرابة في هذا لأنّ الوصف اللغوي الكافي في نظرية النحو الوظيفي ([57]) يسعى إلى «تحقيق الكفاية التداولية Pragmatic Adequacy بالإضافة إلى الكفايتين النفسية والنمطية، وتتحقق الكفاية التداولية حين يستطيع الوصف اللغوي أن يرصد التفاعل القائم بين بنية اللغات الطبيعية ووظيفتها التواصلية، أي حين يستطيع أن يربط بين الخصائص البنيوية للعبارات اللغوية والأغراض التواصلية التي تستعمل هذه العبارات وسيلة لبلوغها»([58])، وبناء على هذا الهدف فإنّ تفسير العدول عن أصل الترتيب سيكون وفق الـمقتضيات التي تفرضها القيود التداولية، وليس القيود التركيبية، أو الدلالية، ما يؤكد هذا هو أنّ مُحدّدات رتبة مكونات الجملة تنتظم -وفق هذه النظرية- في سُلّمية تُغلّب الوظائف التداولية على حساب الوظائف التركيبية والدلالية، وهذا لا يعني أنّ ما يدخل في حيّز التركيب والدلالة لا دور له في تحديد رتبة مكونات الجملة، ولكن ليس له التأثير نفسه، وذلك وفق السلمية الآتية ([59]):
الجملة ← الوظائف التداولية > الوظائف التركيبية > الوظائف الدلالية
إنّ إعطاء الغلبة للوظائف التداولية في تحديد رتبة مُكوّنات الـجملة يقتضي إفراد مستوى آخر لتمثيل الوظائف الداخلة في الحيّز التداولي، وهذا يعني أنّ تمثيل الجملة في النحو الوظيفي يتم فـي المستويات الثلاثة الآتية:
- مستوى تمثيل الوظائف التداولية: ويشمل خـمس وظائف، هي الـمحور والبؤرة، والمبتدأ، والذيل، والمنادى.
- مستوى تمثيل الوظائف الدلالية: وفيه تُمثل وظيفة الـمُنفّذ، ووظيفة الـمُتقبّل، والـمستقبل، والمستفيد، والزمان، والمكان، والحدث.
- مستوى تمثيل الوظائف التركيبية: ويشمل وظيفتين، هما وظيفة الفاعل، وظيفة المفعول.
يتمّ اشتقاق الجملة في منظور النحو الوظيفي حسب هذه المستويات وفق ثلاث بنيات مرتبة ترتيبا تصاعديا، هي ([60]):
- البنية الـحَمْلية؛
- البنية الوظيفية؛
- البنية الـمُكوّنية.
تعمل هذه البنيات فـي مسار تفاعلي؛ حيث تستند البنية الـحملية إلى أساس يضم المعجم وقواعد التكوين، ثم تُنقل إلى بنية وظيفية بإسناد الوظائف التركيبية والدلالية للمكونات، ثم الوظائف التداولية، ثم تُنقل إلـى بنية مُكوّنية ([61])، وتروزها ثلاث قواعد، قواعد الأساس، وقواعد إسناد الوظائف، ثم قواعد التعبير، كما يُظهر الشكل الآتي:
تنقسم الوظائف في النحو الوظيفي إلى ثلاثة وظائف، هي: وظائف دلالية وتضم (الـمُنفّذ، ووظيفة الـمُتقبّل، والـمستقبل، والمستفيد، والزمان، والمكان..). ووظائف تركيبية، وتضم وظيفتي (الفاعل والمفعول)، ثم الوظائف التداولية، وهي نوعان: وظيفتان داخليتان هما: (البؤرة والمحور). ووظائف خارجية، هي: (المبتدأ والذيل، والمنادى).
