الأثر الاجتماعي والثقافي للهجرة والتهريب على المجتمع الناظوري
عند الأنثروبولوجي الأمريكي دافيد ماكموراي (DAVID McMurray)
باحث في سلك الدكتوراه
تخصص سوسيولوجيا الهجرات
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة
ملخص
أصبحت ظاهرة الهجرة حقيقة مجتمعية واقعية، وجب على البحث الأكاديمي تقبلها كظاهرة اجتماعية، وإعادة التفكير فيها من خلال رؤية جديدة مغايرة، تعمل على إدخال ميل جديد للتفكير، يتمثل في ربط الهجرة بمتغيرات اجتماعية أخرى: المكانة الاجتماعية، التثاقف، الهوية، وتتمثل الغاية من هذا المقال في الإجابة عن سؤال: ماهي الأثار المترتبة على المجتمع الذي يعيش بالتهريب وأجور المهاجرين؟ والوقوف على أثر فعل الهجرة عن الحركية الاجتماعية داخل السلم الاجتماعي بالمجتمع الناظوري.
The immigration phenomena becomes a real social truth. The academic, research must accept it as social phenomena and rethink it differently through viewing it from a new different perspective. It should bring something new particularly associating immigrating with other social variables such as: the social status, acculturation and identity. The purpose of this article is to answer the following question: What are the impacts of the implications of a society that lives by smuggling and immigrant wages? It also tackles the impact of immigration on the social mobility within the social hierarchy in the Nadorian society.
كلمات مفتاحية: الهجرة، الأثر الاجتماعي والثقافي، المكانة الاجتماعية.
Keywords: the immigration, the social and cultural impact, the social status.
يتناول الأنثروبولوجي الأمريكي ديفيد مكاموري (DAVID McMurray) في كتابه:” داخل وخارج المغرب-التهريب والهجرة في منطقة بومتاون الحدودية[1]“، ذلك الأثر الاجتماعي والثقافي للأنشطة الاقتصادية المزدوجة للتهريب والهجرة على المجتمع الناظوري في الثمانينات من القرن الماضي، إذ يهدف في هذه المناولة الأنثروبولوجية للهجرة والتهريب إلى تحليل هذا الأثر من خلال إجابته عن مجموعة من الأسئلة: ما الدافع إلى هجرة جزء كبير من سكان الناظور إلى اوروبا؟ وما هي الآثار المترتبة على المجتمع الذي يعيش بأجور المهاجرين والتي تنفق بشكل أساسي على البضائع المهربة؟ وذلك عبر استخدامه للرسوم التخطيطية للسير الذاتية وأنواع اخرى من السرد، تسمح بتلمس الطريقة التي أدخلت بها الهجرة والتهريب في الحياة اليومية لسكان الناظور.
ثم حاول كذلك أن يقدم بعض الإحساس بالطريقة التي تفاعل بها أولئك الذين غادروا والذين بقوا، وملامسة الكيفية التي صنع بها المهاجرون نوعا من الحنين والرؤية الرومانسية لوطنهم أثناء تواجدهم في أوروبا. هذا الحنين الذي ساعد في الحفاظ عليهم أثناء تواجدهم في الخارج من جهة، ووضعهم على خلاف مع عائلاتهم والمقيمين في الوطن الذين لم يغادروا أبدا، من جهة أخرى، بحيث أدت الثروة الجديدة التي تم العثور عليها، والتي تتمتع بها أسر المهاجرين في الناظور إلى زيادة التوتر مع جيرانهم غير المهاجرين، وهذا ما دفع الباحث DAVID McMurray إلى تسليط الضوء على الفروق المادية، أو ما يخص المكانة الاجتماعية، والكيفية التي ظهرت الصور المتنافسة للهجرة في مجال الموسيقى الشعبية، وفي نهاية هذا الكتاب يقدم DAVID الطريقة التي وضعت بها الهجرة والتهريب سكان الناظور في العالم وفي التاريخ المعاصر، إذ وجد الشباب الريفي الذي يقل عمرهم عن ثلاثين سنة أنهم لا يستطيعون تقديم معلومات عن نسبهم أو سلالتهم (THARIFIGHT)، كما لا يستطيع الكثير منهم أن يقدم معلومات كافية عن معركة أنوال الشهيرة التي وقعت في مجالهم الجغرافي وصدمت العالم في زمن أجدادهم، مع ذلك يمكن للكثير منهم التحدث بإسهاب حول فضائل ومخاطر الزواج من أوروبا، وعرف الكثير منهم تكلفة استئجار شقة في (أوسلو) او إجراء مكالمة هاتفية إلى فراكفورت، عرفوا ألحان أغاني (بوب مارلي (BOB Marleyوحبكات المسلسلات المصرية، كما عرفوا كيف يكتشفون ساعة اليد المزيفة وذات العلامات التجارية، ويمكن أيضا أن يقتبسوا أسعار الصرف لعملات أوروبا الغربية، وكل هذا ساعد الأنثروبولوجي DAVID McMurray في استكشافه عن كثب التأثير الناجم عن التدفق الحر للأجساد والأفكار والسلع من وإلى المنطقة.
كتب هذا البحث باللغة الأم للباحث وهي اللغة الإنجليزية، أما من حيث بنيته يتألف من سبعة فصول وهي كالتالي: كذبة اللأرض يتناول فيه (تأثير الهجرة والتهريب على الحياة الحضرية عبر الجهاز السردي للجولة الإرشادية)، العمل في الخارج والحلم بالمنزل (قصة حدو)، مهاجرون بيادق ومهاجرون رواد، أثر الهجرة على التمايزات في الوضع أو في الفروق والمكانة، الموسيقى والهجرة والشتات الناظوري، مهربي الناظور ومسرح الحدود، أثار العولمة على الثقافة المغربية المعاصرة.
يعمل الباحث عبر مسار هذه الفصول على دعوة القارئ والباحثين إلى التفكير بشكل نقدي في أهم الإشكالات والتحديات التي تطرحها الهجرة والتهريب باعتبارهما ظاهرتين اجتماعيتين في علاقتهما بالمجال والمجتمع والتأثير فيهما. وعناوين هذه الفصول عمل على طرحها في سؤال إشكالي عريض ينظم مسار هذا الكتاب: ماهي الأثار المترتبة على المجتمع الذي يعيش بالتهريب وأجور المهاجرين؟
لمقاربة هذا السؤال، لم يدفع الكاتب إلى النزول للميدان مباشرة، بل انطلق من تراث نظري حول منطقة الريف، ومن أدبيات عدة:
موسوعة ديفيد هارت (David Hart’s):”ايت واريغار الريف المغربي Aith Waryaghar of the Moroccan Rif 1976″، رايموند بوسارد (Raymond Bossard’s): “الحركات المهاجرة في الريف الشرقي- Mouvements migratoires dans le Rif Oriental 1978 “، لويز لايسوند (Louise Lassonde’s): “الهجرة المغربية- L’émigration marocaine 1981″، بشير حمدوش واخرون (Bashir Hamdouch et Als): ” هجرة التنمية وهجرة التخلف Migration de développement, migration de sous-développement 1979 “، وأحد أبناء الناظور عالم الاجتماع قيس مرزوق واريشي (Kais Marzouk Ouariachi)”الريف الشرقية- Le Rif oriental 1980″، إضافة إلى هذه الأدبيات شكل استقراره مع زوجته في الناظور عامي 1986 و1987 أساسا لفهم التأثير الدراماتيكي للتهريب والهجرة على الناظور.
