طقوس الزواج بمنطقة “الصباب”

رشيد القصيري

طالب بماستر التعدد اللغوي والتلاقح الثقافي في المغرب
اكلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة محمد الأول، بوجدة – المغرب

د. كمال بورمضان

أستاذ محاضر
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة محمد الأول، بوجدة – المغرب

ملخص

يتحدث هذا المقال عن الزواج والطقوس المتعلقة به في منطقة “الصَبَّابْ” (إقليم كرسيف بالمملكة المغربية) ومَشْيَخَاتِهَا الأربع: “مَشْيَخَة بْني بُونْصَرْ” و”مَشْيَخَة بْنِي مَنْصُورْ” و”مَشْيَخَة بُورَاشْدْ” و”مَشْيَخَة أْوْلاَدْ سِيدِي بَلْقَاسْمْ.” تم التطرق من خلاله لبعض الطقوس الدينية والثقافية والاجتماعية المرتبطة بالزواج في هذه المنطقة؛ كطقوس الخطبة الصغيرة والكبيرة وعقد القران، و”الدْفُوعْ”، وطقس الْحَنَّاءِ، وطقس “الْحْسَانَة”. يسلط المقال الضوء كذلك على التغيرات التي طرأت على هذه الطقوس مع مرور الزمن، كما يتناول بعض التفاصيل الثقافية والاجتماعية للزواج في المنطقة. اعتمد هذا المقال بشكل شبه كلي على الروايات الشفوية التي قدمها بعضٌ من سكان المنطقة، ضمن إسهامٍ ولو يسير في توثيق التراث اللامادي الآيل للاندثار بفعل ارتباطه بالذاكرة الجماعية التي عاجلا أو آجلا ستتآكل في اتجاه النسيان.

Abstract

This article discusses marriage and its associated rituals in the “Sabab” region (Guercif Province, Kingdom of Morocco) and its four sheikhdoms: “Sheikhdom of Beni Bounsar,” “Sheikhdom of Beni Mansour,” “Sheikhdom of Bourached,” and “Sheikhdom of Ouled Sidi Belkacem.” It addresses various religious, cultural, and social rituals related to marriage in this area, such as the small and large engagement ceremonies, the marriage contract, “Dafouaa,” the henna ritual, and the “Hassana” ritual. The article also highlights the changes that have occurred in these rituals over time and explores some cultural and social details of marriage in the region. This article relies almost entirely on oral narratives provided by some residents, contributing modestly to the documentation of intangible heritage that is at risk of disappearing due to its association with collective memory, which will eventually fade into oblivion.

مقدمة

يستحيل تواجد واستمرار أي مجتمع دون تفاعل أفراده؛ أي ضرورة وجود علاقات اجتماعية تربط بينهم وتساعدهم على إشباع حاجاتهم، يمكن القول بأن هذا التفاعل وهذه العلاقات لها ضوابط تنظم كل ما هو اجتماعي بين أفراد المجموعة الواحدة ذات الانتماء المشترك، وحتى بينها وبين من هو غريب عنها، وهذا ما يصطلح عليه بالنظم الاجتماعية الضامنة للاستمرارية في تأدية الوظائف الاجتماعية. من بين هذه النظم الاجتماعية نجد نظام الزواج، إذ يعد واحدا من أهم طقوس العبور التي يمر منها الإنسان ضمن ثلاثية: الميلاد والزواج والموت.

أما عن مراسيم الزواج فمن المعلوم اختلافها من مجتمع إلى آخر، والمغرب مجتمع له طابع خاص فريد من نوعه، ولكل منطقة من مناطقه خصوصيات دقيقة تستدعي دراسة خاصة، وهذا واحد من الأسباب التي جعلتنا نختار منطقة “الصباب” بإقليم كرسيف بالمملكة المغربية، ومشيخاتها الأربع للتعرف على عادات الزواج فيها، التي لازال فيها ما هو مستمر لحد الآن، أو تعرض للانقراض والتلاشي التدريجي، هذا الأمر يجعل مثل هذه الأعمال توثق هذا التراث اللامادي من أجل المساعدة في حفظه وتثمينه واستثماره.

أولا: التعريف بمنطقة “الصباب”

   “الصباب” جماعة قروية، تتواجد بإقليم جرسيف التابع لجهة الشرق، مساحتها الإجمالية حوالي 623 كيلومتر مربع. تعود تسمية “الصباب” حسب الروايات الشفوية المتداولة في المنطقة نسبة إلى شلال صغير كان يتواجد بالقرب من عين طبيعية تسمى “عِينْ الْحُوتْ” المتواجدة “بالصباب” المركز.[1]

يبعد مقر جماعة “الصباب” بحوالي 35 كيلومتر عن مدينة جرسيف. ويبلغ تعداد سكان الجماعة حسب إحصائيات سنة 2014حوالي 7069 نسمة، يتحدثون اللغتين الأمازيغية والعربية. [2]

تتجاور منطقة “الصباب” مع الجماعات الترابية التالية:

– جماعة “هُوَارَة أوْلاَدْ رَحُّو” من جهة الشمال؛

– إقليم بُولْمَانْ وجماعة “بَرْكِينْ” من جهة الجنوب؛

– جماعة “الْمْرِيجَة” من جهة الشرق؛

– جماعة “تَادَّارْتْ” (الرَّانَاتْ) وجماعة “رَاسْ الْقْصَرْ” من جهة الغرب.

تندرج منطقة “الصباب” ضمن المجال الترابي لقبيلة “آيت جليداسن”، انفصلت عن جماعة “بركين” سنة 1992، لتتشكل من عدة فروع نزحت من الجبل إلى السفح وهي كالتالي:

– فرع “بْنِي بُونْصَرْ”: “الصباب” المركز، “لَكْطُوطَة”، “بُومَلْزَة”، الْخُرْجِيَة”، “الْحَاجْ عِيسَى”، “نَسِّيسَة”، “غَابَةْ السْبَعْ”…

– فرع “بْنِي مَنْصُورْ”: “مَزْغَمَّة”، “الْعَطْشَانْ”، “الطَّالْبِيَة”، “الْخَنْدَكْ”…

– فرع “أْوْلاَدْ سِيدِي بَلْقَاسَمْ”: “سِيدِي وَاضْحْ”، “بُوهْلاَلْ”، “الْمَرْحُومْ” …[3]

– فرع “بُورَاشَدْ”: “بُورَاشَدْ الزَّاوْيَة”، “تَلْبْسَانْتْ”، “تْسِينْكِيتْ”، “تِيمْكَرْدِينْ قَاقَّا”.

