التأصيل الشرعي للنوازل الفقهية عند المالكية وفائدتها في السياق الغربي
محـمد لمقدم
باحث في الفقه والقانون
المغرب
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين سيدنا ونبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، ونذيراً وبشيراً للناس أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن المتتبع لفقه السادة المالكية يجده يستوعب كل الأبواب الفقهية باجتهادات رجاله وبتفصيلاته لمختلف الفروع والجزئيات، وهو فقه أحاط بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إحاطة واعية متبعا في ذلك الدليل الشرعي، ومتوخيا مصلحة الفرد والجماعة وفق ما أسسه المذهب المالكي من أصول وقواعد وما خلفه من ثروة فقهية تعد كنزا ثمينا بين يدي فقهائنا اليوم تفتح لهم المجال واسعا للقضايا والنوازل خاصة في إطار الأصول الاجتهادية المتبعة من مصلحة مرسلة ومراعاة خلاف وفقه عمل وعرف…، فالمدرسة المالكية برهنت عبر العصور على أنها قادرة على المواكبة وإمداد الناس بما يحتاجونه وإسعافهم بما يكون لهم عونا على معرفة دينهم.
فالناس باستمرار تواجههم حالات طارئة تقتضيها تطورات الحياة وهي تستلزم حلولا عاجلة، فاستطاع المالكية بما لمذهبهم من تنوع في الأصول ومرونة في الاجتهاد واعتبار للمصالح أن يواجهوا ذلك بفهم سليم قائم على الدليل الشرعي دون تعطيل لنص أو تفويت لمصلحة لأنه فقه واقعي مكنه من الاستمرار والثبات في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي ومنها على الخصوص منطقة الأندلس.
إن استدعاء النوازل الفقهية في المذهب المالكي وبالخصوص في الغرب الإسلامي للاستفادة منها في السياق الغربي يكتسي أهمية بالغة، لأنه يستجيب لمنطق الأولويات الملحة التي يمليها واقع المسلمين الديني في الغرب، مما يجعل الاهتمام بفقه النوازل أمرا ضروريا من أجل وضع ضوابط للفتوى في قضايا المسلمين في الغرب والتأصيل الشرعي لها، وللاستفادة من هذه النوازل عموما في تلك البلاد.
2- أسباب اختيار الموضوع
لقد شد من عزمي على البحث في موضوع: التأصيل الشرعي للنوازل الفقهية عند المالكية وفائدتها في السياق الغربي، يقيني بقدرة المذهب المالكي عموما على الإسهام في بناء جسر يربط الوجود الإسلامي في الغرب بالمجتمعات الغربية.
فمن ناحية يمكن الحديث عن نموذج (المذهب المالكي) يملك من المقومات المعرفية ما يمكنه من استيعاب مختلف التحولات والتحديات.
ومن ناحية ثانية استدعاء النوازل الفقهية عند المالكية من أجل وضع ضوابط للفتوى في قضايا المسلمين في الغرب والتأصيل الشرعي لها، وللاستفادة من هذه النوازل.
يكمن أهداف البحث في:
– بيان أصول النظر عند المالكية في النوازل.
– بيان سبل الإفادة مما في الفقه المالكي من قواعد منهجية لمعالجة المستجدات.
يمكن ضبط الإشكال الذي يقوم البحث بمعالجته من خلال طرح جملة من الأسئلة:
- كيف تعامل فقهاؤنا مع النوازل؟
- ما هي أصول النظر في النوازل؟
- كيف نجعل من فقه النوازل رافدا منهجيا للاجتهاد الفقهي في السياق الغربي؟
– اعتمدت في معالجة هذا الموضوع على المنهج الاستقرائي، حيث استقراء الأقوال والآراء المتعلقة بموضوع الدراسة من كتب المالكية وغيرها، وكذلك على المنهج التحليلي؛ وذلك لتحليل الآراء والأقوال التي تم جمعها، وبيان وجه توظيف النوازل الفقهية المالكية في السياق الغربي.
– عزوت الآيات القرآنية إلى موضع وجودها في القرآن الكريم مع ذكر اسم السورة ورقم الآية.
– عزوت الأحاديث والآثار إلى دواوين السنة.
– توخيت الدقة في البحث، والأمانة في النقل، مع ذكر المصادر التي أخذت منها.
– اِرتأيت -نظرا لسعة الموضوع وطول البحث- أن أعرف بالمصادر مرة واحدة في آخر البحث؛ حتى لا يتضخم حجمه أكثر، مادام ذلك يفي بالغرض.
أما عن الدراسات السابقة للموضوع: فقد تناول بعض أفراد البحث العلماء والباحثون بالدراسة، وقد حصل لي من المراجع قدر ليس بالقليل، وكان من بينها:
– صناعة الفتوى وفقه الأقليات[1]، هذا الكتاب من تأليف الشيخ عبد الله بن بيه، وقد قسمه المؤلف إلى قسمين، احتوى كل منهما على ثلاثة فصول، تكلم في القسم الأول عن إصدار الفتوى، وتناول ما يتصل بالفتوى وأدلتها في عهد الصحابة في الفصل الأول، وما يتعلق بالفتاوى لدى المذاهب الأربعة في الفصل الثاني، وأتى بنماذج عن منهجية الفتوى في الفصل الثالث، وخاصة ما أصدره المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث من فتاوى.
أما القسم الثاني فهو في فقه الأقليات حيث عرف فقه الأقليات في الفصل الأول، وذكر أهم قواعده في الفصل الثاني، وطبقها في الفصل الثالث.
– فقه الأسرة المسلمة في المهاجر[2]، للدكتور محمد الكدي العمراني، وهو كتاب مطبوع في جزءين، وأصله أطروحة لنيل درجة دكتوراه في الدراسات الإسلامية، مقدمة إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الأول، وقد تطرق المؤلف لتفاصيل حياة الأسر في المهاجر متخذا دولة هولندا نموذجا لدراسته، وقد عالج كثيرا من القضايا على المستويين الفقهي والاجتماعي في دراسة شاملة يلحظ عليها مزيد عناية بخصوصية أوضاع المسلمين في أوروبا، خاصة عند االتمثيل للمسائل المختلفة.
– فقه النوازل للأقليات المسلمة تأصيلا وتطبيقا[3]، للدكتور محمد يسرى إبراهيم، أصل هذا الكتاب رسالة علمية حصل بها الباحث على درجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي من كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الشريف، وقد جمع فيه جملة من القواعد التي لها ارتباط بفقه نوازل الأقليات المسلمة، كما أنه عرض بإيجاز مناهج الأئمة الأربعة في الاستنباط وقواعد الاستدلال وعالج كثيرا مما يتعلق بنوازل الأقليات فأضحى مرجعا مهما في باب التأصيل لإفتاء المسلمين خارج ديار الإسلام.