- العمل في الخارج والحلم بالمنزل
يقدم في هذا الفصل موضوع تأثير الهجرة والتهريب على الحياة الحضرية بمدينة الناظور، باعتماده على سرد للنقاش الذي دار بين الباحث وبين القنصل الأمريكي المستقر بمدينة طنجة الذي زاره في مدينة الناظور، وكذا استثماره لقصة أحد المهاجرين (حدو)، الذي حددت أسئلته في: من يهاجر؟ ومن لا يهاجر؟ ما هو تأثير الأجور العائدة إلى الوطن على الأسعار المحلية والصناعة والبناء والزراعة؟ وأهمها التأثير الثقافي للهجرة، على سبيل المثال هناك الكثير من التوتر الخفي في مدينة الناظور بين أسر المهاجرين من البلاد والعائلات الأكبر سنا والأكثر شهرة، إذ يقول:” لا تستخدم العائلات القديمة الهجرة بقدر ما استخدمتها كوسيلة للمضي قدما، فهي تعتمد على علاقاتها وشبكاتها وعادة ما تدبر الأمور هنا باعتماد صنف السيد ونوع من العلاقة الزبونية بين الافراد. ولكن الثروة الجديدة القادمة ترتبط بالعائلات التي لديها رجال يعملون في الخارج، كل هذا بدأ يزعج نظام الوضع هنا مرة اخرى“.[2]
كما جاء في حديثه مع الوكيل القنصلي سردا للمراحل المختلفة من تاريخ الهجرة من الريف، بدءا من كيف كانت هجرة الريف بشكل أساسي إلى الجزائر خلال معظم فترة الحماية الإسبانية، وأصبحت عملية الهجرة أكثر تعقيدا بعد استقلال المغرب عام 1956، وانفتاح أوروبا على الهجرة المغربية في أوائل الستينات إذ “كانت هناك حاجة إلى جوازات السفر، عقود العمل، وفي بعض الأحيان الشهادات الصحية. أصبحت الأمور صعبة حقًا مع توقيف المجتمع الأوروبي للهجرة الداخلية في 1973-1974. لكن المهاجرين استمروا في إيجاد طرق للالتفاف حول الحظر. وقد تمكن العديد منهم من المرور على أساس ثغرات لم شمل الأسرة. وآخرون تجاوزوا فترة تأشيراتهم السياحية ومن ثم أصبحوا منظمين بوساطة أرباب عملهم الجدد. بالعودة إلى المغرب، ارتفعت أسعار الأوراق اللازمة لاستلام جواز السفر وكذلك سعر جواز السفر بشكل مطرد. مع استمرار زيادة عدد العمال المغاربة طوال السبعينيات، ازدادت حدة التحريض داخل المفوضية الأوروبية ووضعت عقبات جديدة في طريق المهاجرين. كما تم تطوير خطط تحفيزية تهدف إلى جذب المغاربة للوطن. أخيرًا، مارست دول الاتحاد الأوروبي ضغوطًا على الرباط لتقييد من خرج. أثبتت هذه الطريقة الأخيرة أنها الأكثر نجاحًا”.[3]
وفي خضم هذا الحوار، تطرق الباحث إلى اشكالية بناء المنزل في البلد الأصل الذي بات يراود كل مهاجر، على الرغم من أن بناءه يستغرق عشرين عاما، ويستغله المهاجر شهرا واحدا في السنة، هذا الهوس شكل طفرة هائلة في البناء حدثت بفضل الهجرة والأجور التي ينفقها المهاجرون على المنازل في المدينة، ” علينا أن نفهم أن لهؤلاء الرجال المهاجرين في أوروبا، أهم شيء في العالم هو بناء منزل جديد لعائلاتهم، إنهم يبخلون ويدخرون كل ما في وسعهم حتى يتمكنوا من البدء في بناء منازلهم الجديدة في الناظور أو في الريف حول الناظور“.[4] لكن لسوء الأمر بعد البناء يكون مصير هذا المنزل هو البيع او الاستئجار او الغلق.
قصة حدو The Story of Haddou
كان حدو المهاجر الغائب، قد أمضى معظم سنوات بلوغه في شقق بغرفة واحدة في فرنسا وألمانيا حيث وفر ماله، وانتظر حتى يتمكن من العودة إلى الناظور كل عام والاستمتاع بدفء عائلته ومسكنها ” في أواخر الستينات، بحلول عام 1975، كان حدو قد ادخر مرة اخرى ما يكفي لبدء بناء منزل، لم تعد أرضه قائمة على أطراف المدينة. لقد نما الناظور كثيرا في هذه الفترة بسبب نقل المهاجرين لعائلاتهم من الريف إلى المدينة، لدرجة أن حدو بدأ الآن في بناء منزله في أحد أجمل شوارع الناظور“.[5]
كان هدف حدو هو إكمال بناء منزله في أقرب وقت ممكن بهدف انتقال أسرته من الريف إلى المدينة لضمان مستقبل أبنائه، من خلال تدريسهم، لأنه نشأ في الريف دون تعليم، ولم يكن أن يحدث ذلك لأبنائه، لهذا ترك زوجته التي توسلت إليه بعدم الهجرة، وكان الاتصال بها يتم عن طريق المهاجرين العائدين للناظور، بتحويل الرسائل والأموال إلى أسرته بالمغرب، وكان خياره الثاني هو ترتيب وقت مكالمة هاتفية من هاتف عمومي، إلى أن جاء أول تغيير في وسائل الاتصال مع انتشار جهاز التسجيل، وخاصة مسجل القرص المضغوط.
وكان أهم ما يشغل حدو وباقي المهاجرين هو بقاء زوجاتهم في المنزل أثناء غيابهم، إذ كان القلق بشأن رفاهية وإخلاص النساء في الوطن يشغل جزءا كبيرا من وقت المهاجر، لهذا كان المهاجر يراقب ويدير أنشطة عائلته بأكملها على بعد آلاف الأميال، إذ حول حدو الهاتف إلى أداة للرقابة.
حاول حدو فرض إرادته على أسرته، إلا أن هذه الأخيرة وجدت طريقا لتخريب سلطته أثناء غيابه، إذ أن زوجته كانت دائما تتقاسم الراتب الشهري المرسل مع والدتها التي كانت تأتي كل أسبوعين من القرية لزيارتها، تبقى لبضعة أيام ثم تعود إلى منزلها مع القليل من المال وبعض الشاي والسكر واللحوم، أما أبناؤه فقد بالغوا في حجم مصاريف مدرستهم وملابسهم بانتظام، في بعض الأحيان كانوا يصرفون الأموال المخصصة للفواتير في المقاهي وعلى أشكال الترفيه الأخرى.