الوظائف التداولية في النحو الوظيفي، خمس وظائف، تنقسم بلحاظ موقعها بالنسبة للحمل، إلى نوعين: وظائف داخلية، تشمل وظيفة (البؤرة)، ووظيفة (المحور). ثم وظائف خارجية، وتضم وظيفة (المبتدأ)، ووظيفة (الذيل)، ووظيفة (المنادى)، وتُسندُ هذه الوظائف على النحو الآتي [62]:
- تُسند وظيفة البؤرة إلى المكوّن الحامل للمعلومة الأكثر أهمية أو الأكثر بروزا في الجملة، وتنقسم إلى نوعين، بؤرة جديد، وبؤرة مُقابلة. تعرّف بؤرة الـجديد بكونها التي تُسند إلى المكون الحامل للمعلومة التي يجهلها الـمُخاطب. بينما تُعرّف بؤرة الـمقابلة بأنها البؤرة التي تسند إلى المكون الحامل للمعلومة التي يشك المخاطب في ورودها أو المعلومة التي ينكر المخاطب ورودها، ويتم التمييز بينهما بروائز مقامية؛
- تُسند وظيفة المحور إلى المكون الدال على «الـمُحدّث عنه» داخل الحمل؛
- تُسند وظيفة المبتدأ إلى المكوّن الذي يحدد مجال الخطاب بالنسبة للحمل؛
- تُسند وظيفة الذيل إلى المكوّن الذي يحمل المعلومة التي توضح معلومة داخل الحمل، أو تُعدّلها؛
- تُسند وظيفة المنادى إلى المكون الدال على المنادى في مقام معيّن.
يتميز المستوى التداولي الذي تُـمّثل فيه الوظائف التداولية بكونه يستند إلى السياق المقامي الإخباري بين المتكلم والمخاطب، الذي بـمقتضاه تُحدد العلاقات القائمة بين مكوّنات الجملة، ما يُؤكد هذا الافتراض هو اعتماد النحو الوظيفي على تحليل الجمل انطلاقا من المعلومات المتبادلة بين المتكلم والمخاطب.
وفق التقسيم الذي قدّمه النحو الوظيفي، تأخذ بنية الجملة بعد إضافة الوظائف التداولية وإسنادها للمكونات، وتبعا للحيز الذي تأخذه الوظائف بالنسبة للحمل، الشكلين الآتيين:
البنية (1): {مبتدأ (حـمل) ذيل}
البنية (2): {منادى- مبتدأ (الحمل) – ذيل}
البنية (3): {(حمل) – بؤرة – محور}
البنية (4): {بؤرة – محور- (حمل)}
تتغير الوظيفتان (البؤرة-المحور) في البنيتين (3-4) بـموجب المعلومة التي تحملها كل وظيفة، نـمثل لهذه البنيات العامة بالجمل الآتية:
(26) – أ- خالدٌ، فاز بالبطولة
ب- قابلتُ اليوم صُحُفيا، بل مذيعا
ج- يا صاعدا جبلا، احترسْ
د- يا يوسفُ، هذه فرصتك
هـ- البارحة افتتح الوزير معرض الكتاب
و- متـى رجعَ خالد؟ / رجعَ خالد البارحة
تمثل الجملتان (26-أ-ب) البنية (1) حيث المكون (خالد) هو مجال الخطاب بالنسبة للحمل (فاز بالبطولة)، بينما يمثل المكوّن (بل مذيعا) وظيفة الذيل، بوصفه مُكوّنا يوضح معلومة واردة بالنسبة للحملة (قابلت اليوم صحفيا) ويعدّلها ب (بل مذيعا. تـمثل الجملتان (26-ج-د) البنية (2) حيث يشكل المكونان (يا صاعدا) و (يا يوسف) وظيفة المنادى بالنسبة للحمل. وفي الجملتين (26-هـ-و) يشكّل المكوّنان (البارحة-خالد) وظيفة البؤرة والمحور؛ بحيث المكوّن (البارحة) أسندت له وظيفة البؤرة، والمكون (خالد) أسندت له وظيفة المحور. أسندت هذه الوظائف جميعها للمكونات في الجمل (26-أ-و) وفق طبقة مقامية تواصلية بين متكلم ومُخاطب.