– تغير الفتوى وتطبيقاته في فقه الجالية المسلمة ببلاد المهجر[4]، للدكتور محمد غلبان، وأصله أطروحة لنيل درجة دكتوراه في الدراسات الإسلامية، مقدمة إلى كلية الآداب، جامعة القاضي عياض، والبحث مكون من مدخل وباب تأصيلي وآخر تطبيقي، فأما المدخل فقد جعله لبيان أهم المصطلحات الواردة في عنوان بحثه، وأما الباب الأول: فقد جعله بابا تأصيليا لتغير الفتوى، وقسمه إلى فصلين: تناول الفصل الأول الحديث عن معنى تغير الفتوى والقاعدة الفقهية المستنبطة منه، وأما الفصل الثاني فقد تحدث عن الأدلة الشرعية لتغير الفتوى، وعن ضوابط تغير الفتوى، وعن العوامل التي تؤثر في الفتوى.
وأما الباب الثاني فقد جعله خاصا بتطبيقات تغير الفتوى في فقه الجالية المسلمة ببلاد المهجر، وذلك في ثلاثة فصول: الفصل الأول تناول الحديث عن تغير الفتوى وتطبيقاته في باب العبادات، وأما الفصل الثاني فتركز حول تغير الفتوى وتطبيقاته في باب المعاملات، وأما الفصل الأخير فجعله منصبا حول الفتوى وتطبيقاته في قضايا الأسرة.
أثمرت هذه الدراسة مقدمة، وخمسة مباحث، وخاتمة.
– خصصت المبحث الأول لتعريف فقه النوازل، والمبحث الثاني للحديث عن أهمية فقه النوازل، وشروطه، ومؤلفاته، والثالث لمنهجية التعامل مع النوازل، والرابع لأصول النظر في النوازل، والمبحث الأخير لكيفية الاستفادة من النوازل. أما الخاتمة فقد خصصتها لأهم النتائج التي أثمرها البحث.
المبحث الأول: تعريف فقه النوازل
الفقه لغة: مصدر من فقِه أو فَقه، ويقال أيضا فُقه، فالفاء والقاف والهاء، أصل واحد صحيح، يدل على إدراك الشيء والعلم به، تقول فقهت الحديث أفقهه، وكل علم بشيء فهو فقه، ثم اختص ذلك بعلم الشريعة، فقيل لكل عالم بالحلال والحرام فقيه[5].
والفقه بالكسر العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة.[6]
وعلى ذلك يأتي الفقه في اللغة بمعنى الإدراك والفهم.[7]
أما الفقه اصطلاحا: فلعــل أكثر تعريفــات الفقــه شــيوعا، تعريفــه بأنه: ” هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية”[8]
والمراد بالعلم مطلق الإدراك الشامل للظن واليقين.
وقد خرج بالأحكام: العلم بالذوات والصفات والأفعال.
والشرعية: المنسوبة إلى الشرع، والمراد ما يتوقف معرفتها على الشرع إما مباشرة أو بواسطة الاجتهاد، فتخرج الأحكام الحسية والعقلية واللغوية.
والعملية: المتعلقة بما يصدر من الناس من أعمال، فتخرج الأحكام الشرعية المتعلقة بالاعتقـاد.
والمكتسب: قيْـد يخرج علم االله تعالى وما يلقيه في قلب الأنبياء والملائكة من الأحكـام بلا اكتساب.
وتقييد العلم بكونه من الأدلة التفصيلية: قيد يُخرج علم المقلد، والأدلة التفصيلية هي الجزئية التي تتعلق بالمسائل الجزئية، لأن بحث الفقه في الجزئيات، والأحكام الجزئية تؤخذ من الأدلة التفصيلية، ويحترز بذلك من الأدلة الإجمالية لأنها محل البحث الأصولي.
لكن الفقه أوسع من ذلك في التعريف العام ونصوص الوحي وفهم السلف، فهو يشمل المعارف الإسلامية جملة، بل ويشمل الممارسة العملية[9] بالقلب والجوارح، فهي المقصودة، ولذا جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»[10].
وعلى هذا المنهج في عموم معنى كلمة “الفقه” جاء التعريف المنقول عن أبي حنيفة بأنه: “معرفة النفس ما لها وما عليها”[11].
وفي كتاب (الإحياء) أشار الغزالي إلى أن ثمة مصطلحاتٍ ومفاهيم تم تبديلها، ونَقْلها إلى معان لم تكن مرادة منها في القرن الإسلامي الأول؛ فصارت هذه المفاهيم والمصطلحات- بسبب هذا التبديل- محلَّ ذم، بعد أن كانت تُستعمل في المدح. وذكر مثالاً على ذلك خمسة ألفاظ، هي: الفقه، والعلم، والتوحيد، والتذكير، والحكمة. وقال: “فهذه أسامٍ محمودة، والمتصفون بها أرباب المناصب في الدين؛ ولكنها نُقلت الآن إلى معانٍ مذمومة، فصارت القلوب تنفر عن مذمة من يتصف بمعانيها، لشيوع إطلاق هذه الأسامي عليهم”[12]. ثم أوضح الغزالي أن “الفقه” تم التصرف فيه بالتخصيص، لا بالنقل والتحويل؛ إذ خصصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى، والوقوف على دقائق عللها، واستكثار الكلام فيها، وحفظ المقالات المتعلقة بها؛ فمن كان أشد تعمقًا فيها وأكثر اشتغالاً بها يقال هو الأفقه”[13]. أما معنى “الفقه” في العصر الأول فقد كان “مُطلَقًا على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب؛ ويدلك عليه قوله عز وجل: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِے اِلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمُۥٓ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 123]. وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه، دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة، فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف؛ بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه، كما نشاهد الآن من المتجردين له”[14]. وذكر الغزالي أدلة أخرى تؤكد هذا المعنى، ومنها قول الحسن البصري: “إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الورع الكاف نفسه عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لجماعتهم”[15]. وعقَّب الغزالي بالقول: ولم يقل [أي الحسن في تعريفه للفقيه] في جميع في ذلك: الحافظ لفروع الفتاوى. واستدرك الغزالي، بأن معنى الفقه الاصطلاحي- أي العلم بالفروع والأحكام العملية- لم يكن خارجًا عن معنى الفقه المعروف في الصدر الأول؛ بل كان داخلاً فيه، لكن لم يكن محصورًا فيه ولا مخصوصًا به، كما هو الحال بعد ذلك؛ فقال: “ولست أقول إن اسم الفقه لم يكن متناولاً للفتاوى في الأحكام الظاهرة؛ ولكن كان بطريق العموم والشمول، أو بطريق الاستتباع؛ فكان إطلاقهم له على علم الآخرة أكثر. فبان من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد له، والإعراض عن علم الآخرة وأحكام القلوب، ووجدوا على ذلك معينًا من الطبع؛ فإن علم الباطن غامض، والعمل به عسير، والتوصل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذر؛ فوجد الشيطان مجالاً لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو اسم محمود في الشرع”[16]. وهذا الذي ذكره أبو حامد الغزالي، وعرضنا له بشيء من التفصيل، هو الذي أختاره، ولا شك أن هذا المفهوم هو الأقرب لما ورد عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية وهو أيضا يعيد لكلمة “الفقه” شيئًا من الاعتبار الواجب لها، وبعضًا من مساحة الدائرة الكبيرة التي فقدتها..