ثانيا: طقوس الزواج بمنطقة “الصباب”

1- تعريف الزواج

   عرَّف عمر رضا حكالة الزواج لغة بأنه “الاقتران، قال الجوهري: زوج المرأة بعلها، وزوج الرجل امرأته، وذكر قوله تعالى في سورة الدخان، الآية 54: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُوِر عِينٍ﴾ أي قرناهم بهن، وقوله عز وجل في سورة الصافات، الآية 22: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَزْوَاجَهُمْ﴾ أي قرناءهم. قال الجوهري كذلك النكاح لغة هو الوطء، وقد يكون العقد، تقول نكحتها ونكحت أي تزوجت، وهي ناكح من بني فلان أي هي ذات زوج، واستنكحها بمعنى نكحها وأنكحها أي زوجها.” [4]

   في معجم اللغة العربية المعاصر نجد تعريف الزواج كالآتي: “اقتران الذكر بالأنثى أو الرجل بالمرأة بعقد شرعيّ: – زواج الأقارب يضعف النسل…  – زواج مدنيّ: زواج تعقده السلطات المدنيَّة، – زواج مصلحة: زواج يُعقد طمعًا في كسب اجتماعيّ أو سياسيّ أو اقتصاديّ – زواج الشِّغار: (الفقه) زواج بدون مهر، وذلك بأن يزوِّج الرجل قريبته لآخر على أن يزوِّجه الآخر قريبته: – نهى الإسلام عن زواج الشِّغار. – زواج المُتعة: (الفقه) زواج مؤقّت، بحيث يتزوَّج الرَّجل امرأة لغاية الاستمتاع بها لفترة زمنيّة…”[5]

   في مدونة الأسرة المغربية نجد تعريف الزواج أنه “ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرّة برعاية الزوجين.”[6]

2- بعض الطقوس المتعلقة بالزواج بمنطقة “الصباب” حسب المشْيَخَاتْ

أ- مشيخة “بني بونصر “

– طقوس الخطبة: قبل ثمانينيات القرن الماضي، كان من النادر أن يجرأ أحد شبان مشيخة “بني بونصر” على مصارحة الأب بأنه راغب في الزواج، غير أنه يلمح بذلك للأم، وبعدها يتكلف والداه باختيار العروس المناسبة، وفي كثير من الأحيان كان العريس يرى عروسه حتى ليلة الزفاف، خلال هذه المرحلة كان عمر زواج الفتاة يتراوح ما بين 14 و15 سنة، في هذا السن تكون مؤهلة للزواج بعد وجوب صيامها في رمضان.[7] أما في الوقت الحالي فالشاب هو من يختار – غالبا – العروس بنفسه، وهو من يطلب من والديه التقدم لخطبتها.

– الخطبة الصغيرة: تتجه عائلة العريس في وفد صغير تقوده الأم بدون وساطة صوب بيت عائلة العروس، وغالبا ما تتم الزيارة دون إخبار مسبق، حاملة معها بعض قوالب السكر وعلب الشاي. بعدما تتقدم عائلة العريس بطلب يد العروس من أهلها، تطلب منها أسرة العروس مهلة للتفكير، وفي غالب الأحيان يكون الجواب بالموافقة. [8]

– الخطبة الكبيرة “التْعْرْكِيبَة”: بعد الموافقة النهائية على طلب الزواج يتم تحديد يوم تحضر فيه عائلة العريس إلى بيت العروس حاملة معها الحاجيات الضرورية من حناء وسكر ودقيق وزيت، وأيضا الذبيحة التي تعد إعلانا رسميا عن بداية علاقة المصاهرة بعد قراءة الفاتحة والاتفاق على الصداق، كما تقدم بعض الهدايا والملابس لعروسهم.

خلال الخطبة الكبيرة يتم تحديد يوم توثيق العقد، وأيضا اليوم الذي يتم فيه الزفاف. [9]

   – عقد القران: قبل ثمانينيات القرن الماضي، كان عقد القران يتم بالسوق الأسبوعي “بالصباب” المركز والذي يسمى سوق الأحد، حيث يتواجد العدول، بحضور أولياء العريسين وبعض الشهود، دون حضور العريسين في حالات كثيرة. وفي بعض الأحيان كان الزواج يتم فقط بتلاوة الفاتحة دون إبرام عقد القران، ولا يتم ثبوت الزوجية إلا بعد إنجاب الأطفال. [10] في الوقت الحالي كل عقود الزواج تتم عند مكاتب العدول بمدينة جرسيف.

– نْهَارْ “الْحَطَّابَة”: في الصباح الباكر يجتمع شبان الدوار، مرفوقين بدوابهم وفؤوسهم، وبعد تناول وجبة الفطور يقصدون الغابة لإحضار الحطب لبيتي العروس والعريس. وعند عودتهم تنطلق الزغاريد والأهازيج بعد تفريغ حزم الحطب، ثم يستدعون لتناول وجبة الغذاء في بيت العريس. [11]

   – “الزْهَاجْ”: ينطلق زْهَاجْ العروس من بيت العريس ويحمل في إحدى وسائل النقل الحديثة، عكس ما كان في السابق، إذ كان يحمل على الدواب، ويسير محفوفا بالأهل والأقارب ويطاف به في مختلف أنحاء الدوار حتى تشاهده كل الساكنة، وقد كان يتشكل من الذبيحة، والدقيق، والسكر، والزيت، والشاي، وبعض ملابس العروس، والحناء، وبعض الحلي. قبل تسعينيات القرن الماضي كان الزهاج يتشكل بالإضافة إلى ما سبق من خاتم “النْقْرَة” (الفضة) والْخُلْخَالْ (سوار يوضع في كاحل المرأة). [12]

– العرس في بيت العروس: فور وصول “الزهاج” تزداد حدة الزغاريد وأغاني النساء، إيذانا بوصول الوفد، كما يتم تقديم الخاتم من طرف العريس لعروسه. وبعد تناول وجبة الغذاء يُشْرع في تجهيز العروس لمراسيم الحناء، وتجهز “صِينِيَة”[13] يوضع وسطها صحن الحناء وفوقه بيضتين وهو محاط بالشموع. في نفس الوقت تكون العروس محاطة بعائلتها وعائلة العريس، فتعلو الزغاريد والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تشرع إحدى المقربات في نقش الحناء للعروس، وكلما ازدادت حدة الأهازيج والزغاريد، إلا وتحركت أحاسيس العروس ودمعت عيناها مع تأثر كل الحاضرات بذلك، وهذا تعبير عن صعوبة فراق العروس لأهلها وعن رهافة حسها. بالموازاة مع ذلك تساهم الإناث الحاضرات مع العروس بقدر مالي يسمى “الْغْرَامَة” يوضع في “الصينية”.

