التمكين السياسي للمرأة
كمدخل للنهوض بأوضاعها الاجتماعية

محمد زياني

باحث في علم الاجتماع
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق
المغرب

ملخص

يمكن القول إن مفهوم التمكين السياسي للمرأة حاز مكانة هامة في السجال الدائر بالمجتمعات العربية، باعتباره آلية لجعل المرأة ممتلكة للقوة والإمكانيات التي تساهم في الرقي بأوضاعها الاجتماعية. فالنهوض بأوضاع المرأة لا يتم إلا عن طريق إدماجها في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، إذ أن هذا الادماج لا يرتبط بفتح باب مشاركتها وولوجها إلى مؤسسات الدولة، بقدر ما يرتبط بإشراكها الفعلي في اتخاذ القرارات، وهو ما يصطدم بالعديد من الاكراهات التي تعوق هذه المشاركة.

Abstract

we can say that the political empowerment of women holds a very important place in Arab societies, regarded as a mechanism for the development of women’s social status. This advancement can only be achieved through their integration into all state domains of life, whether political, economic, or social. The integration of women that is being discussed is not necessarily tied to their participation in and access to governmental institutions. Rather, it is related to their involvement in decision-making, which often comes into conflict with various constraints that hinder women’s participation.

مقدمة

باتت قضية النهوض بالأوضاع الاجتماعية للمرأة وتطوير وضعها إلى مستوى المكانة التي تستحقها بكونها عنصراً فاعلا وشريكا في تنمية المجتمع، واحدة من أهم القضايا المعاصرة التي تشغل بال المفكرين والحكومات والمؤسسات والهيئات الدولية، فالنهوض بأوضاع المرأة لا يتم إلى عن طريق إدماجها في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، حيث أن هذا الادماج لا يرتبط بفتح باب مشاركتها وولوجها إلى مؤسسات الدولة، بقدر ما يرتبط بإشراكها الفعلي في اتخاذ القرارات، وهو ما يصطدم بعدد من الاكراهات التي تعوق هذه المشاركة، فهي مرتبطة من جهة بالتباين الثقافي والحضاري الخاص بكل مجتمع، ومن جهة أخرى بالهيئات السياسية داخل الدولة كالحكومة والبرلمان والأحزاب، فالمشاركة السياسية للمرأة تعد إحدى الركائز الأساسية في مفهوم التمكين، الذي يجعل من المرأة ممتلكة للقوة والإمكانيات التي تساهم في الرقي بأوضاعها الاجتماعية. أي أن مفهوم التمكين السياسي يرتبط ارتباطا وثيقا برقي وتقدم المرأة وحضورها على أرض الواقع، وبتعزيز قدراتها عن طريق المشاركة السياسية بصورة فعالة في كافات النشاطات السياسية والمدنية، بمعنى إيصال المرأة إلى مواقع اتخاذ القرار.

إن موضوع المشاركة السياسية للمرأة العربية، ومقارنتها بالمجتمعات الأخرى لازالت تراوح مكانها، فبالرغم من التقدم الذي شهدته في مجالي الصحة والتعليم، لم تقترن هذه المكاسب بإنجازات مماثلة في المجال السياسي، وحصتها من المشاركة في الحياة العامة والسياسية في المجتمعات العربية من بين أدنى الحصص في مناطق العالم، هو ما نجده بالملموس على أرض الواقع، حيث توجد فجوة كبيرة جداً بين التوجهات والقرارات الدولية وبين واقع تمكين المرأة العربية سياسياً. ففي الوقت الذي تحاول الدول العربية أن تلبي في دساتيرها متطلبات وتوجهات وقرارات دولية، نجد هناك على صعيد الممارسة تفاوت كبير بين جوهر هذه التوجهات وواقع التمكيين السياسي للمرأة العربية.