النوازل لغة: جمع نازلة، وهي اسم فاعل من نزل، قال ابن فارس: “النون والزاي واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط الشيء ووقوعه، وأكثر ما تطلق على نزول أمر فيه شدة،”[17] فهي تطلق
على المصيبة الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس.
وقد شاع واشتهر عند الفقهاء إطلاق النازلة على المسألة الواقعة الجديدة التي تتطلب اجتهادا، وقد ورد هذا الإطلاق في كلام الفقهاء[18].
قال الإمام الشافعي: “فليست تنزل بالمسلمين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”[19].
وقال ابن عبد البر: “باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة.”[20]
وقال ابن عابدين: المسائل التي “سئل عنها المشايخ المجتهدون في المذهب[21] ولم يجدوا فيها نصا، فأفتوا فيها تخريجا”[22].
أما المعاصرون فقد عرفوا النوازل بعدة تعريفات منها:
– ” الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد”[23]
– “الوقائع والمسائل المستجدة والحادثة، المشهورة بلسان العصر باسم: النظريات والظواهر.”[24]
– “وقائع حقيقية تنزل بالناس فيتجهون للفقهاء بحثا عن الفتوى فيها، فهي تمثل جانبا من جوانب الفقه متفاعلا مع الحياة المحلية لمختلف المجتمعات.”[25]
ويلاحظ في النوازل أمورًا ثلاثة، هي: وقوعها وعدم افتراضها، وجِدَّتها وعدم تكررها، وشدة إلحاحها في طلب حكم شرعي لها.[26]
المبحث الثاني: فقه النوازل: أهميته، وشروطه، ومؤلفاته
المطلب الأول: أهمية فقه النوازل
يشكل فقه النوازل داخل النسق الفقهي العام نموذجا حيا لاستمرار آلة الاجتهاد في استيعاب الحوادث الواقعة، والمسائل النازلة؛ من حيث تأصيلها من معين الشرعية، وتنزيلها على واقع الخليقة، وهو من هذا المنظور يعتبر تراثا غنيا يعكس الحضور الحي، والمتابعة الحثيثة لحوادث الناس ومشكلاتهم، قصد تنظيم وتقنين وتوجيه سلوكهم التوجيه الصحيح.
إن فقه النوازل، أو فقه القضايا والواقع، هو فقه “يعرض الصناعة الفقهية في صيرورتها التاريخية مرتبطة بأسبابها وحيثياتها الاجتماعية والعمرانية بصورة متصلة بالحياة كما كانت بالفعل! حيث تتم فيه دراسة الأحكام الشرعية المؤصلة في الفتاوى، من خلال حركة التاريخ تأثرا وتأثيرا…”[27].
ولعل أهمية هذا الفقه تكمن في كونه يقدم “مرآة صافية تعكس واقع الحياة “[28] للأفراد والجماعات والمؤسسات؛ بحيث ترسم معالم السلوك البشري كما شهدته المجتمعات باختلاف بيآتها وعاداتها وأعرافها، وهو ما يمكن التعبير عنه بأنه: المترجم الحقيقي للحوادث التي تمر بها الجماعة في أبعادها المتعددة: الإنسان، والزمان، والمكان، والسياق.
كما يتسم فقه النوازل بمميزات فارقة وخصائص مائزة تمنحه طابع الفرادة، التي في مقدمتها “الواقعية والتجدد وتنوع التأليف والطابع المحلي”[29].
ولهذا “فإن أهل الاختصاص من علماء الشريعة مجمعون على أن علم فقه النوازل مفيد جدا في الكشف عن سر الصناعة الفقهية من حيث استنباط وتحقيق المناط… فإذا كان علم أصول الفقه هو الكفيل بتلقين المجتهد وتمكينه من قواعد الفهم والاستنباط على المستوى النظري، فإن فقه النوازل هو الكفيل ببيان ذلك جميعه في صورته التطبيقية، على مستوى الاجتهاد التطبيقي”[30].
المطلب الثاني: المؤلفات في فقه النوازل بالغرب الإسلامي وشروط الاجتهاد فيه.
إدراكا لهذه الأهمية، وعملا بتلك المقاصد والغايات، خلف علماؤنا المالكية في الغرب الإسلامي خصوصا، تراثا فقهيا زاخرا في مجال التأليف في النوازل، يحمل بين طياته مختلف الفوائد العلمية المتعلقة بأصول الأحكام، وطرق تطبيقها على أرض الواقع، وتختزن في مضمونها جوانب تاريخية واجتماعية واقتصادية قيمة. فكتب النوازل الفقهية في الغرب الإسلامي قد استوعبت جميع مجالات الحياة سواء ما تعلق منها بفقه العبادات، أو ما تعلق منها بفقه المعاملات، التي تعبر بمجموعها عن براعة فذة، ودقة قل نظيرها وعز مثيلها، اتصف بها فقهاؤنا المالكية في تدوين وتصنيف المصنفات في هذا اللون من الفنون الذي يتعلق بالنوازل.
لقد كانت حصيلة تلك الفتاوى مئات المؤلفات النوازلية التي تحكي ظروفا سياسية، واجتماعية، وتاريخية متناثرة بين الأندلس والمغرب.
ومن المؤلفات التي اهتمت بهذا المجال[31]:
- الإعلام بنوازل الأحكام أو الأحكام الكبرى، لابن سهل أبي الأصبغ عيسى بن سهل الأسدي القرطبي (ت486هـ)[32]
- فتاوى الشيخ أبي الحسن علي بن محمد اللخمي القيرواني (ت478هـ)[33]
- نوازل ابن بشتغير، أحمد بن سعيد اللخمي اللورقي (ت516هـ)[34]
- فتاوى ابن رشد، أبي الوليد محمد بن أحمد القرطبي (ت520هـ)[35].
- مجموع فتاوى علماء غرطانة، ابن طركاظ أبي القاسم محمد بن طركاظ العكي الأندلسي، تولى قضاء المرية سنة 854هـ، لا يعرف تاريخ وفاته[36].
- الأجوبة التونسية على الأسئلة الغرناطية، ورد فيه على الرصاع خمسة وعشرون سؤالا من شيخ غرناطة وشيخها وفقيهها أبي عبد الله محمد المواق، ت 897هـ.
- أجوبة القَوري، محمد بن قاسم اللخمي الفاسي (ت872هـ)[37]
- نوازل أبي الحسن الصغير، علي بن عبد الحق الزرويلي الفاسي (ت719هـ)[38].