يتم تحديد مخصص الحمل [63] بعد إتمام إسناد الوظائف التداولية، وذلك من خلال التأشير على القوة الإنجازية التي تواكبه، ومنها القوة الإنجازية (الإخبار)، والقوة الإنجازية (السؤال)، والقوة الإنجازية (الأمر) … كنا توضح الجمل الآتية:
وبإضافة مخصص الحمل، تصبح البنية العامة للجملة في نهاية البنية الوظيفية، على النحو الآتي:
البنية (5) – {(منادى)- (مبتدأ) «قوة إنجازية» |محمول (س1) – (س2) | (ذيل)}
بعد إتمام إسناد الوظائف التداولية في البنية الوظيفية يتم الانتقال إلى البنية المكونية، هي البنية الثالثة والأخيرة في مسار اشتقاق الجملة حسب النحو الوظيفي، وتعرّف بأنها هي البنية الصرفية التركيبية، ويتم بناؤها باتباع نسق «قواعد التعبير» [64]، وهي:
- قواعد صياغة الحدود؛
- قواعد صياغة المحمول؛
- قواعد إسناد الحالات الإعرابية؛
- قواعد الـمَوْقَعَة؛
- قواعد إسناد النبر والتنغيم.
من أهم هذه القواعد بالنسبة لهذه الدراسة، قواعد الـمَوْقَعة Placement rules، التي بوجبها تأخذ المكونات داخل الجملة رُتَبَها الخاصة بها وذلك بعد تطبيق قاعدة إسناد الحالة الإعرابية للمكونات، ويقترح النحو الوظيفي في هذا السياق البنية الآتية ([65]):
- البنية (6) – {م 4، م 2، م 1، مÆ (فعل-فاعل-(مفعول)) (ص)، م 3}
يتم إسقاط مكونات الجملة حسب الوظيفة المسندة لكل عنصر منها، فتأخذ الوظائف موقعها حسب الآتي:
- يحتل الـموقع (م 4) المنادى، ويحتل الذيل الموقع (م 3)، بحكم أنّ الذيل يتوقع بعد الحمل ويتعلّق به بلحاظ وظيفته المنوطة به وهي للتبيين أو التعديل أو التصحيح. بينما يحتل المبتدأ الموقع (م 2)، وهي وظائف خارجية.
- يحتل الـموقع (م 1) الأدوات التي لها حق الصدارة مثل أدوات الاستفهام، والنواسخ الحرفية، وأدوات النفي.
- يحتل الـموقع (مÆ) المكونات التي تُسند إليها الوظائف التداولية الداخلية، وظيفة البؤرة، أو وظيفة المحور. أو أسماء الاستفهام.
- يحتل الـموقعين (فاعل-مفعول) المكوّن الحامل للوظيفة التركيبية الفاعل، والمكوّن الحامل للوظيفة التركيبية المفعول على التوالي.
- يحتل الموقع (ص) كل مكوّن غير حامل لوظيفة تركيبية أو وظيفة تداولية تخوّله احتلال الموقع (مÆ).
مرّ بنا في هذا المحور أنّ اشتقاق الجملة في نظرية النحو الوظيفي يقوم أساسا على التمثيل للوظائف التداولية، وبالتالي فإنّ الكلمات تأخذ مواقعها الترتيبية في خطّية الجملة بإعطاء الأولوية للوظائف التداولية التي تحملها ([66]). على هذا الأساس نعتبر أنّ أيّ عدول من نـمط ترتيبي إلى آخر بين مكونات الجملة، هو عدول ينشأ استجابة لقصود تداولية نلمسها في الأفعال الكلامية التي تنجزها في طبقة مقامية معينة، ويُؤشر عليها بالقوة الإنجازية كما سبقت الإشارة.