ضمن هذا الإطار العام الذي أبرزنا فيه بعض مظاهر التمكين السياسي للمرأة كمدخل لنهوض بأوضاعها الاجتماعية، سنحاول الكشف عن مدخلات التمكين السياسي للمرأة المغربية، والأسباب والعوائق التي تواجه هذا العمل من خلال طرح الإشكالات التالية:

  • ما المقصود بالتمكين السياسي؟
  • ما واقع التمكين السياسي للمرأة في المجتمعات العربية عامة والمجتمع المغربي خاصة؟
  • هل للمرأة دور فعال ومؤثر في العملية السياسية من خلال المشاركة السياسية؟
  • ما أثرو انعكاسات التمكين السياسي على الأوضاع الاجتماعية للمرأة؟

انطلاقا من الواقع الاجتماعي، سنتساءل في هذه الورقة عن واقع التمكين السياسي للمرأة وعن مدى استطاعة التمكين السياسي الرقي بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمرأة.

للإجابة عن هذه الإشكالات، لابد لنا من الحديث عن مفهوم التمكين في المتن السوسيولوجي، قبل الخوض في فعالية وتأثير مشاركة المرأة في العملية السياسية، وانعكاس هذه المشاركة على الرقي بأوضاعها داخل المجتمع.

مفهوم التمكين السياسي رؤى نظرية:

تحضرنا في هذا الباب مقولة شهيرة للفيلسوف فولتير : ” قبل أن تتحدث معي حدد مصطلحاتك” (أبرش) ومغزى هذه المقولة، أن تحديد المصطلحات هو تحديد للأطر الفكرية، وكذا  المرجعية التي ينهل منها المتحدث، “فالمصطلح في العلوم الاجتماعية حمّال أوجه، ولا ينجو من تأثيرات إيديولوجية وذاتية، تنعكس على رؤية الباحث وتفسيره للمفاهيم المستعملة” (أبرش)، كما أن عملية ضبطها/ تحديدها تصبح ضرورة منهجية، خصوصا وأن “تحديد المفاهيم في البحوث الاجتماعية له دور كبير في توضيح محتوى الدراسة، وفي ايصال الباحث للمقصد الذي يريد الوصول إليه من هاته الدراسة” (البستاني و وأخرون، 1978)، وتسمح للقارئ أيضا منذ البداية أن “يعرف ماذا يقصد الباحث بهذا المفهوم أو ذاك، أو ما هي القضية محل النقاش” (أبرش). ومن هذا المنطلق ووعيا بما يكتسيه تحديد المفاهيم من أهمية في البحث الاجتماعي عامة، سنعمل على تحديد مفهوم التمكين السياسي، في الحقل السوسيولوجيي.

التحديد السوسيولوجي للتمكين السياسي:

أولا. تعريف التمكين:               

إن مفهوم التمكين من المفاهيم الاجتماعية الهامة باعتباره عنصرا حيويا لا يمكن تجاهله في عملية التنمية، فالتمكين حسب صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، هو”العمل الجماعي في الجماعات المقهورة، أو المضطهدة لتخطي أو التغلب على العقبات وأوجه التمايز التي تقلل من أوضاعهم، أو تسلب حقوقهم” (تقرير صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، 2021)، نجد هذا التعريف يرتكز على الجماعات المضطهدة داخل المجتمع حيث ينادي إلى ضرورة التغلب والتخلص من كافة أشكال استغلال الطبقات المهنية في المجتمع، ضد طبقات أخرى او جنس أخر، نتحدث هنا عن المرأة بالمجتمعات العربية، ودورها في الحياة السياسة، التي حظيت باهتمام واسع في العلوم السياسية.

لقد طرحت مسألة المشاركة السياسية للمرأة في الدول الغربية كما في الدول العربية والإسلامية، وفق منظومتين قيميتين مختلفتين، وهو الأمر الذي يمكن استخلاصه من خلال ما أقره محمد نصر عارف بقوله “إن المنظومة البحثية المتعلقة بالمرأة امتدت إلى مختلف أبعاد السياسة المقارنة، وأصبحت موضوعا حاضرا تدور حوله العديد من الدراسات المقارنة مثل تمثيل المرأة في مؤسسات الدولة، مشاركة المرأة السياسية. الخ (محمد عارف، 2002)، حيث نجد أن هذه المشاركة السياسية للمرأة تواجه عدة تحديات، ثقافية واجتماعية وقانونية، مما جعل مسار التمكين السياسي للمرأة خاصة بالمجتمع المغربي، يمر عبر عدة محطات ومراحل، يمكننا الحديث عنها من خلال الوقوف على مسار المشاركة السياسية للمرأة المغربية.