- فتاوى القباب، أحمد بن قام بن عبد الرحمن قاضي جبل طارق (ت772هـ).[39]
- الأجوبة الثمانية، ابن لب فرج بن قاسم التغلبي الغرناطي (ت782هـ)[40]
- فتاوى الشاطبي، ابراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي (ت 790هـ).[41]
- نوازل ابن هلال، ابراهيم بن هلال بن علي الصنهاجي السجلماسي (ت903هـ)[42].
- المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل الأندلس والمغرب، لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت614هـ).[43]
إلى غير ذلك من المصنفات والمؤلفات الكثيرة التي حررها فقهاء المذهب وعلماؤه، والتي عدت فيما بعد بمثابة المدونات الفقهية التي تبين منهجهم التطبيقي في تقرير الأحكام الشرعية في القضايا التي عرضت عليهم واستفتوا فيها، وسجل ناطق بآراء أصحابها، ومذهبهم في فهم الفقه المالكي خاصة والفقه الإسلامي عامة، وتصنيف عملي يظهر حفظ أصحابها وتبحرهم في علوم الشريعة، ويبرز إحاطتهم بالروايات على اختلافها، واطلاعهم على المؤلفات على تباعدها، ووقوفهم على الخلافات على كثرتها، ويبين مدى وثوق السائلين بمختلف أصنافهم، ومتنوع فئاتهم ـ بما حرره الفقهاء المفتون في النوازل.
لقد كان علماؤنا المالكية يلاحقون التطور البشري، بإيجادهم الحلول الملائمة للحوادث التي تحل بالناس، وتطرأ على المجتمع، مع إدراكهم غاية الإدراك أن الفتوى والتصدي للنوازل صنعة لا يحسنها كل أحد، فحددوا مجموعة من الشروط والضوابط لمن تأهب لهذه المهمة الصعبة، وولج أبواب هذا المنصب الخطر، فاعتبروا أن المفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ونائبه عنه في تبليغ الأحكام فهو من هذه الناحية شارع إما بواسطة النقل أو بإنشاء الأحكام بسبب نظره واجتهاده، فهو مخبر عن الله كالنبي صلى الله عليه وسلم، وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره، وأمره نافذ في الأمة[44].
ومن شرط هذا أن يكون عالما لا جاهلا، ملما بعلوم العربية، ماهرا في علم أصول الفقه، يعرف كيف يطبق النصوص على النوازل، ويعلم تنزيل الأحكام على القضايا، مدرجا الجزئيات تحت الكليات، عارفا بأحوال الناس وعاداتهم وأعرافهم، عالما بما يجري به عملهم، مستحضرا نصوص المذهب، مفرقا بين مطلقها ومقيدها، وعامها وخاصها، مطلعا على اصطلاحات العلماء، سالكا في فتواه سبل التبصر والأناة، بعيدا عن التسرع والاندفاع، مكثرا من مطالعة أقوال الأئمة، ومراجعة الكتب المتخصصة، لتحصل له ملكة الفتوى، وتعمق فكره، وتقيه الزلل؛ إذ فقه الفتوى يحتاج إلى تقنيات خاصة، زيادة على تحصيل القواعد[45].
فكانوا رحمة الله عليهم يعملون فكرهم في النصوص ويستنتجون منها الأحكام، ويستنبطون القواعد، يشهرون ويرجحون، ويخلصون إلى رأي في كل قضية إما جريا على المصلحة، أو درءا لمفسدة، أو جريا مع الضرورة، ولم يجمدوا مع النصوص، ولا يحجروا مع الأقوال المشهورة في المذهب كما يزعم البعض، ولكنهم كانوا يفتون بالقول الشاذ والضعيف متى رأوا المصلحة تقتضيه، وتعذر عليهم الذهاب مع المشهور، ويدافعون عن رأيهم في ذلك، ويعللونه تعليلا يجعلك تقتنع بسلامة ما وصلوا إليه من اجتهادات[46].
فكانت تلك الإجابات تتشكل في مستويات، بها كانت اجتهادات فقهاء الغرب الإسلامي مفتوحة على المجتمع، وبها ضمنت تجددا مستمرا للفقه المالكي وتناغمه مع البيئة حتى أصبح فقه النوازل مجالا غنيا بالاجتهادات المتلاحقة والاستدراكات المفيدة لأعلام الفقهاء منذ مختلف العصور. هذه المستويات هي:
- صنف يقدم له إجابات مستقاة من الكتاب والسنة والتراث الفقهي مباشرة ويتعلق بأحكام لا خلاف فيها.
- صنف يبحث له عن فتاوى سابقة من تراث المذهب، محاولا تنزيل الفتوى على الحالة المطروحة بترجيح إحدى الفتاوى التي يؤدي إلى تطابقها معها أو قربها منها.
- صنف يضطر إلى إنشاء حكم جديد له، في ضوء أصول المذهب المالكي، إذا كانت النازلة مما لم تسبق معالجتها فقهيا[47].
المبحث الثالث: منهجية التعامل مع النوازل
المطلب الأول: مواقف بعض علماء السلف
إنه بقدر ما كان في المجتمع الإسلامي من فتاوى ونوازل فقهية، بقدر ما كان فيه من فقهاء بلغوا شأوا كبيرا في الاجتهاد والفتوى.
ونظرا لعظم منصب المفتي وخطورته، نستحضر مواقف العلماء من السلف في تعاملهم مع نوازل ومسائل الناس.
فقد جاء في جامع بيان العلم وفضله: “حدثنا أحمد بن عبد الله، نا الحسن بن إسماعيل، نا عبد الملك بن بحر، نا محمد بن إسماعيل، نا سنيد، نا يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين قال: قال حذيفة: إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه، وأمير لا يجد بدا، وأحمق متكلف، قال ابن سيرين: فأنا لست بأحد هذين وأرجو أن لا أكون أحمق متكلفا.
وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، ثنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي ببغداد ثنا عباس بن محمد الدوري ثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت أبا المنهال قال: سألت زيد بن أرقم، والبراء بن عازب عن الصرف، فجعل كلما سألت أحدهما قال: سل الآخر”[48].
وجاء في الفروق للقرافي: ” كان السلف – رضي الله عنهم – متوقفين في الفتيا توقفا شديدا وقال مالك لا ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس أهلا لذلك، ويرى هو نفسه أهلا لذلك يريد تثبت أهليته عند العلماء..
ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء في حقه من الأهلية؛ لأنه قد يظهر من الإنسان أمر على ضد ما هو عليه فإذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين في ذلك وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا؛ لأن التحنك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك شعار العلماء حتى إن مالكا سئل عن الصلاة بغير تحنك فقال لا بأس بذلك وهو إشارة إلى تأكد التحنيك وهذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وبما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم لا يدري فلا جرم آل الحال للناس إلى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال”[49].