وكان هدف حدو من هجرته هو ألا يضطر أي من أسرته لمغادرة المنزل بقوله: ” لقد عملت بجد طوال حياتي حتى لا يضطر أطفالي إلى ذلك، لقد بنيت هذا المنزل حتى نتمكن جميعا من أن نكون معا. لم أرغب أبدا في شيء أكثر من أن أعيش في سن الشيخوخة حول أطفالي وأطفالهم. ألوم نفسي، لم أحضر هنا لتربية الأولاد بشكل جيد، لا يمكنني التعويض في شهر واحد عن أحد عشر شهرا من الغياب. أولادي لا يحترمونني”.[6]
من خلال هذه الأحداث التي يرويها تبين أن المهاجر يقبل على فعل الهجرة لتغيير وضعه الاقتصادي، المادي، فبعد الهجرة يحقق المهاجر رأسمالا ماديا، في مقابل ذلك ونظرا لبعده يفقد رأسماله الاجتماعي، أي شبكة معارفه التي أصبحت ضعيفة، ما لا يساعده على دمج أبنائه في مجتمعهم الأصلي على مستوى الوظائف، لأن المنافسة الاجتماعية كانت قوية، ما دفعه إلى أخذ زوجته معه إلى أوروبا والتفكير في تهجير أبنائه كذلك ما وفر له شعورا بالاستقرار في بلد المهجر. وما يقلق حدو والمهاجرين هو إعادة الجثة للوطن بعد الموت، لأنه لا يفضل أن يدفن في مقبرة غير إسلامية.
وبالتالي كان الوطن الخيالي للمهاجر أبويا وسلطويا ورعويا، وهكذا فإن الخلافات بين الزوج والزوجة والأب والأطفال حرضت رؤية الوطن الشاعري للرجل المهيمن على رؤية النساء والشباب التابعين. بالنسبة للزوجة والأولاد فإن الحياة التي يتخيلها رب الأسرة المهاجر تحتوي على ازدواجية المواقف لدى أسرته ، على سبيل المثال، عادة ما تحارب النساء الناشطات رغبة المهاجرين الذكور في العيش في الريف، على العكس من ذلك كانت رغبتهن في المنزل والكهرباء والمياه، والحمامات العامة في المدينة، كانت رغبتهن في الانعتاق من سجن الريف او البادية نحو الحرية والمتعة في حياة الفتاة الصغيرة من حضور المدارس المختلطة وإكمال الدراسة، او التسوق في الأسواق الكبيرة الموجودة فقط في المدينة، وهذا كله كان سببا في التوتر الأسري في ريف و ومدينة الناظور. وبه فالهجرة أسهمت في انفتاح المجتمع الناظوري وفي تحرر المرأة نسبيا وتجاوز التعامل التقليدي معها.
- مهاجرون بيادق ومهاجرون رواد
لم يكن تغلغل الهجرة في الحياة اليومية في الناظور واضحا خلال عقد الثمانينات لم يكن في أي مكان أكثر من ذلك المزيج من القيم والمعتقدات والفطرة السليمة التي ينطوي عليها الحديث عن الهجرة. شاركت جميع الأعمار وكلا الجنسين في التبشير بالأصدقاء والأقارب أو الأعداء والجيران الذين غادروا أو عادوا، وتشعبت المواضيع، من ذهب؟ وأين وكيف وصلوا إلى ما فعلوه ومدى نجاحهم في ذلك. ” قدمت بعض القيل والقال معلومات مهمة للشباب الذين كانوا يفكرون في الهجرة. لقد جمعوا الحكايات عن الزيجات في الخارج، على سبيل المثال، وبدأوا في الموازنة بين إيجابيات وسلبيات مثل هذا الترتيب. أو ناقشوا فيما بينهم مزايا العمل والعيش في النرويج مقابل ألمانيا، أو الدراسة في إسبانيا مقابل فرنسا. قد يدور موضوع المحادثة أيضًا حول كيفية إكمال ملف جواز السفر، بالإضافة إلى مدى سهولة استخدامه في “الأيام الخوالي” في الستينيات”.[7]
شكل هذا النقاش الذي أصبح موضوعا اساسيا يناقشه الشباب والعائلات كذلك، شكل حافزا للشباب بمدينة الناظور، من خلاله استطاعوا جمع أكبر قدر من المعلومات حول طرق الهجرة إلى الضفة الأخرى، ثم وثائق ملف الهجرة، وكذا تداولهم لقصص المهاجرين الذين نجحوا في الهجرة والذين فشلوا بسبب القيود أو التدخل المغربي الأوروبي، هذا النقاش العام حول الهجرة الذي أصبح هاجسا ليس فرديا فقط بل اجتماعيا معبرا عن الوجدان الجمعي للمجتمع الناظوري، يحيلنا على مفهوم الضمير الجمعي عند إيميل دوركهايم: ” ” إن العلائق التعاونية لا تشتمل على مؤيدات أخرى، والحق أن من طبيعة الأعمال الخاصة أن تتملص من تأثير الوجدان الجمعي، ذلك أنه لكي يكون الأمر موضوع اهتمام جمعي، فإن الشرط الأول هو أن يكون ذا صفة عامة، أي يكون ماثلا في كل وجدان، وأن تستطيع كل الوجدانات تصوره من وجهة نظر واحدة،[8] او الذاكرة الجمعية عند تلميذه موريس هالفاكس (Maurice Halbwachs) من خلال كتابه: “المورفولوجيا الاجتماعية: ” ما يربط الأفراد هو أنهم جميعًا يشعرون بأنهم أعضاء في نفس المجموعة ، وأنهم يشاركون في الأفكار والمشاعر الخاصة بالكل الذي يجدون أنفسهم فيه، بمجرد دخولهم فعليًا في فئة المهاجرين. وهكذا يمكن للمرء أن يصبح مهاجرًا قبل مغادرته بوقت طويل، بمجرد أن يكون الشخص قد سجل في مكاتب شركات النقل التي تتعامل بشكل خاص مع المهاجرين، وأن المرء قد قام بالاستعدادات، وأن المرء يتخيل مقدمًا رفقاء السفر والمصير.”[9]
كما تطرق الباحث إلى مسألة الشبكات الاجتماعية كوسيلة أساسية في المساعدة على الإقدام على فعل الهجرة،” يتطلب تجميع الوثائق اللازمة لجواز السفر والتأشيرة وجود ثلاثة أشياء أساسية: دعم الأسرة، والعلاقات في أوروبا، ومعرفة شخص ما في السلطة”.[10] ، إذ توفر لهم هذه الشبكات وعلى رأسها الأسرة بالخصوص الموارد المادية والروابط الاجتماعية لشراء جواز السفر والتذاكر، إذ كانت تكلفة جواز السفر في الثمانينات تتراوح بين 5000 و7000 درهما، وهي تكلفة بعيدة عن أبناء الفقراء، ما كان يضطرهم إلى الاستعانة بمهرب ومغادرتهم بدون جواز سفر، ما كان يزعج حراس السفن بمدينة مليلية، كما تحايل المهاجر من خلال إقراضه لجواز سفر الأب أو الأخ الأكبر ثم لصق صورته الخاصة عليه والإبحار من خلاله.
