طقوس الخروج بين الماضي الحاضر
“الزواج بقبيلة بني عتيق نموذجا”

دة. جميلة عباوي

أستاذة التعليم العالي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة المغرب

نادية نجاري

طالبة باحثة بسلك الدكتوراه
مختبر التراث الثقافي والتنمية
 كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة – المغرب.

ملخص

تعتبر بلاد المغرب مصدرًا للتنوع الجغرافي والتاريخي، وتضم العديد من الحضارات التي تركت إرثًا غنيًا على مدى تاريخ البلد. ويعد الاهتمام بالثقافة المحلية وتوثيق طقوسها، طريقا يمكن من الحفاظ على الهوية ومنع الانصهار وخاصة مع بدء اندثار مثل هذه الطقوس في عصرنا الحالي. نود من خلال هذه الدراسة إلقاء الضوء على نموذج من هذه الطقوس والمتمثل في الزواج في واحدة من قبائل بني يزناسن “قبيلة بني عتيق” بالمغرب، كونه الحدث الأهم في حياة أفرادها، حيث تنفرد هذه القبيلة بأسلوبها الخاص في ممارسة مجموعة من الطقوس والعادات والتقاليد محاولة ترسيخها في الذاكرة التراثية للأجيال العابرة، و قد حاولنا خلال هذه الدراسة التطرق عبر منهج أنثروبولوجي إلى أهم طقوس الخروج الخاصة بالزواج بقبيلة بني عتيق، إضافة إلى خصائص ومميزات هذه الطقوس، و كذا أثر الاحتفاظ بالطقوس والعادات والتقاليد وتوريثها من جيل لآخر.

Abstract

The country of Morocco is a source of geographical and historical diversity, and includes many civilizations that have left a rich legacy throughout the country’s history. Paying attention to local culture and documenting its rituals is a way to preserve identity and prevent assimilation, especially with the beginning of the disappearance of such rituals in our current era. Through this study, we would like to shed light on an example of these rituals, which is represented by marriage in one of the Beni Yaznassen tribes, “the Beni Atiq tribe” in Morocco, as it is the most important event in the lives of its members, as this tribe is unique in its own way of practicing a set of rituals, customs and traditions, trying to consolidate them. In the traditional memory of passing generations, we have tried during this study to address, through an anthropological approach, the most important exit rituals for marriage in the Bani Atiq tribe, in addition to the characteristics and features of these rituals, as well as the effect of preserving rituals, customs and traditions and passing them on from one generation to another.

مقدمة

تعتبر بلاد المغرب مصرا خصبا يزخر بتنوع في جغرافيته وتاريخه الذي كتبت صفحاته عدة حضارات داولت أيامها في بره وبحره، خلفت من بعدها إرثا غنيا في تنوعه وقيما في ثمنه. فهذا الإرث جدير بالحفظ والتقدير لأنه مصدر القوة والتميز عن باقي البلاد في المعمورة.

إن مجرد الوعي بموروثنا الثقافي الذي يشكل صلب هويتنا هو في الحقيقة حصن منيع يحول دون الانصهار في الآخر، أو الوقوع في براثين الاستلاب. لهذا يكون البحث في الشأن المحلي لثقافتنا منبعا للمزايا ودفعا للرزايا. ولما كان لزاما لحفظ الذاكرة ووشمها، ارتأيت توثيق ظاهرة ثقافية حافلة بالطقوس، ألا وهي الزواج.

  1. دوافع الدراسة:

لعل السبب الرئيس لاختياري موضوع الزواج في واحدة من قبائل بني يزناسن “قبيلة بني عتيق”، كونه الحدث الأهم في حياة أفرادها، خاصة وأنهم يشكلون مجتمعا يمكن اعتباره شديد الاحتكام إلى الدين ومتين الالتصاق بالأعراف والتقاليد، وكونه كذلك الحدث الأكبر من حيث تفاصيله وحيثياته، والأكبر من حيث استيعابه للزمان والمكان، وهو بهذا يمكن أن يكون أطول مقطع فلكلوري يتيح التعرض لأكبر عدد من الطقوس التي تظهر لنا كثيرا من التجليات الاجتماعية في مجتمعنا. هذا بالإضافة إلى كون الزواج حدثا يجمع بين الجنسين، الذكر والأنثى، فيطرح بذلك مجموعة من الظواهر التي تبلورت في شكل ثنائيات أجزم أنها تجسد خصوصية مجتمعنا مثل العذرية والشرف، الاختلاط والتدين إلى غير ذلك.