“قال سحنون: إنا لله ما أشقى المفتي والحاكم، ثم قال: ها أنا ذا يتعلم مني ما تضرب به الرقاب وتوطأ به الفروج وتؤخذ به الحقوق أما كنت عن هذا غنيا.
وروي عن أبي عثمان بن الحداد أنه قال: «القاضي أيسر مأثما وأقرب إلى السلامة من الفقيه؛ لأن الفقيه من شأنه إصدار ما يرد عليه من ساعته بما حضره من القول، والقاضي شأنه الأناة والتثبيت ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة»”[50].
المطلب الثاني: مراتب المفتين في النوازل وخصوصية المذهب المالكي في ذلك
لقد قسم ابن رشد المفتين إلى طوائف ثلاثة، قال رحمه الله: “إن الجماعة التي تنسب إلى العلوم وتتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم تنقسم إلى ثلاث طوائف:
أ – طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب الإمام مالك تقليدا بغير دليل، فأخذت نفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه ، دون أن تتفقه في معانيها فتميز الصحيح منها من السقيم، فهذه لا يصح لها الفتوى بما علمته وحفظته ، إذ لا علم عندها بصحة شيء من ذلك، إذ لا تصح الفتوى بمجرد التقليد من غير علم، ويصح لها في خاصتها، إن لم تجد من يصح لها أن تستفتيه أن تقلد مالكا أو غيره من أصحابه فيما حفظته من أقوالهم، وإن لم يعلم من نزلت به نازلة وحفظت هذه الطائفة فيها من قول مالك وأصحابه، فيجوز للذي نزلت به النازلة أن يقلد أحد هؤلاء الفقهاء فيما حكاه من قول مالك، ويقلد مالكا في الأخـذ بقوله فيها، وذلك أيضا إذا لم يجد في عصره من يستفتيه في نازلته فيقلده فيها.
ب– الطائفة الثانية: اعتمدت صحة مذهب مالك بما بان لها من صحة أصوله، فأخذت نفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه في الفقه، وتفقهت في معانيها، فعلمت الصحيح منها الجاري على أصوله من السقيم الخارج عنها، إلا أنها لم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الأصول.
وهذه يصح لها أن تفتي إذا اُستُفتِيَت بما علمته من قول مالك وقول غيره من أصحابه، إذا كانت قد بانت لها صحته، كما يجوز لها في خاصتها الأخذ بقوله إذا بانت لها صحته، ولا يصح لها أن تفتي بالاجتهاد فيما لا تعلم فيه نصاً من قول مالك وقول غيره من أصحابه، وإن كانت بانت لها صحته؛ إذ ليست ممن كمل لها آلات الاجتهاد التي يصح لها بها قياس الفروع على الأصول.
ج– الطائفة الثالثة: اعتقدت صحة مذهبه بما بان لها أيضا من صحة أصوله، فأخذت نفسها بحفظ أقواله وأقوال أصحابه في مسائل الفقه، ثم تفقهت في معانيها فعلمت الصحيح منها الجاري على أصوله من السقيم الخارج عنها، وبلغت درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الأصول، لكونها عالمة بأحكام القرآن، عارفة بالناسخ والمنسوخ، والمفصل من المجمل، والخاص من العام، عالمة بالسنن الواردة في الأحكام، مميزة بين صحيحها من معلولها، عالمة بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين، وبعدهم من فقهاء الأمصار، وبما اتفقوا عليه واختلفوا فيه، عالمة من علم اللسان بما يفهم به من معاني الكـلام، عالمة بوضـع الأدلـة في مـواضعـها؛ وهـذه هـي التي يصـح لهـا الفتـوى عمـوما”[51].
المبحث الرابع: أصول النظر في النوازل
المسلمون في الغرب يواجهون واقعًا جديداً يثير أسئلة كثيرة، وهذه الأسئلة أو النوازل لا ترتبط بنوع معين من المسائل أو النوازل بل هي متنوعة، فمنها النوازل المتعلقة بالعبادات، ومنها نوازل تتعلق بالمعاملات المالية، وبنظام الأسرة، وبأنظمة عديدة، ولا نكاد نطرق ناحية من نواحي حياتهم إلا ونجد فيها ما يحتاج إلى استنطاق الجواب، ولهذا كانت الحاجة ملحة إلى اجتهاد في هذه النوازل يُراعي ارتباط الحُكم الشرعي بظروف الجماعة وبالمكان الذي تعيش فيه.
يقول أبو إسحاق الشاطبي: “إن الوقائع في الوجود لا تنحصر فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة؛ ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوص على حكمها ولا يوجد للأولين فيه اجتهاد وعند ذلك فإما أن يترك الناس مع أهوائهم أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي وهو أيضا اتباع للهوى وذلك كله فساد، فلا يكون بد من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزوما وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق فإذن لا بد من الاجتهاد في كل زمان لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان”[52].
إن الاجتهاد في النوازل الفقهية، تحكمه أصول شرعية بديعة، وقواعد جامعة، وضوابط محكمة، قررها علماؤنا الأخيار في تواليفهم، ونثروها فيما سطروه من أحكامهم وفتاويهم، فمن درسها وتعرف قواعدها وأسسها، وكيف تعامل فقهاؤنا مع النصوص، وتجشموا الفتوى في غيبة النص، أو غموض الدلالة، حصل له الملكة الفقهية التي تعينه على الاستفادة والتخريج في النوازل المرتبطة بالسياق الغربي، ووضح له كيفية التعاطي معها. وفي هذا المبحث بيان لأصول النظر عند المالكية في النوازل، ويليه سبل الاستفادة منها في السياق الغربي.
المطلب الأول: التصور والفهم الدقيق للنازلة
الواجب على الناظر في النوازل المتصدر لبيانها أن يبذل جهده ويستفرغ وسعه في فقه الواقعة الجديدة ومعرفة حقيقتها، “فهمها فهما دقيقا مع معرفة أبعادها وما يتعلق بها من الأوصاف المؤثرة فيها”[53].
والرجوع إلى أهل الاختصاص إذا كانت النازلة مما يحتاج في بيانها إلى رأيهم، ليكون الحكم وفق ذلك، كما في القضايا المرتبطة بالسياق الغربي، فمتناولها يحتاج إلى ثقافة في بعض العلوم الاجتماعية، خصوصاً علم الاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية والعَلاقات الدولية ناهيك عن لغات تلك البلدان الغربية، فإن لم يكن الفقيه منفتحا على هذه العلوم رجع في تصوير وفهم هذه القضايا إلى من له اختصاص وبصر بذلك الباب.
