التراث الثقافي ودوره في التنمية الترابية بالريف الغربي المغربي:
حالة جماعة الخروب

خديجة زروق

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه
تكوين الدكتوراه شمال المغرب وعلاقته بحضارات الحوض المتوسطي
 كلية الآداب والعلوم الانسانية تطوان – المغرب

ملخص

تعتبر المجالات الترابية، خصوصا على المستوى الجهوي، المدخل الأساسي للحفاظ على الموارد الطبيعية والثروات المحلية، لهذا تم التركيز على مسألة الاستدامة باعتبارها قاعدة للتنمية موازاة مع لزوم تثمين وتوظيف التراث الثقافي المادي واللامادي في إطار النموذج التنموي الجديد.
ويهدف هذا المقال إلى إبراز خصوصيات التراث الثقافي بجماعة الخروب مع النبش في الجوانب المنسية من هذا التراث قصد إعادة إحياءه واستثماره كمرتكز أساسي في التنمية. وفي هذا الصدد اعتمدنا على المنهج الوصفي للكشف عن التراث الثقافي المادي واللامادي بالجماعة الترابية الخروب، ثم تحديد كيفية توظيفه لتحقيق التنمية.
ومن النتائج التي توصلنا إليها، أن جماعة الخروب تحتضن تراث ثقافي متعدد ومتنوع، إلا أنه يعاني من إكراهات على مستوى الاستثمار والتدبير.

Abstract

Territorial areas, especially at the regional level, are considered the primary entry point for preserving natural resources and local wealth. Therefore, emphasis has been placed on the issue of sustainability as a basis for development in parallel with the need to value and employ tangible and intangible cultural heritage within the framework of the new development model.
This article aims to highlight the peculiarities of the cultural heritage of the Kharoub community, while excavating the forgotten aspects of this heritage in order to revive it and invest it as a basic foundation for development.
In this regard, we relied on the descriptive approach to uncover the tangible and intangible cultural heritage of the Kharoub territorial community, then determine how to employ it to achieve development.
Among the results we reached is that the Kharoub community embraces a diverse and diverse cultural heritage, but it suffers from constraints at the level of investment and management.

مقدمة

عرف المغرب منذ القدم، بحكم موقعه عند ملتقى كل من حوض البحر الأبيض المتوسط وقارتي إفريقيا وأوروبا، تعاقبا وتمازجا للحضارات قلّ أن يجود بها التاريخ والجغرافيا. وقد ورث المغرب من ماضيه هذا تراثا ثقافيا متعدد المشارب ومعترفا بتنوعه وغناه على المستوى العالمي. ويشكل هذا التراث، الذي يعتبر رمزا للهوية وعنصرا أساسيا لذاكرتنا، حاملا لمبادئنا وقيمنا المشتركة وقابلا للنقل عبر الأجيال القادمة (المملكة المغربية وزارة الثقافة).

فمنذ القرن الثامن الميلادي، تعاقبت على المغرب مجموعة من الدول كل واحد منها ترك آثارا مادية تتباهى بها الأمة المغربية اليوم. حيث أن لكل شعب موروثاته الثقافية الخاصة والتي يتوارثها عبر المراحل التاريخية. فعندما نقول: الموروث أو التراث، فإننا نشير إلى مجموعة من الأشكال الكلامية أو السلوكية، التي انحدرت إلينا من الأجيال السالفة. وبالتالي فإن كلمة تراث تعني كل ما هو موروث في مجتمع معين عن الأجيال الغابرة: العادات، والأخلاق والآداب، والتعابير. وهذا يعني بالضبط ما تؤيده كلمة تراث”. (العروي، 1988م، ص.192).

