جهود الزَّجاجي النحوية
من خلال كتابه “علل الإيضاح” – دراسة وصفية تطبيقية
أستاذ مشارك
جامعة سنار – السودان
ملخص
هدفت هذه الدراسة إلى الوقوف على جهود الزجاجي النَّحوية من خلال كتابه ” الإيضاح في علل النحو” ، فهو يكتب النحو بطريقه سلسة ، وأسلوب أدبي عذب ، وأنَّ منهجه فيه قائم على تجنب الجدل النظري والتعليل الفلسفي ، ويعتبر الزجاجي من أكثر علماء عصره نشاطا وحيوية في ميادين النحو واللغة والأدب ، إذ هو صاحب الصوت المدوي قبل أن يغلب صوت الفارسي وابن جني ، وأنه قبل ذلك كان يمثل حلقة من حلقات التاريخ النحوي ، فقد كان مستقل الشخصية ، حرّ الفكر ، لا هو بالبصري المحض ولا بالكوفي المحض ، وإنَّما يمزج بين نحوي البصرة والكوفة ، ويأخذ من محاسنهما، فلا يخشى أن يخالف فيه من سبقه، كوفياً كان أو بصرياً ، تأتي أهمَّية هذا البحث في النزعة التجديدية للنحو العربي التي تمزج بين النَّحو البصري والنَّحو الكوفي والتي يعتبر الزجاجي رائدها وحامل لوائها في ذلك العصر ، اتبع الباحث المنهج الاستقرائي والوصفي التحليلي ، توصَّل في ختام البحث إلى عدد من النتائج والتوصيات أهمَّها : أوضح الزجاجي أن غايته من تأليف هذا الكتاب هو البحث في علل النحو وإيضاح بعض أسراره وكشف المستغلق من لطائفه وغوامضه…
This study aimed to examine Al-Zajjaji’s grammatical efforts through his book “The Clarification of the Reasons for Grammar.” He writes grammar in a smooth manner and a sweet literary style, and his approach to it is based on avoiding theoretical controversy and philosophical reasoning. Al-Zajjaji is considered one of the most active scholars of his time. He is vital in the fields of grammar, language and literature, as he was the owner of a resounding voice before the voice of the Persian and Ibn Jinni prevailed, and before that he represented an episode of grammatical history. He was an independent personality, free-thinking, neither purely visual nor purely Kufic, but rather a mixture of The grammar of Basra and Kufa, and takes from their virtues, and is not afraid to disagree with those who preceded him, whether Kufic or visual. The importance of this research comes from the innovative tendency of Arabic grammar that mixes visual grammar and Kufic grammar, of which Al-Zajjaji is considered its pioneer and standard-bearer in that era. The researcher followed the method. Inductive and descriptive analysis, at the conclusion of the research, he reached a number of results and recommendations, the most important of which are: The style of the book of clarification is based on argumentation and the presentation of various proofs for the various opinions of grammarians…
مقدمة
هناك مؤلفات كثيرة في تراثنا العربي وردت فيها آراء نحوية ولغوية وصرفية، جديرة بالدارسة واستخلاص ما فيها من جهد، ومن هذه المؤلفات كتاب (الإيضاح في علل النحو) للزجاجي، حيث يستعرض فيه بإيجاز سبب وضع الكتاب وموضوعه، ذاكرا الطريقة التي سيسلكها في معالجة بحثه ، فيقول: “هذا كتاب أنشأناه في علل النحو خاصة، والإحتجاج له وذكر أسراره، والكشف عن المستغلق من لطائفه وغوامضه دون الأصول، لأن الكتب المؤلفة في الأصول كثيرة جدا”، فهو يريد أن يسد فراغاً لم يسبقه إلى سده أحد ، وبذلك حدد الزجاجي موضوع كتابه بالعلل خاصة، وبيَّن أنه لن يتعرض للأصول أي القواعد النحوية، لأنه يؤلف في موضوع العلل هذا الموضوع الذي نزل به الضيم ـحتى غدا بحثاً مهملاً أو ثانويا يؤتى به بعد الأصول ، ولا يغفل الزجاجي بعد ذلك الإشارة إلى مصادر بحثه، فيذكر أنه استنبط من مصادر غيره من العلماء، وأنه أخذ الكثير عن الشيوخ تلقياً ومشافهةً .
- أسباب اختيار الموضوع:
وتتمثل في الآتي:
- أسلوب المؤلف في معالجة موضوع العلل، فهو لا يقوم على التطويل والإكثار، بل يؤثر الاختصار.
- عرضه لمسائل النحو بطريق سلسة، وإيراده آراء النحاة المختلفة وذكر ما ورد عليها من الاعتراضات والأدلة والبراهين.
- يزعم المؤلف أنه لا يوجد كتاب غيره مفردا في علل النحو مستوعبا فيه جميعها.
- أهداف البحث:
يهدف البحث إلى الآتي:
الوقوف على جهود وآراء الزَّجاجي النحوية من خلال كتابه “الإيضاح في علل النحو”.
- أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في النزعة التجديدية والمستقلة للنحو العربي، والتي تمزج بين النحو البصري والنحو الكوفي، والتي كان رائدها وحامل لوائها في ذلك العصر الزجاجي.
- منهج البحث:
اتبع الباحث في كتابة هذا البحث المنهج الاستقرائي والوصفي التحليلي.
- الدراسات السابقة:
من خلال البحث والاطلاع لم أقف على دراسة مفردة عن الزجاجي وجهوده النحوية من خلال كتابه الإيضاح.
- خطة البحث:
وتتكون من الآتي:
ملخص
مقدمة
المبحث الأول: حياته ونشأته
المبحث الثاني: التعريف بكتاب الإيضاح
المبحث الثالث: جهود الزجاجي النحوية من خلال كتابه
خاتمة
أهمَّ المصادر والمراجع
المبحث الأول: حياته ونشأته
اسمه ومولده:
هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق المشهور بالزَّجاجي، نسبة إلى أستاذة الزَّجاج الذي لزمه في دراسة النحو وتأثر به، ولد بنهاوند –جنوبي همذان – وطاف كثيراً من البلدان، فنزل بغداد حيث لَقِيَ أستاذه إبراهيم بن السُّري الزَّجاج فلازمه حتى نسب إليه، وسافر إلى الشام فأقام بحلب مدة ثمَّ غادرها إلى دمشق، ثمَّ إلى طبرية ومات بها سنة 337ه على أرجح الأقوال ([1]).