– العرس في بيت العريس: قبل صلاة المغرب بقليل تصل فرقة “الشْيُوخْ” لبيت العريس، والتي تتشكل من أربع إلى ست أفراد، يقدمون حفلهم ليلا، كل واحد منهم يستعمل آلة موسيقية خاصة؛ كالطْبْلْ و”الْبَنْدِيرْ” و”الْغِيطَة” و”الْكَصْبَة”.[14] مع بداية الليل تنطلق “الْقْصَارَة” أي الاحتفال قبالة باب المنزل، أما في الداخل فتزداد حدة نبرة وطول مدة الزغاريد والأهازيج. [15]

– طقس الحناء عند العريس: يجهز طبق من الحلفاء يوضع فيه صحن من الحناء، وقالب من السكر، والشموع، يوضع بالقرب من العريس، ويشرع الحاضرون في تقديم المساعدات المادية “لمُولاَيْ السْلْطَانْ”، “سْلْطَانْ سْبَعْ أْيَّامْ.” [16]

– “تَرْوَاحْ لْعْرُوسْ”: ذكر السيد محمد قروط: بأنه بعد انتهاء طقس الحناء عند العروس، وقبل انطلاق رحلتها إلى بيت الزوجية، يتم إغلاق الباب عليها ولا يسمح لها بالانتقال إلى بيت الزوجية إلا بعد تأدية قدر مادي رمزي لأخيها، أيضا فور خروج العروس من بيت والدها ممتطية البغل أو “الْعَوْدَة” (أنثى الحصان) يقوم أهلها برجم أهل العريس بالحجر، تعبيرا عن رفضهم وعدم تقبلهم للأمر (يدل هذا على حبهم للعروس التي أخذها منهم العريس). بعد وصول العريسين لبيت الزوجية يقدم لهما طبق من السَّمْنْ والْبَيْضْ “الْبَلْدِي”. [17]

في صباح اليوم الموالي تُحْضرُ عائلة العروس الفطور للعريسين في جو من الأهازيج والأغاني الخاصة بالمنطقة.

– حلي العروس من الفضة: لازالت العروس تتزين بنفس الحلي التي كانت متواجدة قبل الثمانينيات، وتتكون من:

-“الْخْرُوسْ” وهي حلي توضع فوق الرأس؛

– “الْخُلْخَالْ”: يوضع في الرجل؛

– “تِيمْقْيَاسِينْ” “الْمَقْيَاسَة”: هي على شكل دملج توضع في مرفق اليد.

– ملابس العريس والعروس ليلة العرس: يرتدي العريس الجلباب الأبيض، والسلهام، و”الْحَمَّالَة” على الصدر المزينة بالْمُوزُونْ والخيوط الحمراء، والبلغة، والخنجر. أما العروس فترتدي فستانا ووشاحا أبيضا، و”الشْرْبِيلْ “[18][19]

ب- مشيخة بني منصور

يقطع الزواج بمشيخة بني منصور مجموعة من المراحل، تتخللها طقوس مختلفة، سنتطرق إلى البعض منها باقتضاب.

– “زْوَاجْ لِيلَة تَدْبِيرُو عَامْ”: مثل مغربي معروف، يحث على التركيز والتريث قبل الزواج لضمان نجاحه. في غالب الأحيان يقيم معظم المغاربة حفلات الخطبة بسنة كاملة قبل موعد العرس. رغم ما شهدته العادات والتقاليد من عصرنة في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك الكثير من الأسر المغربية التي لازالت محتفظة بعاداتها العريقة المرتبطة بالزواج.

– الخطبة: تتشابه مشيخة بني منصور وباقي المشيخات فيما يخص الطقوس العامة التي تميز الخطبة بشكل خاص والزواج بشكل عام، رغم وجود قلة من العادات التي تميز كل مشيخة عن أخرى.

يسمي أهل مشيخة بني منصور الخطبة “بالتْعَرْكِيبَة” وهي بمثابة إعلان بداية عملية الزواج، يتوافق خلالها أهل العروسين على عدة تفاصيل كالصداق، وموعد عقد القران، وموعد الدفوع ومكوناته، وأيضا موعد الزفاف.[20]

– عقد القران: قبل ثمانينيات القرن الماضي كان الزواج يتم بتلاوة الفاتحة فقط، يحضره إمام المسجد وعشر شهود، يقول السيد أمغيوز “في سنة 2001 حلت لجنة وزارية بمشيخة بني منصور لتوثيق حالات الزواج التي تمت فقط بالفاتحة.”[21]

نشير إلى أنه حاليا لا يتم الزواج إلا بعد استكمال الفتاة لسن 18 سنة، باستثناء بعض الحالات الخاصة التي حددتها مدونة الأسرة.[22]

– “الدْفُوعْ”: ينطلق موكب الدفوع من بيت العريس باتجاه منزل العروس، محملا بالذبيحة ولوازم مختلفة من دقيق، وسكر، وزيت، وحناء، وملابس خاصة بالعروس، تقوده النساء في أغلب الأحيان. كما يمكن أن تشارك فيه فرقة “الشْيُوخْ”[23]. وعند الاقتراب من بيت العروس تزداد كالعادة حدة الزغاريد والأهازيج إعلانا بوصولهم، فيتم استقبالهم من قبل أهل العروس بالشاي والحلوى.