وروايات المهاجرين التي قدمها الباحث من خلال تحليل مضمونها كشفت عن مدى مساعدة المناقشات اليومية في إعداد المهاجرين في المستقبل للنجاح. إذ عمل فهم العموم على تشكيل علاقة معينة بالعالم الرسمي للحدود والبيروقراطيين، لقد كانت بمثابة ترسانة ثقافية شعبية للمعرفة التخريبية التي ساعدت على التعامل مع الدولة وعملائها.
هذه الروايات أهم ما يمكن الوقوف عنده فيها هو ما يسمى في ادبيات علم الاجتماع الرأس المال الاجتماعي الذي ساعد هؤلاء المهاجرون، هذا المفهوم الذي ظهر بشكل فعلي في اعمال بيير بورديو (PIERRE Bourdieu) ثم تطور في أعمال جيمس كولمان (JAMES Coleman)، وروبرت بوتنام (ROBERT Putnam)، ورونالد بيرت (RONALD Pert). إذ يعرفه بورديو بأنه: “مجموعة المـوارد الممكنـة التي تتوافر للشخص بفضل حيازة شبكة من العلاقات الاجتماعية مع أفراد المجتمع، حيـث تنطوي هذه العلاقات على منظومة من القيم تأتى في مقدمتها مشاعر الاحترام والامتنان والتعاون والثقـة المتبادلة”.[11]
ومن أهم السير الذاتية التي اعتمدها الباحث نجد قصتي (فتوش وكريم)، فتوش التي كانت موظفة استقبال في مختبر التحليلات الطبية لشقيقها، سافرت إلى بلجيكا وألمانيا لزيارة أعمامها، والتقت برجل مغربي في مقهى بألمانيا طلب منها الزواج، ووافقت على ذلك بداعي” لا يمكنني البقاء هنا في الناظور إلى الأبد، مجرد الاستيقاظ كل صباح والمشي إلى العمل، والسير إلى المنزل بعد العمل، هذه لا حياة علاوة على ذلك، إذا تزوجت شخصا من هناك، يمكنني الحصول على إقامة دائمة في أوروبا“[12]. كان سبب هجرتها هو مكانة أبيها في المدينة الذي كان ضابطا في الجيش، أصله من قبيلة (إبطالسن) قبيلة مستقرة بمدينة الدريوش، لهذا استغل منصبه لبيع جوازات السفر وعقود العمل.
أما كريم كان عمره ثلاثة وعشرين عاما، كان قد درس بعدة جامعات مغربية فاس، الرباط، وجدة، وبدا وحده غير متأكد من اتجاهه، حصل على التأشيرة الإسبانية، لأن القنصل الإسباني متزوج من امرأة من بلدته لها صلة قرابة بعائلته.
محمد من امستردام وعملية احتياله جواز السفر MUHAMMAD FROM AMSTERDAM AND THE PASSPORT SCAM
كان محمد مستقرا مع والده في أمستردام إلا أن أخلاقه بدأت تسوء وقرر أبوه إرجاعه لمدينة الناظور وتسجيله بإحدى المدارس العمومية، غير أن محمد استعار جواز سفر صديق له عائد من هولاندا، وبعد ذلك مباشرة اتجه صوب مدينة وجدة واشترى تذكرة طائرة إلى هولاندا، بمجرد وصوله إلى أمستردام، اتصل ببعض المنظمات الهولاندية الصديقة للمهاجرين، التي ساعدته في الاختباء من والده ومن الشرطة الهولاندية لمدة سنتين كاملتين حتى أصبح مستقلا.
قصة رونالد ريجان THE STORY OF RONALD REAGAN
“يفتخر العديد من الرجال والأرامل الفقراء للغاية بمعاشاتهم التقاعدية الصغيرة التي تبعث على الشفقة من الجيش الإسباني من العمل في الجزائر. تحميهم المقابض من أن يُنظر إليهم، على الأقل بأنفسهم، على أنهم فاشلون وأغبياء. والبعض الآخر، بالطبع، لا يضعون مثل هذه القيمة الرمزية في معاش تقاعدي لا قيمة له. وقد عانى غالبية هؤلاء الأشخاص إما من إصابات أثناء العمل وعادوا إلى منازلهم؛ تم خداعهم من المعاشات أو التصاريح أو تعويضات العمال لأنهم وقعوا على وثائق لم يفهموها؛ أو عادوا بعد أن عملوا بجد لوقت قصير جدًا واحتاجوا إلى الراحة، فوجدوا أن الأمر لا يستحق الانفصال عن عائلاتهم”.[13]
ومن بين هؤلاء نجد رونالد ريجان، الذي كان يبلغ من العمر سبعين عاما، الذي يشتغل حارسا ليليا في فندق صغير، مقابل القليل من الطعام وبعض السجائر. كان قد سجل في الجيش الإسباني خلال حملات التجنيد المبكرة من المغرب في بداية الحرب الأهلية الإسبانية، أصيب اثناء أحد المعارك، ما جعله غير قادر على القتال أو العمل، لذا أرسلوه إلى المنزل بمعاش تقاعدي زهيد.
قصة (ابن سايد) عامل المنجم البلجيكي THE STORY OF SAID’S COYUSIN, THE BELGIAN MINER
عمل تحت الأرض في المنجم ببلجيكا لمدة سنتين ثم سنتين فوق سطح الأرض، إلى أن مرض وأجرى عملية جراحية لم تنجح وأصبح طريح الفراش، وجاء عامل اجتماعي لزيارته في المستشفى، دفعه إلى توقيع بعض الأوراق للحصول على معاش التقاعد، وعندما خرج من المستشفى اكتشف أنه وقع على تنازله عن المعاش التقاعدي وعاد إلى منزله بالناظور خائب الأمل وطريح الفراش.
