إشكاليات تدبير الزمن التشريعي للقوانين
طالب باحث في سلك الدكتوراه
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بطنجة
المغرب
ملخص
يعالج هذا البحث بعض السلبيات الناتجة عن التدبير الخاطئ للزمن التشريعي في إنتاج القوانين سواء أثناء إيداعها أو خلال مراحلها المسطرية من لحظة الإعداد إلى غاية التنفيذ والإصدار. وقد وقفنا على بعض هذه الإشكاليات، حصرناها في قانون المالية، وبالضبط في جزئية إيداعه، وكذلك تأثير نظام الثنائية المجلسية على التدبير الجيد للزمن البرلماني. وركزنا ضمن هذا البحث أيضاً على منطق الاستعجال الذي يعترضُ بعض القوانين بمبرر الضَّرورة والاستثناء، ومثلنا لها ببعض الأمثلة الدالة في هذا السياق.
This research addresses some of the drawbacks resulting from improper management of legislative timing in law production, whether during its deposit or throughout its procedural stages from preparation to enactment and issuance. We have only touched upon some of these issues, focusing specifically on financial legislation, particularly in its deposit phase, and also the impact of bicameralism on the effective management of parliamentary time. Additionally, this study has also focused on the logic of urgency that hinders some laws under the pretext of necessity and exceptionality, exemplifying this with relevant examples in this context.
كلمات مفتاحية: الزمن التشريعي، التشريع، القانون...
Keywords : Legislative timing, legislation, law...
مقدمة
يشكل الزمن محوراً يؤطر العملية التشريعية، إذ يتدخل في جميع مراحل المسطرة التي يمر منها إنتاجُ القانون، ويتحكم في كل التفاصيل المسطرية. وقد نص عليه المشرع الدستوري، وضَمنه في مختلف السياقات التشريعية، إذْ لا يمكنُ تصور نظام قانوني دون تدخل للزمن فيه، فهو لصيق بكل مراحله، ملزمٌ للمشرع أنْ يراعيه ويضبطه وينفذه، لأنَّه جزءٌ لا يتجزأ من صناعة التشريع.
ويرتبط الزمن بالعمل البرلماني سواء تعلق الأمر بالتشريع أو بالرقابة، وقد نص المشرع في الدستور تمثيلاً على أزمنة محددة لصدور القوانين التنظيمية، وأزمنة مضبوطة متعلقة بمسطرة إيداع القوانين العادية، وكذا الحضور الزمني الدقيق فيما يتعلق بمشروع قانون المالية. ونفس الأمر على المستوى الرقابي ووظيفة مجلسي البرلمان في هذا السياق، كما فصلت في ذلك الأنظمة الداخلية لمجلس النواب والمستشارين.
لكن، يشوبُ هذا الزمن عدة تدخلات، إما تقوضه، أو تتسعف عليه، أو تهمله… ويرجع ذلك إلى جملة أسباب، سنشير إلى بعضها ضمن هذا البحث. على أنَّ هذه الورقة لنْ تتوسعَ في تتبع تفاصيل الأزمنة التشريعية المذكورة كلها، إنما ستركز على ما تعلق بالزمن البرلماني خصوصاً ما ارتبط بإيداع قانون المالية، أو التأثير الذي يفرضه نظام الثنائية المجلسية في تأخير القوانين عن صدورها، وبطئه في المسطرة والإنجاز، كما سنقفُ على إشكالية الاستعجال في إصدار بعض المراسيم والقوانين الواقعة تحت ضغط حالة الضَّرورة، والمسائل المرتبطة بذلك.
- التأخر في إيداع مشروع قانون المالية
إنَّ من أبرز الإشكالات المتعلقة بزمن وتوقيت إيداع مشروع قانون المالية من طرف الحكومة على أنظار البرلمان، أنه لا يترتبُ عليه أيُّ جزاء، ويجدُ البرلمان نفسه في هذا السياق ووسط هذا التأخير، في دوامة من الضَّغط الزمني لا تسمحُ له فيه أنْ يستفيد منَ المدة المخصصة له لمناقشة تفاصيل هذا المشروع كاملاً، فيضطر البرلمانُ مع تأخر الحكومة في إحالة مشروع قانون المالية عليه إلى المسارعة في مُدارسة المشروع والالتزام بالمدة الزمنية المحددة رغم عدم كفايتها.