– ليلة الحناء عند العريس: هي الليلة الثانية من حفل الزفاف، يطلق عليها كذلك اسم “الْغْرَامَة”، يقام فيها حفل عشاء على شرف المدعوين، وبعد الانتهاء من وجبة العشاء يرتدي العريس “مُولاَيْ السْلْطَانْ” اللباس التقليدي المكون من “سِرْوَالْ قَنْدْرِيسِي”[24] وجلباب أبيض، وبُلْغَة[25] بيضاء، ويضع على رأسه عمامة، وأحيانا يكتفي بقُبِّ الجلباب. يرافق العريس كظله شخص يكون موضع ثقة من أقاربه أو أحد أصدقائه، يطلق عليه اسم “الْوْزِيرْ” (الوزير) يرتدي بدوره جلبابا وبلغة بيضاء، ينوب عن العريس، وينظم مهامه. له دورٌ مهم بالنسبة لأسرة العريس، فهو المكلف بحراسته وحمايته من خطر السحر والشعوذة الذي قد يتعرض له من قبل الحاقدين. [26]

بعد ذلك يتم استدعاء أصدقاء العريس للجلوس بمحاذاته في جو تطبعه الزغاريد والأهازيج والبهجة، بالموازاة مع ذلك يشرع الحاضرون في تقديم المساهمات المادية للعريس، كل حسب استطاعته، وفي نفس الوقت تقوم إحدى قريبات العريس بتخضيب يد “مولاي السلطان” بالحناء وأيادي الحاضرين كذلك.

– رقصة “أحيدوس”: ظلت رقصة أحيدوس إلى غاية السنوات الأولى من الألفية الثالثة، تمثل قوة الشخصية والشهامة المتأصلة لدى ساكنة مشيخة بني منصور من جهة، ومن جهة ثانية تجسد الترابط القوي والتضامن الكبير بين أفراد المشيخة.

تصنف “أحيدوس” ضمن فنون العرض التي تجمع بين الغناء والرقص الجماعي الاستعراضي الأمازيغي، يؤدى من قبل الرجال والنساء الذين يصطفون على شكل خط أو دائرة في حفلات الزفاف كشكل من الترفيه، إنها خليط متجانس من مجموعة من العناصر الأساسية، وهي الشعر، والرقص، والغناء، والإيقاع.

لاحظنا في السنوات الأخيرة كيف أخذت رقصة “أحيدوس” في التراجع بمشيخة بني منصور وبباقي مشيخات منطقة “الصباب” ككل لأسباب مختلفة.

– “لِيلَةْ الدْخْلَة”: هي ليلة إثبات عذرية العروس عن طريق غشاء البكارة الذي يعد في نظر ساكنة بني منصور – بشكل خاص وكل ساكنة منطقة “الصباب” بشكل عام – الدليل الوحيد المثبت لعفة الفتاة وطهرها، لذلك لابد من إشهار وإذاعة الخبر أمام الملأ، باستخدام قطعة بيضاء عليها آثار دم العذرية تسمى “القْمِيجَّة”[27]. مباشرة بعد خروج “القْمِيجَة” تنطلق الزغاريد والأهازيج فرحا وفخرا “بعفة” العروس، كما تشرع النساء في ترديد بعض المقاطع الغنائية منها:

“أَلاَلِي بْخْتِي اللِّــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي              حَمْرَتْ لِي وَجْهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــِي

هَا هُوَ فُوقْ رَاسِــــــــــــــــــــــــــــــي               لاَ تْقُولُو فَرْمَاســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــِي”

إلا أن هذا الطقس لم يعد له وجود الآن؛[28] لأسباب دينية واجتماعية مختلفة.[29]

ت – مشيخة بوراشد

تتميز مشيخة بوراشد بتنوع عاداتها وتقاليدها وطقوسها، المرتبطة بالمناسبات والأفراح؛ كالأعراس، وهذا ما سنحاول كشف الستار عنه فيما يلي:

  • الخطوات التي تسبق حفل الزفاف بمشيخة بوراشد:

– الْخُطْبَة: هي أولى خطوات الزواج، تتم بعد التقاء والد العريس ووالد العروس في المسجد بعد انتهاء الصلاة، أو في “الْوَلْجَة”[30] لطرح فكرة الزواج. وبعد توافق الوالدين تصبح الْخُطْبَة رسمية في حفل عشاء أو غداء في منزل الخطيبة، يتم خلاله الاتفاق على قيمة الصداق وموعد الزفاف. [31]

– عقد القران: أغلب العرسان يفضلون التوجه إلى مدينة جرسيف، لعقد القران في أحد مكاتب العدول، عوض إحضار العدول للمنزل ببوراشد، لانخفاض التكلفة المادية. ويكون عقد القران قبل العرس بيوم واحد، كما يمكن أن يكون بشهر أو شهرين أو ثلاث شهور، حسب الاتفاق بين والدي العروسين.

– يَوْمْ “الْحَطَّابَة”: يكون قبل العرس بثلاثة أيام، يجتمع في صباحه الباكر شباب المنطقة مرفوقين بحميرهم، حاملين فؤوسهم، ليتجهوا نحو جبل أَغْزْدِيسْ أو ” الزَّهْدَة ” لجمع الحطب وهم يهللون ويكبرون. وبعد الرجوع من الغابة وإفراغ حمولة الحطب في منزلي العروسين، يتناولون وجبة الغداء التي أعدت خصيصا لهم في منزل العريس. نشير إلى أن عملية إحضار الحطب تطوعية وبدون مقابل، وهي مستمرة لحد الآن. [32]

  • طقوس العرس:

   في الصباح الباكر يتم بناء” الْخْزَانَة ” بشكل جماعي، مباشرة تقوم أسرة العريس بإرسال “الدْفُوعْ” لمنزل العروس الذي يتشكل في غالب الأحيان من الذبيحتين (ذبح خروفين)، والخضر، والفواكه، والفساتين التقليدية، والجواهر، والسكر، والتمر… يتخلله غناء ورقص، يهدف هذا الطقس إلى إشهار الزواج والإعلان عن بداية حياة جديدة للعروسين.