والمغرب يزخر بتراث ثقافي عني ومتنوع، وهو ينحدر من امتزاج عدة روافد منها ما هو إفريقي وأمازيغي وصحراوي وعربي وأندلسي…

وعليه، فإن الإشكالية المطروحة خلال هذه الدراسة تتمحور حول: ما هي مميزات وخصائص التراث الثقافي المادي واللامادي بجماعة الخروب؟ وكيف يمكن توظيف التراث الثقافي المادي واللامادي في تحقيق التنمية الترابية بجماعة الخروب؟

وتتجلى أهداف الدراسة في العناصر التالية: أولا التعرف على المسار الكرونولوجي للتراث الثقافي كمورد مساعد على تحقيق التنمية على المستوى العالمي والمغربي. وثانيا رصد أهم الموارد المادية واللامادية بجماعة الخروب. وثالثا إبراز أهمية التراث الثقافي في خلق دينامية سياحية بالمنطقة.

وتكمن أهمية الدراسة في كون: أن الموقع الجغرافي المتميز والاستراتيجي للمغرب تُـرجم في غنى وتنوع الموارد الطبيعية والثقافية والبشرية والجغرافية والتاريخية. وعليه فإن إرث الماضي من الأهمية بمكان أن يكون حاضرا في الحاضر بجميع تجلياته، ولن يتحقق ذلك إلا بصون هذا التراث والحفاظ عليه من التأثيرات السلبية للعولمة.

وهناك مجموعة من المفاهيم المهيكلة لهذا الموضوع، وسنقتصر في هذه الدراسة على البعض منها ندرجها كما يلي:

*التراث الثقافي: تعرف اليونيسكو –باعتبارها الوكالة الوحيدة من بين وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي لديها تفويض محدد في مجال الثقافة- التراث الثقافي بما يلي: “ولا يقتصر التراث الثقافي على المعالم التاريخية ومجموعة القطع الفنية والأثرية، وإنما يشمل أيضا التقاليد أو أشكال التعبير الحية الموروثة من أسلافنا والتي تداولتها الأجيال الواحد تلو الآخر وصولا إلينا، مثل التقاليد الشفهية والفنون الاستعراضية، والممارسات الاجتماعية، والطقوس والمناسبات الاحتفالية، والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون والمعارف والمهارات في إنتاج الصناعات الحرفية التقليدية” (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة).

*التراث المادي: “يشتمل التراث المادي على الآثار والمباني والأماكن الدينية والتاريخية والتحف من منشآت دينية وجنائزية، كالمعابد والمقابر والمساجد والجوامع، ومبانٍ حربية ومدنية مثل الحصون والقصور والقلاع والحمامات، وأيضًا السدود والأبراج والأسوار، والتي تعتبر جديرة بحمايتها والحفاظ عليها بشكل أمثل لأجيال المستقبل. ويعتبر علم الآثار والهندسة المعمارية والعلوم والتكنولوجيا هي التي تحدد معيارية هذا التراث” (https://ar.unesco.org).

*التراث الثقافي اللامادي: “الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات -وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية-التي تعتبرها الجماعات والمجموعات وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي. وهذا التراث الثقافي غير المادي المتوارث جيلا عن جيل، تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها، وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها، ويعزز من تم احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية” (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة).

*التنمية المستدامة: عرفتها الأمم المتحدة بأنها: “عبارة عن مجموع الوسائل والطرق التي تستخدم بغرض توجيه جهود الأهالي مع السلطات العامة بغية تحسين مستوى الحياة في جميع النواحي في المجتمعات القومية والمحلية. وإخراج هذه المجتمعات من عزلتها إيجابيا في الحياة العامة، وبالتالي تساهم في تقدم البلاد”(الركراكي، 2021م، ص.12).

وفي السنوات الأخيرة ونظرا لتزايد الوعي بقضايا البيئة والمجتمع ظهر مفهوم جديد للتنمية وهو التنمية المستدامة والذي يعني تلبية احتياجات الجيل الحاضر دون الإضرار بحقوق الأجيال القادمة في تلبية احتياجاتها، وذلك من خلال خلق توازن بين التنمية الاقتصادية والبشرية من جهة وإدارة الموارد وحماية البيئة من جهة أخرى.