  • واقع وأفاق التمكين السياسي للمرأة المغربية

لازالت مشاركة المرأة في المشهد السياسي المغربي، دون المستوى، في ظل الحديث عن مكتسبات حقوقية للواقع الاجتماعي للمرأة، بفضل نضالاتها قصد تمكينها وضمان انخراطها في العمل السياسي، كأداة لقياس شرعية الأنظمة السياسية و مدى القبول الاجتماعي و الشعبي بها من خلال تفافة الاعتراف و المشاركة في مسلسل الفعل الديموقراطي انتخابا و تسييرا و اقتراحا و انتقادا، لكن في واقع الامر تواجه هذه المشاركة عدة تحديات وعقبات التي تحول دون تحقيق المشاركة السياسية الفعلية للمرأة، وعدم تـَمَكُن المرأة عوض تمكينها، فالتمكين مفهوم  تتغير وتتفاوت دلالته من ثقافة للأخرى حسب الظروف الخاصة بكل مجتمع، إلا أنه في إطاره العام يعني أن الفرد أو المجموعة التي يستهدفها التمكين تكون عنصرا نشطا وفعلا وليس متلقيا لمساعدة تأتيه من مصدر خارجي فقط” (رائد، 2010)، ونعتقد  أن تقرير التنمية الإنسانية الأول في 2002 قد أصاب في ملاحظته حول مصطلح تمكين المرأة حيث اقترح حينها مصطلح “نهوض المرأة” لأنه يحمل معنى الفعل المناضل للمرأة لنيل حقوقها ونهضتها من خلال بناء قدرات النساء وتوظيفها بفعالية” (universidadefederal, 2008, p. universidadefederal ).

إن الصورة النمطية للمرأة داخل المجتمع العربي، التي تتغدى من المبادئ الثقافية والاجتماعية، جعلت حضورها في التاريخ الثقافي العربي حضور ضعيف، فهذا الأخير هو تاريخ ثقافي ذكوري بالأساس، المتمثل في الفعل الاجتماعي الذي يقوم به أفراد المجتمع، القائم على إقصاء المرأة من الحياة الاجتماعية مرتبط بآليات التنافس والهيمنة والصراع. وقد أصبحت هذه الآليات مستدمجة لا شعوريا لدى الأفراد عن طريق التنشئة الاجتماعية، ويتم تناقلها عبر مسارات الثقافة والقيم الاجتماعية فينتجونها بدورهم بطريقة غير واعية كهابيتوس معياري. ومنه نجد الاحزاب والاسرة والنقابات وكل المؤسسات الاجتماعية تشتغل وفق مسار إعادة إنتاج اللامساواة الناتجة عن وجود طبقة مسيطرة، وطبقة مسيطرة عليها، ويلاحظ أن آليات التنافس والسيطرة تنتقل من جيل إلى آخر، ومن ثم فنحن لا نعرف مجتمعات بدون تراتبية طبقية، أو جنسية، أو نوعية، أو مجتمعات بدون سلطة، أو هيمنة.

إن الهيمنة خاصية كونية متجذّرة في لاوعي الأفراد ذكوراً كانوا أو إناثاً، وبالرغم من أنّها لا تعلن عن نفسها باعتبارها معطى طبيعياً فإنها تظّل في الأصل بناءً تاريخيا واجتماعيا وثقافيا تساهم  مجموعة من المؤسسات في إعادة  إنتاجه وتكريسه، انطلاقا من المعتقدات السائدة لذى الافراد، التي يحددها بير بورديو بالرأي السائد والمشترك الذي يخفي حقيقة الأشياء والوقائع، ومفاده أن “العالم أو نظام الكون بمختلف تناقضات أو انتهاكاته وانقلاباته وجنوحاته يعد مقبولاً ومحترماً وكأن كل  شيء ٍ فيه مقبول كما هو لامحاله” (بيار، 2009)، فالمعتقدات والآراء الخاصة بالأفراد  لا يمكن اعتبارها مصدرا للمعرفة العملية، ولا رافضا نقوم من خلاله بإقصاء جنس أخر أو طبقة في المجتمع، من مشاركة الحياة الاجتماعية، بقدر ما هي شرعنه لا واعية في مستوى الرأي للممارسات السائدة وهي بذلك تقترب بشكٍل كبير من مفهوم العائق الإبستمولوجي بالمفهوم الباشلاري، ولذلك فإن حل إشكالية الهيمنة الذكورية هو في إرجاع المعتقد إلى سمته المفارقة  (paradoxal ) بأن “يثبت أنه ليس مبررا عمليا لأن يحدث ما يحدث، إنّما هو – المعتقد- من صنيع الطرف المهيمن ليبرر هيمنته، وكذلك من خلال تفكيك الصيرورات التاريخية المسؤولة عن تحول التاريخ إلى “طبيعة” وتحويل الاعتباطية الثقافية بأن تكون طبيعية” (أمال).