   – الاحتفال في بيت العروس وارتداء الخواتم: بعد تناول العشاء وتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم والدعاء للعريسين وأسرتيهما، ومغادرة المدعوين، يجتمع المقربون في بيت العروس ويشرعون في الغناء والرقص طيلة الليل، بالموازاة مع ذلك يقوم العريس بوضع الخاتم في أصبع البنصر من اليد اليسرى للعروس، وهي بدورها تقوم بنفس الشيء للعريس. [33]

– “الْحْسَانَة”: يعتبر طقس “الْحْسَانَة” من أهم طقوس العرس، تحضيره للعريس من اختصاص أم العروس. ففي المساء وبعد صلاة العصر مباشرة تحضر أم العروس أطباقا مصنوعة من الحلفاء مزينة بألوان مختلفة، مليئة بالبيض والحناء والحلوى والثمر والكحل والسواك وشفرات الحلاقة.

خلال هذا الطقس يقوم “لْوْزِيرْ” بحلاقة وجه العريس وتزيين عينيه بالْكُحْلْ هو وأصدقاؤه من الشباب العزاب. وفي نفس الوقت يتم ترديد بعض المقاطع الغنائية من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

“رَاحْنَا جِينَا لْدَارْكْ الْيُومْ             أَزَّايْخْ أ الِّي مَعْلُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــومْ”

   فور انتهاء عملية “الحسانة”، يغادر أصدقاء العريس المكان، في وقت يبدأ فيه التحضير لليلة “القصارة”.[34]

– ليلة “الْقْصَارَة” في بيت العريس: بعد تناول الرجال أولا، والنساء ثانيا لوجبة العشاء في منزل العريس، والتي تتشكل من “الطْعَامْ” (الكسكس) باللحم الأحمر “الْمَفْتُولْ”[35] أو “الْمْبَرْكَشْ”[36] مسبقا بطريقة تقليدية، ومن المرق بالدجاج، كل صحن يضم دجاجتين وقليل من المرق واللوز أو الزيتون. وبعد هاتين الوجبتين يتم إحضار صحن الفواكه.

يبدأ ما يعرف “بالقْصَارَة”، عندما يتم إحضار فرقة فلكلورية تسمى “بالشْيُوخْ”، تتكون من أربعة إلى ستة أفراد، كل واحد منهم يعزف على آلته الموسيقية التي يتقنها؛ كـ “الْغِيطَة” و”الْبَنْدِيرْ” و”الْكَصْبَة” و”الطْبَلْ”. تستمر “الْقْصَارَة” إلى غاية طلوع الفجر. يحضرها فقط الرجال، بينما تكتفي ثلة من النساء بالمشاهدة من بعيد.

بالموازاة مع ذلك تكون غالبية النساء لوحدهن – باستثناء بعض الذكور المقربين – يغنين ويرقصن في جو خاص بهذه المشيخة، إذ يستعملن “الْبَنْدِيرْ” (نوع من الطبل) اللائي حضرنه بنفسهن مسبقا من جلد الماعز. ينتظمن وقوفا أو جلوسا في صفين متقابلين، كل صف يتكون من عشرة إلى خمسة عشر فردا، ويشرعن في “الزَّرْعْ”، (نمط غنائي)، يقوم فيه أفراد الصفين بتبادل المقاطع الغنائية، والتي تكون في غالبيتها عبارة عن معاني، حيث يطلق أفراد الصف الأول مقطعا غنائيا، فيرد عليه أفراد الصف الثاني بمقطع غنائي آخر وهكذا دواليك، ومن أمثلة ذلك:

“أَلْهْوَى فِينْ مَّالِيــــــــــــــــــهْ          جِيبُوا البُورَاشْدِيَاتْ يْلَعْبُوا عْلِيهْ” [37]

– عادة الغَضْبَة: يمكث العريس منعزلا في مكان ما خارج البيت “عادة الْغَضْبَة”، إلا أنه مع اقتراب وصول العروس يقوم فريق من الشباب الحاضرين مرفوقين بطفلة بإحضار العريس للمنزل ممسكا بضفيرة شعرها، ورأسهُ مغطى بالكامل بِقُبِّ الجلباب (غِطَاءُ الرَّأْسِ الْمُلْتَصِقُ بِالْجِلْبَابِ)، في مشهد مليئ بالزغاريد والأهازيج.

– طقس الحناء: يُحَضَّرُ طبق مصنوع من الحلفاء، يوضع فيه قالب من السكر، وحبات من البيض، والحناء، وفيه النقود المهداة.

يجلس العريس على كرسي ورأسه مغطى بقُبِّ الجلباب، ويقف بجانبه شابين مرتديين جلابيب بيضاء، حاملين سكينين، فيشرعان في ترديد بعض العبارات من قبيل “أَحْنَّاوِيِّينْ مَنْ جَانَا يْجِيهْ الْخِيرْ، أَحْبَابُو أَبْنِي عَمُّو، وْنْرَدُّوهَا لُو فَالْخِيرْ” تتكرر هذه العبارات كلما أعطى أحد قدرا من المال. للإشارة يحاول كل واحد إعطاء قدر مالي أكثر من سابقه. وفور انتهاء عملية الحناء يهرول العريس مسرعا لغرفته، وفي حالة ما تأخر في الهروب ينهال عليه الحضور بالضرب إلى أن يلج غرفته لانتظار قدوم العروس. [38]

– طقس “أرْوَاحْ الْعْرُوسَة” (قدومها): قبل طلوع الشمس، ينصرف جزء من أفراد عائلة العريس لإحضار العروس، وفور وصولها حاملة خبزة تحت إبطها، تقوم بضرب البيض وتكسير قالب السكر على العتبة العليا لباب المنزل. كما تقوم بإلقاء الحلوى والثمر باتجاه الحاضرات والحاضرين المتواجدين خلفها. وبعد ذلك تلتحق بالعريس. يقول السيد جمال خالد “في زمن غير بعيد كانت بدوار (تْسِينْكِيتْ) سيدة قوية البنية تدعى مَنَّانَة تحزم العروس على ظهرها وتتجه بأقصى سرعة صوب منزل العريس.”[39]

– طقوس بعد العرس: في صباح الغد تقوم أسرة العروسة بزيارة المتزوجين حاملة وجبة الفطور لهما.[40]

تبقى العروس في بيت الزوجية مدة ثلاث أيام، وبالتالي من أراد زيارتها يزورها في بيتها، وفور انتهاء هذه المدة، تهم العروس / الزَّوْجَة بالخروج من بيتها في جو عائلي فيه قدر من الأهازيج والزغاريد، يقوم خلاله أحد العزاب الذكور من أقرباء العريس بوضع حزام على خصر العروس، اعتقادا أن هذا الحزام سيكون فأل خير على إنجابها مولوداً ذكر.