1. توطين مجال الدراسة

تنتمي جماعة الخروب إلى قبيلة بني يدر التي تعتبر من أقدم القبائل وأكبرها بالمنطقة الجبلية شمال المملكة المغربية، وقد لعبت هذه الجماعة دورا مهما في تاريخ المغرب وخصوصا في مواجهة الاستعمار الاسباني. وتتمتع الجماعة بموقع متميز فمن الناحية الإدارية تعتبر أحد الجماعات التابعة لإقليم تطوان (جهة طنجة تطوان الحسيمة)، يحدها شمالا جماعة بغاغزة وبني حرشن، وجنوبا بني عروس وشرقا جماعة بني يدر وغربا جماعة جبل الحبيب وعياشة (خريطة رقم 1).

وقد أحدثت الجماعة بعد التقسيم الإداري لسنة 1992م، ويرجع اسم الجماعة إلى واد الخروب الذي يمر منها (وهو امتداد للواد الكبير المعروف بالمنطقة)، والخروب نوع من الأشجار الغابوية التي كانت موجودة على ضفاف الواد، إلا أن هذا النوع من الأشجار أصبح عرضة للانقراض (الساكنة المحلية عوض استعمال مصطلح الخروب تستعمل مصطلح “أقرون”) (المديرية العامة للجماعات المحلية، ماي 2015م، ص 10).

خريطة رقم 1: المـــــوقــــــع الجغرافي لجماعة الخروب

المصدر: إعداد شخصي اعتمادا على المعطيات الخاصة بالتقسيم الجهوي الجديد للمغرب لسنة 2015م

2. السياق العام للاهتمام بالتراث الثقافي

أصبح التراث في الآونة الاخيرة وفي العديد من البلدان موردا ترابيا يسمح بتحقيق قيمة مضافة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا… وبالتالي يمكن اعتبار التراث مخزونا ثمينا تركه السلف، وهو يعكس الهوية الثقافية وطرق التفكير وتمثلات مبدعة للحياة (خالي، 2020م، ص 95).

فحسب المديرة العامة لليونيسكو السيدة أودري أزولاي قالت: “فقد شهدنا ازدهار المبادرات التي أعادت استثمار الممارسات الثقافية في جميع أنحاء العالم، وسلطت الضوء على ثرائها الوفير. وبين لنا ما أقيم من أنشطة مشتركة ومبادرات أصلية وإبداع خلال هذه الاستراحة القسرية أن تنوعنا هو عنصر من عناصر ثرواتنا الإنسانية”. وبناء عليه، يمكن تحديد المرجعيات والمؤسسات الدولية التي اهتمت بالتراث كمكون ترابي وعامل تنموي فيما يلي:

*1931م: ميثاق أثينا: عن معهد التعاون للجمعية الدولية، يؤكد على المحافظة على التراث الفني والأثري وحمايته.

*1964م: ميثاق البندقية: أو الميثاق العالمي للحفاظ وترميم المعالم والمواقع، يحدد مجموعة من المفاهيم وكذا تقنيات الترميم والصيانة.

*1967م: اتفاقية باريس: لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي الذي أقره المؤتمر العام لليونيسكو في دورته السابعة عشرة.

*1987م: ميثاق واشنطن: للحفاظ على المدن والمناطق التاريخية الصادر عن الايكوموس.

*2001م: الإعلان العالمي للتنوع الثقافي من طرف اليونسكو.

*2002م: إعلان الجمعية العامة في قرارها 57/249 يوم 21 ماي اليوم العالمي للتنوع الثقافي والحوار والتنمية.

*2003م: اتفاقية باريس: للحفاظ على التراث غير المادي اليونيسكو.

*2005م: اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي (مراد عرابي، 2019م، ص81).

*2015م: اعتماد اللجنة الثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع مشروع القرار بشأن الثقافة والتنمية المستدامة (A/C.2/70/L.59)، الذي أكد على مساهمة الثقافة في الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة، ومعترفا كذلك بالتنوع الطبيعي والثقافي للعالم، وعبر عن إدراك قدرة الثقافات والحضارات على الإسهام في التنمية المستدامة واعتبارها من العوامل الحاسمة في تحقيقها (https://ar.unesco.org).