قال الشاطبي وهو يتكلم عن المعارف التي تلزم المجتهد: “لكن هذه المعارف تارة يكون الإنسان عالما بها مجتهدا فيها، وتارة يكون حافظا لها متمكنا من الاطلاع على مقاصدها، غير بالغ رتبة الاجتهاد فيها، وتارة يكون غير حافظ ولا عارف، إلا أنه عالم بغاياتها، وأن له افتقارا إليها في مسألته التي يجتهد فيها، فهو بحيث إذا عنت له مسألة ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعارف المتعلقة بمسألته فلا يقضي فيها إلا بمشورتهم”[54]
وقال ابن فرحون: “يجب الرجوع إلى قول أهل البصر والمعرفة من النخاسين في معرفة عيوب الرقيق من الإماء، والعبيد، وسائر الحيوانات”[55].
ويتبين من خلال تتبع أقوال المالكية في هذا المجال أن الرجوع في تصوير القضايا إلى من له بصر بذلك الباب من أهل البصر والخبرة أمر مقرر في كتب المالكية، وهو الذي دلت عليه نصوص الشريعة، وقواعدها لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالا يُوحيٰ إِلَيْهِمْ فَسْـَلُواْ أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]؛ ولأن الرجوع إليهم يعين المجتهد على التكييف الفقهي للنوازل والوقائع الجديدة، فيكشف له عن وجوه الجمع والفرق بين النازلة والمسائل ذات الصلة.
يقول أبو العباس الونشريسي: “والمقايسة بين المسائل لا بد فيها من الالتفات إلى الخصوصيات المثيرة إلى الفوارق”[56].
المطلب الثاني: التكييف الفقهي للنازلة
ويقصد به عند المعاصرين: تحرير الأصل الذي ترجع إليه النازلة[57]، وقد ورد في كتاب عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري: “الفهم الفهم فيما ينخلج في صدرك ويُشْكِل عليك مما لم ينزل في كتاب ولم تجر به سنة، واعرف الأشباه والنظائر ثم قس الأمور بعضها ببعض وانظر أقربها إلى الله وأشبهها بالحق فاتبعه”[58]
والنوازل على اتساعها “لها أصول معلومة وأوضاع منظومة، ومن لا يعرف أصولها وأوضاعها لم يحط بها علما”.[59]
وقال بكر أبو زيد: “المهم في بيان أحكام النوازل المستجدة تحرير النتيجة الحكمية من القواعد التي تخرج عليها، وسلامة التخريج، وتثبيت مدرك الحكم والتعليل، فإنه متى صحت مع الباحث هذه المطالب سهل عليه بإذن الله تعالى ترتيب الحكم بأمان واطمئنان”[60].
المطلب الثالث: تحقيق مقاصد الشرع ورعاية مصالح الناس في تطبيق الحكم عليها.
وهذا الأصل هو ثمرة النظر في النوازل ولا يكون بعده إلا الاستجابة بالتنفيذ ممن تعلقت به النازلة من الأفراد أو الجماعات، ففي بيان الحكم وتطبيقه تحقيق لمقصد الشارع، وتحصيل لمصالح الخلق، ودرء للمفاسد عنهم في الحال والمآل، ولا يتحقق البيان إلا إذا اعتبر المجتهد جملة من الأصول الكلية والقواعد المرعية؛ والتي ترجع في مجملها إلى درك مقصد الشارع وتحقيق مصلحة الخلق[61].
وقد تقرر في الأصول أن لا نازلة تحدث إلا ولها حكم في كتاب الله تعالى نصا أو استنباطا؛ وهذا الأصل متفق عليه بين الفقهاء؛ والشواهد على صحته من القرآن والسنة ظاهرة، قال الله تعالى:
﴿أَلَر كِتَٰبٌ اَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ اَ۬لنَّاسَ مِنَ اَ۬لظُّلُمَٰتِ إِلَي اَ۬لنُّورِ ﴾ [إبراهيم: 1]
وقال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابّة في ِالارْضِ وَلَا طَٰئِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ اَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا في اِلْكِتَٰبِ مِن شيء ثُمَّ إِلَيٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 39]
قال ابن رشد الجد: “ما حدث من النوازل، التي لا يوجد فيها نص في الكتاب ولا في السنة ولا فيما أجمعت عليه الأمة يستنبط لها من الكتاب والسنة لأن الله عز وجل يقول: (ياأيها الذين آمنوا، أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولى الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [سورة النساء الآية: ٥٩].
معناه: إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقال: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمُۥٓ أَمْر مِّنَ اَلَامْنِ أَوِ اِلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي اَلرَّسُولِ وَإِلَيٰ أُوْلي اِلَامْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ اُلذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اُللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَاتَّبَعْتُمُ اُلشَّيْطَٰنَ إِلَّا قَلِيلا﴾ [النساء: 82]
فجعل المستنبط من الكتاب والسنة علما، وأوجب الحكم به فرضا وقال عز وجل: ﴿ مَّا فَرَّطْنَا في اِلْكِتَٰبِ مِن شيء ثُمَّ إِلَيٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 39]
ثم قال: فلا نازلة إلا والحكم فيها قائم من القرآن، إما بنص، وإما بدليل، علمه من علمه، وجهله من جهله. “[62].
المبحث الخامس: كيفية الاستفادة من النوازل
يمكن الاستفادة منها من ثلاثة أوجه:
المطلب الأول: الاستفادة منها في التأصيل
الرجوع إلى الفتاوى المبنية على الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس المستوفي لشرائط اعتباره؛ لأن كثيرا من النوازل في كتب المالكية انتزعت أحكامها من الكتاب والسنة وسائر الأدلة المعتبرة.[63]
يقول ابن رشد الجد: “…وأما الطائفة الثالثة فهي التي تصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الأصول التي هي الكتاب والسنة وإجماع الأمة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة، أو على ما قيس عليها إن عدم القياس عليها أو على ما قيس عليها.”[64]
ويقول عبد الله محفوظ بن بيه: “إن فتاوى أهل زماننا بحاجة إلى التأصيل على ضوء أصول فتاوى الأولين. انطلاقًا من مجموع الضوابط والشروط التي وضعها العلماء، سواء في العصور الأولى لازدهار الاجتهاد، أو تلك التي وصلوا إليها للضرورة والحاجة، عندما أجازوا قضاء المقلد وفتواه بشرط أن يحكم بالراجح والمشهور وما عليه العمل بشروط، أو ما به الفتوى الذي يوازي عند غير المالكية العمل عند المالكية. كما أن الفتوى بالضعيف للضرورة التي ليست ضرورة بالمعنى الفقهي، وهي الأمر الذي إذا لم يرتكبه المضطر هلك أو قارب الهلاك، فهذه تبيح المحرم، ولا يحتاج إلى قول لتستند عليه. لكن الضرورة التي تعم الحاجة وهو تعبير مستفيض في كلام الفقه”[65].