– ملابس العرسان: ليلة العرس، ترتدي العروس قفطانا أو فستانا يسمى “التَّكْشِيطَة”[41] ووشاحا يغطي الرأس وترتدي على مستوى القدمين بلغة تسمى “الشْرْبِيلْ” لونها يتناسق مع لون الفستان والوشاح.

   تتزين كذلك ببعض المجوهرات والحلي والتي تتشكل من قلادة على مستوى العنق، وأقراط الأذنين، ودملجين في اليدين. أما العريس فيرتدي جلبابا أو “جَابَدُورًا”[42]، وبُلْغَةً، ويضع عمامة على مستوى الرأس، لونها متناسق مع الجلباب أو” الْجَابَدُورْ”.

ث – مشيخة أولاد سيدي بلقاسم 

– طقوس الخطبة: قبل ثمانينيات القرن الماضي، لم يكن للعريس الحق في اختيار شريكة حياته ولا يتعرف عليها إلا في ليلة العرس. الوالدان هما اللذان يختاران العروس. أما في الوقت الحالي فالعريس هو الذي يختار العروس ويخبر والديه بالموضوع.

– الخطبة الصغيرة: يذهب والدا الشاب الراغب في الزواج إلى أسرة الفتاة ويتقدمان لخطبتها من والديها، حاملين هدية الخطوبة الصغيرة والتي تقتصر على بعض قوالب السكر – اثنان فما فوق -. بعد طرح فكرة الزواج يطلب والدا الفتاة مهلة للتشاور مع البنت، ويكون الجواب في غضون يومين أو ثلاثة أيام، وفي غالب الأحيان يكون بالموافقة. [43]

– الخطبة الكبيرة: لا يحضر فيها الشاب الراغب في الزواج، فقط أفراد عائلته الذين يذهبون لمنزل العروس، حاملين معهم مختلف الحاجيات كحال باقي المشيخات، وأيضا بعض الأغراض النسائية من حقائب وأحذية وملابس.

بعد تناول وجبة العشاء، يحدد الطرفان موعد عقد القران وبعده موعد الزفاف، مباشرة تتم قراءة الفاتحة جماعة كتعهد من أهل الفتاة بتزويج ابنتهم للرجل المتقدم لها، وأيضا تعهدا من أسرة العريس بتزويج ابنهم بالفتاة المخطوبة. بعد ذلك تقوم إحدى القريبات بتخضيب أيدي العروس بالحناء، ثم ترتدي الفستان الذي أحضره أهل العريس، وبالموازاة مع ذلك تنطلق الزغاريد والأهازيج. [44]

– الصداق: يتم الاتفاق عليه بين الآباء، إذ في الزمن الماضي لم تكن قيمة الصداق تتجاوز ما قدره 800 درهما، أما في الوقت الراهن فقد تصل قيمة الصداق إلى غاية 10000 درهما. [45]

– العقد: يتم تحديد تاريخ توثيق العقد من طرف والدي العريسين، وفي الغالب يتم قبل العرس بأسبوع، منذ حوالي ستة عقود، كانت أغلب حالات الزواج تتم بالفاتحة فقط، باستثناء بعض الحالات التي يتم فيها إنجاز العقود بجماعة “بْرْكِينْ”.[46]

– الدفوع: يتم قبل انطلاق العرس في دار العروس بيومين، يشتمل الدفوع على العديد من الحاجيات والمكونات، من أهمها ذبيحتان كيف ما كان نوعهما: خروف، شاة، ماعز، أو عجلة واحدة ويتم اقتسامها بين أسرتي العروسين بعد انتهاء طقس الدفوع، إضافة إلى الدقيق، السكر، الزيت، الحناء… وإن كان هناك خصاص في شيء ما يتدخل أهل العروس لتداركه.[47]

يتوجه موكب الدفوع صباحا بالزغاريد نحو بيت العروس، يرافقه الأهل والأقارب، وخاصة النساء مشيا على الأقدام، ترافقه في كثير من الأحيان “فرقة الشْيُوخْ”. فور وصول موكب أهل العريس يجد عائلة العروس في استقباله بالزغاريد والتمر والحليب، وهو تعبير عن الترحيب بأهل “مُولاَيْ السْلْطَانْ.”[48]

– العرس عند العروس: قد يمتد العرس عند أهل العروس مدة ثلاثة أيام، طابعها الرئيسي الزغاريد والأهازيج طيلة كل يوم. في اليوم الثالث تستدعي أسرة العروس نساء الدوار والجارات لتناول وجبة الغذاء، بينما تستدعي الرجال لتناول وجبة العشاء.

– طقس الحناء عند العروس: يتم إحضار “النَّقَّاشَة” إذا أمكن، وإذا لم يكن الأمر متاحا تقوم إحدى المقربات بنقش الحناء للعروس، بالموازاة مع ذلك يشرع المقربون رجالا ونساء في تقديم مساهمات مادية لها تتراوح ما بين 20 درهما و200 درهما وربما أكثر. [49]

– العرس في بيت العريس: قد يمتد العرس أيضا عند أهل العريس مدة ثلاثة أيام، فيه من الزغاريد والأهازيج المتنوعة. قد يستدعي العريس فرقة الشْيُوخْ طيلة الأيام الثلاثة للعرس، والتي يمكنها الاستراحة لبعض السويعات في النهار، أما في الليل فتشتغل أكبر قدر ممكن ،في الماضي القريب كان ثمن “الْبَرْطِيَة”[50] الْوَاحِدَة هو 10 دراهم أما ثمنها في الوقت الحالي فهو 20 درهما، وإذا أراد الراقص أن يدفع أكثر فله ذلك ويزيده فخرا، كما يمكنه طلب “تَبْرِيحَة” من الشيوخ مقابل قدر من المال، وقبلها يهمس في أذن أحد الشيوخ حتى يقوم بترديد نفس ذلك الكلام بصوت عال، وما يقال عادة كلام يمدح أهل الدوار والعائلة التي ينتمي إليها طالب “التبريحة” وفيها تعرض قيمهم الإيجابية؛ كالشهامة والكرم، كما يمكن ذكر محاسن بعض الحاضرين؛ كأن يقول “الشيخ”: “هَدِي تَبِرِيحَة مْنْ عَنْدْ فْلاَنْ زِينْ السْمِيَة، رَاهْ كَايْكُولْ لَكْ فِي خَاطْرْ فْلاَنْ وَفْلاَنْ وْفِي خَاطْرْ وْلاَدْ فْلاَنْ، وَادِّيهَا يَالشِّيحْ وَالرِّيحْ حَتَّى (مكان تواجد أحد الأشخاص) وَاطِّيحْ”.[51]  في اليوم الثالث من العرس تتم دعوة كل نساء الدوار لتناول وجبة الغذاء، أما الرجال فيستدعون لتناول وجبة العشاء.