رَوْزاً لعمل الوظائف التداولية في صياغة الأنماط التركيبية الـعدولية، ننطلق من الـجملة (38) التي تمثل ترتيب المكونات في بنية الجملة الفعلية:
(28) – أ- مـُحاضرةً ألقى الأستاذ (بِـنَبـْرِ محاضرة) ([67])
ينظر النحو الوظيفي إلى رتبة المكونات في الجملة (28) على أنها بنية أصلية، رُتّبتْ مُكوناتها (المفعول-فعل-فاعل) وفق قاعدتي الـموقعَة؛ قاعدة الموقعة في موقع (الفاعل) بالنسبة للمكوّن (الأستاذ) بموجب الوظائف الدلالية والتركيبية، وقاعدة الموقعة في الموقع (مÆ) بالنسبة للمكوّن (مُحَاضرةً) الحامل للوظيفة التداولية «بؤرة المقابلة» ويتم تمثيلها في البنية الوظيفية غير الـمُرتبة على النحو الآتي:
البنية الوظيفية (7) لـلجملة (28):
{ماضي: ألقى-فعل (س1: الأستاذ = منفّذ-فاعل-محور) – (س2: محاضرة =متقبّل-مفعول- بؤرة مقابلة}
البنية أعلاه غير مرتبة على النحو الموجود في الجملة (28)، ولهذا يرى «المتوكّل» أنّ قاعدة الموقعة في الموقع (مÆ) لا تنقُلُ مكوِّناً يحتلّ موقعا معينا في البنية الدّخْل إلي صدر الجملة كما هو الشأن للمكون (محاضرة) في الجملة (28)، بل تُمَوْقِعُهُ بدءا في هذا الموقع ([68])، وهذه القاعدة هي ([69]):
فالمكونات الحاملة للوظيفتين التداوليتين «المحور وبؤرة المقابلة» أو أحد «ضمائر الاستفهام» تتم موقعتها في موقع الصدر (مÆ).
إنّ الـمكوّن (محاضرة) أخذ موقع الصدر في الجملة (28) الذي يمثله الموقع (مÆ) بموجب الوظيفة التداولية «بؤرة المقابلة» المسندة إليه، وهذه البؤرة تُسند للمكوّن الحامل للمعلومة الـمُشّك فيها من قبل المُخاطب، كما سبقت الإشارة. وذلك بالنظر إلى الطبقة المقامية التي أُنجزتْ فيها الواقعة الكلامية، وهي طبقة تتكون من مقامين([70]).
- -الـمقام (1): يتوفر المخاطب على مجموعة من المعلومات، ينتقي المتكلم للمخاطب المعلومة التي يعتبرها واردة.
- -مقام (2): يتوفر المتكلم على مجموعة من المعلومات. يطلب المتكلم من المخاطب أن ينتقي له المعلومة الواردة في حالة الاستفهام).
وفقا للمقامين، تصبح الجملة (28-أ) التي تصدّر فيها المكوّن الحامل للوظيفة التداولية «بؤرة المقابلة» هي الجملة (28-ب):
(28) – ب- مـُحاضرةً ألقى الأستاذ، وليس درسا.
يتضح، إذن، أنّ العدول إلى استعمال البنية الموظفة في الجملة (28-أ-ب) هو عدول مُفسّر بعلل غير لغوية متصلة بالمقام التخاطبي الذي يوجد فيه المتكل والمخاطب. وهذا التفسير مخالف بالمقارنة مع التفسير الذي قدّمته اللسانيات التوليدية التحويلية، التي تعتبر الجملة (28-أ) جملة مُحوّلة عن البنية العميقة بـموجب قاعدة تحويل، تَنْقُل المكوّن (المفعول-مُحاضرة) إلى صدر الجملة، وبنيتها العميقة المشتقة الـمُحوّلة عنها، هي (28-ج):
(28) – ج- ألقى الأستاذ مـُحاضرةً.