المطلب الثاني: دراسة نماذج من النوازل لتعرف القواعد
دراسة نماذج من فتاويهم لتعرف القواعد والضوابط والأسس التي أقام عليها المفتون أحكامهم وفتاويهم في مختلف العصور، وهي قواعد تنير دروب تطبيق النصوص على الوقائع المتجددة، فقد كانت القواعد والمبادئ العامة خير معين على مقارعة صعاب النوازل وتقويم اعوجاج ملتويات المسائل. وهذه القواعد تتعلق برفع الحرج: المشقة تجلب التيسير، والأمر إذا ضاق اتسع، وجلب المصالح ودرء المفاسد، ونفي الضرر وارتكاب أخف الضررين، والنظر في المآلات، والعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وسد الذرائع، وتحكيم العرف، وتحقيق المناط، والإذن في العقود وفي مدونات الفتاوى تطبيق حي للقواعد والضوابط على الواقعات[66]، أقتطف منها مثالين:
المثال الأول: اعتبار المقاصد وعدم الوقوف عند الألفاظ، إذا لاح للمخاطب خلاف ما دل عليه اللفظ، وهي قاعدة اعتبرها الفقهاء وبنوا عليها أحكاما كثيرة.
قال ابن رشد الجد: “الأحكام إنما للمعاني لا لمجرد الألفاظ”[67] وقال أيضا: “..ولو قال إنه الأظهر من مجرد اللفظ وسلمنا ذلك له لما لزم اتباع مجرد ظاهر اللفظ إذا خالفه المعنى لنا إنما تعبدنا بمعاني الألفاظ دون مجردها ولو اتبعنا مجردها دون معانيها لعاد الإيمان كفرا والدين لعبا”[68]، وقال أيضا: “…فوجب حمل لفظ المحبس على ما يعرف من مقاصد الناس بألفاظهم وإن خالف ذلك موجب اللفظ في اللسان العربي”[69].
المثال الثاني: رعاية الضرورة والحاجة إلى بناء الأحكام عليها.
جاء في المعيار: “سئل أبو محمد عبد الحميد عن اتخاذ الكلاب في الجنات وموضع الزرع، فأجاب: إن اتخاذ الكلاب في الجنات وموضع الزرع جائز، ومن شيوخنا المتقدمين من فعل ذلك في داره لأجل الخوف”[70].
وقال أبو العباس الونشريسي أيضا: “قال أبو بكر ابن العربي في أواخر كتاب الأقضية من القبس ما نصه: وكل ما دعت الحاجة إليه في الشريعة مما فيه منفعة ولم يعارضه محظور فإنه جائز وواجب بحسب حاله وهذا أصل بديع”[71].
والناظر في كتب النوازل لا ينبغي أن يغيب عن ذهنه أن جملة من الفتاوى إنما بنيت في أحكامها وفق ما غلب على الناس من المعاني الجارية بينهم، فكانت الأحكام المفصلة للواقعة غير خارجة عن رعاية تلك العوائد؛ وعلى هذا إذا تبدلت تلك العوائد كان على المفتي إعادة النظر في الواقعة لتقرير حكم يناسب العرف الطارئ[72].
وليس له أن يقتصر على ما تقرر في (الأجوبة) أو (النوازل) من أحكام، ظنا منه أن ما حكم به لا ينبغي العدول عنه؛ ولهذا نجد لفقهاء المالكية المشهود لهم بالتحقيق والتأصيل العدول عما هو مشهور في المذهب في مسائل مشهورة رعاية للعرف..[73]
المطلب الثالث: الاستفادة من الفتاوى القديمة في القضايا المعاصرة
وذلك بالبحث عن بعض النوازل التي تشبه القضايا المعاصرة المطروحة اليوم في الغرب “في وجه من الوجوه وصورة من الصور فيطبق عليها أو يستأنس بها لإيجاد حل للقضية المعاصرة”[74].
“وينبغي الإشارة إلى أن الفتاوى والنوازل القديمة قد لا تجدي فتيلاً في حل المسائل المعاصرة التي يمكن أن تحل من خلال القواعد كما أسلفنا، ومع ذلك فإنه بإمعان النظر في كتب الفتاوى والعمل يستطيع المتوسم أن يعثر على فروع ومسائل تشبه تلك التي تطرحها المعاملات المعاصرة، وينبغي التنبيه على أن دلالتها عليها قد لا تكون دلالة مطابقة ومفهومها قد لا يكون مفهوم موافقة، بل إنها تدل عليها دلالة تضمن أو التزام بوجه من الوجوه وشكل من الأشكال تنبئ عما وراء الأكمة بدون غوص في مضامينها أو تعمق في محتواها غير ملتزم بترجيح وجه من أوجه الخلاف، إذ أن المقصود إثارة الموضوع ليعلم أن له شواهد في النوازل تبيحه أو تحرّمه أو تحكي الخلاف فيه وهو أمر سيتيح للفقيه عندما يعالج أياً من هذه النوازل سنداً يستند إليه ليرجح من الخلاف على أساس من المرجحات ويكفيه منقبة لهذا الخلاف أنه يرفع عن الباحث إصر مخالفة الإجماع ويسلكه في مسلك الإتباع”[75].
خــــــاتمة
هذا ما يتعلق بهذه الدراسة وهو تأصيل أو محاولة تأصيل للنوازل الفقهية عند المالكية في الغرب الإسلامي وسبل الاستفادة منها في السياق الغربي، فهي محاولة لتوسيع دائرة الفهم وترسيخ جملة من المعاني في تعلق فقهائنا بالمعاني والمصالح وتشعبهم في طرق الاستنباط ووسائل الاستنتاج فيتهيأ بذلك الباحث والفقيه بأن يعمل النظر من أجل إيجاد الأجوبة المناسبة للأسئلة المطروحة.
وتأسيسا على ما سبق فإن النتيجة أن هذا التأصيل، هو مسلك من مسالك الاجتهاد، ولكنه لا ينسحب على الاجتهاد المستقل المطلق. فإذا وقعت واقعة فلا يخل أن يصادف الفقيه المعاصر فيها جوابا في النوازل الفقهية عند المالكية، أو أن لا يجد فيها جوابا، فإن وجد في المذهب جوابا يناسب السياق الغربي، نقله واتبعه المستفتون، وإن لم يصادف فيها منصوصا مطابقا فلا يتصور أن يخل هذا الفقيه من الإحاطة بالمنهج المالكي في استنباط الأحكام، فيجتهد وفق هذا المنهج اجتهادا جديدا لإحداث قول في الواقعة أو القضية الجديدة.
الإحالات:
- [1] الرابطة المحمدية للعلماء، الطبعة الأولى، (1433هـ، 2012م)
- [2] دار الكتب العلمية، لبنان، الطبعة الأولى، 2001م
- [3] دار اليسر، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة الأولى، (1434 هـ – 2013 م)
- [4] المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى، 2017م.
- [5] معجم مقاييس اللغة، 4/442
- [6] لسان العرب، ابن منظور، 13/522
- [7] ينظر: معجم مقاييس اللغة، 4/442، والصحاح، 13/526-522، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، 4/21
- [8] جمع الجوامع، ص:13
- [9] ينظر: أصول البزدوي (1/4)؛ وفيه تقسيم الفقه إلى ثلاث مراحل: معرفة الأحكام، ثم إتقان ذلك بمعرفة الدليل وطريق الاستنباط، ثم العمل بذلك العلم.