وإنَّ التزام الحكومة ومجلسي البرلمان بالآجال الدستورية لإخراج قانون المالية إلى الوجود، مرده إلى تجنب الصراعات السياسية فيما بينهما، حيثُ إنَّ التأخير في إيداع مشروع قانون المالية قد ينتجُ عنه إخضاع أعضاء مجلسي البرلمان لشروط عمل أكثر تعقيداً، عندما يُـضاف إلى الإعاقة التقنية، ومظهر الخطورة في هذا الصدد المتجلي في تحول العمل التشريعي الذي ينجر للتصويت على مشروع قانون المالية إلى ما يشبه سباقاً محموماً ضدَّ الزمن، وهو الأمر الذي يصعّبُ عملية التعديل وتعميق القراءة والنظر في كل التفاصيل، مما يؤدي إلى عدم تلاؤمه مع الظروف التي يجري وفقها دراسة قانون المالية منَ الناحية الزمنية([1]).
ومنَ الواجب ضمن هذا الخلل الحاصل، أنْ يتم فرضُ جزاءٍ على الحكومة في حال تأخرها في عدم إيداع مشروع قانون المالية لدى مكتب مجلس النواب في الأجل المحدد قانوناً، حيث أنه في المقابل إذا لم يصوت البرلمان على هذا المشروع، فإنَّ الحكومة تفرضُ جزاءً غير مباشر بفتح اعتمادات مالية لازمة لتسيير المرافق العمومية، وإنْ كانَ فتحُ هذا الاعتماد لا يمكنُ تسميته جزاءً بالمعنى المتعارف عليه، إذْ إنَّ موقع الحكومة والبرلمان مختلفين، ولا يمكنُ الدخول في انتظارية وهمية تعطلُ مصالح الناس، خصوصاً وأنَّ هذه الاعتمادات لا تقرر مشاريع، وإنما هي مرتبطة بمصاريفَ عادية متعلقة بالتسيير ودوران العجلة الاقتصادية للمجتمع. ورغم ذلك، لا يمكنُ التماهي مع هذا التأخر بدعوى اختلاف طبيعة التدخل بينَ كل من الحكومة والبرلمان، إذْ إنَّ الالتزام كما هو منصوصٌ عليه منْ طرفِ المشرع ملزمٌ لكلا الطرفين.
أما بخصوص قانون التصفية، فإنَّ عملية إيداع مشروعه يعدُّ محكماً منَ الناحية الزمنية، حيث إنَّ الحكومة تكونُ ملزمةً بإيداعه بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، ولا يمكنُ لها أنْ تتجاوز في ذلك الأجل المحدد لها بموجب المادة 65 من القانون التنظيمي رقم 130.13 الخاص بقانون المالية. ومنْ ثم، فإنَّ الحضور القوي للزمن في المسطرة الخاصة بهذا النوع من القوانين، يشكل في حد ذاته آلية لإلزام الحكومة زمنياً في علاقتها مع البرلمان من جهة، ومن جهة أخرى لتفادي تراكم هذه القوانين وما سينتجُ عنه منْ آثار قد تجعلُ البرلمانَ والحكومة في مأزق قانوني وسياسي تجاه الرأي العام، وأمام المجلس الأعلى للحسابات الذي يلعب أدوارا رئيسة في هذا المجال([2]).
ورغم إمكانية التزام الحكومة بالجانب المتعلق بالأجل الدستوري للإيداع، إلا أنَّ ذلك لا يمكنه منع عدم الالتزام والاستهتار الذي يمكنُ أنْ تقوم به الحكومة ومجلسي البرلمان في شأن دراسته والتصويت عليه، بالإضافة إلى ظاهرة تأخر نشره في الجريدة الرسمية([3]).