خاتـمة: نتائج الدراسة وآفاقها
أ- نتائج الدراسة:
تتجهُ الأنظار في ختام هذه الدراسة إلـى استخلاص جملة من النتائج الـمترتبة عن البحث في بنية العدول عن أصل الترتيب في نسق اللغة العربية نظاما واستعمالا، ونجملها على النحو الآتي:
- قدّم النحاة العرب القدماء تفسيرا للعدول عن أصل الترتيب، يقوم على النظر إلـى بنية الجملة العربية من زاويتين، زاوية تركيبية صِرْفة؛ حيث قسّموا العدول إلى عدول ترتيبي واجب، وعدول ترتبي جائز، فكلما سمح نظام العربية بالعدول، جاز ذلك، ولكما لم يسمح ذلك، اشترطوا الامتثال لقواعد النظام اللغوي للعربية، وهذه القواعد هي مجموعة من القيود التركيبية التي تضبط التغيرات الطارئة على الجملة، وتضمن سلامتها تركيبيا ودلاليا. وزاوية غير لغوية، مرتبطة بالأغراض والمقاصد التي يرمي إلى تحقيقها المتكلم مع الخاطب، وهذه الأغراض أقرب أن تكون أغراض تداولية، منها غرض «الاهتمام» وغرض «العناية».
- اختلفت الـمقاربات اللسانية الـمعاصرة لظاهرة العدول عن أصل الترتيب، ومرجع ذلك الاختلاف إلى الخلفيات النظرية التي صدرت عنها تلك المقاربات، ومنها المقاربتين التوليدية والوظيفية.
- انطلقت المقاربة اللسانية التوليدية التحويلية من المنجز اللساني العقلي الفطري، الذي يرى أنّ ترتيب الجمل يبدأ في مستوى البنية العميقة، وهي بنية ذهنية، ثم تمر الجملة عبر مجموعة من المكونات التي تروز اشتقاقها، ثم تظهر في مستوي البنية السطحية، وتطرأ عليها تحويلات تُغيّر ترتيب مكوّناتها وفق قيود تركيبية، خاضعة لقواعد مُركبية، وقواعد تحويلية.
- قدّمت الـمقاربة اللسانية الوظيفية، في إطار نظرية النحو الوظيفي الـمُؤسس تداوليا، تفسيرا للعدول عن أصل الترتيب، يقوم على افتراض مستوى ثالث تُمَثل فيه مُكونات الجملة، وهو مستوى الوظائف التداولية؛ حيث يتمُّ ترتيب مكونات الـجملة وفق الوظائف التداولية التي تُسند إليها، وذلك بموجب قواعد يُطلق عليها قواعد الـمَوْقَعَة بعد إتمام اشتقاق الجملة من البنية الـحملية، مرورا بالبنية الوظيفية التي تُسند فيها الوظائف التركيبية والتداولية والدلالية للمكونات، وانتهاء بالبنية الـمُكوّنية.
- نتج عن افتراض المستوى الثالث الذي تُمثل فيه الوظائف التداولية، القول بأنّ العدول عن أصل الترتيب لا يقوم على بنية أصل في مقابل بنية فرع، بل إنّ كل ترتيب يختص بطبقة مقامية يُنتج فيها من طرف المتكلم، وذلك، وفق المعلومات المتبادلة بين المتكلم والـمُخاطب في سياق مقامي محدد، بحيث تُعطى الغلبةُ للوظائف التداولية في ترتيب المكونات داخل الجملة.
وجه الاختلاف بين الـمقاربات الثلاثة، المقاربة النحوية، والمقاربة اللسانية التوليدية التحويلية، والمقاربة اللسانية الوظيفية التداولية، في سياق الـمُقارنة بينهما، يكمنُ في كون النحاة القدماء حاولوا تقديم تفسير يجمع بين ما يفرضه ويبيحه نظام قواعد اللغة العربية وربطه ببعض الأغراض. في حين ركزت المقاربة اللسانية التوليدية على تقديم تفسير توليدي لظاهرة العدول، من خلال التركيز على القواعد الـمُركّبية التي تُولّد فيها بنيات الجمل، ثم القواعد التحويلية التي يتغيّر فيها ترتيب مكونات الجملة. في المقابل أقرّت المقاربة الوظيفية بأنّ كل ترتيب محدد لمكونات الجملة إنما ينتج وفق ما يفرضه مقام التواصل بين المتكلم والمخاطب.