لقد جردت ثقافة المجتمعات العربية التقليدية المرأة من الخاصية الرمزية للعقل ” المرأة ناقصة عقل ودين”، إذ تجعل العقل من نصيب الرجل، أما المرأة فهي كما أظهرتها بعض المرويات “كائن منقوص العقل والدين”، يغلب عليه الهوى والعاطفة، مساهمتها محدودة في الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والفكرية،  لا تملك  المؤهلات الطبيعية الكفيلة بالسماح لها بالمساهمة الفعالة في الحياة الاجتماعية، بسبب افتقارها المفترض إلى العقل، ويقصد به القيم الذكورية المهيمنة، التي لا ترغب أصلا في هذه المشاركة، تلك المشاركة التي من شأنها أن تهدد السيادة الذكورية وتقوض نظامها الاجتماعي القائم على إقصاء المرأة وتهميشها من القيام بأدوار خارج عن النطاق المحدد لها سلفا وفق منظومة ثقافية واجتماعية.

يبدو أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية رهين بتغير وضعها الاعتباري بالمجتمع، الدي يتأسس تحديدا بالخروج من هيمنة التقاليد والأعراف التي تجعلها ذات مكانة دونية بالمجتمع، إلى واقع جديد تحضى فيه بالكرامة والسيادة، وعلى هذا الأساس نجد المجتمع المغربي بفضل التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة التي يعرفها، سعى من خلال عدة قوانين ونصوص إلى تمكين المرأة من المشاركة السياسة، باعتبارها شريك في تحقيق التنمية الاجتماعية، والرقي بوضعيتها الاعتبارية داخل المجتمع.

  • مسار التمكين السياسي للمرأة المغربية:

لقد شهد المغرب اهتماما خاصا وتوجها كبيرا نحو النهوض بواقع المرأة ومشاركتها وتكريس قدرتها على ممارسة كافة حقوقها، كما خطت الحكومات المتعاقبة خطوات نوعية على صعيد تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، باعتبارها تمثل واحدة من أولويات التنمية السياسية في البلاد وقد وجه جلالة الملك  الحكومات لسن التشريعات الضرورية التي تؤمن للمرأة دوراً كاملاً غير منقوص في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنموية في المملكة، وهو ما أكده من خلال  خطاب العرش الموجه للأمة إذ يقول”  إن بناء مغرب التقدم والكرامة، الذي نريده، لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية.. لذا، نشدد مرة أخرى، على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات.  وقد حرصنا منذ اعتلائنا العرش، على النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها” (جلالة الملك محمد السادس، 2022).

لقد أولى المغرب مسألة تمكين المرأة وانخراطها في الفعل السياسي، عدة مجهودات قصد تشجيع ودعم التمثيلية النسائية بالمجال السياسي، من خلال وضع عدة خطط وسن قوانين نذكر منها:

  • الدستور المغربي 2011:

لقد جاء دستور 2011 مقتضيات أكثر إنصافا للمرأة المغربية، ولاسيما إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز طبقا  للفصل 146، والنقاش الذي تشهده الساحة السياسية حول اللائحة الوطنية المخصصة للنساء والشباب، والتي ينادي البعض بإلغائها باعتبارها ريعا سياسيا يمكن التخلي عنه بعدما تمكن الشباب والنساء من اكتساب تجربة كافية لولوج قبة البرلمان انطلاقا من لوائح انتخابية عادية، كما عزز دور المقاربة التشاركية في الإعداد والتفعيل والتنفيذ والتقييم للسياسات العمومية، وهي أساس الديمقراطية التشاركية التي يؤصل لها، التي تعتبر شكلا متقدما للديمقراطية وتجسيدا للمواطنة الحقة عبر مسلسل إشراك النساء في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أكد الدستور على سمو الاتفاقيات الدولية و تجريم كل اشكال التمييز و العمل على تعزيز المساواة في سائر الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، و العمل على إلزامية اتخاذ التدابير القانونية التي من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج المؤسسات المنتخبة ومراكز القرار السياسي.