– تَرْوَاحْ العْرُوسْ: في مساء اليوم الثالث يذهب فريق من عائلة العريس لإحضار العروس إلى بيت الزوجية بقيادة العريس، عكس ما كان في الزمن الماضي، حيث كان العريس يمكث في المنزل ينتظر قدوم العروس. بعد خروج العروس من بيت أهلها، يساعدها بعض أفراد أسرتها على ركوب البغل، كما يركب خلفها طفل صغير يرافقها.

قبل سنوات كانت العروس ترتدي “الْقُبَّة”[52] أما اليوم فتكتفي بلباس فستان أبيض ووشاح يغطي الرأس. لما يصل موكب “التْرْاوَحْ” إلى منزل العريس، يستقبله كل أهل العريس بالزغاريد والأهازيج.[53]

– الْهْدِيَة: يقدمها الجيران والمقربون لأسرة العريس وتكون عبارة عن علبة من السكر، أو كيس من الدقيق، أو قنينات من الزيت… كل أسرة تريد تقديم “الْهْدِيَة” تطلب مرافقة “الشْيُوخْ” لها من بيتها إلى بيت العريس ويشاهد جميع الناس في الشارع هذا الاحتفال المتنقل.

خاتمة:

في ختام مقتضب لهذه المقالة التي استمتعنا بكتابتها؛ لأنها أخذتنا إلى عالم جميل من طقوس الزواج بمنطقة “الصباب”، نقول بأن هذا النوع من الطقوس سواء الزواج أم الولادة وحتى الموت، هي مليئة بالحيوية والدلالات الرمزية في هذه المنطقة، مع وجود جوانب عملية متناغمة مع ما هو رمزي، كلها تعكس القيم الإنسانية العميقة المتجذرة في المشيخات الأربع المشكلة لمنطقة “الصباب” التي كانت مركز اهتمام هذه المقالة، إنها تبين رسوخ الانتماء الثقافي والاجتماعي في هذا المجال. إن محاولة فهم هذه الطقوس في اعتقادنا أحد المداخل التي يمكن أن تساعد في فهم طريقة تفكير هذه المجتمعات المحلية، فهي رأس مال رمزي، نراه ضروريا للمساعدة على إنجاح المشاريع التنموية الاجتماعية والنفسية المبرمجة في هذه المناطق، ولما لا المساهمة في التنمية الاقتصادية؛ كالسياحة الثقافية. المشكلة ليست في التراث، ولكن كيف ننظر إلى هذا التراث على رأي المفكر المغربي محمد عابد الجابري، وكيف نتعامل معه ونجني منه فوائده في عصر تحارب فيه القيم الإنسانية بلا هوادة. هذا لا يعني أبدا معاداة الحداثة أو رفضها، بل هي محاولة إيجاد تناغم بين ما هو تراثي وبين ما هو حداثي، نعم هي معادلة صعبة لكنها ممكنة.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