أما على المستوى الوطني فيشكل تراث البلاد وديناميته الثقافية إمكانا مهما وإسهاما أصيلا وثمينا في الحضارة والثقافة المغربية. فقد تمكن المجتمع المغربي وبطريقة موفقة في الحفاظ على العناصر الأساسية للتراث الوطني ومنح الحياة لمختلف تعابير التراث العتيق للبلاد في أشكالها الأصلية ثم في عصرنتها. وهذا التراث هو الذي يستمر اليوم في تمكين المغرب من صورة الأمة المتجذرة في التاريخ بما يغدقه عليه من الإمكانيات السياحية والثقافية، فضلا عنما يكتنزه من ثروات للأجيال الحالية، التي تشكل مصدر إلهام وإبداع (المملكة المغربية، تقرير الخمسينية ص.54).

وقد أعربت التوجيهات الملكية السامية في عدة مناسبات عبر خطب ورسائل من ضمنها الرسالة الموجهة إلى المشاركين في الدورة 23 للجنة التراث العالمي المنعقدة بمراكش ما بين 29 نوفمبر و44 دجنبر 1999م، الذي أكد على المحافظة على التراث وصيانته إنما هي محافظة على إرث إنساني يلتقي عنده باعتراف متبادل جميع أبناء البشرية، كما أشار من خلالها الملك إلى الحاجة لنهج مقاربة ديناميكية تهدف إلى “دمج تراثنا في مشاريع التنمية لدينا وليس فقط الاكتفاء بتحنيطه في منظور تقديسي للماضي” (عرابي، 2019م، ص.81)”.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطاب الملكي السامي -الذي وجهه الملك محمد السادس يوم الأربعاء 30 يوليوز 2014م إلى الأمة بمناسبة الذكرى الخامسة عشرة لاعتلاء جلالته العرش-يعتبر إطارا مرجعيا للاهتمام بالرأسمال غير المادي للمملكة المغربية. والذي يشمل بلا شك التراث اللامادي باعتباره مكونا رئيسيا من مكونات الرأسمال الاجتماعي. حيث أصدر الملك في متن الخطاب توجيهاته السامية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قصد القيام بدراسة شاملة لقياس القيمة الإجمالية للمغرب ما بين 1999م و2013م، وذلك قصد إبراز قيمة الرأسمال غير المادي للمغرب والعمل على اعتماده كمعيار أساسي خلال وضع السياسات العمومية، وذلك لتعميم استفادة جميع المغاربة من ثروات وطنهم. وهي التوجهات التي توجت في دجنبر 2016م بصدور تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئة تحت عنوان “الرأسمال غير المادي عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف” (الخطاب الملكي 30 يوليوز 2014م).

شكل رقم 1: تمفصل المستويات الترابية في النموذج التنموي الجديد

المصدر: إعداد شخصي اعتمادا على المعطيات الخاصة بالتقسيم الجهوي الجديد للمغرب لسنة 2015م

إلى جانب ذلك فقد نص دستور المملكة المغربية الذي تم إصداره في 2011م على أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية. كما نص الدستور في فصله 19 على أن الحقوق الثقافية من حقوق المواطن المغربي، بل هناك مساواة بينها وبين باقي الحقوق السياسية والاجتماعية. وفي هذا الإطار، فمنذ الستينيات من القرن الماضي والدولة تسعى إلى نهج نظام اللامركزية الذي تُـوّج في المرحلة الراهنة بالنموذج التنموي الجديد، الذي يتضمن رؤية جديدة بشأن تدبير المجالات الترابية بغية الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية. ومن أجل ذلك دعا هذا النموذج إلى إعادة تنظيم ترابي متجدد مع الحرص على توزيع أفضل للخدمات العمومية انطلاقا من أكبر وحدة ترابية (الجهة) إلى أصغر وحدة ترابية “الدوار. (شكل رقم 1).

لهذا الغرض تدعو اللجنة الموضوعاتية الخاصة بهذا النموذج إلى إنشاء مرصد مخصص لجمع المعلومات على مستوى كل دوار (المملكة المغربية، 2021م، ص122)، قصد استثمار أفضل للخصوصيات المحلية التي من شأنها تحقيق أهداف التنمية المنشودة.