  1. إشكالية الدراسة:

لكل ثقافة تقليدية تصور خاص بالحياة وأسلوب معين في التعامل معها، كما هو الشأن بالنسبة لقبيلة “بني عتيق” فنجدها هي الأخرى تنفرد عن أخرياتها بأسلوبها الخاص في ممارسة مجموعة من الطقوس والعادات والتقاليد محاولة ترسيخها في الذاكرة التراثية للأجيال العابرة. فقد لعبت أسر قبيلة “بني عتيق” في الماضي دورا في تلقين مختلف الأنماط من العادات والتقاليد وكذا السلوكات المحمودة التي تتماشى مع أعراف ومعايير وقيم المجتمع.

فمن هنا تولدت الإشكالية التالية: إلى أي حد حافظ سكان قبيلة بني عتيق على طقوس الزواج وبالتالي كسب رهان ترسيخ ونقل هذه الطقوس من الماضي إلى الحاضر؟

وللإحاطة بمختلف جوانب هذه الإشكالية تم تفريعها إلى مجموعة من التساؤلات نجملها في الاتي:

  • ماهي طقوس الخروج الخاصة بالزواج بقبيلة بني عتيق؟
  • أين تكمن خصائص ومميزات هذه الطقوس؟
  • ما أثر الاحتفاظ بالطقوس والعادات والتقاليد وتوريثها من جيل لآخر؟
  • هل حافظت الأجيال على تقاليدها وطقوسها كما هي أم تمت عصرنتها في ظل التحولات الراهنة؟
  1. فرضيات الدراسة:

من المعلوم أن أي بحث علمي أكاديمي يقوم أساسا على اختبار مجموعة الفرضيات باعتبارها تمثلات وتخمينات وأجوبة أولية يتصورها الباحث من خلال المتغيرات الخاصة بمشكلة الدراسة، تستلزم حتما التجريب بغية تأكديها أو تفنيدها. كما أنها تعمل أيضا على حصر البحث في حدود ممنهجة ومعينة. بالرجوع إلى موضوع ورقتنا هذه، سيتم اختبار الفرضية التالية: تعتمد قبيلة بني عتيق من أجل الحفاظ على طقوسها   وعاداتها خصوصا في مسألة الزواج على مبدأ المحافظة على الموروث الثقافي للأسلاف وذلك بالعمل على جعل الثقافة السائدة والعادات المعمول بها تتأثر بما يمليه الوعي الجمعي للقبيلة من أعراف متفق عليها بشكل ضمني بين أفرادها، والمتمثلة بالدرجة الأولى في طريقة التفكير وعادات الأكل، والشرب واللباس…

  1. المنهج المعتمد في الدراسة:

 لبلوغ الأهداف المسطرة، تمت مقاربة هذا الموضوع من خلال المنهج الأنثروبولوجي، لأن هذه الورقة العلمية تهدف إلى إنجاز وصف دقيق لمظاهر الحياة التي تجسدها الأعراس، وجرد الطقوس والعادات والتقاليد التي يحتفي من خلالها أهالي قبيلة بني عتيق بزواجهم ويعبرون بها عن وفائهم لما تركه سلفهم. فمن المعروف تهدف الأنثروبولوجيا في ميدان الثقافة الشعبية إلى نقل صورة صحيحة لهذه الأخيرة، بعيدة عن الذاتية حتى يتسنى لها تحقيق ما أنشأت لأجله من حفظ للذاكرة الشعبية، وإتاحة مادة خام قابلة للدراسة، والمضي إلى الأمام بالبحث العلمي في التراث الشعبي الذي يعاني شيئا من الإغفال مقارنة مع العلوم الأخرى.

تتربص هذه الدراسة أيضا بالتغيرات الحادة التي تحدثت بها القبيلة والمجتمع المغربي بشكل عام منذ العقود الثلاثة الأخيرة، وذلك من خلال تبيان أوجه الاختلاف بين الحاضر والماضي، إلا أن ما يقوي هذه الدراسة هو خوضها في دلالات الرموز وما تحمله الطقوس الزواجية والعادات والسلوك من معاني، وهو الأمر الذي يقتضي التردد على المنهج الوصفي كمنهج ثانوي تعزيزي.

من خلال الاعتماد على المعارف الشخصية من اتحادية قبائل بني يزناسن (قبيلة بني عتيق)، ومعاينة عدد كبير من حفلات الأعراس في القبيلة، دعمنا هذه المعرفة بالاعتماد على أداة من أدوات البحث ألا وهي المقابلة واللقاء المباشر مع عدد من أفراد العائلة وخارجها، منهم الشيوخ ومنهم الكهول والشباب رجالا ونساء حتى يتسنى رصد الطقوس التي تلاشت.