لقد ساهم دستور 2011 إلى جانب نضال المرأة  المستميت من أجل الكرامة والمساواة، في تحسين الأوضاع  الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمرأة المغربية ، بفضل تحولات مهمة أدت إلى تعزيز مكانتها الاعتبارية داخل المجتمع، و تمكينها من جميع حقوقها المنصوص عليها قانونيا في عدة فصول، التي تجعل المغرب يرتكز على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، كما ينص في فصله السادس على أن تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية. أما الفصل التاسع عشر فقد أكد على أن يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وكذا في المواثيق والاتفاقية الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها” (مهداوي)

  • الاتفاقيات الدولية:

إن موضوع تمكين المرأة ة من حقوقها يعد حسب منظمة الأمم المتحدة من أولوية الأنظمة الحاكة في العالم، نظراً لما تكتسيه وضعية المرأة في المجتمعات، وارتباطها الوثيق بتقدم الدول وما تعانيه من تهميش في كل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بفعل احتقار المرأة وعدم المساواة بينها وبين الرجل، خاصة فيما يتعلق بمشاركتها في الحياة الاجتماعية، فالأعراف والتقاليد والتشريعات الدينية تجعلها تعيش في دوامة الإنجاب والاهتمام بأمور البيت فقط.

في ظل هذا الوضع نجد الأمم المتحدة بصفتها الراعي الرسمي لحقوق المرأة حرصت على سن مجموعة من القوانين والاتفاقيات الدولية، هدفها تأمين القضاء على اشكال التمايز والقهر والاقصاء الاجتماعي، والتي تلزم بموجبها الدول المنتمية إلى عضوية الأمم المتحدة على التوقيع عليها وتنفيذها بمعزل عن قوانين هذه الدول وتشريعاتها وخاصة الدينية منها، ومن بين هذه الاتفاقيات نذكر:

  1. الاتفاقية الخاصة “بالحقوق السياسية للمرأة لسنة 1952التي تنص في مادتها على أن للنساء الأهلية في أن ينتخبن الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام”[1]،
  2. اتفاقية “القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979”[2] التي تنص في مادتها رقم” 7على حق المرأة في التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي تنتخب أعضاءها بالاقتراع العام والمشاركة في صياغة سياسة الحكومة وفي تنفيذ هذه السياسة وفي شغل الوظائف العامة.
  3. مؤتمر كوبنهاجن – الدانمارك 1980 الذي عقد تحت شعار: ” المساواة والتنمية والسلام”. ومما تجدر الإشارة إليه أنه بين مؤتمري مكسيكو وكوبنهاجن، عقدت عدة مؤتمرات، ولعل أهم ما يعنينا من هذه المؤتمرات والاتفاقيات هو تلك الاتفاقية التي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/12/1979 تحت اسم “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، هذه الاتفاقية التي جعلت كلّ المؤتمرات والإعلانات تدور في فلكها وتدعو إلى تطبيقها، هذا بالفعل ما حصل في لبنان حيث كان للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيجين دوره في تسريع الخطى من أجل توقيعه على الاتفاقية الذي تمَّ في 24/7/1996.
  4. مؤتمر بيجين الذي عقد عام 1995″[3]، وقد اشتهر هذا المؤتمر نظراً للتغطية الإعلامية التي حظي بها، ولطبيعة النقلة النوعية في المطالب والدعوات التي قدمت فيه، وقد صدر عنه إعلان بيجين الذي كان من فقراته:
  • تمكين المرأة ومشاركتها الكاملة على قدم المساواة في جميع جوانب حياة المجتمع بما في ذلك عملية صنع القرار وبلوغ مواقع السلطة.
  • الاعتراف الصريح بحقِّ جميع النساء في التحكم بجميع الأمور المتعلقة بصحتهن وخصوصاً تلك المتصلة بالإنجاب.
  • اتخاذ جميع التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز بين المرأة.