ويمكنُ القول، إنَّ المدخل لفهم عدم التوازن في الالتزام بالمسؤولية بشأن قانون المالية في إيداعه، يرجعُ بالأساس إلى غياب التوازن بين السُّلطتين التشريعية والتنفيذية، وكذلك بعض الاعتبارات السياسية على الوجه الخصوص والمتدخلة في عملية التشريع، بالإضافة إلى الإمكانيات المتاحة للحكومة على حساب البرلمان بشأن الإعداد، والمعلومات والكفاءات التقنية والبشرية.
- الثنائية المجلسية عائقٌ أمام تدبير زمني جيد
ومن الإشكاليات الأخرى المتعلقة بطبيعة تدبير الزمن البرلماني، والمؤثرة على العمل التشريعي وإجراءاته المسطرية، ما ارتبط بأمر الثنائية المجلسية والتي تفرضُ خضوعاً لقاعدة التداول بينَ المجلسين، حيثُ تواجه المؤسسة البرلمانية تحدياً حقيقياً يكشفُ عن طبيعة حسن تدبير الزمن البرلماني المخصص لتداول النصوص التشريعية فيما بين المجلسين، وذلك في ظل اعتماد نظام الغرفتين والدورتين في المغرب.
إنَّ مشكلة الثنائية المجلسية، وإن كانت مفيدة للديمقراطية “التشريعية”، وتمكنُ منْ إعطاء الوقت الكافي، والتأني في قراءة جميع الحيثيات، لأجل تجسيد الشرط الأمثل لإنتاج القواعد القانونية، تطرحُ بعض الإشكاليات المتمثلة في البطء الذي يلف إنتاج القوانين، من خلال تكرار نفس المراحل، من دراسة لمشاريع ومقترحات القوانين أمام كلا المجلسين، مما ينتج عنه أو قد ينتج عنه إدخال تعديلات مكررة إلى حين الاتفاق حول حل وسط بينهما.
ويغلبُ أنصار نظام الغرفتين هذا البطء، بما يقتضيه الحذر من ضرورة إعادة تقليب النظر والتريث قبل إصدار القوانين، ذلك أن القانون المصوت عليه من طرف مجلس واحد، يمكنُ أنْ يكونَ صادراً عن انفعال جماعي، أو تصويت فجائي([4])، مما يؤثر على الغرض من وضع القوانين والهدف منها، خصوصاً وأنها تتعلقُ بأحوال الناس وشؤونهم.
إنَّ استقراءً سريعاً لمعدل الزمن التشريعي المتعلق بدراسة النصوص القانونية، بينَ مجلسي النواب والمستشارين، يعطي إشارةً تفيدُ بأنَّ المجلس الذي تودع فيه النصوص أول مرة، وفي الغالب يكون مجلس النواب ما لم يقض التخصص بالإحالة على مجلس المستشارين، كانَ أمد الدراسة في مجلس النواب طويلاً مقارنةً مع الإحالة على المجلس الثاني.
كذلك، نجد أنَّ نظام الدورتين، بما يعكسه من تنظيم زمني للإنتاج التشريعي، ورغم تأثيره البسيط في العملية التشريعية، إلا أنه يمكنُ أن يُفرض على هذا النظام نوع عرقلة تقضي بختام الدورة التشريعية العادية في ظروف قد لا تكونُ ملائمة وقانون يجري الاشتغال عليه على سبيل المثال، وفي آخر مراحله، مع العلم بأن اللجان البرلمانية الدائمة تواصلُ عملها وإنْ ختمت الدورات التشريعية بمرسوم. وهذه الإمكانية في ختم دورات مجلس البرلمان العادية من قبل الحكومة بمقتضى مرسوم -إن استمرت أربعة أشهر على الأقل أو تجاوزتها-، قد تسمح لها بعرقلة عمل تشريعي في آخر مرحلة من مراحله داخل مجلسي البرلمان إن كانت لا ترغبُ فيه، خاصة إذا تعلق الأمر بمقترحات قوانين ذات أصل برلماني([5]). ورغم ذلك، فإنه إذا كان هناك مشروع أو مقترح قانون لا يحتمل انتظار انعقاد الدورة الموالية، فإنَّ اللجوءَ إلى فكرة الدورات الاستثنائية يبقى وارداً خصوصاً في حالات الضرورة. وإن إعطاء الحكومة حق دعوة البرلمان إلى الاجتماع في دورات غير عادية، بمكنُ تفسيره كذلك بأنه مظهر من مظاهر عقلنة عمل البرلمان التي أخذ بها المشرع الدستوري المغربي، والتي ترمي إلى تقليص حرية البرلمان في مجال ممارسته لعمله، حتى لا تؤدي تلك الحرية إلى عدم الاستقرار الحكومي([6]).