شيوخه:
كان الزَّجاجي شديد الولع بالعلم، أكثر من الأخذ عن علماء عصره، فأخذ عن الزجَّاج، ومحمد بن رستم الطبري، وابن كيسان، وابن شقير، وابن الخياط، وابن السراج، والأخفش وغيرهم ([2])، وتخرَّج على يديه عدد كبير من التلاميذ أكثرهم دمشقيون.
ثقافته:
كانت ثقافته موضع احترام القوم في عصره، فقد أثنوا عليه وعوَّلوا على تصانيفه، حتى ظهر الفارسي وابن جني، فلم يتكلم العلماء عنه بسوء، أو وجدوا إلى الطعن فيه سبيلا، غير أبي علي الفارسي الذي قال حين وقف على بعض مسائله في النحو: ” لو سمع الزجاجي كلامنا في النحو لاستحيا أن يتكلم فيه. ([3])
مذهبه النحوي:
أمَّا مذهب الزجاجي في النحو، فهو مذهب تلك الطبقة من العلماء الذين جاءوا على أعقاب ثعلب والمبرد، وجمعتهم حلقات العلم في مساجد بغداد وقصورها، ففترت لديهم حدَّة التعصب، وبسطوا المذهبين وأخذوا من كلٍ، وقد أخذ الزجاجي عن علماء بصريين وكوفيين وأخذ عن آخرين ممن جمعوا بين المذهبين وأحاطوا بالقولين، فكان مثلهم في الجمع والإحاطة، وكان كشيخه الزجاج في ميله إلى البصرة والأخذ برأيها في أكثر الأحيان، فلم يكن متعصباً ولا مقلداً، وإنما كان حر الفكر مستقل الرأي مع سماحة في النفس ونبل في الخلق.
مؤلفات الزجاجي:
ألَّف الزجاجي في شتى علوم النحو واللغة والأدب، ولكن مؤلفاته لم تصل إلينا كلها، وما وصل إلينا لم يطبع إلَّا أقلَّه، ونعرَّف فيما يلي ببعض مؤلفاته:
- كتاب الجمل: كتاب في النحو واسع الشهرة، صنفه الزجاجي بمكة وطار ذكره بين الناس، وأكثروا من استعماله ودراسته وألزموا أنفسهم حفظه ودرايته، وعوَّلوا عليه في دراسة النحو. طبع الكتاب سنة 1926م على نفقة كلية الآداب في الجزائر بتحقيق الشيخ ابن أبي شنب.
- الأمالي: أمالي الزجاجي مجموعة أخبار ينتقل القاري فيها من تفسير آية من القرآن إلى خبر تاريخي، ومن شعر ابن أبي ربيعة إلى رثاء ابن أبي داوود، وللامالي أكثر من نسخة، منها الأمالي الوسطى، ومنها الصغرى، ولعلَّ الصغرى هي التي طبعت بمصر سنة 1324ه بتحقيق الأستاذ أحمد أمين الشنقيطي، ثم أعيدت طباعتها سنة 1354ه.
- الإيضاح في علل النحو: وهو دراسة للعلل النحوية، جمع فيه الزجاجي كثيرا من العلل التي كانت معروفة في عصره، وقد حققه د. مازن المبارك ونشرته مكتبة دار العروبة في القاهرة سنة 1959م، ثم أعادت نشره مكتبة دار النفائس –ببيروت.
- شرح مقدمة أدب الكاتب: وهو كتاب شرح فيه الزجاجي خطبة ابن قتيبة في (أدب الكاتب) شرحاً عنى فيه باللغة والنحو والصرف.
- مختصر الزاهر: الزاهر في معاني الكلام الذي يستعمله الناس، كتاب لأبي بكر بن الأنباري، وقد شرحه الزجاجي واختصره وحذف منه الشواهد وتعليق ابن الانباري عليها.
- كتاب معاني الحروف: عدَّ بروكلمن من بين مؤلفات الزجاجي كتابا باسم (حروف المعاني) وأما (معاني الحروف) فلم يذكره أحد غير ابن خير الإشبيلي.
- كتاب الهجاء: ذكره الزجاجي نفسه في كتاب الجمل وذلك حين قال في كتاب الأفعال المهموزة: “وقد ذكرت عامتها في كتاب الهجاء”.
- شرح رسالة سيبويه: لم يشر أحد من الباحثين إلى هذا الكتاب على كثرة عنايتهم بكتاب سيبويه وما يتصل به، والذي ذكره إنما هو صاحبه نفسه وقد أعاد ذكره غير مره في كتاب “الإيضاح في علل النحو” وهذا الكتاب شرح للصفحات الأولى من كتاب سيبويه.
المبحث الثاني: التعريف بكتاب الإيضاح
أولاً. مقدمته
يتألف كتاب الإيضاح من مقدمة صغيرة وثلاثة وعشرين باباً، يضاف إليها مسائل صغيرة متفرقة ألحقها الزجاجي في آخره، وأمَّا مقدمته فيتحدث الزجاجي في صدرها عن ضرورة العناية بالمؤلَّف، لأنه صورة لعقل صاحبه يعرضها على الناس، وأما طريقته في معالجة الموضوع فلا تقوم على التطويل والإكثار، بل هو طريق يؤثر الاختصار ، وترك الخلاف، وإهمال السند ، وانتقاء أحسن وجوه الكلام، إذا كانت للمسألة منه وجوه عدة، وبعد أن ينتهي الزجاجي حديثه عن كل ما سبق، ينتقل إلى تقديم كتابه إلى من يحب التطلع إلى العلم منبهاً من يسمو إلى نقده أن يتئد ويتمهل، وأن يفكر ويتدبر، فقال: “ليعلم الناظر في هذا الكتاب، أنا لم أنال جهداً في ترتيبه وتهذيبه ونظمه واختياره حسب الطاقة ومع ارتجالنا إياه وتكلفنا جمعه من مواقعه غير عاملين علي مثال سابقه، ولا محتذين على نظم تقدمه” ([4])، وآخر ما يتعرض له في مقدمة الكتاب هو ذكر السبب في تسميته بالإيضاح، فيترك ما أودعه في الكتاب أن يرد على من ينكر عليه هذه التسمية العادلة، ثم ينهي مقدمته بذكر أقسام الكتاب فيقول: “وهذا الكتاب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول منه في ذكر العلل خاصَّة، والثاني في المسائل المجردة، ليكون أسهل متناولا”.([5])
ثانيا. أسلوب الكتاب
أسلوب الكتاب يقوم على الجدال وعرض البراهين المختلفة لشتى آراء النحويين، وكثيراً ما يتخذ الزجاجي في معالجته للأفكار طريقة السؤال والجواب، حتى إذا لم يجد سائلا يسأله تخيَّله تخيَّلا وألقي السؤال على نفسه ليتولى الإجابة عنه، وهو في عرضه لمسائل النحو وإيراده آراء النحاة المختلفة وذكر ما ورد عليها من الاعتراضات وما قدموه بين يديها من الأدلة والبراهين، إنما يذكرنا بابن الانباري في كتاب “الإنصاف” إذ يبدأ الزجاجي عرض المسألة بذكر رأي البصريين ويمثله غالباً قول سيبويه ، ويتبعه برأي المخالفين ثم يفصَّل حجج كل منهم بادئاً بحجج الأضعف ليختم الحديث بإقرار حجج الأقوى ([6])، وقد يعكس فيقدم حجج الأقوى ثم يتبعها بالأضعف ليوهيها ويبيَّن فسادها”([7]).