  1. الإطار الجغرافي لقبيلة بني عتيق:

اهتممنا في دراستنا هذه بالمجال المكاني المتمثل حاليا في مدينة أبركان التي تعتبر قاعدة لقبيلة بني عتيق، فهي واحدة من بين القبائل التي تشكل اتحادية قبائل بني يزناسن . تمتد اراضيها ما بين قبيلتين: بني منگوش شرقا وبني وريمش غربا. تستهل قبيلة بني عتيق مجالها من بني موسى جنوبا، وبسفوح الجبال المواجهة لبسيط انكاد السفلى، إلى سيدي المخفي إلى سهل السليمانية بشمال تريفة.

  1. تحديد المصطلحات والمفاهيم المهيكلة للدراسة:

قبل الخوض في دراسة ومناقشة أي إشكالية تندرج ضمن البحث العلمي الأكاديمي، يلجأ الباحث إلى الإحاطة بمختلف المفاهيم والمصطلحات التي يمكن أن يسوء فهمها وتلتبس على القارئ. وفي نفس السياق، سنحاول التركيز على مقاربة الكلمات المفاتيح الاتية:

  • مفهوم الطقس: من المعروف، يستعمل مصطلح الطقس خاصة في علم الفلك لدلالته على حالات الجو المختلفة (غائم، مطر، صفاء، شمس…)، لكنه سرعان ما تطفل على علوم أخرى لتتغير دلالته بتغير المجال أو الميدان المرتبط به. فنجده على سبيل المثال لا الحصر ارتبط ارتباطا وطيدا بعلم الاجتماع بمختلف أنواعه والأنثروبولوجيا والأدب الشعبي …

لتملك مفهوم الطقس لابد وتناول لفظة الطقس من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية.  إذ نجد أن لفظة الطقس أو الطقوس مصطلح يوناني الأصل “Taksis ” يعنى به ترتيب أو نظام. فعند النصارى ترتبط لفظة طقس “بشعائر الديانة واحتفالاتها”[1]. أما اصطلاحا فهي تلك “السلوكيات والأفعال والأقوال التي يقوم بها الإنسان بصفة متكررة يتفق عليها المجتمع، ذات علاقة بالدين والسحر والمعتقد الاجتماعي”[2]. كما يمكن القول أيضا بأنها ” إبداعات ثقافية بالغة الإتقان تقتضي ترابط أفعال وأقوال وتصورات أعداد كبيرة من البشر على امتداد أجيال عديدة” [3]. يتفرع الطقس إلى مجموعة من الطقوس المتميزة بخصائصها المتفردة عن أخريات الطقوس فنجد مثلا طقوس الخروج أو العبور.

  • طقوس الخروج (العبور): ظهر مصطلح “طقوس العبور” مع تأليف ونشر الباحث الفرنسي أرنولد فان جينيبArnold van Gennep (1873-1957) لكتابه المشهور المعنون ب “Les rites de passage” أي ” طقوس العبور” سنة 1909. والذي يسلط الضوء على الأنماط الطقوسية التي بدورها ترتبط بمراحل حياة الفرد انطلاقا من الولادة ومرورا من الختان والزواج وصولا إلى الموت.

للتقرب أكثر من مفهوم طقوس الخروج، نستعين أولا بمعجم علم الاجتماع الذي عرفها بأنها “الخطوات أو الإجراءات التمهيدية التي تنطوي عادة على مراسيم احتفالية وطقوس شعائرية وتنتهي بدخول المرء كعضو في جماعة وانتمائه إلى فئة اجتماعية معينة” [4].

من جهة أخرى، التراث الإسلامي هو الاخر رادف مفهوم طقوس الخروج بمصطلح الشعائر. فعند تأملنا في كل من طقوس الولادة أو الختان أو غير ذلك من الطقوس التي تحظى بها الثقافة الشعبية الإسلامية خاصة نتصادف مع مجموعة من الشعائر التي عهدناها منذ القدم مثل الاذان في أذن المولود والدعاء له.. مما يدل على انسجام الطقوس بالشعائر الإسلامية.

عطفا على ما سبق، إذا سلمنا أن طقوس الخروج سلوكيات ثقافية عريقة انبثقت في تجمعات بشرية ذات ثقافة مختلفة ومتباينة، أمكن القول بأنها ظاهرة عابرة للثقافة والزمن تعبر عن هوية المجتمع.