الإحالات:
- [1] يُقصد بالأنحاء المؤسسة تداوليا، نظرية النحو الوظيفي التي صاغها اللساني «سيمون دِيكْ» عام 1968، وطوّرها اللساني المغربي «أحمد المتوكل» في تطبيقاته على اللغة العربية بدءا من كتابه «الوظائف التداولية في اللغة العربية» الصادر سنة 1985، ثم كتابه «دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي» الصادر سنة 1986، وصولا إلى آخر كتابه «الخطاب وخصائص اللغة العربية، دراسة في الوظيفة والبنية والنمط» الصادر 2010. وقد قامت هذه النظرية على جملة من المبادئ، منها: 1) الوظيفة الأساس للغة هي التواصل. 2) موضوع الدرس اللساني هو القدرة التواصلية. 3) النحو الوظيفي يهتم بدراسة التركيب والدلالة من وجهة نظر تداولية. 4) الوصف اللغوي هو التحقق من ثلاث كفايات، كفاية نفسية، وكفاية تنميطية، وكفاية تداولية. انظر: أحمد المتوكل، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، دار الثقافة، المغرب، ط1، 1986، ص09.
- [2] الأنحاء المُؤسّسة على النحو التوليدي الصوري هي النماذج اللسانية التي بدأت مع بروز اللسانيات التوليدية على يد «نعام تشومسكي» في كتابه «البنى النحوية» الصادر سنة 1957م وتطورت فيما بعد في نماذج مختلفة مرورا بالنظرية المعيار 1965، ثم النظرية المعيار الموسّْعة 1970، ثم نظرية البرنامج الأدنوي 1993. وقد تفرّعت اللسانيات التوليدية إلى عدّة نماذج لسانية، لكنها كلها تحتكم إلى مبادى توليدية مبنية على الدراسة العقلية للغات الطبيعية، ومن بين تلك المبادئ: 1) توليد جمل لا متناهية من قواعد لغوية محدودة. 2) التمييز بين النحو الكلّي الذي تشترك فيه جميع اللغات الطبيعية، والأنحاء الخاصة التي تختص بها كل لغة على حدة. 3) صياغة قواعد اللغة صياغة رياضية قابلة للتعميم. 4) اعتبار استقلالية التركيب على الدلالة والتداول. وقد انتقلت هذه النظرية إلى العالم العربي على يد مجموعة من اللسانين العرب منهم «عبد القادر الفاسي الفهري، وداود عبده، وميشيل زكريا».
- [3] أحمد المتوكل، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، بنية المكونات أو التمثيل الصرفي التركيبي، دار الأمان، المغرب، (د-ت-ط) ص 221.
- [4] عبد القادر الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية: نماذج تركيبية ودلالية، الجزء الأول، دار توبقال للنشر، ط1. 1985، ص 106 وما بعدها.
- [5] خليل عمايرة، في نحو اللغة وتراكيبها، منهج وتطبيق، عالم المعرفة، جدّة، ط1، 1984. ص 93-94.
- [6] ميشيل زكريا، الألسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية، الجملة البسيطة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط2، 1986، ص 24-43.
- [7] داود عبده، أبحاث في الكلمة والجملة، دار الكرمل للنشر والتوزيع، ط1، 2008، ص 103-124.
- [8] الرشيد أبو بكر، استخدام التحويلات في دراسة اللغة العربية، المجلة العربية للدراسات اللغوية، الخرطوم، السودان، عدد1، 1982.
- [9] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 104.
- [10] بخصوص «المفعول به» فإنّ وجوده في الجملة مرهون بطبيعة «الفعل» فالمفعول إذن عنصر متغيّر بحسب الفعل هل هو لازم أم متعدّي.
- [11] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 104. والبناء الموازي، نظرية بناء الكلمة والجملة، ص55.
- [12] لمزيد من التفصيل، ينظر: الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، الصفحات 105-106-107.
- [13] يشير الرمز (❊) في أدبيات الكتابة اللسانية إلى أنّ الجملة لاحنة وغير مقبولة نحويا ودلاليا.
- [14] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 106.