ثالثاً. غايته وقيمته
ذكر المؤلف أن هذا الكتاب يسعى لتقريب النحو لفهمه وتيسير الوقوف على أسراره، وقد عنى الزجاجي بالمبتدئين واهتمَّ بهم وألف لهم، وكذلك من الأغراض تبيان قيمة النحو وضرورة إتقانه والدفاع عن الإعراب، فقد خصّ “فائدة تعلم النحو” بباب جمع فيه على إيجازه الكثير من الأقوال في تفضيل العربية وضرورة حذقها وامتداح الإعراب فيها.
رابعا. تحقيقه
يقول د. مازن المبارك محقق الكتاب ([8]): “لما كانت الغاية من تحقيق النصوص إنما هي إخراجها صحيحة سليمة، كما وضعها المؤلف، فقد بذلت الجهد في هذا السبيل، مراعيا ما تستوجبه إعادة النص إلى وضعه الأول من حيطة وحذر ودقة وأمانة، فلم تكن مواضع الإبهام والغموض كثيرة فيه، وقد التزمت في تحقيقها القواعد الآتية:
- احترمت النص فلم أتدخل فيه إلا بالقدر اليسير الذي لا يمس جوهره ككتابته وفق القواعد الإملائية المعروفة اليوم؛
- صححت ألفاظاً وردت في النص مخالفة لقواعد النحو، وأشرت إلى هذا التصحيح في الحاشية؛
- جاءت في النص كلمات كثيرة مشكولة، ولم يكن شكلها ذا فائدة، وكان شكل الكثير منها خطأ، فقد أهملت الشكل في النص؛
- ضبطت الأعلام التي وردت في الكتاب وترجمت لها؛
- عرَّفت بالكتب التي وردت أسماؤها في النص ودللت على أماكن وجودها؛
- خرَّجت شواهد النص من آيات وأشعار؛
- وجدت في النص جملاً قليلة غير مستقيمة فحاولت تقويمها بما يناسب السياق من زيادة كلمة أو حرف، ونبهت على ذلك بأن وضعت الزائد بين هذين المعقوفين ( ) وأشرت إلى الزيادة في الحاشية؛
- شرحت بعض الألفاظ شرحاً لغوياً.
خامسا. ملاحظات على الكتاب
بالرغم من قيمة الكتاب العلمية، وذكر محاسنه كما تقدم، إلا أن هناك بعض الملاحظات التي أبداها بعض العلماء عليه، ذكرها د. مازن في مقدمة شرحه وتحقيقه للكتاب منها:
- المسائل المجردة التي عدها الزجاجي القسم الثاني من الكتاب، فقد ذكر أن الكتاب قسمان: قسم العلل وقسم المسائل، واتبع هذا التقسيم في كتابه فعلا، فنص في آخر قسم العلل على تمام الكتاب، ثم ألحق به مسائل صغيرة ليست جديرة بأن تنال هذه الأهمية فكان الأحرى أن يتحدث عنها في المقدمة.
- إن مقدمة الكتاب لتوحي للقاري بما فيها اعتداد بالنفس وحرارة في الدفاع، بفكرة رائعة عن الكتاب لا تتفق مع واقع الكتاب نفسه. وكم كنا نتمنى لو أن الزجاجي استبدل هذه المقدمة في الحديث عن العلة في النحو نشأتها وتطورها.
- إن الزجاجي قسم العلل ثلاثة أقسام: تعليمية، وقياسية، وجدلية نظرية، وهو تقسيم حسن معقول نذكر للزجاجي سبقه إليه، ولكنا نراه مقصراً في الحديث عنه، إذ كان ينبغي له أن يذكر رأيه في كل قسم.
على أن هذا كله لا يحط من قيمة كتاب الإيضاح، فالكتاب على علله- ذو قيمة فنية ظهرت لنا فيما سبق من الحديث عنه، وحسب صاحبه أنه كان من الرواد الأوائل الذين فقهوا لغتهم، وتعمقوا أسرار قواعدها، ثم حاولوا التبسيط والتيسير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
المبحث الثالث: جهود الزجاجي النحوية من خلال كتابه الإيضاح في علل النحو.
أقسام الكلام:
استشهد الزجاجي على إجماع النحويين ” أنَّ الكلام: ” اسم ، وفعل، وحرف“، وقول سيبويه في أول كتابه وتقسيمه للكلم، وحقق القول بذلك وسطره في كتابه، والناس من بعده غير منكرين عليه ذلك” ([9])، بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: “وقد روى لنا أن أول من قال ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أعني قوله الكلام: “اسم، وفعل، وحرف… وقد دللنا على صحة مذهب صاحبنا، وأريناك أن اعتقادنا ليس تقليدا بل ببحث ونظر، والمدعي أنَّ للكلام قسما رابعا أو أكثر منه مخمَّن أو شاك، فليوجد لنا في جميع كلام العرب قسما خارجا عن أحد هذه الأقسام، ليكون ذلك ناقضاً لكلام سيبويه، ولن يجد لذلك سبيلا” ([10]).