 إن كل متتبع لهذا الشأن لا ينكر أن هذه المجهودات سواء على المستوى الدولي أو الوطني، أحدثت تغيرا ملحوظا في مسألة تمكين المرأة من حقوقها عامة والسياسية خاصة، لكن تبقى مجهودات خاصة بمؤسسات الدولية والحكومات، لم تواكبها نفس المجهود على مستوى البنيات الاجتماعية والثقافية، التي غالبا ما تشكل وشكلت حاجزا امام دعم التمثيلية السياسية للمرأة واخراجها من المجال الضيق / المنزل إلى المجال السياسي والاجتماعي المفتوح / الفضاء السياسي، والجمعوي، والاجتماعي، والثقافي.

وعليه إن موضوع التمكين السياسي للمرأة لا يمكن أن يتم بمعزل عن تغير الأيديولوجيات والأفكار والتمثلات الموجودة ضمن النسق الاجتماعي والسياسي الذي تنمي اليه، وهو ما يشكل حالة من التناقض، حيت بقدر ما يحظى مشروع دعم تمثيلية النساء بدعم الجهات الرسمية والدولة فإنه يلقى مقاومة من طرف الثقافة الاجتماعية والسياسية لاسيما المحافظة منها.

الوضع الاجتماعي للمرأة في ظل التمكين السياسي

إن تحسين الوضع الاجتماعي للمرأة مرهون بتمكين المرأة من جميع حقوقها، التي تبتدأ بإقرار مفهوم المساواة والانصاف وترسيخ الياته، وتغير النظرة تجاه هذا الكائن الطبيعي الضعيف في نظر البعض، حيث ان هذه النظرة لا تقتصر على الرجل تجاه المرأة فقط، ولكن أيضا نجد أن المرأة نفسها تثق في أداء الرجل وفي قراراته ولا تزكي من هم من جنس فصيلتها في تقلد أي منصب أو اتخاد قرار، مما يجعل الرجل الأكثر حظا في الحصول على المراكز القيادية داخل المجتمع، وهو ما أكد عليه بير بورديو الذي يعبر أن ي آلية سيطرة الرجل بقوله أن النساء يتفقن مع الرجال على قبول المظاهر الخارجية لصورة الرجل المسيطر” (Pierre , 1998)، ويرى أيضا  أن الهيمنة الذكورية هي فعل سيطرة على النساء متشكل عبر سيرورة تاريخية، و أن التحرر من هذه الهيمنة يفترض فعل مقاومة جماعي من طرف النساء من أجل التحرر و انتزاع حريتهن.

إن مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتمكينها من حقوقها، يعد كآلية لضمان اندماجها  في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكعامل  في احداث تغيير في مراكز ووضعية المرأة لاسيما الحاملة للمسؤولية الاجتماعية ،حيت تحولت إلى قوة عمل لا بديل عنها بالنسبة إلى الأسر في ظل ما يشهده المغرب من تحولات اجتماعية واقتصادية صعبة، عجلت باتخاذ عدة قوانين وخطط للمساهمة في تجاوز هذه الظروف، بفضل مشاركة كافة فئات المجتمع، حيث لامجال فيها لتميز بين الجنسين، فالمرأة هي شريك مهم وبناء في تنمية المجتمع، من خلال ما تقوم به من أعمال، ومساهمتها إلى جانب الرجل في النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع. وهو ما أكده نائب رئيس مؤسسة الأمم المتحدة بقوله ” لقد ركزنا على المرأة منذ ثلاثين عاما تقريبا في تقرير مستقبلنا المشترك، “لأن دور المرأة قد تم التقليل من شأنه في العديد من دول العالم. الآن أقر المجتمع الدولي بأنه يجب أن تكون هناك مساواة بين الجنسين وتمكين للمرأة، ولكنه كان نضالا قويا. إن حقوق الإنسان هي حقوق الإنسان للمرأة مثل الرجل، ولا يوجد سبب للتمايز بين الجنسين من الناحية القانونية وغيرها” (عزو هارليم، 2016).