- [15] نظرية (س-خط) نظرية لسانية توليدية ظهرت في سبعينيات القرن الماضي ضمن مرحلة من مراحل تطور نظرية اللسانيات التوليدية التحويلية، تقوم هذه النظرية مفهوم الإسقاط؛ حيث (س) مقولة متغيرة يمكن أن تكون اسما، أو فعلا، أو صفة، أو حرفا. لمزيد من التفصيل، انظر: مصطفى غلفان، اللسانيات التوليدية، من النموذج ما قبل المعيار إلى البرنامج الأدنوي، عالم الكتب، الأردن، ط1، 2010، ص 173-174-175.
- [16] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 108.
- [17] انظر تعليق الفاسي الفهري على اقتراح تشومسكي في الهامش رقم (4) من كتابه «اللسانيات واللغة العربية، الجزء الأول» ص 105.
- [18] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 109.
- [19] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 111.
- [20] نفسه، ص 112-113.
- [21] نفسه، ص 114.
- [22] الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ص 115.
- [23] اللسانيات واللغة العربية، ص 123.
- [24] اللسانيات واللغة العربية، ص 128-129.
- [25] نفسه، ص 129.
- [26] اللسانيات واللغة العربية، ص 130. يقصد الفاسي الفهري بالمكوّن الذريعي «العناصر السياقية والمقامية المتحكمة في إنتاج البنيات التركيبية» وهي عناصر لا تدخل في اهتمامات التحليل التوليدي الذي يتبنّاه الفاسي الفهري في جل كتاباته اللسانية.
- [27] القواعد التحويلية هي القواعد التي تُحوِّل البنية العميقة للجملة في لغة طبيعية ما إلى البنية السطحية بواسطة آليات مختلفة، منها: الحذف، والزيادة، وتغيير الترتيب، والحركات الإعرابية. لمزيد من التفصيل، انظر:
- أحمد خليل عمايرة، في نحو اللغة وتراكيبها، منهج وتطبيق، منشورات عالم المعرفة، جدّة، ط1، 1984، ص 88-171.
- [28] داود عبده، أبحاث في الكلمة والجملة، دار الكرمل للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، ص 119-120 وما بعدهما.
- [29] داود عبده، المرجع نفسه، ص 120-121.
- [30] داود عبده، المرجع نفسه، ص 121.
- [31] داود عبده، المرجع نفسه، ص 122.
- [32] داود عبده، المرجع نفسه، ص 122.
- [33] داود عبده، المرجع نفسه، ص 123.
- [34] أحمد المتوكل، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، بنية المكونات، بنية التمثيل الصرفي التركيبي، دار الأمان، الرباط، (د-ط-ت) ص 230.
- [35] يستعمل المتوكل في جميع كتاباته مصطلح «البنية التحتية» في مقابل مصطلح «البنية العميقة» الذي اللسانيات التوليدية.
- [36] سنعود في المحور اللاحق لمناقشة دور الوظائف التداولية في العدول من رتبة إلى أخرى في محور خاص بعنوان: مستويات تفسير العدول عن أصل الترتيب، انظر المحور (4) الآتي، من هذه الدراسة.
- [37] قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، ص 225.
- [38] سنتحدث عنها في المحور اللاحق، خاص بالوظائف التداولية في النحو الوظيفي.
- [39] قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، ص 227.
- [40] الـمرجع نفسه، ص 227.
- [41] قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، ص 234.
- [42] ابن منظور، لسان العرب، مادة (ف-س-ر).
- [43] مساعد مسلم، أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي، مؤسسة الرسالة، لبنان، ط1، ط1، 1405 هـ / 1984م، (ص 46).
- [44] أحمد عمر أبو حجر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان، دار قتيبة للنشر، دمشق، ط 1، 1991م/1411 هـ، (ص 16).
- [45] Noam Chomsky, Essays on form and Interpretation, Elsevier North-Holland 1977.
- [46] لـمزيد من التفصيل، انظر: مصطفى غلفان، اللسانيات التوليدية، (ص 195-386).
- [47] ابن جنّي، الخصائص، (ج1، ص 300).