إنَّ عملية التشريع يمكنُ لها أنْ تكونَ أكثر مرونة بالشَّرط وبضوابط تحفظ جودةَ إنتاج القانون، إذا تم الاكتفاءُ بمسطرة واحدة ضمنَ مجلس واحد وتحتَ تخصص محدد ومحصور، فإذا كانتْ بعض القوانين تُعرضُ فقط على مجلس المستشارين، فالحق له أن يواكبَ المسطرة التشريعية، ويصوت على القانون دون إحالته على مجلس النواب، وهكذا الشأن مع القوانين المحالة على هذا الأخير-مجلس النواب-، كما يمكنُ الاشتراك في المناقشة إذا كانَ الأمر يتعلقُ بقانون المالية أو ما جرى مثله، وإنْ كنا نميل إلى حذف مجلس المستشارين والعودة إلى نظام المجلس الواحد، خصوصاً وأنَّ الحصيلة البرلمانية خلال الولايتين التاسعة والعاشرة، تظهر فقراً واضحاً في نتاج مجلس المستشارين مقارنة بمجلس النواب، وهذا الأخير نفسه إذا ما قارناه بنتاج الحكومة على مستوى الاقتراح والإنجاز فنتائجه ضعيفة لا تتجاوز نسبتها خمسة بالمئة من مجموع عدد القوانين المنجزة. فالثنائية المجلسية إذاً، تعد إشكالاً، ما دامتْ وظيفة مجلس المستشارين تبقى غير ذي أهمية، مع ما منحه المشرع لمجلس النواب، بخصوص وضع القوانين، وحسم الخلافات، والتصويت، والجلسات المشتركة…
- ضغطُ القوانين المستعجلة
منْ آفات التشريع، التسارع في إنجاز القوانين، والعجلة في إخراجها، مما يؤثر على جودة العمل التشريعي، وحيثُ إنَّ البطء المبالغ فيه غير محمود في مساطر العملية التشريعية، فإنَّ السرعة التي تطالُ إنجاز بعض المقررات التشريعية غير محمودة العواقب أيضاً من منطلق جودتها، والثغرات التي يمكنُ أنْ تتسربَ إليها، وكذا طبيعة الظروف المستعجلة التي قد تكتنفها، مما تتسببُ في جملة منَ الثغرات القانونية، قد لا تستدرك إلا بعد مدة طويلة، وقد رأينا هذا في عدد من القوانين التشريعية التي صيغت في ظروف معينة لا تقبل التأجيل، لكنها تسببت في مشاكل لم تكن لتخطر على بال المشرع آنذاك، وهو يستعجل بإخراجها إلى حيز الوجود.
نعلمُ أنَّ إنجاز النصوص التشريعية، يتطلبُ في بعض المرات سلوك وتيرة أسرعَ بعيداً عن القواعد الجاري بها العمل عند دراسة هذه النصوص، وهذا الخروجُ عن المسار الطبيعي يختلفُ حسبَ الظروف التي لا تسمح باستغراق حيز كبير من الزمن عند دراسة تلك النصوص، وتختلف أسبابها أيضاً من نص لآخر. ونعلمُ يقيناً أن مسطرة الاستثناء التي تتلبس بالسرعة كثيراً ما يتولد عنها مشاكل وكوارث قانونية تسير عكس الهدف الذي استحدث من أجله ذلك القانون، فيضيعُ بذلك أهم شرط كان الهدف منه تفادي كل الأعطاب الممكنة؛ هو البطء والتأني في إنتاج القواعد القانونية.