لقد أدت  التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عرفها المغرب، إلى شرعنه قرار خروج  المرأة إلى العمل و إنجاز مشاريع مذرة للدخل،  فالمرأة وانطلاقا من مساهمتها في  التنمية المحلية، عن طريق مشاركتها بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، الذي ساعدها في تحقيق ذاتها أولا والقفز على التمثلات الاجتماعية نحوها ثانيا، أصبحت تمتلك  بفعل مشاركتها وإدماجها ضمن مخططات هذا الاقتصاد الجديد، هامشا من الحرية تستثمره في المجال العام، و هو ما يعكس حصولها على التمكين السياسي، الذي ساعدها في الانتماء إلى جمعيات والتعاونيات، فحسب الاحصائيات الخاصة بمكتب التعاون، نجد عدد ” التعاونيات النسائية 6232 تعاونية، بعدد أعضاء 62821″ (التعاون) وهو  أمر راجع لتمكينها السياسي والقانوني، حيث ا أبانت من خلال هذا التمكين القدرة على إنجاز مشاريع تنموية ومذرة للدخل ولو بشكل محدود ومراقب، وفق الادوار الجديدة للمرأة، لم تعد وظيفتها تنحصر في وظيفة اعادة الإنتاج البيولوجي والثقافي وإنما أصبحت فاعلا اجتماعيا وجمعويا.

 إن مشاركة المرأة في تحسين أوضاعها الاجتماعية، لم يكن  عن طريق الصدفة، بل جاء كنتيجة لمحطات عدة، في إطار تمكينها السياسي وتحقيق أهدافها ومتطلباتها، ومن بين هذه المحطات على المستوى الدولي نذكر  خطة التنمية المستدامة 2030 التي أطلقتها الأمم المتحدة، قصد تحقيق التنمية المستدامة لشعوب الفقيرة، التي  تتحقق أولا بالتنمية البشرية  للأفراد، باعتبارها” توجه إنمائي يهدف إلى توفير فرص حياتية أفضل للبشر ويعمل على تحقيـق ثلاثـة أهداف رئيسية 1- حياة أطول وأكثر صحة، 2- تمتع الفـرد والمجتمع بالمعرفـة المتجـددة، 3- إتاحة مستويات معيشية مرتفعة” (محمد بن مسعود، 2016)، ويشير هذا المفهوم إلى خيارات التنمية البشرية والتي اعتمدت منذ إصدار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التقرير الأول عام 1999م ، ومنه نجد أن إضافة المستدامة لمفهوم التنمية تؤكد على التواصل ومعرفة مدى استمرار النمو وبقائه بما يضمن حياة الأجيال القادمة.

 ضمن هذا السياق الخاص بمفهوم التنمية المستدامة، نجد أن التغيرات التي عرفتها المجتمعات، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ساهمت في بلورت صياغة جديد وأجرأت لبعض المفاهيم خاصة في الحقل التنموي، وكدا الرؤية الخاصة بمساهمة المرأة في التنمية من خلال مشاركتها، حيث “اعترفت عقود الأمم المتحدة الخاصة بالتنمية المتعاقبة منذ السبعينيات بدور المرأة ومكانتها ومن ثم اعتمدت حالة المرأة كمؤشر أساس للتنمية البشرية” (محمد بن مسعود، 2016).

لقد انسحبت هذه المفاهيم والرؤى التنموية على المرأة العربية بصدور تقرير التنمية الإنسانية العربية الأول عام 2002 والذي كان له أثره الفعال في التداول الإجرائي والبحثي لقضايا المرأة العربية حيث نبه التقرير إلى “أهمية تجاوز العرب لنواقص ثلاثة وهي نقص الحرية، ونقص المعرفة، ونقص تمكين المرأة؛ فأشار التقرير إلى أن المرأة العربية في عديد من الدول العربية لا زالت تحرم من الحق في الترشيح والانتخاب ومن فرص الالتحاق بالتعليم” (منظمة العمل العربية، 2015)، ضمن هذا التوجه نجد المغرب على المستوى المحلي أعلن عن  مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي كانت مدخلا هاما لمشاركة المرأة، ولقد بدا واضحا أثر هذه المبادرة من خلال سجل ارتفاع عدد التعاونيات النسائية وكذا النساء العاملات في المشاريع المذرة للدخل .