معرفة حدّ الاسم والفعل والحرف:
أولا: حد الاسم: يقول الزجاجي: “وعندنا الحدَّ هو الدال على حقيقة الشيء ، ولا يجوز أن يختلف اختلاف تضاد وتنافر، لأن ذلك يدعو إلى فساد المحدود وخطأ من يحده([11])، و الاسم في كلام العرب ما كان فاعلاً أو مفعولاً أو واقعاً في حيز الفاعل والمفعول، وهذا الحد داخل في مقاييس النحو و أوضاعه، وليس يخرج عنه اسم البتة، ولا يدخل فيه مالا ليس اسم .
وبعض النحويين قد حدوه حداً خارجاً عن أوضاع النحو، فقالوا: الاسم صوت موضوع دال باتفاق على معنى غير مقرون بزمان([12])، وليس هذا من ألفاظ النحويين ولا أوضاعهم، وإنما هو من كلام المنطقيين، وإن كان قد تعلق به جماعة من النحويين ([13]).
ومثَّل سيبويه للاسم فقال: “والاسم” رجل وفرس”([14])، وقال الأخفش بن سعيد بن مسعدة ([15]): “الاسم ما جاز فيه نفعني وضربني” يعني ما جاز أن يخبر عنه، وقال أبو بكر السراج ([16]): الاسم ما دل على معنى، وذلك المعنى يكون شخصا وغير شخص، وكان مما اختاره أبو الحسن بن كيسان([17]) عند تحصيله وتحقيقه أنه قال حاكيا عن بعض النحويين: الأسماء ما أبانت عن الأشخاص، وتضمنت معانيها نحو.. رجل وفرس وغيره.
ثانيا. حد الفعل : الفعل على أوضاع النحويين ، ما دل على حدث ، زمان ماض أو مستقبل، نحو: قام يقوم: وقعد يقعد، وما أشبه ذلك “والحدث المصدر ، فإن دل على حدث وحده فهو مصدر، نحو: الضرب والقتل والحمد ، وإن دل على زمان فقط فهو ظرف من زمان، وهذا معنى قول سيبويه ([18])، وقد حد بعض النحويين الفعل بأن قال: هو ما كان صفة غير موصوف، نحو قولك هذا رجل يقوم، فيقوم صفة لرجل، ولا يجوز أن توصف بشيء، فنقول: والأفعال على الحقيقة هي التي يوصف بها، وليس ما قاله بشيء، لأننا قد نرى الظروف توصف في قولنا: مكاناً طيباً، ومكاناً حسناً، وجلسنا مجلساً واسعاً، وما أشبه ذلك” ([19]).
ثالثا. حدّ الحرف : يرى الزجاجي أنَّ الحروف على ثلاثة أضرب، حروف المعجم التي هي أصل مدار الألسن عربيها وعجميها، وحروف الأسماء والأفعال، والحروف التي أبعاضها نحو: العين من “جعفر” والضاد من “ضرب” وما أشبه ذلك، وحروف المعاني التي تجئ مع الأسماء والأفعال لمعان([20])، فأمَّا حدّ حروف المعاني الذي يلتمسه النحويون، فهو أن يقال: “الحرف ما دل على معنى في غيره”، نحو: “من وإلى وثمَّ… وما أشبه ذلك”، قال ابن يعيش عن الحرف: “قولهم ما دل على معنى في غيره، أمثل من قول من يقول: ما جاء لمعنى في غيره، لأن قولهم: ما جاء لمعنى في غيره إشارة إلى العلة، والمراد من الحد الدلالة على الذات لا على العلة التي وضع لأجلها، إذ علة الشيء غيره”([21]).
وقال بعض النحويين: الحرف ما خلا من دليل الاسم والفعل، وقال آخرون: الحرف ما لا يستغنى عن جملة يقوم بها نحو: لن يقوم زيد، وما خرج بكر، وإنَّ أخاك شاخص، وإن محمداً في الدار، وهذا وصف للحرف صحيح ليس بحد له، وقال بعضهم: الحرف ما خلا من دليل الاسم والفعل، وهذا وصف للحرف وليس بحد له أيضا، وحده ما ذكرته لك ([22]).
القول في الفعل والمصدر، أيهما مأخوذ من صاحبه ([23]):
ذكر الزجاجي في كتابه قول سيبويه وجميع البصريين: أنَّ الفعل مأخوذ من المصدر والمصدر سابق له، فهو اسم الفعل([24])، وقول الفراء([25]) وجميع الكوفيين: المصدر مأخوذ من الفعل، والفعل سابق له وهو ثان بعده.
بدأ الزجاجي بذكر احتجاج البصريين لمذهبهم لأنه هو الصحيح عنده، فالدليل على قولهم: أن الفعل مأخوذ من المصدر وأن المصدر اسم الفعل، وقد اتفقنا جميعا أن الاسم سابق الفعل، فوجب أن تكون المصادر سابقة للأفعال، ألا ترى أننا نفعل الضرب والخروج والأكل وما أشبهه قبل فعل زيد له، ثم يفعله زيد فيخبر عنه بذلك”([26])، ثم أورد الزجاجي في الكتاب نفسه عدد من الأدلة تؤيد قول للبصريين منها ([27]):
- ومن أدلة البصريين على أنَّ المصدر قبل الفعل وأنَّ الفعل منه، أنَّ المصدر في اللغة هو المكان الذي يصدر عنه، كقولنا: هذا مصدر الإبل، للمكان الذي تصدر عنه، فعلى ما توجبه حقيقة اللغة هو الشيء الذي يصدر منه الفعل.
- دليل آخر للبصريين كان شيخنا أبو إسحاق الزجاج رحمه الله، يستدل به، قال: لو كان المصدر بعد الفعل، وكان مأخوذا من الفعل، لوجب أن يكون لكل مصدر فعل قد أخذ منه، لا محيص عن ذلك ولا مهرب منه، ففي كلام العرب مصادر كثيرة لا أفعال لها البتة، مثل العبودية والرجولية والبنوَّة والأموّة وما أشبه ذلك “.