بعد الوقوف على هذه القصص ومحاولة فهمها وتحليلها تحليلا سوسيولوجيا، نجد أن فعل الهجرة لم يكن مغامرة او تجربة تعليمية، كان من المفترض أن يزيد من رفاهية المهاجر وعائلته في الوطن. لذلك أدى فعل الهجرة هذا بعدد من ” المهاجرين المطرودين او المهربين الذين عادوا إلى المغرب ليرووا حكاياتهم عن الويل وإلى قيام العديد من المغاربة المتعلمين في المناطق الحضرية بالنظر إلى المهاجرين على أنهم بيادق في لعبة أوروبية وحشية لم يكن المهاجرون الفقراء يعرفون قواعدها. نشرت الصحف المغربية مقالات حول الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون -سواء في الخارج أو بعد عودتهم. تحسر المراسلون على حقيقة أن مواطنيهم الساذجين وقعوا ضحية للحيوانات المفترسة على جانبي البحر الابيض المتوسط”[14]
بمعنى أن الهجرة ليست دائما سبيلا لزيادة الرفاهية والسعادة وتحقيق الاستقرار المادي والمعنوي، إذ قد تكون تكاليفها باهظة على المستويين النفسي والجسدي بالخصوص، “قد تطيح بمكاسب عدة أجيال، عندئذ لن تكون الهجرة استثمارا جيدا بل خطأ يرتكبه المهاجر”.[15]
- تأثير الهجرة على التمايز في المكانة الاجتماعية
أحدث فعل الهجرة حركية اجتماعية داخل السلم الاجتماعي بالمجتمع الناظوري، من خلال إحداث فروق في التسلسل الهرمي الاجتماعي في الناظور منذ ثمانينات القرن الماضي تتمثل في ناحيتين، ” فمن ناحية عزز المهاجرون النظام المهيمن بالالتزام بأولوياته. لقد رفع المهاجرون الرهان ببساطة عن طريق زيادة إنفاقهم على السلع الاستهلاكية وإدخال منتجات جديدة ليتم استيعابها في المخطط. من ناحية أخرى، زعزع المهاجرون استقرار نظام المكانة عن طريق فك الارتباط الحضري للأثرياء والمتعلمين الذين كانت لهم مكانة أعلى في الناظور”.[16]
لقد ظهر المهاجرون كنخبة اجتماعية جديدة على عكس النخبة التقليدية، غالبا ما يشكلون تركيبة يصعب استيعابها من الأميين والأثرياء الريفيين، بعبارة اخرى بدأت الأسر المهاجرة في اختراق وإعادة تشكيل المكانة الهرمية للأفراد بالمجتمع الناظوري، وهذا ما سبق لعالم الاجتماع الحضري الأمريكي روني ديشاك
(René Duchac) أن ناقشه بقوله: ” يظهر التنقل المكاني كمؤشر للحراك الاجتماعي: إذا ترك شخص ما عائلته عند تغيير مكان إقامته ويتحرك صعودًا أو هبوطًا في السلم الاجتماعي. وبالمثل، تتغير حالة المجموعة، للأفضل أو للأسوأ،”[17]هذا التغيير السريع، يرجع إلى فعل الهجرة الذي ساهم في ارتفاع الدخل والانتقال من القرى إلى المدينة، إضافة إلى ظهور ازدواجية ثقافية في المجتمع الناظوري تتأرجح بين الثقافة الأصل والثقافة المستوردة هذه الثنائية التي لخصتها نظرية المجتمعات المزدوجة أو الثنائية الاجتماعية ومن أهم روادها نجد الهولندي جوليوس هيرمان بويك (Herman Boeke Julius) 1884-1956، من خلال دراسته الموسومة ب: الاقتصاد والسياسات الاقتصادية بالمجتمعات الثنائية، “اعتبر أن مجتمعات الدول النامية تتصف بحالة من الازدواج الاجتماعي، هي السبب الرئيسي في تخلفها حيث يوجد داخل تلك المجتمعات قطاعان متنافران هما القطاع التقليدي ويمثل النظام الأصيل في المجتمع والقطاع الرأسمالي المتطور ويمثل النظام الحديث المستورد، يحدث بين القطاعين صراع حيث يصر الأول على اتباع الأنظمة المتخلفة بينما الثاني يصر على الحداثة، يؤدي ذلك الصراع في النهاية إلى تشتت جهود التنمية وتواصل التخلف.[18]“ تظهر علاماتها في ذاك الصراع بين العادات والتقاليد والقيم المتوارثة والقيم الجديدة الدخيلة، التي جلبها المهاجرون، مما زاد في فرص الحصول على تعليم أفضل للأشخاص من مناطق وقبائل مختلفة وخاصة الإناث منهم، وظهور مزيج من الزخارف المحلية والأجنبية على حد سواء على جدران المنازل بمدينة الناظور. وفي نفس السياق يقول الباحث الفرنسي رايموند بوسارد (Raymond BOSSARD)” لقد زادت جودة المنازل بشكل كبير، وتغير مظهرها علاوة على ذلك، فإن الأموال التي يرسلها المهاجرون تسمح لأفراد أسرهم بعدم قبول أي وظيفة. الوظائف ذات الرواتب المنخفضة للغاية لم تعد تجد المتقدمين لها. وينطبق هذا أيضًا على مدينة الناظور والمنطقة المجاورة حيث يلعب التهريب من مليلية نفس الدور. وهو أكثر ربحية وأقل تعباً من عمل العامل.”[19]
استمرت الناظور في التحول في الهيمنة من الرموز الداخلية إلى الرموز الخارجية، على مستوى وسائل التمييز (الاحترام، المكانة، وأنماط العيش)، التي تميز التسلسل الهرمي الاجتماعي (الطبقة، الطائفة) بأنظمة الإشارة الخارجية للمكانة الاجتماعية، تستوعب هذه الأنظمة لأحدث معايير التمييز الاجتماعي الداخلي للمجتمع الناظوري، على سبيل المثال (اللغة، اللكنة، اللباس، الموسيقى) لصالح رموز أكثر عالمية ومعترف بها عالميا على أساس العلاقات الخارجية، ” فالتمتع بالذوق الجيد مقابل الذوق السيئ في مسائل ديكور المنزل ، واختيار السيارات، والملابس ، وما إلى ذلك ، يعتمد على قدرة المقيم في الناظور على تمييز ما يعتبر راقيًا وما يعتبر ريفيا (عروبي) ثم عدم الخلط بين الاثنين. الأهم في الناظور في الثمانينيات كان الصراع بين المهاجرين وغير المهاجرين لتحديد ماهية تلك العلامات المميزة ثم تنظيمها في شكل مهيمن، أي رموز / أنظمة الإشارات الشرعية”.[20]
يعتبر هذا التنافس في المكانة بين المهاجرين وغير المهاجرين التأثير الأكثر إثارة للاهتمام الذي أحدثه المهاجرون على المجتمع الناظوري، هذا التنافس الذي يظهر بين الفئة الاجتماعية التي لم تهاجر وتمتلك رأسمالا ثقافيا أكبر ورأسمالا اقتصاديا أقل، والفئة الاجتماعية المهاجرة التي لديها رأسمالا اقتصاديا أكبر، ولكنها تفتقر إلى الرأسمال الثقافي.
في سياق الحديث عن الرأسمال الثقافي للمهاجرين نجد اختلافا بين طرح الباحث ماكموراي وطرح روبرت بارك PARK) (Robert، فالأول يؤكد على افتقار المهاجر للرأسمال الثقافي لبلده الأصل، في حين نجد بارك ” يشير إلى التغييرات النوعية (الفكرية أو العاطفية) للأفراد أو السكان المتنقلين. حول هذه النقطة، يرى أن تنقل السكان هو بلا منازع عامل مهم للغاية في تطورهم الفكري.”[21]
تزعج الأسر المهاجرة التسلسلات الهرمية الطبقية والمركزية الموجودة بالفعل بعدة طرق: فهي تزيد في تضخيم تكاليف إعادة إنتاج نمط حياة يتناسب مع المكانة الاجتماعية الأعلى، يغيرون مزيج السلع التي تعتبر جديرة بهذا الوضع، يغيرون العلاقات الاجتماعية بين الطبقات والفئات الاجتماعية، ويغيرون في كيفية العلاقات بين الجنسين والأجيال في المقابل يسعى غير المهاجرين إلى الهيمنة رمزيا على المهاجرين الذين يعانون من وصمة العار المتمثلة في كونهم من الأثرياء الجدد، لكن غير متعلمين، فاقدين للغتهم الأم الأمازيغية والعربية الفصيحة، والطلاقة في اللهجة الأمازيغية والعربية، لأن أغلب المؤسسات الإدارية من بنوك ومحاكم وشرطة كانت فيها المحادثات عادة باللغة العربية، ناهيك عن انفصامهم على مستوى هويتهم الدينية واغتراب ابنائهم عن دين أجدادهم.