  • مفهوم الزواج: قبل الحديث عن مفهوم الزواج يتوجب التعريف بدءا بالخطبة، فيرجع تعريف الخطبة لغة إلى الخطاب وهو الكلام أو الحديث أو التلفظ، ويقال خطبت المرأة خِطبة (بالكسر). أما اصطلاحاً، فيمكن تعريف الخِطبة أنها إظهار الرغبة في النكاح وإعلام المرأة وولي أمرها بذلك[5]. من هنا يمكن القول إن كلمة الزواج استعملت عند العرب بمعنى الاقتران والازدواج[6] ، ولهذا المعنى سنده في القرآن الكريم، قال تعالى (كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) [7] أي قرناهم بهن.[8] . كما تم تعريفه أيضا في معجم اللغة العربية المعاصر بأنه: اقتران الذكر بالأنثى أو الرجل بالمرأة بعقد شرعيّ.[9] بينما  يعرف الزواج في الاصطلاح الفقهي بأنه عقد ينتج عن إبرامه مباشرة حل استمتاع أحد الزوجين بالآخر على الوجه المطلوب شرعا، وقد اختلفت في معناه عبارات الفقهاء ولكنها كلها ترجع إلى معنى واحد وهو أن عقد النكاح وضعه الشارع ليرتب عليه انتفاع الزوج ببضع الزوجة وسائر بدنها من حيث التلذذ ويجعل لكل منهما حقوقا وواجبات اتجاه الآخر[10] .   من جهة أخرى، تعرف مدونة الأسرة الزواج بأنه ميثاق ترابط وتراض بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لهذه المدونة.
  1. الزواج بقبيلة “بني عتيق” طقوس وتقاليد:

تعبر قبيلة بني عتيق عن تقاليدها وعاداتها في الزواج وإحياء حفلات الأعراس بشكل مميز لا يختلف كثيرا عن أجواء الأعراس في باقي قبائل اتحادية بني يزناسن أو مناطق الجهة الشرقية من المغرب. يلاحظ اهتمام كبير بإنجاز الطقوس الزواجية كاملة في جل الأعراس بالمنطقة، حيث تتبع تقاليد الأجداد ومراسيمهم، رغم ما تصرفه الأسر في ذلك من نفقات مادية مرتفعة، وما تتكبده من التعب حتى يمر العرس في أحسن حال وهو أمر ضروري لحفظ ماء الوجه بالنسبة لرب الأسرة والعريس والعائلة كلها. وهذا في الحقيقة أمر يمكن اعتباره سمة للتشبث بتراث القبيلة واعتزازا بهويتها، ودليل على تشبع الناس بأصالة ثقافة القبيلة ووعيهم بخصوصيتها.

إن القفز على بعض طقوس الزواج أو إهمالها قد يكون مدعاة للعار، و جالبا لـ(كلام الناس) حول العريس وعائلته. غير أن هذه الطقوس حاليا رغم الاحتفاظ بممارستها كلها أو جلها، إلا أنها عرفت تغيرات في ماهيتها على مستوى الزمان والمكان.

  • مرحلة الخطوبة:

تعتبر مرحلة الخطوبة مهمة وفاصلة بمثابة مهلة للرجل والمرأة ليتعارفا، وفرصة لعائلاتهما للتنقيب أكثر على الأصول والتأكد من حيازة الجانب الاخر للنسب النقي الحسن والسمعة الطيبة في الطرفين، تصير هذه الفترة بالموازاة فسحة للخطيب يزور فيها خطيبته من وقت لآخر ويوثق علاقته بأهلها حتى يلقى عندهم حسن القبول. وتكون أيضا هذه المرحلة فسحة للإعداد للعرس كما يمكنها أن تطول أو تقصر بحسب الحاجة إلى الوقت اللازم لتوفير حاجيات العرس وتوفير نفقاته.

يتم تعيين الفتاة المراد خطبتها غالبا من خلال مجموعة من السبل، فقد يعينها الزوج حيث يبادر بإخبار أمه أو أخته لتزف الخبر إلى الأب وباقي الأسرة، فهذا أصبح النمط الجديد والغالب في وقتنا الحاضر، أو تعمد الأم إلى البحث عن فتاة حسب اختيارها على اعتبار أنها أعرف بابنها وأدرى بما يناسبه، وهي بذلك تخضع اختيارها للعقل رغم عادتها في إعمال العاطفة مع أبنائها. هنا تضع الأم اعتبارات أخرى تجعلها تختار امرأة من نفس المستوى الاجتماعي وتفضلها من أسرة لها نفس نمط وأسلوب العيش حتى تضمن الحد الأدنى من التوافق ليس بين الخطيبين فقط ولكن حتى بين الخطيبة وأسرة الخطيب.