- ودليل آخر للبصريين كان أبو بكر بن السراج يستدل به قال: لو كانت المصادر مأخوذة من الأفعال جارية عليها، لو جب أن لا تختلف كما تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على أفعال، نحو ضارب ومضروب، وشاتم ومشتوم، ورأينا المصادر مختلفها أكثر مما جاء على الفعل، كقولنا: شرب شُراباً ومشرباً وشراباً.
- وأما دليل الكوفيين على أن المصدر مأخوذ من الفعل، قالوا: إن الفعل أصل للمصدر وأن المصدر يعتل إذا اعتل الفعل ويصح إذا صحَّ، وردَّ عليهم البصريين هذا القول “بأن لو كان اعتلال الفعل يوجب اعتلال مصدره، لوجب أن لا يوجد فعل معتل إلا ومصدره معتل، ولا يوجد لفعل معتل مصدر صحيح.
علل النحو:
عند الزجاجي أنَّ علل النحو ليست موجبة، وإنما هي مستنبطة أوضاعا ومقاييس، وليست كالعلل الموجبة للأشياء المعلولة بها، فهو بذلك يوافق قول الخليل عندما سئل، فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟ فذكر أن العرب نطقت على سجيتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته …”([28]) وهي على ثلاثة أضرب: علل تعليمية، علل قياسية، علل جدلية نظرية.
فأما التعليمية فهي التي يتوصل بها إلى تعلَّم كلام العرب، والعلة القياسية: كأن يقال لمن قال: نصبت زيداً بأن، في قوله: إنَّ زيداً قائم، فالجواب في ذلك أن يقول: لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول، فحملت عليه فأعملت إعماله لمّا ضارعته، وأما العلة الجدلية النظّرية: فكل ما يعتل به في باب “إن” وعلى هذه الأوجه الثلاثة مدار علل النحو. ([29])
القول في الإعراب والكلام أيهما أسبق ([30]):
يرى الزجاجي أن الكلام سبيله أن يكون سابقا للإعراب ([31])، لأننا قد نرى الكلام في حال غير معرب، ولا يختل معناه، ونرى الإعراب يدخل عليه ويخرج، ومعناه في ذاته غير معدوم، مثال لذلك، أن الاسم نحو: زيد ومحمد وجعفر وما أشبه ذلك معربا كان أو غير معرب، لا يزول عنه معنى الإسمية، وكذلك الفعل المضارع نحو: يقوم ويذهب ويركب معربا كان أو غير معرب لا يسقط منه معنى الفعلية، وإنما يدخل الإعراب لمعان تعتور هذه الأشياء.
القول في الإعراب، أحركة هو أم حرف؟:
يقول الزجاجي: “ومن المجمع عليه أن الإعراب يدخل على أخر حرف في الاسم المتمكن والفعل المضارع المعرب، وذلك الحرف هو حرف الإعراب، فلو كان الإعراب حرفا ما دخل على حرف وهذا مذهب البصريين، وعند الكوفيين أن الإعراب يكون حركة وحرف، فإذا كان حرفا قام بنفسه، وإذا كان حركة لم يوجد إلَّا في حرف”.([32])
القول في الإعراب، لم وقع في آخر الاسم دون أوله ووسطه:
يقول الزجاج: والقول عندي الذي عليه جُلَّ النحويين أنَّ الاسم يبنى على أبنية مختلفة، منها فَعْل وفِعْل وفُعْل وفَعَل… وما أشبه ذلك من الأبنية، فلو جعل الإعراب وسطاً، لم يدر السامع أحركة إعراب هي أم حركة بناء، فجعل الإعراب في أخر الاسم لأن الوقف يدركه فيسكن فيعلم أنه إعراب، وإن كان وسطا لم يمكن ذلك. ([33])
القول في المستحق للإعراب من هذه الأقسام الثلاثة التي هي “الأسماء، والأفعال، والحروف”:
يستشهد الزجاجي هنا بقول الخليل وسيبويه وجميع البصريين: “أن المستحق للإعراب من الكلام الأسماء والمستحق للبناء الأفعال والحروف هذا هو الأصل”([34]) واحتجاج البصريين لذلك: أن الدليل على صحة ما قلنا إجماع الجميع على أن الإعراب إنما دخل الكلام ليفصل بين المعاني المشكلة، ويدل به على الفاعل والمفعول والمضاف و المضاف إليه وسائر ذلك من المعاني التي تعتور الأسماء، ودليل آخر للبصريين على أن الأفعال غير مستحقة للإعراب أنها عوامل في الأسماء بإجماع منا ومن مخالفينا، فلو وجب أن تكون معربة لوجب أن تكون لها عوامل تعربها، لأنه لابد للمعرَب من معرِب، وقال الكوفيين: أصل الإعراب للأسماء والأفعال، وأصل البناء للحروف، واحتجاج الكوفيين لذلك: بقول الفراء ومن تابعه وانتحل مذهبه. ([35])
القول في الاسم والفعل والحرف، أيهما أسبق في المرتبة والتقدم؟:
ذكر الزجاجي هنا: إجماع البصريين والكوفيين على أن الأسماء قبل الأفعال، والحروف تابعة للأسماء([36])، وذلك أن الأفعال أحداث الأسماء، يعنون بالأسماء أصحاب الأسماء، وقد مضى القول في اصطلاحهم على هذا، والاسم قبل الفعل لأن الفعل منه والفاعل سابق لفعله، وأما الحروف فإنما تدخل على الأسماء والأفعال، والأفعال لمعان تحدث فيها وإعراب تؤثره.
القول في الأفعال أيها أسبق في التقدم:
يقول الزجاجي([37]): “اعلم أن اسبق الأفعال في التقدم الفعل المستقبل، لأن الشيء لم يكن ثم كان، والعدم سابق للوجود، فهو في التقدم منتظَر، ثم يصير في الحال “ثم” ماضيا فيخبر عن بالمضي، فأسبق الأفعال في المرتبة المستقبل، ثم فعل الحال، ثم الماضي . ([38])
ذكر العلة في تسمية هذا النوع من العلم نحوا:
يقول الزجاجي ([39]): “لمَّا فشا اللحن وكثر وقبح في لسان الأعراب، وضع أبو الأسود الدؤلي ([40]) كتابا فيه جمل العربية، ثم قال لهم: انحوا هذا النحو، أي أقصدوه . والنحو القصد، فسمي بذلك نحواً ([41])، ويقال أنه أول من سطر في كتابه “الكلام: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى”، فسئل عن ذلك فقال: أخذته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه([42])، وقد يغلب الاسم أو الصفة أو اللقب على شيء فيعرف به خاصة دون غيره ممن هو في معناه .