1.3 وضع المرأة في المجتمع الناظوري
زاد فعل الهجرة من التركيز على سلوك النساء في الوطن، بصفتهن حاملات لشرف العائلة وفق تحديدات الضمير الجمعي للمجتمع الناظوري، وقضايا المرأة اكتست أهمية مضاعفة بسبب غياب أزواجهن المغتربين في بلدان المهجر، مما دفع الغالبية العظمى من الرجال إلى عزل النساء بشكل رضائي أو قسري، وعدم السماح لهن بالحرية الكاملة في التنقل في الأماكن العامة، وذلك راجع لأمرين يحددهما الباحث في الثقافة الإسلامية من جهة وما خلفته مرحلة الحماية، إذ يقول: ” عزل المرأة يعتبر ثابتة ثقافية عربية إسلامية، هذه الممارسة تنقلت فعليا تاريخيا وإقليميا، على سبيل المثال يذكر قيس مرزوق الورياشي في كتابه: (الريف الشرقية) 1976، ص78، أن توغل الإسبان في الريف خلال السنوات التي سبقت الحماية (1912) هدد الاستقرار المحلي، أدت هذه التطورات إلى قلق كبير على أمن النساء المحليات، ردًّا على ذلك خلال فترة الحماية، تم إنشاء نوع من التزمت الجنسي، بحبس الإناث كشكل من أشكال المقاومة السلبية التي كانت قائمة على العقاب الجماعي الصارم لسوء السلوك الجنسي والتركيز الاجتماعي الأكبر على الحاجة إلى دعم النقاء الأخلاقي للمرأة”.[22]
لكن على الرغم من هذا التزمت كانت بعض الفتيات يسمح لهن بالتنزه مع صديقاتهن الإسبانيات، فشعر رجال الريف بالحاجة إلى عزل نساء الريف تماما، وتم تفسير حرية بعض نساء المدينة، على أنها تهديدا لمكانة الرجل الاجتماعية، لكن مع حلول الثمانينات ” بدأت بنات المهاجرين الذين نشؤوا في اوروبا وبنات البيروقراطيين العرب المقيمين في الناظور في استعادة الشوارع، ما مثل الموجة الأولى من ذوبان الجليد في علاقات النوع”.[23]
بمعنى أن الهجرة حملت معها ثقافة جديدة للبلد الأصل، أدت إلى تحولات عميقة في الحياة الجنسية، أعادة تحديد مجالات النساء ومجالات الرجال باختراق النساء للمجال التقليدي للرجال من خلال خروجهن للشارع، وهذا ما عبرت عنه عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي بقولها: “إن المرأة دائما دخيلة في مكان يمتلكه الرجال بما أنها تعرف كعدو، وليس لها الحق في استعمال المكان المخصص للجنس الآخر، والواقع أن مجرد وجودها في مكان لا يجب أن تكون فيه، يشكل عملا هجوميا بما أنها تزعزع النظام الاجتماعي، وتقلق راحة فكر الرجل بدفعه إلى اقتراف الزنى.”[24]
2.3 توظيف الخادمة والتنافسية في استهلاك التجهيزات المنزلية
في سبعينات القرن الماضي كانت المنازل التي تتوفر على خادمة وغسالة الملابس، تعود فقط لكبار البيروقراطيين، ومع ذلك منذ الثمانينات عمل المهاجرون أيضا على شراء الغسالات وتوظيف خادمات في المنازل، والسبب في انفتاح الناظوريين على الأجهزة الموفرة للعمالة والخادمات هو التمييز والظهور، ويرجع قرار توظيف الخادمة إلى المرأة، إذ ” تقبل المرأة في المنزل الخادمة أو ترفضها، حتى لو كان الزوج وظفها. في مدينة جديدة مثل الناظور، المعيار الأول الذي تبحث عنه المرأة في الخادمة هو المنطقة القبلية الأصلية. يساعد أصل إقليمي مشترك على ضمان التوافق مع توفير العلاقات الأسرية للتبعية، أو على الأقل الألفة، التي تسمح للعائلة بالعثور على خادمات مؤهلات من البلدات. إذا كان الجميع يعرف عائلة أي شخص آخر، فإن المخاوف بشأن السرقة أو الهجر أو المرض أو أي شيء أخر ستخفف”.[25]
أصبحت الخادمات تحت سيطرة المسنات في المنزل، وسبب هذه الضرورة قيام البيروقراطيون بتحويل هذه السلع الاستهلاكية إلى سلع ذات مكانة عالية، إذ تمتعت النساء الثريات بالقدرة على التخلي على الكثير من الطقوس اليومية، كالطهي والتنظيف، مع ظهور المجمد (frigos) أصبح يسمح بشراء الخضار الموسمية والأسماك واللحوم وتجميدها.
اعتبر عدد غرف النوم في المنزل الناظوري مؤشرا على الثروة، وكانت طاولة المكياج علامة اختيارية للثروة، وكان الصالون الرئيسي للمنزل أكبر او أصغر اعتمادا على ثروة الأسرة، وكانت غرف استقبال الضيوف تتميز بين المنقوشة وغير المنقوشة، “أما في أفقر الأسر حتى غرف الضيوف كانت غائبة، يجلس الجميع على حصائر قش أو جلود غنم… نفس الشيء ينطبق على المصابيح، كان لدى العائلات الأكثر ثراء ثريات دائمة معلقة من رصائع منحوتة من الجبس، وكانت العائلات الفقيرة تستأجر أو تستعير الثريات في المناسبات الكبيرة”.[26] أما سخان الماء الذي يتم تغذيته بالغاز كان شائعا في أوروبا، شاع انتشاره في منازل الناظوريين بسبب المهاجرين، كان الغرض منه هو تسخين المياه لغسل الأواني أو الاستحمام، إذ أصبح يمثل ثمرة التحول عن الاستحمام الجماعي في الحمامات العامة. ومن ناحية أخرى ظل الفرن رفاهية مخصصة للنساء الثريات، يعوضهن عن إرسال الخبز والحلويات إلى فرن الحي، والمهاجرون وافقوا على شراء فرن داخلي للحد من ظهور النساء في الأماكن العامة، أي كان طريقة لتقييد نشاط نسائي آخر بخصوصية المنزل.