بعد تعيين المرأة المراد خطبتها، يستعد نفر من أهل الرجل قد يحتوي حتى أفرادا مقربين من خارج أسرته الصغيرة، يحب النفر اصطحاب أي شخص له صلة بأهل المرأة ولو كانت مثقال ذرة، حتى يكون صلة وصل بين أهلي الخطيب والخطيبة، ويؤمن لهم تواصلا لينا في موقف يحسبه أناس قبيلة بني عتيق جديرا بالوقار والحياء.

لقد اعتاد الناس في القبيلة أثناء الخطبة على أخذ مجموعة من الهدايا كعربون محبة حتى يطيب خاطر أهل المرأة. ويعتبر السكر من أهم ما يجود به الخطيب لطرق باب خطيبته. فالسكر رمز للمحبة والصفاء، هذا يمكن إحالته على القول الشعبي (حلي باش تولي) كما أن قيمة السكر لا تبخس أبدا في بلدة تشرب الشاي ثلاث أو أربع مرات في اليوم. يضاف إلى السكر التمر والفول السوداني وكذلك الحلويات نظرا لرمزيتها وتحسبا لوجود الأطفال.

اعتاد الناس عدم الذهاب وقت الغذاء قصد تجنب الإحراج وبغرض التخفيف، لذلك كان وقت ما بعد الظهيرة أو العصر أنسب الأوقات. وقد اعتاد الخاطبون التعريف بأنفسهم من خلال عبارة (ضياف ربي) التي غالبا ما توحي بمرادهم. يستقبل (ضياف ربي) بحفاوة ويقدم لهم الشاي، بعد ذلك يبادر الأب أو الأم بطلب يد الخطيبة بعبارة مثل (حنا بغينا بنتكم فلانة لولدنا فلان إلى كانت فالمكتاب) أو غير ذلك، إلا أن الرد غالبا ما لا يكون في يوم الخطبة، حيث يطلب أهل الخطيبة أن يمهلوا أياما لا تتجاوز ثلاثا أو سبعا. يتوج القبول بالزواج بوليمة عشاء صغيرة في دار أهل الخطيبة، تجمع بين أسرتي الخطيبين تتفقان فيها على موعد عقد الزواج وقيمة الصداق وحتى موعد العرس، ثم في الأخير يختم العشاء بقراءة سورة الفاتحة وهي تعبير عن الرضا والقبول والرسمية، كما تعتبر وليمة العشاء هذه مناسبة لإخبار باقي أفراد العائلة الكبيرة بالخطبة.

  • يوم عقد الزواج:

بعد إعلان أهل الخطيبة موافقة هذه الأخيرة وأهلها (الوالدين أو ولي أمرها) على الزواج، يسرع أهل الخطيب بمناقشة قيمة المهر وتاريخ عقد الزواج والعرس ومراسيمه. يعقد الخطيبين زواجهما عند العدول بحسب ما تمليه الشريعة الإسلامية بحضور والديهما أو وليا أمريهما. يغتنم ولي الزوجة الفرصة بعد الخروج من مكتب العدول لدعوة الزوج الجديد وأهله إلى مأدبة غذاء أو شرب الشاي في منزل الزوجة باعتبارهم أفرادا من العائلة. تتردد آنذاك على مسمع الزوج عبارات مثل ( زد راه الدار دارك  / ارتاح مع راسك راك مول الدار) وغيرها، مما يوحي له بفسحة أكبر للتواصل مع زوجته.

  • الدفوع و الزهاج:

يتوجه أهل العريس في اليوم الثالث قبل العرس بموكب الدفوع الذي يشاركهم فيه جل أفراد عائلتهم. يكون هذا الموكب محملا بهدايا للعروس تسمى “الزهاج” ويقصد به تجهيز العروس لليلة زفافها. يشمل الزهاج أطباق وصحون كبيرة “صواني” محملة بالأثواب بألوان مختلفة لخياطة ألبسة للعروس، إضافة إلى أقمشة أخرى لخياطة الجلباب، هذا بالإضافة إلى الأحذية وملابس النوم والملابس الداخلية والروائح وأطقم الذهب وصواني مملوءة بأكياس من الحناء. يحمل موكب إلى جانب الزهاج بالأطعمة بمختلف أنواعها كالخضر والفواكه والدقيق والسكر والزيت وبعض الفواكه المجففة مثل “الزبيب والبرقوق” إضافة إلى الذبيحة التي يعبر بها أهل العريس على يسر حالهم.