- [10] صحيح البخاريّ، كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، رقم 71، «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم: 1037.
- [11] البحر المحيط في أصول الفقه، 1/36
- [12] إحياء علوم الدين، 1/32
- [13] نفس المصدر، 1/32
- [14] إحياء علوم الدين، 1/32
- [15] نفس المصدر، 1/32
- [16] نفس المصدر، 1/33
- [17] معجم مقاييس اللغة، 5/417
- [18] ولعل من أسباب عدم تعريف المتقدمين للنوازل بتعريف خاص ما يلي:
- – أن مصطلح النوازل لم ينتشر إلا في القرون المتأخرة، وعند بعض الفقهاء والأصوليين.
- – أن وضوح المعنى وشيوعه قد يغني أحيانا عن تعريفه، ولعل النوازل من هذا الباب.
- – أن مرادفات لفظ النوازل والمصطلحات المقاربة له، لا تقل شأنا في التداول والشيوع عن مصطلح النوازل ذاته.
- – أن الذين كتبوا في النوازل اهتموا بالجوانب العلمية التطبيقية في النوازل، ولم يهتموا بالجوانب النظرية. ينظر: منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، مسفر بن علي القحطاني، ص: 90.
- [19] الرسالة للشافعي، ص: 20
- [20] جامع بيان العلم وفضله، ص: 275.
- [21] المقصود به فتاوي أبي حنيفة وتلامذته الكبار كمحمد بن الحسن وأبي يوسف ونحوهما.
- [22] رد المحتار على الدر المختار لشرح تنوير الأبصار، 1/ 142.
- منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، ص: 90 [23]
- [24] فقه النوازل، بكر بن عبد الله أبو زيد، 1/9
- [25] صناعة الفتوى وفقه الأقليات، بن بيه، ص: 26
- [26] فقه النوازل، محمد بن حسين الجيزاني، 1/ 24.
- [27] ينظر مقدمة فريد الأنصاري رحمه الله، كتاب “فقه النوازل على المذهب المالكي: فتاوى أبي عمران الفاسي”، ص: 7.
- [28] دراسة وتحقيق الأجوبة الصغرى، ص: 9.
- [29] نظرات في النوازل الفقهية، محمد حجي، ص: 78.
- [30] مقدمة فريد الأنصاري رحمه الله كتاب “فقه النوازل على المذهب المالكي: فتاوى أبي عمران الفاسي”، ص: 7.
- [31] ينظر هذه المؤلفات وغيرها في “محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي” لعمر الجيدي، ص: 105. 110.
- [32] وقد قام بتحقيقها الدكتور محمود علي مكي، والدكتور محمد عبد الوهاب خلاف.
- [33] وهو مطبوع، وقد جمعه الدكتور حميد لحمر.
- [34] وقد حققه الدكتور قطب الريسوني بإسبانيا حيث كان موضوع أطروحته للدكتوراه.
- [35] وقد طبع بتحقيق الدكتور المختار التليلي، وصدر مطبوعا ـ أيضا ـ بعنوان ((مسائل ابن رشد)) للدكتور محمد الحبيب التجكاني، حيث كان أطروحته للدكتوراه بدار الحديث الحسنية.
- [36] جمع فيه بعض نوازل فقهاء غرطانة مثل: ابن لب الغرناطي.
- [37] مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط، رقم:10247.
- [38] جمع نوازله تلميذه الفقيه، طبعت على الحجر بفاس سنة (1319هـ).
- [39] خ. الخزانة العامة بالرباط رقم:1447د.
- [40] خ. الخزانة العامة بتطوان، رقم:331.
- [41] وقد طبعت بتحقيق الدكتور محمد أبو الأجفان سنة (1404هـ).
- [42] رتبها تلميذه أبو القاسم بن أحمد بن علي (ت901هـ)، وجمعها علي بن احمد الجزولي(1049هـ). طبعت على الحجر بفاس.
- [43] طبع طبعة حجرية وأعيد طبعها مؤخرا في 13 مجلدا، تحقيق مجموعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي.
- [44] الموافقات، 4/244.
- [45] مباحث في المذهب المالكي، ص: 129. 130.
- [46] محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي، ص: 105.
- [47] مقال: فقه النوازل في المذهب المالكي: قضايا وأعلام، افتتاحية العدد، مجلة دعوة الحق المغربية، العدد رقم 396.
- [48] جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، 2/112.
- [49] الفروق، 2/110.
- [50] جامع بيان العلم وفضله، 2/127
- [51] فتاوى ابن رشد، 3/1500 وما بعدها، والمعيار، 10/32 وما بعدها.
- [52] الموافقات، 5/ 38.
- [53] المنهج في استنباط أحكام النوازل، ص: 268
- [54] الموافقات، 5/44.
- [55] تبصرة الحكام في أصول الاقضية ومناهج الحكام، 2/78
- [56] المعيار المعرب، 6/16
- [57] المنهج في استنباط أحكام النوازل، ص: 278
- [58] إعلام الموقعين عن رب العالمين، 1/86.
- [59] تخريـج الفـروع على الأصـول: الـزنجـاني، ص: 34
- [60] فقه النوازل، بكر أبو زيد، 2/10- 11
- [61] مداخلة: التأصيل الشـرعي للنوازل الفقهية عند المالكية، نور الدين بوحمزة، أعمال الملتقى الدولي السادس للمذهب المالكي، فقه النوازل في الغرب الإسلامي، تنظيم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، عين الدفلة – الجزائر، جمادى الأولى 1431هـ، أبريل 2010م، ص456.
- مسائل أبي الوليد ابن رشد الجد، 1/681 [62]
- [63] مداخلة: التأصيل الشـرعي للنوازل الفقهية عند المالكية، نور الدين بوحمزة، أعمال الملتقى الدولي السادس للمذهب المالكي، ص457.
- [64] فتاوى ابن رشد الجد، 3/1502.
- [65] مقال: سبل الاستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة، وهبة مصطفى الزحيلي، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد:11، السنة التاسعة، 1419هـ- 1998م، ص:603.
- [66] صناعة الفتوى وفقه الأقليات، ص:205.
- [67] الفتاوى لإبن رشد الجد، 2/ 894
- [68] نفسه، 2/733.
- [69] مسائل أبي الوليد ابن رشد (الجد)، 2/989.
- [70] المعيار، 11/ 300
- [71] المعيار،1/87.
- [72] أعمال الملتقى الدولي السادس للمذهب المالكي، ص:459.
- [73] الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، محمد الخضر حسين، ص:78
- [74] صناعة الفتوى وفقه الأقليات، ص:208
- [75] صناعة الفتوى وفقه الأقليات، ص:208-209.