فقد أصبحت الجماعات الترابية وفق مقتضيات المادة 78 من القانون التنظيمي رقم 14/113 المتعلق بالجماعات الترابية وطبقا للمرسوم رقم 301 16 2 الصادر في 29 يوليوز 2016م، ملزمة بإعداد برنامج عمل وتتبعه وتحيينه وتقييمه ووضع آليات الحوار والتشارك لإعداده. ويعتبر هذا البرنامج الوثيقة المرجعية للجماعة والتي تحدد البرامج والمشاريع التنموية ذات الأولوية المقرر برمجتها أو إنجازها أو المساهمة فيها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات بهدف تقديم خدمات القرب للمواطنين والمواطنات (المملكة المغربية، 2017م-2022م، ص. 4)، مع الاعتماد على منهجية تحتم المرور بمجموعة من المراحل والتي يمكن اختزالها فيما يلي:

التشخيص=<وترتيب الأولويات التنموية=<تحديد المشاريع والأنشطة ذات الأولوية

=<تقييم موارد الجماعة ونفقاتها =<مصادقة المجلس على مشروع البرنامج.

وتجدر الإشارة إلى ان المخطط الجماعي لجماعة الخروب ركز على تنمية الموارد الذاتية للجماعة وتحسين ظروف عيش الساكنة المحلية.

3. خصوصيات التراث الثقافي بجماعة الخروب

جماعة الخروب كباقي جماعات التراب المغربي تزخر بموروث ثقافي مهم تعكس ثراء التراث المادي واللامادي بالمنطقة. هذا الموروث الثمين الذي يتطلع إلى من يزيل عنه غبار العصور ويبرزه إلى الأجيال الحالية، ويسخر معالمه ومكوناته لإحياء ثقافة وهوية المنطقة من خلال النهوض بالسياحة الثقافية.

1.3- التراث الثقافي المادي بجماعة الخروب

أ- المداشـــــــر

يحتضن تراب جماعة الخروب العديد من الدواوير لكل منها مميزات خاصة من حيث موقعها وموضعها، إذ أن هذه الدواوير منها ما يوجد بالمناطق المنبسطة ومنها ما يوجد بالمناطق السفحية المرتفعة. ولجوء الساكنة للاستقرار في هذه المناطق المرتفعة يعود لسببين رئيسيين: أولاهما المرتفعات توفر الحماية لساكنة الدوار من الأخطار الخارجية فهي بمثابة حصن آمن لها، وثانيهما أن الساكنة غالبا ما تستقر بالقرب من منابع المياه.

خريطة رقم 2: توطين التوزيع المجالي للساكنة بجماعة الخروب حسب الدواوير

المصدر: إعداد شخصي اعتمادا على الخريطتين الطوبوغرافيتين
لجبل الحبيب والخميس بني عروس 50000/1

ب- السكن الريفي الجبلي

إن ندر الأرض والمياه والتجاذب العرقي وعدم توفر الأمن، كلها عوامل دعت إلى التجمع السكني وأرغمت السكان على العيش مجتمعين. فسكان المناطق الريفية يتميزون بالتجمع إذ يعيشون داخل تجمعات واضحة تتميز بوجود المسجد (زروالي، 2005م، ص. 70).

فالبحث الدائم عن التضامن دفع السكان إلى العيش في تجمعات سكانية متقاربة للدفاع عن أنفسهم والقيام بكل ما من شأنه أن يوفر التضامن والتكافل الاجتماعيين. وقد اتضح لنا ذلك من خلال المعاينة الميدانية لتراب جماعة الخروب إذ لاحظنا أن السكن يعكس الواقع السوسيواقتصادي البسيط لساكنة الجماعة.  ويعتمد في بناء هذه المساكن على المواد الطبيعية والمحلية الأمر الذي يفسر العلاقات المتينة بين الإنسان والطبيعة بالمجالات الريفية. ومن أهم هذه المواد المستعملة في بناء المساكن التقليدية: صنع الطوب أو التراب المدكوك في قوالب معدة سلفا ويتم صنع هذه الأخيرة باستعمال عدد من المواد: التراب والتبن وبعض مخلفات الماشية حيث يخلط الكل جيدا بالماء ويتم سكبه في قوالب إلى أن يجف ويصبح قابلا للاستعمال (صور رقم 1). ويستعمل في بناء جدران المنازل الحجارة والطوب ويتم ملء الفراغات بخليط من التربة والحجارة الدقيقة. ويتم الاعتماد في أسقف المنازل على أعمدة من الأشجار توضع فوقها بعض الأعشاب المتواجدة بالمنطقة ويغطى الكل بعجين التراب المخلوط بالتبن لمنع تشققه والحيلولة دون تسرب الامطار، ويتم تغطية سقف المنزل بصفائح من الزنك (صور رقم 1). ولتمليط جدران الغرف والأرضية تستخدم مواد محلية ودقيقة حيث يتم مزج عدد من المواد (تربة وروث البقر) للحصول على خليط متماسك قابل للاستعمال.