 يعمد أهل العريس إلى تشييع موكب الدفوع بأكبر عدد ممكن على حسب ما تتسع له مراكبهم وهم في أجمل وأحسن حللهم، ترافقهم إحدى فرق “العرفة” التي تدق طبولها قبل انطلاق الموكب مدغدغة بذلك جيوب بعض الأهل والجيران الذين يقصدون شيخ الفرقة بورقة مالية ليترك لهم الساحة من أجل رقصة تشبع نهمهم، أو من أجل أن يعلي أسماءهم على مسامع الحضور، وهو ما يعرف ب”التبريحة”. تعلوا قبيل الموكب أيضا زغاريد النساء تعبيرا عن مشاركة الفرحة مع أهل العريس.

حين وصول موكب الدفوع إلى بيت العروس تهرع فرقة العرفة إلى النفخ في مزاميرها معيدة كرة تشييع الموكب. يدخل البيت النساء فقط، ويستقبلن بالزغاريد ثم يقدم لهن التمر والحليب أو الشاي ويبقى الرجال في انتظار خروجهن، ويقدم لهم ما يقدم للنساء.

يعد موكب الدفوع بمثابة استعراض يعبر فيه العريس وأهله عن لمتهم وحيازتهم لشرف “الدار الكبيرة” وعزتهم ببعضهم البعض، فطول الموكب له رمزيته الكبيرة، حيث يدل على العزة والجاه والغنى، خاصة في مجتمع لا زال يتشبث ببعض القبلية. كما أن قيمة الدفوع تعير بقيمة زهاجه، فكلما كان الزهاج وما يحتويه ذا قيمة مالية عالية وما حمل في موكب الدفوع من أطعمة وذبيحة ذا أهمية، كلما زادت ثقة العريس بنفسه وزادت ثقة أهله به، فلا يبخلوا بمشاركتهم في موكبه لأنه جاد بما يحفظ ماء وجوههم إن نزلوا دار زوجه.

  • الحمام – التزيين:

تصطحب الفتيات صبيحة يوم الحناء (الخميس) العروس إلى الحمام، وهو حدث ذو أهمية كبيرة خاصة وأنهن يظفرن بفسحة مع العروس بعيدا عن أعين وتوجيهات المتزوجات. فقد تصل الفسحة بالفتيات مع العروسة في الحمام إلى شيء من اللعب والمرح، إذ كيف لا وقد تم إخلاء الحمام بأكمله من أجل العروس و صاحباتها. تعود العروس أدراجها لتستكمل استعدادها لليلة الحناء، وتساعدها في ذلك “النكافة” أو أدرى الحاضرات بالتجميل.

  • ليلة الحناء:

يحرص أغلب أهل القبيلة على أن يكون يوم الجمعة هو يوم الحناء إن تيسر ذلك، وذلك لما ليوم الجمعة من فضل، عيد للمؤمنين وفيه ساعة اجابة. يتم تنظيم طقس الحناء باستدعاء (النقاشة) التي تعمل على تزين يدي العروس وتخضيب رجليها بنقوش جميلة، وتبشر بقرب مغادرة العروس لحضن والديها إلى حياة الزوجية. تقدم باقي الفتيات الغير متزوجات على نقش بعض من أيديهن أو أصابعهن على أمل أن يظفرن بزواج سعيد، وتحاول الفتيات أيضا بنقوشهن في ليلة الحناء إظهار مشاركتهن للعروس فرحتها.

لا تتميز العروس في ليلة الحناء فقط بالنقوش الجميلة، ولكنها تظهر في حلة خضراء للدلالة على الحناء، وتجلس على كرسي أخضر، ويفرش أمامها طاولة برداء أخضر منثور فوقها بعض الأزهار المجففة والقرنفل، وصينية فيها الحناء وشمعتين مشتعلتين تتوسطهما بيضة واحدة. تعتبر هذه الأخيرة رمزا للخصوبة وفألا للعروس بإنجاب الأولاد. في يوم الحناء وليلته تحرص المقربات من العروس كأمها وأخواتها على توخي كثير من الحذر مخافة تعرض العروس لأعمال السحر والشعوذة بسبب الحناء. يسود لدى النساء في القبيلة اعتقاد بأن إنجاب العروس للأولاد رهين بمدى نجاح أهلها المقربين في حفظ كل جزء من الحناء التي استعملتها. لذلك تتقاسم الأم مع بناتها أو من تثق بهن مهمة حراسة حناء العروس بعد قلعها وحراسة غرفتها التي تحوي أغلى حاجياتها.