أما على مستوى تحليل الباحث للصور المعلقة على الجدران في منازل الناظوريين، توصل إلى أن غزو الغربيين للعالم العربي، خلق إحساسا بالدونية الثقافية والاغتراب في السكان الذين تم احتلالهم، إذ المستعمر استعمر النفس قبل المكان و ” خلق تمايزا في المواقف بين كبار السن الذين عاشوا خلال غزو الغرب والأجيال الشابة التي نشأت بعد الاستقلال، تعيش هذه الأخيرة في منازل مزيفة ومزينة بفن الهروب (على سبيل المثال، غناء إسباني، شاليهات على الطراز السويسري، صور بعض الفنانين وعلامات العواصم الأوروبية إلى جانب صور الدوران حول الكعبة في مكة، او الساعات المكية، أو الآيات القرآنية المؤطرة)”.[27]
كان الطعام والموسيقى والرقص في بيئة الناظور بمثابة علامات للتمييز الطبقي إلى حد كبير من إتقان أي فن، إذ يقول الباحث: ” إحدى الطرق التي اكتسبت بها النساء رأس المال الرمزي ونقلته كانت عن طريق الطعام، على وجه التحديد، عن طريق الترفيه. كان هذا صحيحًا أيضًا بالنسبة للرجال أيضًا، أي أن الرجال الذين استطاعت زوجاتهم إعداد وجبة لضيوف من الذكور غير معلنين في أي لحظة، حققوا سمعتهم كرؤساء لأسر مدارة بشكل جيد“.[28]
ولكن في حالة الموسيقى والرقص، تعلمت النساء في وقت مبكر من حياتهن الرقص والغناء ولعب مختلف الطبول والدفوف من أجل الترفيه عن أنفسهن في الحفلات داخل المنزل، اكتسبن سمعة طيبة كأداء جيد مع معرفة واسعة بذخيرة الإيقاعات الشائعة في المنطقة، نادرا ما حقق الرجال مثل هذه الخبرة، و ” الشيء المثير للاهتمام حول المرأة والموسيقى هو أن التمييز (أي أن تكون راقصة جيدة) لم يترجم إلى هيبة للعائلة. لم تكن الكفاءة مرتبطة بأي فئة بقدر ما كانت مرتبطة بالنوع والمنطقة. وهكذا اعتبرت نساء بني شيكار (Beni Chikar) وبني سيدل (Beni Sidel) من قبل النساء الأخريات راقصات ومغنيات أكثر حيوية مقارنة بالنساء من قبائل الريف مثل بني توزين (BeniTuzin) وتمسمان (Timsaman) واريشك (Warichek)”.[29]
يعتقد المهاجرون، حسب الباحث -وارتباطا بالتوثرات المحيطة برموز الإشارات الخاصة بالمكانة الاجتماعية، والكيفية التي أبرزت بها العلامات أو مظاهر التمييز، الصراع بين الفئة المهاجرة وغير المهاجرة في الناظور-ان أولئك الذين لم يهاجروا يمتلكون مستوى أقل من المعرفة على عكس المهاجرين بدعوى اكتسابهم لمعارف وخبرات تتفوق على غير المهاجرين من خلال نقلهم لأدوات وأجهزة تقنية تشكل رمزا للتفوق التكنولوجي الغربي، وهذا ما أشار إليه “الهولاندي يوليوس هيرمان بويك Julius Herman Boeke)) 1956 – 1884 بدراسته “الاقتصاد والسياسات الاقتصادية بالمجتمعات الثنائية Economico Policy of Dual Societies) ( Economics and، والتي اعتبرت أن مجتمعات الدول النامية تتصف بحالة من الازدواج الاجتماعي هي السبب الرئيسي في تخلفها ، حيث يوجد داخل تلك المجتمعات قطاعان متنافران هما القطاع التقليدي ويمثل النظام الأصيل في المجتمع والقطاع الرأسمالي المتطور ويمثل النظام الحديث المستورد ، يحدث بين القطاعين صراع حيث ُيصر الأول على اتباع الأنظمة المتخلفة بينما الثاني ُيصر على الحداثة ، يؤدي ذلك الصراع في النهاية إلى تشتيت جهود التنمية وتواصل التخلف”[30]
لهذا عمل المهاجرون على إزاحة وتشويه سمعة من يمتلك الرأسمال الثقافي بشكل صريح من خلال منح مكانة أكبر لأي شخص قادر على تجميع ممتلكات مادية ثمينة او ثروة، أي بعدما كان الرأسمال الرمزي والمادي غير منفصلين، إذ عاش الجميع بنظام رمزي مشترك، أصبح ممزقا الآن بآثار الهجرة، هذه الأخيرة التي غيرت نمط الحياة التقليدي إلى نمط حياة عصري منفتح على الغرب، إذ لم تَعُد “المكانة مرادفة للتعليم كما كان في زمن الاستقلال، وبعد ذلك كانت المكانة لخريجي المدارس الدينية في الثمانينات، إذ سقطت مكانة الفقيه الذي كان مسؤولا عن المسجد أو تعليم القرآن للأطفال وانخفض وضعه بشكل كبير من قبل سكان المدينة، أما عون السلطة (المقدم- أدنى مستوى ممثل للسلطة الإقليمية) كان عضوا محترما في المجتمع المحلي الريفي أما في المدينة كان ينظر إليه بدناءة، ضعيف من الإدارة المحلية، وأصبحت المكانة تقاس بما هو مادي وتفوق فيها المهاجرون وإن كانوا غير متعلمين”.[31]
أي عملت الهجرة على تغيير معايير القيم الثقافية بالمجتمع الناظوري، بعدما كان هذا المجتمع يعلي من قيم رمزية كالتعلم والتوظيف والقيم التقليدية أصبح يعطي قيمة أعلى لمن يمتلك الرأسمال المادي والراحة المادية وهذا يؤكد ما جاء به أنتوني غدنز ((Anthony Giddens في كتابه (علم الاجتماع): “في هذا العصر الحافل بالتغيرات وبانتقال الناس والأفكار والسلع والمعلومات في أرجاء المعمورة، فليس من المستغرب أن يواجه مجتمع ما صراعا بين القيم الثقافية التي يعتنقها مختلف الأفراد والجماعات فيه.”[32]
على ضوء هذه الازدواجية الثقافية والتمييز بين التقليدي والحداثي، أصبحت بعض الأسماء التي كانت تطلق على الأطفال من إناث وذكور تشعرهم بوخز الإذلال، عندما يتم النداء عليهم بالخصوص في الفصول الدراسية، ” تضمنت الأسماء التي أثارت ضحكات أطفال المدينة، للأولاد: موحند، حدو، أما البنات يعانين أكثر، إذا تم تسميتهن: ميمونة(Mimouna) ، ميمونة (Mimount)، ثميمونة (THmimount)، لويزة (Louiza)، حادة [33]“.(Hadda)
كما أظهرت فتيات المدينة تقاليدهن الحضرية لبعضهن البعض من خلال التحدث باللغة العربية المصرية، او يتخلل حديثهن كلمات مستعارة من الفرنسية والإسبانية كعلامة على تعلمهن وتطورهن، إضافة إلى حديثهن عن اتباع نظام غذائي، نظام الحمية. أما الرجال الناظوريون فتنافسوا بينهم حول امتلاك أحدث طرازات سيارة المرسيدس (Mercedes)، وهي سيارة كانت مرتبطة فقط بالجنرالات والدبلوماسيين في بقية البلاد.