باب: الفرق بين النحو واللغة والإعراب والغريب
يقول الزجاجي([43]): أمّا النحو فهو اسم لهذا الجنس من العلم، وقد بينا اشتقاقه وذكرنا السبب في تسميته بذلك، والإعراب أصله البيان، يقال أعرب الرجل عن حاجته إذا: أبان عنها، ورجل مُعرٍب أي: مُبين عن نفسه، ثم إن النحويين لما رأوا في أواخر الأسماء والأفعال حركات تدل على المعاني وتبين عنها سموها إعرابا ([44])، وأمّا اللغة وهى العربية التي فضَّل الله بها العرب وأنطقهم بها فهى لغتهم، كما أن لكل قوم لغة يتكلمون بها ([45])، والإعراب الحركات المبينة عن معاني اللغة. وليس كل حركة إعرابا، كما أنه ليس كل الكلام معربا ([46]). والدليل على صحة ما قلنا من معنى اللغة والإعراب، والفرق بينهما، أنه ليس كل من عرف الإعراب وفهم وجوه الرفع والنصب والخفض والجزم، أحاط علماً باللغة كلها، ولا من فهم من اللغة قطعة ولم يرض نفسه في تعلم الإعراب عرف الإعراب، ولا درى كيف مجاريه. ([47])
باب: ذكر علة دخول التنوين في الكلام ووجوهه
يقول الزجاجي([48]): اعلم أن التنوين يدخل في الكلام لثلاثة معان:
الأول: الفرق بين المتمكن الخفيف في الأسماء، وبين الثقيل الذي ليس بمتمكن، قال سيبويه([49]): والتنوين علامة للأمكن عندهم، وقال الفراء: التنوين فارق بين الأسماء والأفعال . وقال بعض الكوفيين، التنوين فاصل بين المفرد والمضاف. وهذا أحد المعاني التي يدخل لها التنوين.
الثاني: أن يكون عوضاً عن محذوف من الكلمة، وذلك مثل: جوارٍ، وغواشٍ، وسوارٍ، وغواصٍ، فالتنوين في هذا الجنس عوض عن نقصان البناء، ولذلك صار لازماً له.
الثالث: الذي يدخل التنوين من أجله هو أن يكون فرقا بين الأسماء المعرفة والنكرة في بعض الأسماء خاصة، وهي الأسماء التي في أواخرها زوائد من الألفاظ الأعجمية نحو: عمرويه، وبكرويه، وسيبويه …. وما أشبه ذلك، لأن هذه الأسماء لما جاءت في أواخرها ألفاظ ليست في كلام العرب استثقلوها، فأجروها مجرى الأصوات، ومنعوها من الإعراب، وبنوها على الكسر، لسكون ما قبل أواخرها([50]).
ذكر علة ثقل الفعل وخفَّة الاسم
ذكر الزجاجي قول البصريين: أن الفعل أثقل من الاسم، لأنَّ الأسماء هي الأولى، وهى أشدَّ تمكنا من الأفعال، ولأن الأسماء يستغنى بعضها ببعض عن الأفعال، كقولك: الله ربنا، ومحمد نبينا، وزيد أخوك، والفعل لا يستغنى عن الاسم، ولا يوجد إلا به.([51]) وقال آخرون: إنما خفَّ الاسم لأنه لا يدل إلا على المسمَّى الذي تحته ، وثقل الفعل لدلالته على الفاعل، والمفعول والمفعولين والثلاثة، والمصدر، والظرفين من الزمان والمكان، والحال وما أشبه ذلك، وقال الكسائي([52])، والفرَّاء، وهشام([53]): الاسم أخفّ من الفعل، لأن الاسم يستتر في الفعل، والفعل لا يستتر في الاسم، وكان ثعلب([54]) يقول: الأسماء أخف من الأفعال، لأن الأسماء جوامد لا تتصرف، والأفعال تتصرّف، فهي أثقل منها.
باب: علة امتناع الأسماء من الجزم
يرى الزجاجي([55]) أن سيبويه له في ذلك قولين: قال في أول الرسالة وهو القول الذي يعتمد عليه أصحابه.
الأول: لم تجزم الأسماء لخفَّتها ولزوم التنوين إياها، فلو جزمت سقطت منها الحركة والتنوين.
الثاني: اعلم أن الأفعال أثقل من الأسماء، لأن الأسماء هي أشدَّ تمكنا، فمن ثم ّ لم يلحقها تنوين ولحقها الجزم والسكون، وأكثر الكوفيين قالوا: لم تخفض الأفعال لثقلها، ولم تجزم الأسماء لخفتها ليعتدل الكلام، وقال جماعة من الكوفيين والبصريين: لم تجزم الأسماء لاستحالة دخول أدوات الجزم عليها، لأن الأدوات الجازمة إنما هي للنهي أو النفي أو الجزاء أو الأمر، وما أشبه ذلك، ودخولها على الأسماء غير سائغ، فامتنعت من الجزم لذلك.
باب: ذكر علة امتناع الأفعال من الخفض
قال سيبويه: “ليس في الأفعال المضارعة جر، كما ليس في الأسماء جزم، لأن المجرور داخل في المضاف إليه معاقب للتنوين، وليس ذلك في هذه الأفعال”([56])، يقول الزجاجي: وأما قوله: “ليس في الأفعال المضارعة جر…”، فالمضارعة عنده هي الأفعال المستقبلة التي في أولها الزوائد الأربع، الهمزة والياء والنون والتاء، كقولك: “أقوم ونقوم ويقوم وتقوم” والمضارعة المشابهة، وإنما سمَّاها مضارعة، لأنها ضارعت الأسماء التي أشبهتها، ولذلك أعربها. وإنما قال: ليس في الأفعال المضارعة جر فقصدها دون سائر الأفعال، لأن كل فعل عنده سوى المضارع مبني غير معرب، وإنما كان في ذكر الجر، والجر إعراب.([57])
القول في الألف، والياء، والواو في التثنية والجمع، أهي إعراب، أم حروف إعراب؟
يقول الزجاجي([58]): اعلم أن للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
الأول: قول الكوفيون كلهم: الألف في التثنية، والواو في الجمع، والياء في التثنية والجمع، هي الإعراب نفسه..