إن تمكين المرأة من حقوقها عامة والسياسية خاصة، كان له الأثر البارز في مشاركة المرأة بالتنمية، والرقي بأوضاعها الاجتماعية، خاصة من خلال انخراطها في أعمال تعاونية مذرة للدخل، وهو ما تؤكده المعطيات الإحصائية للوزارة الوصية على هذا القطاع، حيث تؤكد “بأن التعاونيات النسائية عرفت تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، إذ وصلت إلى أزيد من 6000 تعاونية” وفي تقرير أخر لها، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، تؤكد على أن التعاونيات النسائية تضم أكثر من 65 ألف منخرطة، وأصبحت بذلك تمثل نسبة 15 في المائة من مجموع التعاونيات بالمغرب” (وزارة السياحة والصناعة التقليدية ، 2022)، كما نجد الخمس سنوات الأخيرة التي تلت إصدار القانون رقم 12-112 المتعلق بالتعاونيات عرفت “إنشاء قرابة 4000 تعاونية نسائية، أي بمعدل 800 تعاونية في السنة (وزارة السياحة والصناعة التقليدية ، 2022).

يمكن القول، أن المرأة استطاعت بفضل التمكين السياسي، إبراز تميزها في العمل التعاوني وأصبحت تبحث عن أشكال مختلفة من العمل، فتوجهت إلى المشاريع الصغيرة والأعمال المقاولاتية الخاصة التي لطالما تم ربطها بقضايا النوع الاجتماعي لا بالقدرة على الأداء، وفي ظل مجموعة من الظروف المحيطة بالمرأة سعت أغلب الدول ومن بينها المغرب إلى اعتماد استراتيجيات تنموية مستحدثة من التمكين لأنه من أكثر المفاهيم اعترافا بالمرأة كعنصر فاعل في النسيج الاقتصادي  ويجعل من التنمية أكثر مشاركة بين النساء والرجال عن طريق دعم المقاولة النسوية” (لمحرحر، 2018).

ربما كان الغرض من كل هذا الحديث حول إشكالية تمكين المرأة سياسيا، هو توضيح سيرورة  مسار هذا التمكين، وإمكانية حصولها على الفرص الاقتصادية قصد النهوض بأوضاعها الاجتماعية عن طريق  تضييق هوة التباين بين المرأة والرجل في الكسب والإنتاجية الاقتصادية، فتمكين المـرأة يعـني فيمـا يعـني تحسـين وضـع المـرأة في المجتمـع وإعطاؤهـا مزيـدا مـن القـوة بمسـتوى عـال مـن الـتحكم ومزيــــدا مــــن الــــتحكم وامكانيــــه التعبــــير والســــماع لهــــا والقــــدرة علــــي التعريــــف والابتكــــار, والقــــدرة علــــي الاختيــــارات الاجتماعية المؤثرة والتأثير في كل القرارات المجتمعة واعتبار أنسانية المرأة ووضعها المحوري في المجتمـع، بصـورة تتـيح للمـرأة المقدرة على المساهمة والمشاركة فيكل المستويات، مع الاعتراف بهذه المشاركة والقيمة الإنسانية لهـا.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

[1]– اتفاقية دولية أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الجلسة العامة رقم 409، في 20 ديسمبر 1952، وتم اعتمادها في 31 مارس 1953. وتهدف الاتفاقية إلى تقنين المعايير الدولية الأساسية للحقوق السياسية للمرأة

[2]– هي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، وتصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء. صُدّقت المعاهدة في 3 سبتمبر من عام 1981 ووقعت عليها أكثر من 189 دولة من بينهم أكثر من 50 دولة وافقت مع بعض التحفظات والاعتراضات، و38 دولة رفضت تطبيق البند رقم 28 من الاتفاقية، والذي يتعلق بسبل تسوية الخلافات المتعلقة بفهم الاتفاقية.

[3]– المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بيجين، الصين، بني على الاتفاقيات السياسية التي تم التوصل إليها في المؤتمرات العالمية الثلاثة السابقة المعنية بالمرأة، فقد بلور خمسة عقود من التقدم القانوني الذي يهدف إلى ضمان المساواة بين المرأة والرجل في القانون والممارسة.

    Scroll to Top