وبعد الانتهاء من بناء المسكن نمر إلى المرحلة الأخيرة وهي عملية صباغة وتبييض البيوت من الداخل والخارج باللون الأبيض الناصع الذي يضفي جمالية على المسكن (مقابلات مع ساكنة الجماعة) (صور رقم 3 و4 و5 و6).

ج- الأفران التقليدية

شكل موضوع الفرن التقليدي، كموروث ثقافي، اهتمام عدد من الباحثين بالتراث المغربي، سواء من حيث هندسته المعمارية الدقيقة والمتميزة، أو دوره في ربط العلاقات التفاعلية بين سكان المنطقة. ويتم بناء الأفران من الفخار واعتمادا على الموارد الطبيعية والمحلية للمنطقة كالتراب والتبن وروث البقر، كلها مواد تمزج عناصرها وتستعمل في البناء. هذا إلى جانب الاعتماد على الحجارة لبناء أساس الفرن وهو ما يصطلح عليه بـ “الدكانة”. هذه الأفران إلى جانب اعتبارها كتراث ثقافي يجب صونه من التغيرات التي تطرأ في أنماط الحياة، فهي تبرز جانبا من مظاهر التضامن الاجتماعي بالجماعة.

د. الجوامع والمساجد: تراث عمراني ديني

يتوفر مجال الدراسة على عدد من الجوامع والمساجد، فبالإضافة إلى الصلاة يتم فيها أيضا تحفيظ القرآن الكريم. ويعتبر المسجد من بين الرموز الأساسية للمجتمع الريفي فهو مجال لتجمع أهل الدوار والتشاور واتخاذ القرارات حول القضايا التي تخص الدوار.

وقد لاحظنا من خلال الخرجات الميدانية أن كل دوار بجماعة الخروب يتوفر على مسجد صغير تابع للدوار بالإضافة إلى التوفر على جامع كبير بدوار الزاوية. هذه المعالم الدينية تعتبر تراثا ثقافيا مهما بتراب الجماعة فإلى جانب وظائفه الأساسية فهو يساهم في جذب الساكنة المحلية والبعيدة خصوصا ليلة ويوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث يتم الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم في أجواء روحانية من أمداح وأذكار نبوية ابتداء من صلاة المغرب من يوم 11 ربيع الأول إلى صلاة الفجر من يوم 12 ربيع الأول، هذه الليلة تشهد تنوعا على مستوى مظاهر الاحتفال، حيث يتم المزج ما بين قراءة القرآن وأذكار وأمداح نبوية بشكل متناسق وجذاب. وتختتم هذه الليلة بما يسميه سكان المنطقة “بالتبشير” وهي قصيدة تتحدث عن مولد الرسول صل الله عليه وسلم، ومن أهم أبياتها المشهورة عند الصغير والكبير والتي يتم ترديدها في مناسبات عدة:

البشير النذير السراج المنير      ***      سيدنا محمد صل الله عليه

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يدوم ليلة كاملة ويتواصل خلال النهار، ويرافق هذا الاحتفال مظاهر الانتعاش الاقتصادي والسياحي، حيث يقبل الزوار على اقتناء المنتوجات التي يتم عرضها من طرف التجار القادمون من مناطق بعيدة (صور رقم 10 و11). ومن تجلياته أيضا، استغلال المناسبة الدينية النبوية في ختان الأطفال وسط أجواء من الاحتفال والزغاريد التي ترافق هذه العملية. (حضرت مراسيم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدوار الزاوية بجماعة الخروب يوم 19 أكتوبر 2021م).