  • ليلة العرس:

تتميز ليلة العرس لدى سكان قبيلة بني عتيق بكونها الليلة الكبرى، يحضرها عدد كبير من المدعوين من أهل العريس والعروس، بحيث لا تقتصر الدعوة لليلة العرس على المقربين من العائلة، ولكنها قد تشمل كل من له شيء من صلة القرابة من قريب أو بعيد.

تبتدئ ليلة العرس من الخروج في موكب يشارك فيه أغلب الحاضرين، عند وصول الموكب، يتم استقباله من طرف أهل العروس وهم في أبهى حللهم، إذ تعلوا أصواتهم بالزغاريد والصلاة على الرسول (ص)، وتكرر العبارة المشهورة (الصلاة والسلام على رسول الله، لا جاه إلا جاه سيدنا محمد، الله مع الجاه العالي) . بعدها، يدخل العريس ليجلس قرب زوجته المتزينة ثم يأخذها بعد ذلك ويرافقهم أهلها إلا أبويها. وتجدر الإشارة هنا أن العروس لا ينبغي لها أن تنظر وراءها حين خروجها من بيت أبويها، كما لا ينبغي لها أن تجيب أحدا دعاها من خلفها، حيث يسود اعتقاد بأن العروس إن نظرت خلفها في حين خروجها يؤدي إلى فشل زواجها وعودتها إلى منزل أبيها.

تستقبل النساء موكب العروسين عند وصوله بصحن مملوء بقطع السكر والحلوى فينثر عليهما. ويكون أول من يستقبل العروسين هي أم العريس التي ترفع عن العروس الغطاء وتضع لها في فمها ملعقة من العسل ثم تفعل مثله لابنها. يدخل العروسان المنزل وتعلوهما أهازيج النساء بالصلاة عل المصطفى (ص).

اعتاد أهل القبيلة على مزيج من الأغاني التي تشمل ما هو محلي مثل (الركادة) و(العرفة) وما هو دخيل مثل الدقة المراكشية، وبعض الأغاني الأمازيغية مثل (سلماين أبابا) وخاصة قبيل دخول العروسين إلى صالة العرس.

تتميز ليلة العرس بكونها مسرحا للفتيات لإظهار زينتهن للفتيان على أمل الحصول على عريس تثرب به أيديهن. لذلك، تحاول النساء خاصة الفتيات منهن الظهور بمظهر لائق وبهي.

لا زال الناس يذكرون أهل قبيلة بني عتيق أو يمكن القول هنا اتحادية قبائل بني يزناسن بالجود والكرم والإحسان إلى الضيوف و عابري السبيل، ويظهر ذلك جليا في أي مناسبة يقدم فيها الطعام سواء كانت وليمة أو وضيمة أو عقيقة أو وكيرة أو قرى. إلّا أن طعام الوليمة هو ما يتكلف فيه أرباب الأسر في أعراسهم نفقات هائلة حتى شاع القول بأن “العرس هرس” لأنه قد يأتي على ما بقي الزوج في جمعه في سنتين أو ثلاث ويقال “عرس ليلة تدبير عام”.

  • حب الروس -الكصعة :

تعتبر ”الكصعة” و”حب الروس” آخر الطقوس التي يحتفل بها الناس في القبيلة. فتكون ”الكصعة” في اليوم الموالي للعرس، وغالبا ما تتموقع بين الظهيرة والمغرب, حيث يأتي نفر من أهل العروس لزيارتها في بيت زوجها. وتقضي العادات والتقاليد في القبيلة أن يحضر أهلها وجبة الغذاء أو العشاء قدر ما يكفي لإطعام كل الحضور من العائلتين، بالإضافة إلى ما يعرف بـــ “العوايد” وهو عبارة عن أطباق مزينة ومليئة بالحلويات والسكاكر لإقامة حفل شاي صغير يجمع بين العائلتين معا، حيث تزيد المعرفة ببعضهم أكثر.