  • [1] – برنامج عمل جماعة الصباب 2023-2028، ص 12.
  • [2] – برنامج عمل جماعة الصباب 2023-2028، ص 12.
  • [3]– رواية شفوية للسيد أزروال عبد الصمد، جرسيف، 64 سنة.
  • [4]– عمر رضا حكالة، الزواج، ج1، سلسلة البحوث الاجتماعية، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1980م، ص 6.
  • [5]– معجم اللغة العربية المعاصرة، تعريف الزواج، موقع المعاني، اطلع عليه 15/06/2024 على الرابط المختصر: https://2u.pw/WlsGEXZg
  • [6]– المادة 4 من مدوّنة الأُسْرَة الصادرة في 05 فبراير 2004.
  • [7] – رواية شفوية للسيد امحمد مداح، فلاح، دوار تيخامين، 90 سنة.
  • [8]– رواية شفوية للسيد محمد مداح، فلاح، دوار تيخامين، 62 سنة.
  • [9] – رواية شفوية للسيد محمد مداح، فلاح، دوار تيخامين، 62 سنة.
  • [10]– رواية شفوية للسيد سعيد براز، فلاح، دوار الخرجية، 48 سنة.
  • [11] – رواية شفوية للسيد سعيد براز، فلاح، دوار الخرجية، 48 سنة.
  • [12] – رواية شفوية للسيد سعيد براز، فلاح، دوار الخرجية، 48 سنة.
  • [13]– “صِينِيَة”: من الأواني المنزلية، تستخدم أساسا لتقديم كؤوس الشاي لأفراد الأسرة والضيوف.
  • [14]– “الْبَنْدِيرْ”: آلة موسيقية إيقاعية، تستعمل في المغرب في الموسيقى الشعبية والغناء والمديح، تصنع من الخشب ومن جلد الماعز في الغالب.
  •    – “الْغِيطَة”: آلة موسيقية تصنع من الخشب، تتألف من قصبتين ينفح فيهما بواسطة الفم.
  •    – “الْكَصْبَة: آلة موسيقية نفخية، تصنع من القصب، تستعمل كثيرا من قبل الرعاة البدو، كما تستعمل في الأعراس.
  • [15] – رواية شفوية للسيد محمد حسنون، فلاح، دوار الصباب المركز، 73 سنة.
  • [16]– رواية شفوية للسيد محمد حسنون، فلاح، دوار الصباب المركز، 73 سنة.
  • [17]– رواية شفوية للسيد محمد قروط، مدير المصالح بجماعة الصباب، دوار الصباب، 56 سنة.
  • [18]– الشْرْبِيلْ: نعل تقليدي ترتديه النساء المغربيات، تقابله البلغة الرجالية.
  • [19] – رواية شفوية للسيد محمد مداح، فلاح، دوار تيخامين، 62 سنة.
  • [20] – رواية شفوية للسيد محمد أمغيوز، فلاح، دوار العطشان،67 سنة.
  • [21] – رواية شفوية للسيد محمد أمغيوز، فلاح، دوار العطشان،67 سنة.           
  • [22] – نجد في المادة 19 و20 من مدوّنة الأُسْرَة في المملكة المغربية الصادرة في 05 فبراير 2004 ما يلي: “تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتّعين بقواهما العقلية ثماني عشرة سنة شمسية. غير أنه يمكن لقاضي الأُسْرَة أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المذكورة بمقرر معلّل يبيّن فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
  • [23]– “الشْيُوخْ”: فرقة موسيقية، عدد أفرادها يفوق الأربعة، كل فرد منها يعزف على آلة موسيقية محددة.
  • [24]– “سِرْوَالْ قَنْدْرِيسِي”: سروال تقليدي مغربي يتميز بشكله الفضفاض.
  • [25]–  البُلغَةُ: عرفت في معجم المعاني الجامع، على موقع المعاني بأنها: “حِذَاءٌ مَغْرِبِيٌّ تَقْلِيدِيٌّ يُصْنَعُ مِنْ جِلْدِ الغَنَمِ… نوع من الأحذية يكثر في المغرب”. انظر التعريف كاملا على الرابط المختصر: (اطلع عليه 14/06/2024) https ://2u.pw/KxjrLXUK؛ في المغرب تنطق الباء بالفتحة عند نطق كلمة “بَلْغَة”.
  • [26] – رواية شفوية للسيد محمد أمغيوز، فلاح، دوار العطشان،67 سنة.
  • [27]– “القْمِيجَّة”: كلمة قريبة من كلمة القميص بالعربية، و Camisa بالإسبانية، وتعني غالبا حسب معجم المعاني الجامع: “اللباس الرقيق يرتدى تحت الثياب عادة.” انظر التعريف كاملا على الرابط المختصر: (اطلع عليه 14/06/2024) https://2u.pw/xyZlxbR2.
  • [28]– نحن كباحثين في ميدان التراث، نؤمن بأن التراث يحتاج إلى تثمين واستثمار، كما يحتاج في بالتزامن مع ذلك إلى غربة؛ لأن هناك أمورا تراثية ليست مقبولة مثل؛ الشعوذة والحط من قدر المرأة… يجب القطع معها بشكل نهائي وحاسم؛ وعلى هذا الأساس لا ننظر إلى التراث بعين التقديس، إنما ننظر إليه بعين الموضوعية القريبة من الأبعاد التنموية.
  • [29] – رواية شفوية للسيد حميد مقران، فلاح، دوار مزغمة، 50 سنة.
  • [30]– “الْوَلْجَة”: مساحة مغروسة، تتشكل من مجموعة من الحقول، تتشارك فيها غالبية الساكنة.
  • [31]– رواية شفوية للسيد البشير التويمي، دوار تالبسانت،71 سنة.
  • [32]– رواية شفوية للسيد محمد القصيري، أستاذ متقاعد، دوار تالبسانت، 69 سنة.
  • [33] – رواية شفوية للسيد أحمد الحجوبي، فلاح، دوار بوراشد، 60 سنة.
  • [34] – رواية شفوية للسيدة فاطنة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، دوار تالبسانت، 64 سنة.
  • [35]– “الْمَفْتُولْ”: فتلت الكسكس، عرفت في معجم المعاني الجامع، على موقع المعاني بأنها: دعكت الدقيق مخلوطا بقطرات من الماء ليتحول إلى حبات صغيرة.
  • [36]– “الْمْبَرْكَشْ”: المصنوع بطريقة تقليدية.
  • [37] – رواية شفوية للسيد أحمد الحجوبي، فلاح، دوار بوراشد، 60 سنة.
  • [38]– رواية شفوية للسيدة فاطنة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، دوار تالبسانت، 64 سنة.
  • [39] – رواية شفوية للسيد خالد جمال، فلاح، تسينكيت، 42 سنة.
  • [40] – رواية شفوية للسيد سي محمد بالخدير، فلاح، بوراشد، 67 سنة.
  • [41]– “التَّكْشِيطَة”: لباس مغربي تقليدي، ترتديه المرأة في الأعراس ومختلف المناسبات، يتشكل من قطعتين من القماش الفاخر.
  • [42]– الْجَابَدُورْ: لباس مغربي تقليدي خاص بالرجال، يرتبط عادة بالمناسبات الدينية، يشبه إلى حد كبير الجلباب، غير أنه لا يتوفر على غطاء الراس.
  • [43]– رواية شفوية للسيدة الزهرة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، سيدي واضح، 54 سنة.
  • [44]– رواية شفوية للسيدة الزهرة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، سيدي واضح، 54 سنة.
  • [45]– رواية شفوية للسيدة الزهرة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، سيدي واضح، 54 سنة.
  • [46]– رواية شفوية للسيدة الزهرة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، سيدي واضح، 54 سنة.
  • [47] – رواية شفوية للسيد حفيظ البارودي، فلاح، بوهلال،47 سنة.
  • [48] – رواية شفوية للسيدة الزهرة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، سيدي واضح، 54 سنة.
  • [49] – رواية شفوية للسيد حفيظ البارودي، فلاح، بوهلال،47 سنة.
  • 50 – البرطية: تقابلها كلمة (جولة) بالعربية، وهي على الأرجح مشتقة من كلمة Partie بالفرنسية. يقصد بها مدة محدودة من الرقص والعزف لا تتجاوز في أغلب الأحيان خمس دقائق.
  • [51] – رواية شفوية للسيد حفيظ البارودي، فلاح، بوهلال،47 سنة.
  • [52]– “الْقُبَّة”: شكل من اللباس يوضع فوق رأس العروس.
  • [53]– رواية شفوية للسيدة الزهرة (لم ترغب في التصريح بكنيتها)، ربة بيت، سيدي واضح، 54 سنة.
Scroll to Top