الثاني: قول المازني،([59]) والمبرد،([60]) والأخفش سعيد بن مسعدة، هذه الحروف دليل الإعراب، وليست بإعراب ولا حروف إعراب.([61])
الثالث: قول الخليل وسيبويه ومن تابعهما: هذه الحروف الإعراب([62])، وذكر الزجاجي احتجاج كل مذهب ماله وما عليه، وختم كتابه بمذهب سيبويه وما احتج به له وعليه، لأنه عنده هو الصواب دون غيره.([63])
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث توصل الباحث إلى عدد من النتائج والتوصيات أهمها:
أولا. النتائج
- مذهب الزجاجي في النحو هو مذهب تلك الطبقة الذين جاؤوا بعد ثعلب والمبرد فلم يكن متعصباً ولا مقلداً، وإنما كان حر الفكر مستقل الرأي، إلا أنه يميل أحيانا إلى البصرة والأخذ برأيها في بعض المسائل؛
- أسلوب كتاب الإيضاح يقوم على الجدال وعرض البراهين المختلفة لشتى آراء النحويين، وكثيراً ما يتخذ الزجاجي في معالجته للأفكار طريقة السؤال والجواب؛
- أوضح الزجاجي غايته من تأليف الكتاب هو البحث في علل النحو وإيضاح بعض أسراره وكشف المستغلق من لطائفه وغوامضه، فحسب زعمه أن المؤلفين قبله أهملوا هذا الجانب من العلم؛
- بالرغم من قيمة الكتاب العلمية والفنية، وذكر محاسنه كما تقدم، إلا أن هناك بعض الملاحظات التي أبداها بعض العلماء عليه؛
- يرى الزجاجي للنحو فوائد كثيرة، منها أنه يوصل إلى التحدث بكلام العرب غير مُبَدل ولا مُغَير، ومنها تقويم كتاب الله، وفهم الحديث النبوي، ويورد بعد ذلك أثار وأقوال تحثُّ على تعلَّم العربية وتبين فضلها؛
- ذكر الزجاجي أنَّ علل النحو ليست موجبة، وإنما هي مستنبطة أوضاعا ومقاييس، وليست كالعلل الموجبة للأشياء المعلولة بها، فهو بذلك يتفق مع قول الخليل أن العلل استنباطية؛
- العلل عند الزجاجي على ثلاثة أضرب وهي: علل تعليمية، وعلل قياسية، وعلل جدلية نظرية؛
- يرى الزجاجي أن الإعراب هو عبارة عن حركة داخلة في الكلام بعد بنائه موافقا رأي البصريين، وليست حركة وحرف كما يزعم الكوفيين؛
ثانيا. التوصيات
- يوصي الباحث الدارسين وطلاب العلم بالبحث والدراسة في مؤلفات هذا العالم النحوي الجليل وجهوده العلمية في جانبي اللغة والنحو بصورة أوسع وأشمل.
- وكذلك البحث عن جهود وأراء علماء النحو القدماء والمعاصرين في مجال العلل النحوية “دراسة مقارنة” .
الإحالات:
- إنباه الرواة على أنباه النحاة ،جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق /الاستاذ محمد أبي الفضل إبراهيم ، الناشر : دار الكتب الثقافية –بيروت ، الطبعة الأولي 1406ه-1982م ، ج2/ص160، وأنظر : بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ،عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي، الناشر : المكتبة العصرية –لبنان /صيدا ،ج2/ ص357، وأنظر : طبقات النحويين واللغويين(سلسلة ذخائر العرب 50) أبو بكر محمد بن الحسن بن عبيد الله الزبيدي الأندلسي الإشبيلي ، تحقيق / الأستاذ محمد إبراهيم أبي الفضل ، الناشر : دار المعارف ، ص129. ↑
- الإيضاح في علل النحو، أبو القاسم الزجاجي، تحقيق / د. مازن المبارك، الناشر: دار العروبة، القاهرة 1959م، ص19. ↑
- أنباه الرواة ، ج2/ص160 ، وأنظر : نزهة الألباء في طبقات الأدباء، عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري أبو البركات كمال الدين الأنباري ، المحقق/ إبراهيم السامرائي ، الناشر : مكتبة المنار الزرقاء الأردن ، الطبعة الثالثة 1405ه-1985م ، ص379. ↑
- مقدمة الإيضاح، ص3-4. ↑
- – المرجع السابق، ص11. ↑
- – الإيضاح، ص 13، باب القول في الألف، والياء، والواو في التثنية والجمع”. ↑
- – المصدر نفسه، ص 23، باب: القول في الفعل والمصدر، أيهما مأخوذ من صاحبه”. ↑
- – نفس المصدر، ص9. ↑
- 9- الإيضاح، ص41. ↑
- – المرجع نفسه، ص 43. ↑
- – نفس المصدر، ص 46. ↑
- – هذا الحد نقل عن الزجاج، وتجد فيه أقوالا ً في حد الاسم لسيبويه والكسائي والأخفش وهشام والمبرد وغيرهم، الصاحبي في فقه اللغة ومسائلها وسنن العرب في كلامها، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، الناشر: محمد علي بيضون، الطبعة الأولى 1418ه-1997م، ص49-51. ↑
- – الإيضاح، ص48. ↑
- – الكتاب، عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي أبو بشر الملقب بسيبويه، المحقق / محمد عبد السلام هارون، الناشر: مكتبة الخانجي – القاهرة، الطبعة الثالثة 1408ه-1988م، ج1/ ص3. ↑
- – الأخفش الأوسط: هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي (ت 215ه) أخذ النحو عن سيبويه وكان معتزليا حاذقا في الجدل. ترجمته في بغية الوعاة، ص258، وطبقات الزبيدي ص74، ونزهة الألباء ص185، وأنباه الرواة: ج2/ ص36. ↑
- – هو أبو بكر محمد بن السري بن سهل النحوي المعروف بابن السراج (ت316ه) أخذ عن المبرد وإليه انتهت رياسة النحو بعده، وأخذ عن الزجاجي والسيرافي والفارسي والرماني، ترجمته في طبقات الزبيدي ص122، ونزهة الألباء ص313 ومعجم الأدباء، ج18 / ص197 وأنباه الرواة ج3/ص145. ↑