يعد هذا الطقس فرصة لأهل العروس للطمأنينة عن حال ابنتهم مع زوجها، وسؤالها عن” ليلة الدخلة”، مخافة أن تحمل هذه الأخيرة لهم بعض المفاجآت مثل ما يصطلح عليه في القبيلة ب”العكس” أو ”الثقاف” أو ” الكره” ، وهذا الأمر غالبا ما يتطلب زيارة مختص (الفقيه) لإبطال مثل هذه الأعمال. أما الهاجس الأكبر الذي يشغل بال أهل العروس فهو عذريتها التي تمثل شرفها وشرف عائلتها، لذلك يعتبر طقس “الكصعة” في الحقيقة بمثابة احتفال بعذرية المرأة وشرفها وشرف عائلتها.

أما ”حب الروس” فيكون بعد أسبوع أو أكثر، وهو الزيارة الأولى التي يقوم بها الزوجين إلى منزل الزوجة بعد انتهاء مدة ”الحجبة” التي تقضيها العروسة في بيت زوجها دون خروج ودون تكاليف منزلية، والتي غالبا ما تكون سبعة أيام. يقوم الزوج في يوم حب الروس بتقبيل رأسي والدي زوجته، تعبيرا عن شكره وتقديره لهما، وكذلك تعبيرا عن رضاه بالزواج والزوجة. ولا بد من الإشارة هنا أن طقس حب الروس كان قبل عقود قليلة ضروريا لإنهاء أيام حجبة العروس، إلا أنه بدأ في الاختفاء حيث لم تعد العروس في الوقت الحاضر تحجب عن أنظار أحد في أيامها الأولى، بفعل الحداثة والانفتاح على أنماط أخرى للحياة.  فمن هنا يمكن القول أنه قد تقلصت الطقوس والظواهر الثقافية على مستوى الزمن حتى تقلصت أيام العرس في المنطقة من سبعة إلى ثلاثة، وهو أمر فرضه عصر عرف أغرب أشكال السرعة من وسائل التواصل و الاتصال والنقل وغيرها. ولعل هذا يكون السبب الأول في اختفاء الحجبة وأيامها السبعة أو تقلصها إلى أقل عند من حافظ عليها.

خاتمة

لقد عرف أهل قبيلة بني عتيق تغيرات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. غيرت بعضا من معالم الثقافة المحلية لديهم، بحيث أصبحت هذه الأخيرة يغلب عليها الطابع الشكلي على حساب ما كانت تحتويه من مضامين واعتقادات وأصبحت جل الطقوس مفرغة من روحها، فبعدما كانت تمارس لتؤدي وظيفة حقيقية أو تشبع حاجة روحية، أصبحت تمارس من أجل الترف وأشياء أخرى. بالإضافة إلى هذا، وبفعل سيادة النمط الجديد للحياة الذي يتسم بالسرعة، عرف العرس في هذه القبيلة تقلصا كبيرا على مستوييه الزمني والمكاني، ولعل هذا سببه الحداثة وما صاحبها من التفكير والسلوك وأنماط العيش الغربية.

رغم كل هذا، يمكن القول، لا زالت الطقوس والظواهر الثقافية التي تميز قبيلة بني عتيق بل اتحادية قبائل بني يزناسن صامدة يجسد صمودها وعي هذا المجتمع بنفسه وهويته وجدارته في حفظ كيانه والاستمرار في الوجود.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

[1]– بطرس البستاني: محيط المحيط، قاموس مطول للغة العربية، مكتبة لبنان، بيروت، 1987، ص:553

[2] – أحمد زغب: الفلكلور: النظرية والمنهج والتطبيق، دار هومة، الجزائر ،2015، ص: 23

[3] – محمد الخطيب: الأنثروبولوجيا الثقافية، دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة، عمان، الأردن، الطبعة2، 2008، ص60 

[4] – عدنان أبو مصلح: معجم علم الاجتماع، دار أسامة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1، 2006، ص302

[5] -محمد ابن عبد العزيز السديس، مقدمات النكاح دراسة مقارنة ، الجامعة الإسلامية ، السعودية، ط128، 37-1425ه. ص 220  

[6] – محمد رأفت عثمان، عقد الزواج أركانه وشروطه وصحته في الفقه الإسلامي، المرأة وقضايا المجتمع، ص: 13

[7] – سورة الدخان، الآية54 برواية ورش.

[8] – جبران مسعود، الرائد معجم لغوي عصري، دار العلم للملايين، ط7، 1992

[9] – أحمد مختار عبد الحميد عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2008

[10] – عبد الرحمان الجزيري، كتاب الفقه للأئمة الأربعة، باب الزواج والنكاح دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، ط2، 2003

Scroll to Top