- [48] سيبويه، الكتاب (ج1 /ص 34).
- [49] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، تح: محمود شاكر، مكتبة الخانجي، ص 108.
- ([50] المرجع نفسه، (ص 110-111).
- [51] سيبويه، الكتاب (ج 1، ص 34).
- [52] ابن جنّي، الخصائص، (ج1، ص 295).
- [53] الرضي الأستراباذي، شرح الكافية، (ج1، ص 197-196).
- [54] Noam Chomsky, Cartesian Linguistics, New York and London, 1ed, 1966, p 61-62-63, (pdf).
- [55] ميشيل زكريا، الألسنية التوليدية والتحويلية وقواعد اللغة العربية، النظرية الألسنية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط1، 1982، ص137-156. وانظر كذلك: الفاسي الفهري، اللسانيات واللغة العربية، ج1، ص 71 وما بعدها، حيث تحدث عن الـمكونين التركيبي والدلالي، والتعالق بينهما. سنقوم في هذا المحور من الدراسة بتقديم عرض موجز لهذه المكونات كما صاغها اللسانيون التوليديون العرب.
- [56] الألسنية التوليدية التحويلية، النظرية الألسنية، مرجع سابق، ص 158-159-160. تجدر الإشارة إلى أنّ العمل التفاعلي بين جميع المكونات في النظرية التوليدية، لم يبدأ إلا مع الاهتمام بالمكوّن الدلالي في النماذج التي جاءت بعد نموذج 1957. خاصة في النماذج 1965-67-70.
- [57] نقصد هنا نظرية النحو الوظيفي في السياقين الغربي والعربي، وتهمنا في هذا الإطار الاقتراحات التي قدّمها أحمد المتوكّل في جميع مراحلها. بدءا من الوظائف التداولية 1985، ووصولا إلى نـحو الخطاب 2012.
- [58] أحمد المتوكل، من البنية الحملية إلى البنية الـمكونية، وظيفة المفعول في اللغة العربية، دار الثقافة، ط1، 1987،
- ص 05.
- [59] أحمد المتوكّل، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، بنية المكونات أو التمثيل الصرفي التركيبي، دار الأمان، الرباط، ط1، 1996، ص 236.
- [60] أحمد المتوكّل، اللسانيات الوظيفية، مدخل نظري، دار الكتاب الجديد، ط2، 2010، ص 139.
- [61] أحمد المتوكّل، الوظيفة والبنية، مقاربات وظيفية لبعض قضايا التركيب في اللغة العربية، منشورات عكاظ، ط1،
- د-ت، ص 11.
- [62] المتوكل، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص 28-69-114-145-161.
- [63] يُميّز في النحو الوظيفي بين ثلاثة أنواع من مخصصات الحمل، مخصص المحمول الذي يشكل الصيغة والوجهة والزمن، ومخصص الحد الذي يشمل التعريف والتنكير والإفراد والتثنية والجمع…، ومخصص القوة الإنجازية. ينظر: اللسانيات الوظيفية، ص 156.
- [64] أحمد المتوكّل، الوظيفة والبنية، مرجع سابق، ص 21.
- [65] انظر: اللسانيات الوظيفية، ص 156. / ودراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، ص19
- [66] المتوكل أحمد، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، ص20.
- [67] ينتمي «النّبر» إلى مستوى قواعد النبر والتنغيم، وهو المستوى الأخير قبل التمثيل النهائي لبنية الجملة. ويُسندُ النّبر في النحو الوظيفي إلى الـمُكوّن الحامل للوظيفة التداولية البؤرة، سواء كانت بؤرة جديد، أم بؤرة مقابلة. انظر: اللسانيات الوظيفية، مدخل نظري، ص 181.
- [68] المتوكل أحمد، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، ص 21.
- [69] أحمد المتوكل، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، مرجع سابق، ص 239.
- [70] لـمزيد من التفصيل حول أنواع المقامات التي تتحيّز فيها الوظائف التداولية للمكونات، انظر: أحمد المتوكل، الوظائف التداولية، ص 29-30.