بمعنى أنه مع نهاية الثمانينات أصبحت الهيمنة في المكانة للفئة المهاجرة التي لعبت دور الفاعل في تغيير النسق حسب تالكوت بارسنز ((Talcott Parsons إذ يقول: “التوازن هو أعلى صورة من صور التكامل والنظام داخل النسق…واهتزاز النسق الاجتماعي ذاته هو من خلال إرادة الفاعل في تغير النسق”[34]، إذ ضخم مهاجرو الناظور تكاليف إعادة إنتاج نمط حياة يتناسب مع مكانة اجتماعية أعلى بعيدا عن متناول التجار الصغار والمتعلمين والمنافسين الذين شكلوا البرجوازية الصغيرة. ما يشكل تحولا اجتماعيا حسب ستيفن كاستلز وهو “تحول جذري في طريقة تنظيم المجتمع والتي تتجاوز عمليات التغيير العادي التي هي في تطور دائم، إذ ينشأ هذا التغير عندما تحدث تحولات أساسية في علاقات القوة السائدة، والهجرة ليست فقط نتيجة للتحول الاجتماعي ولكنها في حد ذاتها شكل من أشكال التحول الاجتماعي الذي أثار ردود فعل على المجتمعات المعنية.”[35]
خاتمة
تغيرت الرؤية حول ظاهرة الهجرة في القرن العشرين، من تلك النظرة التي كانت تعتبرها مشكلة اجتماعية وظاهرة مرضية، تبحث عن سبل الحد منها، إلى نظرة جديدة تروم ربطها بالتنمية والتحديث، إذ شكل المهاجر ذلك الجسر الذي أسهم في نقل مجتمعه الأصل من التقليد إلى التحديث، من خلال ما تعلمه في بلدان المهجر على مستوى الخبرات والمعارف من جهة وعلى مستوى ما كسبه من رأسمال مادي من جهة أخرى ساهم به في تنمية مجتمعه.
لهذا انكبت الدراسات السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا على دراسة قضايا الهجرة وربطها بمتغيرات عدة من هوية، وتنمية، وتثاقف وغيرها، ومن أمثلة هذه الدراسات، دراسة الأنثروبولوجي الأمريكي DAVID McMurray، موضوع هذا المقال الذي توقف من خلال مناولته هاته والتي اعتمد فيها الملاحظة بالمشاركة على الأثر الاجتماعي والثقافي الذي أحدثته الهجرة في المجتمع الناظوري، بدأ بإسهام المهاجر في تحسين أوضاع أسرته الاجتماعية والاقتصادية، ما حقق حركية اجتماعية داخل السلم الاجتماعي بالمجتمع الناظوري، وأثر على التسلسل الهرمي التقليدي الذي كانت الهيمنة فيه لمالكي الرأسمال الرمزي من متعلمين وفقهاء وموظفين، وصولا إلى ظهور المهاجرين كنخبة اجتماعية جديدة على عكس النخبة التقليدية، ما أعاد تشكيل الهرمية بالمجتمع الناظوري، انتقلت من هيمنة الرأسمال الرمزي إلى هيمنة الرأسمال المادي. وهذا ما سبق أن أشار إليه المختار الهراس في عمله “القبيلة والسلطة” بقوله: “فسح المجال أمام تزايد الفائض الإنتاجي من شأنه أن يجعل من المعايير الاقتصادية وحدها أساس التراتب الاجتماعي”[36]، لهذا عمدت القبيلة إلى الحيلولة لحصر الفوائض الإنتاجية التي من شأنها تمكين بعض الأفراد من التميز عن بقية أعضاء الجماعة وكسر التراتبية الرمزية داخل الجماعة، لكن هذه التراتبية الرمزية انهارت في المجتمع الناظوري أمام التراكم الرأسمالي الذي حققه المهاجر.
الإحالات:
[1] الاسم الأصلي للكتاب:
David McMurray, In and Out of Morocco -Smuggling and Migration in a Frontier Boomtown, University of Minnesota Press, Minneapolis — London, 2001.
[2]– David McMurray, In and Out of morocco -Smuggling and Migration in a Frontier Boomtown, University of Minnesota Press, Minneapolis — London, 2001, p5
[3]– Ibid. p.6
[4] David McMurray. Op.cit. p10
[5] David McMurray. Op.cit. p 25
[6] David McMurray. Op.cit. pp 31-32
[7] David McMurray. Op.cit. p 47
[8] إميل دوركهايم، في تقسيم العمل الاجتماعي، ترجمة حافظ الجمالي، مجموعة الروائع الإنسانية -الأونسكو السلسلة العربية، بيروت، 1982، ص148
[9] Maurice Halbwachs, Morphologie sociale, Librairie Armand Colin, Paris: publié en 1970. P64-65
[10] David McMurray. Op.cit. p 48
[11] هانى خميس، رأس المال الاجتماعي، سلسلة مفاهيم الأسس العلمية للمعرفة، المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، مصر، شتنبر 2008، ص8
[12] David McMurray. Op.cit. p 50
[13] David McMurray. Op.cit. p 59
[14] David McMurray. Op.cit. p 63
[15]– بول كوليير، الهجرة كيف تؤثر في عالمنا؟، ترجمة مصطفى ناصر، عالم المعرفة، عدد 439، الكويت، 2016، ص180.
[16] David McMurray. Op.cit. p 64
[17] René DUCHAC, la sociologie des migrations aux états-unis, library of congres catalog card number : 73-81815, printed in France, 1974, P 70
[18]– البطراوي تامر، أبحاث في الاقتصاد السياسي، النظرية الاقتصادية الكلية عرض ومناقشة، دار بيبول– الأزاريطة – الإسكندرية –جمهورية مصر العربية، ط الأولى، 2017، ص 295
[19] Raymond BOSSARD : mouvements migratoires dans le rif oriental : le travail en europe- aspect contemporain majeur des migrations dans la province de nador, thése pour le doctorat de 3° cycle, giographie rurale, universite paul Valery arts et letters, langues et sciences humaines-montpellier, 1978.pp 141-147.
[20] David McMurray. Op.cit. p 65.
[21] René DUCHAC, la sociologie des migrations aux états-unis, library of congres catalog card number : 73-81815, printed in France, 1974, P81-.
[22] David McMurray. Op.cit. p 70
[23] David McMurray. Op.cit. p 71
[24] فاطمة المرنيسي، ما وراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية، ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، المركز الثقافي العربي، ط4، 2005، ص159.
[25] David McMurray. Op.cit. p 73
[26] David McMurray. Op.cit. p 75
[27] David McMurray. Op.cit. pp 80-81
[28] David McMurray. Op.cit. p82
[29] David McMurray. Op.cit. p83
[30] البطراوي تامر، أبحاث في الاقتصاد السياسي، النظرية الاقتصادية الكلية عرض ومناقشة، مرجع سابق، ص 295.
[31] David McMurray. Op.cit. pp 89-90.
[32] أنتوني غدنز-كارين بيردسال، علم الاجتماع (مع مدخلات عربية)، ترجمة وتقديم فايز الصياغ، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2005، ص 83
[33] David McMurray. Op.cit. pp 90.
[34] زايد أحمد، “علم الاجتماع، النظريات الكلاسيكية والنقدية”، دار الكتب المصرية، 1984، ص127.
[35] ستيفن كاستلز ومارك ميللر، عصر الهجرة، ترجمة منى الدروبي، المركز القومي للترجمة، العدد 1993، ط الأولى، 2013، ص 144-149.
[36] المختار الهراس، القبيلة والسلطة-تطور البنيات الاجتماعية في شمال المغرب، المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني، مطبعة الرسالة، الرباط، ص99.