2.3- التراث الثقافي اللامادي بجماعة الخروب

أ- عادات اللباس

تُعرف الشعوب ليس فقط من خلال درجة تقدمها العلمي والاقتصادي، وإنما من خلال درجة المحافظة على أصالتها وخصوصياتها الثقافية (تاوشيخت، 2014م ص 92)، ومن بين هذه الخصوصيات اللباس الريفي الجبلي، الذي يعتبر من العادات والتقاليد الموغلة في الزمن، ويشهد له بالتميز. فاللباس التقليدي بجماعة الخروب يتميز بالتنوع سواء تعلق الأمر بلباس النساء: السبنية والقفطان والفوطة والحزام (الكرزية) والمنديل والطرابق والبلغة أو الريحية، والقبعة (الشاشية) والحلي والمجوهرات (صورة رقم 12)، أو بلباس الرجال: العمامة والجلباب والقشابة والريحية، هذه العناصر المتنوعة في اللباس تمنح ساكنة المنطقة سمات مميزة وذات حمولة ثقافية عريقة، توظيفها في السياسات العمومية من شانه توفير دخل قار لعدد من أفراد الجماعة.

صورة رقم 12: بعض الألبسة التقليدية لساكنة المناطق الجبلية بالريف الغربي المغربي

المصدر: المعاينة الميدانية بتاريخ 31 دجنبر 2021م

ب- الأسواق الأسبوعية

تعتبر الأسواق الأسبوعية إحدى الركائز الأساسية المعتمدة في التنمية الاقتصادية المحلية. “كما تعد هذه الأسواق بمثابة مدن عابرة يدوم عمرها بضع ساعات مرة أو مرتين في الأسبوع، إنها مدينة من الخيام البيضاء اللون، الذي يراها الناظر من بعيد، تتجاور بها خيام الباعة ومنتوجات الفلاحين، والأماكن المخصصة لمصلحي الأدوات والآلات وأماكن مقدمي الخدمات، والعديد من الباعة الصغار. ويوجد بهذه الأسواق مكانا خاصا بالحبوب وآخر خاصا بالماشية ومتاجر ثابتة (القيطوني، 2006م، ص.200). وأماكن لبيع السمك وأثاث المنازل ومطاعم متحركة…. (خرجات ميدانية لسوق الأحد وسوق الثلاثاء وسوق السبت).

وعليه، فالأسواق الأسبوعية تعتبر موروثات ثقافية يجب صونها والمحافظة عليها، كما تلعب دورا مهما في تحريك العجلة الاقتصادية للجماعة.

وتجدر الإشارة إلى أن تراب جماعة الخروب يحتضن سوقا أسبوعيا بدوار الاثنين، (هذا السوق ينشط في يوم السبت)، هذا إلى جانب قرب الجماعة من الأسواق الأسبوعية الأخرى مثل سوق الأحد بجماعة البغاغزة وسوق الثلاثاء بجبل الحبيب، كل هذه الأسواق من شأنها أن تساهم في خلق تنمية بالجماعة خصوصا وأنها تعتبر فرصة سانحة للتعريف وبعرض المنتوجات المحلية خاصة وأن إشعاع هذه الأسواق يتجاوز الحدود المجالية القريبة إلى حدود أكبر حيث يستقطب التجار والزوار والسياح من المناطق المجاورة مثل مدينة طنجة وتطوان والعرائش. هذا التوافد يجعل الأسواق في دينامية متواصلة خصوصا مع سهولة التنقل.

ج- الأكلات المحلية

ترتبط العادات الغذائية المغربية بمجموعة من الأبعاد البيولوجية والسيكولوجية والثقافية والتراث والهوية… وكذلك لها علاقة بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في اختياراتهم الغذائية.