- – هو محمد بن أحمد بن كيسان النحوي (ت299ه). أخذ عن ثعلب والمبرد، وأتقن المذهبين البصري والكوفي، ترجمته في طبقات الزبيدي ص170، ومعجم الأدباء، ج17/ ص138. ونزهة الألباء ص301، وأخبار النحويين البصريين، ص 108. ↑
- – قال سيبويه: “فأما الفعل فأمثله أخذت من لفظ أحداث الزمان وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، ما هو كائن ولم ينقطع” الكتاب، ج1/ ص20 ↑
- -أنظر: ما قيل في حد الفعل الصاحبي، ص 52، وأنظر: أسرار العربية، ص6. ↑
- – الإيضاح، ص54. ↑
- – شرح المفصل للزمخشري، أبو البقاء يعيش بن علي بن يعيش المعروف بإبن يعيش، قدم له الدكتور / إميل بديع، الناشر: دار الكتب العلمية –بيروت –لبنان، الطبعة الأولي 1422ه-2001م، ج8/ ص2. ↑
- – الإيضاح، ص55. ↑
- – أورد ابن الأنباري هذه المسألة في كتابه “الإنصاف” وفصل فيها حجج كل من البصريين والكوفيين، وهي المسألة الثامنة والعشرون، وأنظر: أسرار العربية ” ص69. ↑
- – الإيضاح، ص56. ↑
- -هو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء (ت207ه) إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة والأدب، ولد بالكوفة وانتقل إلى بغداد وكان فقيها متكلما، أنظر ترجمته في نزهة الألباء ص134، ومعجم الأدباء، ج20/ ص9. ↑
- – الإيضاح، ص56-57. ↑
- – المرجع السابق، ص59. ↑
- – الإيضاح، ص66 ↑
- – نفسه، ص67. ↑
- – نقل السيوطي هذا الباب في الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، جلال الدين بن عبد الرحمن السيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي 1403ه-1983م، ج1/ ص76. ↑
- – الإيضاح، ص67. ↑
- – الإيضاح، ص73. ↑
- -نفسه، ص76. ↑
- – نفسه، ص77. ↑
- – فصل السيرافي حجة الكوفيين هذه في شرح الكتاب، ج1/ ص187. ↑
- – الإيضاح، ص 83. ↑
- – نفسه، ص 85 ↑
- – قال السيرافي: “إن في ذلك قولين: أحدهما أن المستقبل أول الأفعال ثم الحال ثم الماضي وهذا ما ذهب إليه الزجاج وغيره. والثاني: أن الحال هو أول الأفعال ثم المستقبل ويليه الماضي ويورد الحجة في ذلك ……. ” شرح الكتاب ص1-2 ↑
- – الإيضاح، ص89. ↑
- – هو أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي (ت69ه)، صحابي جليل قيل أنه أول من كتب في النحو، وقد ذكر السيرافي نسبه بالتفصيل، أنظر الكتاب، ج1/ ص 308. ↑
- – النحو: هو علم بأصول يعرف بها أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناءاً “أنظر: الحدود النحوية، عبد الله بن أحمد الفاكهاني النحوي المكي، تحقيق /د. المتولي رمضان أحمد الدميري، المدرس في كلية اللغة العربية بالمنصورة –جامعة الأزهر، الناشر: مكتبة وهبة –القاهرة، الطبعة الثانية 1414ه-1993م. ↑
- – أنظر الكلام على أولية النحو في كتابنا ” النحو العربي، العلة النحوية نشأتها وتطورها، د. مازن المبارك، الناشر: المكتبة الحديثة، ص56. ↑
- – الإيضاح، ص91. ↑
- – ذكر ابن الأنباري ثلاثة أوجه تبين التسمية بالإعراب، أنظر: أسرار العربية، ص9. ↑
- – اللغة عبارة عن أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم “أنظر: الخصائص، أبي الفتح عثمان ابن جني الموصلي، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الرابعة، ج1/ ص33. ↑
- – الإعراب هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ ” أنظر: الخصائص، ج1/ ص35. ↑
- – الإيضاح، ص92. ↑
- – الإيضاح، ص98 -99. ↑
- – الكتاب، ج1/ ص6. ↑
- – مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله، أبو محمد جمال الدين ابن هشام(ت761ه)، المحقق /د. مازن المبارك / محمد علي حمد الله، الناشر: دارالفكر. دمشق، الطبعة السادسة 1985م، ج2/ ص376. ↑
- – الكتاب، ج1/ ص6، وفصله السيرافي في شرح الكتاب: ج1/ ص166. ↑
- – هو أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي (ت189ه) كان إماما في النحو واللغة والقراءةـ . ترجمته في طبقات الزبيدي : 138. ونزهة الألباء، ص81، ومعجم الأدباء، ج13/ ص167، وأنباه الرواة، ج2/ ص256. ↑
- – هو أبو عبد الله هشام بن معاوية الضرير(ت209ه) من نحاة الكوفة، ذكر في بغية الوعاة ، ص409 ، ومعجم الأدباء ، ج19/ ص292. ↑
- – أبو العباس أحمد بن يحيى(291ه) كبير نحاة الكوفة في عصره، ترجمته مستوفاة من طبقات الزبيدي، ص155، ونزهة الألباء ، ص293، وأنباه الرواة ، ج1/ ص138. ↑
- – الايضاح، ص102. ↑
- – الكتاب: ج1 / ص3. ↑
- – الايضاح، ص107. ↑
- – المرجع السابق، ص13. ↑
- – هو أبو عثمان بكر بن عثمان المازني ( ت249ه) أستاذ المبرد . ترجمته في طبقات الزبيدي: ص143، معجم الأدباء، ج7/ ص107. ↑
- – أبو العباس محمد بن يزيد المبرد كبير نحاة البصرة في عصرة وصاحب كتاب الكامل، أخذ عن الجرمي والمازني. مات سن 280هـ ترجمته في طبقات الزبيدي: ص108 ونزهة الألباء: ص279. ↑
- -بين السيرافي فساد هذا الرأي في شرح الكتاب: ج1/ ص136، ورد على مخالفي رأي سيبويه. ↑
- – الكتاب، ج1/ ص4. ↑
- – الإيضاح، ص131. ↑