وحريٌ بالمشرع في هذا الصدد، أنْ يستبدل رغبته في التشريع بسد الفراغ التشريعي لمجال معين، بضبطه للقيمة الموضوعية والشكلية للنص حتى يؤتي أكله، وهنا يأتي دوره -المشرع-، المتمثل في الأطر التابعة لجهاز الأمانة العامة للحكومة، أو العاملة في مجلسي البرلمان، حيثُ يكون الضبط اللغوي والفني والتدقيق في التوافق التشريعات وانسجامها مع المظلة الدستورية والسياسة العامة للدولة([7])، مطلباً ملحاً لتفادي كل الثغرات الممكنة أثناء الممارسة العملية للقانون الجديد.
في السياق المقارن، حدد دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة 1958 الحالات التي يمكنُ فيها للبرلمان والحكومة اللجوء إلى حالة الاستعجال، إلا أنه تم توسيع هذه الحالات بشكل تدريجي لدوافع سياسية، وقد استعملت حكومة Jospin الاستعجال وتسريع المسطرة التشريعية ما بين 1997 و2002 في 40 في المئة من مشاريع قوانينها، أما حكومتي Raffarin وVillepin، فقد التجأت إلى ذلك ما بين 2002 و2007 بنسبة 38 في المئة. وقد أكد مجلس الدولة الفرنسي مرارا على أنه في غالب الأحيان لا يكون هناك تبرير لهذا التسرع، مما قد يؤثر سلبا على جودة القوانين، فاحترام الزمن البرلماني هو شرط لجودة القانون. ومن جهة أخرى، فقد رسخ رئيس الجمعية الوطنية Accoyer قاعدةً ترمي إلى استثناء النصوص القانونية التي تمس الحريات العامة والهجرة والأمن الداخلي من تسريع المسطرة التشريعية([8]).
إنَّ مسألة تسريع وتيرة العمل التشريعي، يمكنُ أن تستهدفَ القوانين التنظيمية كما يمكنُ أن تسري أيضاً على القوانين العادية، وقد يرجع أمر ذلك للإمكانيات التي تتيحها بعض المشاريع خصوصاً التي لها ارتباط مجتمعي، فتناقش على مستويات مختلفة، من شأن ذلك أن يساعد في تجويد النص وحسن صياغته، وإن أتت مسطرته بشكل مستعجل. وإذا كانت بعض القوانين الخاصة يمكنُ أن يجري تسريع العمل عليها، بالنظر إلى ارتباط تطبيقها بحدوث وقائع محددة، فإنه لا يمكنُ بتاتاً أن يتم تطبيق نفس الأمر على النصوص التي لها ارتباط ملزمٌ بالحياة اليومية لأفراد المجتمع، إلا إذا سلكت ما سبقت الإشارة إليه([9]).
ومن الأمثلة الواضحة لتسريع وتيرة العمل التشريعي، ما يتعلق بالتفويض التشريعي، حيث يمكنُ للحكومة باتفاق مع اللجان البرلمانية، إنتاج نصوص قانونية من اختصاص السلطة التشريعية الممثلة في البرلمان، في ظرفٍ زمني قصير، خصوصاً إذا كانت الظروف ضاغطة، ولا يُحتمل أي تأخير بشأن ذلك. وحالة الضرورة هذه يمكنُ أن تكون خاضعة لرقابة البرلمان، ويمكن ألا تكون كذلك، خصوصاً إذا كانت الحكومة تتوفر على أغلبية برلمانية تستطيعُ من خلالها تمرير ما شاءتْ من القوانين بهذه الوتيرة الاستعجالية من العمل التشريعي.
وبالعودة إلى تقارير اللجان الدائمة، يتضحُ أنَّ دراسة مشاريع قوانين المصادق بموجبها على مراسيم بقوانين، تعتبر بمثابة عملية تقييم لمدى فعالية هذه الأخيرة ومدى احترام الحكومة لمضامينها، بالرغم من كون المناسبة يتم تنظيمها أصلا لدراسة مشروع قانون وليس لدارسة مشروع مرسوم بقانون، إلى جانب ذلك، فإن المثال الحي لهدر الزمن البرلماني المرتبط بهذا النوع من القواعد القانونية، يتجلى في تأخير المصادقة على المراسيم بقوانين، بالرغم من كون الفصل 81 من الدستور قد أكد على ضرورة “عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية”. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى مشروع قانون رقم 20.17 الذي يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.16.814، المتعلق بإخضاع العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية لقواعد الانضباط العسكري.