وتتميز المجالات القروية بتنوع الأطباق المقدمة وتختلف حسب المناسبات وكذلك حسب الظروف المادية لكل أسرة. ولكنها غالبا ما تتوحد هذه الأكلات التقليدية في عدد من المناسبات، إذ نجد:

*أطباق فصل الشتاء: تتميز هذه الأطباق بسيادة الاكلات التي تتناسب مع برودة المناخ مثل القطاني ومن بين الأطباق التي تتميز بها المناطق الجبلية عموما وجماعة الخروب خصوصا أكلة “البيصرة” مع زيت الزيتون والشاي.

*أطباق المناسبات: هذه الأطباق تتشابه بين جميع الأسر وفي مختلف المناسبات والأفراح.

*أطباق يومية: ترتكز على المنتوجات المحلية مثل خبز الفرن وزيت الزيتون والحليب والخضروات والقطاني… بالإضافة إلى باقي المنتوجات التي يتم اقتناءها من الأسواق الأسبوعية.

3. التراث والتنمية بجماعة الخروب:

المصدر: المعاينة الميدانية بتاريخ 31 دجنبر 2021م

يعد مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية والذي بدأ يظهر بصورة واضحة مع استقلال الدول الأسيوية والإفريقية في ستينيات القرن الماضي. وقد مَــر هذا المفهوم بعدة مراحل كما يوضحها الشكل رقم 2.

ومن أهم المبادئ المؤسسة للتنمية: الشمولية والتكامل والاستدامة. هذه المبادئ تنبني على متطلبات متباينة منها ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وبيئي.

واعتمادا على ما سبق تتميز جماعة الخروب بموارد ثقافية متنوعة نلخصها في الخطاطة التالية:

المصدر: المعاينة الميدانية بتاريخ 31 دجنبر 2021م

وعليه، وحسب اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، فقد اعترفت بـــ “أهمية التراث الثقافي غير المادي بوصفه بوتقة للتنوع الثقافي وعاملا يضمن التنمية المستدامة”. فالرجوع إلى المحلي والبحث عن التميز أضحى ضرورة لابد منها لاندماج أفضل في مسلسل العولمة وتقوية مرتكزات وأصول الهوية المحلية. فالتراث الثقافي المادي واللامادي أصبح مطلبا تنمويا يحتم المحافظة عليه وتثمينه لكونه من جهة يعد موردا ترابيا، ومن جهة أخرى يعتبر أداة حية وفعالة مساهمة في تحقيق التنمية الترابية.

إن تحقيق التنمية بجماعة الخروب ينبني على استثمار الموارد الثقافية بالمنطقة وصون التراث لكسب رهان “التراث ودوره في تحقيق التنمية المستدامة”، ذلك أن هذا التراث يعتبر إرث مشترك للجماعات ومدخلا للتنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية ووسيلة لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير الدخل القار للساكنة.

خاتمة

تزخر جماعة الخروب بتراث ثقافي غني ومتنوع، وهو يشكل قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب بل أيضاً كوسيلة لعيش حياة فكرية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً، وهو ما تنصّ عليه الصكوك الدولية التي تنظم مجال التراث الثقافي التي تتيح ركيزة صلبة لتعزيز التنوّع الثقافي.  ومن هنا يُعتبر التنوع الثقافي ميزة ضرورية للحدّ من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.

ويمكن إجمال أهم الخلاصات والاستنتاجات فيما يلي:

* تزخر جماعة الخروب بتراث مادي ولامادي متنوع.

* يعتبر التراث المادي واللامادي رأس مال ترابي حقيقي ورافعة للتنمية المستدامة.

* يعتبر التراث الثقافي من عوامل الجذب السياحي وعنصرا مهما للصناعة السياحية وركيزة أساسية لتطبيق مفهوم الاستدامة.

* توفير وسائل التوجيه والإعلام من لافتات داخل تراب الجماعات المحلية.

* جهل صانعي القرار بالقيمة الاقتصادية للتراث الثقافي.

* النبش في الذاكرة المحلية وصون كل ما من شأنه أن يساهم في توفير الدخل القار للساكنة.

* دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

Scroll to Top