أما مشروع قانون رقم 23.20 الذي يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، فقد عَقدتْ بشأنه اللجنة الدائمة المختصة اجتماعاً واحداً استغرق ثلاثين دقيقة، حيث تمت إحالته على مجلس النواب بتاريخ 20 أبريل 2020، ليتم إحالته بعد ذلك مباشرة على اللجنة الدائمة في نفس اليوم، ثم التصويت عليه في الجلسة العامة بتاريخ 30 أبريل 2020.
إنَّ تسريع وتيرة العمل التشريعي إذاً، تختلفُ من نص إلى آخر، ومن أبرز تجليات هذه السرعة، ما ارتبط بالتفويض التشريعي كما سبقت الإشارة آنفاً عبر مراسيم قوانين التي لم يمنح لها المشرع الدستوري سوى ستة أيام لكي تتم عملية الدراسة والتصويت عليها باللجنتين المختصتين، لكننا نجد أن عملية إعداد القوانين التي تقضي بالمصادقة عليها، قد تعرف تأخراً في بعض الحالات، وهو ما يتعارضُ مع النص الدستوري([10]).
خاتمة
إنَّ التدبير الأمثل للزمن التشريعي، يدخل في صميم بناء القاعدة القانونية وإنتاج القوانين، ولا يمكنُ تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلا بضبط ميزان الزمن، وذلك بتنفيذ الالتزامات الزمنية التي نصَّ عليها المشرع.
وعليه، فإنَّ النتائج التي يمكنُ استنتاجها ضمن محاور هذا البحث تتلخصُ فيما يلي:
- فرضُ جزاءات على الحكومة في حال تأخرتْ عن إيداع قانون المالية في الوقت المناسب المنصوص عليه دستورياً؛
- تقاسم الإمكانيات وتخويلها لفائدة البرلمان لأجل المواكبة، والقدرة على استغلال الوقت أثناء مناقشة قانون المالية، دون إضاعة للزمن في غياب المعطيات، والمعلومات والإمكانات التقنية والبشرية؛
- إيجاد حلولٍ مشتركة تقلص من الهدر الزمني التي تستنزفه المسطرة التشريعية، بتمييز القوانين عن بعضها بحسب التخصص، وذلك اكتفاءً بمناقشة المجلس المعني وتخويل مجلس المستشارين لإمكانية التصويت والمصادقة على القوانين المحالة عليه وجوباً؛
- تأطير حالة الضرورة، وتقوية مدخلات الرقابة البرلمانية على القوانين ذات الطابع الاستعجالي لتفادي أي ضرر لاحق أثناء التنزيل.
الإحالات:
- ([1]) نور الدين أشحشاح، الرقابة على دستورية القوانين في المغرب -دراسة مقارنة-، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية 2000-2001، ص: 502.
- ([2]) إسماعيل منصوري، تأثير الزمن البرلماني على الأداء التشريعي والرقابي، منشورات مركز الأبحاث في إنتاج القواعد القانونية، الرباط، 2021، ص: 41.
- ([3]) أحمد بوز، البرلمان المغربي: البنية والوظائف-دراسة في القانون البرلماني المغربي-، المجلة المغربية للعلوم السياسية والاجتماعية، 2016، ص: 109.
- ([4]) عبد الرحمن القادري، المؤسسات الدستورية والقانون الدستوري، ج1، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1985، ص: 306.
- ([5]) إسماعيل منصوري، مرجع سابق، ص: 93.
- ([6]) محمد ولد سيد أب، الوظيفة التشريعية في دول المغرب العربي، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية: 1999-1998، ص: 575.
- ([7]) إسماعيل منصوري، مرجع سابق، ص: 139.
- ([8]) Jean-Félix de bujadoux, le nouveau parlement : la révision du 23 juillet 2008, op.cit. p :16-17.
- ([9]) إسماعيل منصوري، مرجع سابق، ص: 141.
- ([10]) إسماعيل منصوري، مرجع سابق، ص: 147.