قبيلة زعير: الإنسان والمجال والتاريخ 1873-1956

طالب باحث بسلك الدكتوراه

كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط

جامعة محمد الخامس - المغرب

تحت إشراف الدكتور خليل السعداني، والدكتور سيدي محمد معروف الدفالي

ملخص

قبيلة زعير الإنسان والمجال والتاريخ 1873- 1956 دار الأمان الرباط 2023، 431 صفحة، ميلود سوالمة، يندرج عمل الباحث ميلود سوالمة ضمن سياق فكري ونقاش ثقافي انتشر في الآونة الأخيرة في مختلف الوسائط الافتراضية والواقعية، بحث في التاريخ والتراث الجهوي، ويعتبر كتاب قبيلة زعير الإنسان والمجال والتاريخ 1873- 1956، جوابا علميا دقيقا، وتحصينا للتاريخ المحلي. ويسعى هذا العمل إلى كتابة تاريخ القبيلة بالاستناد إلى رؤية منهجية جديدة، تستقي مادتها من مظان متنوعة، وعبر مدة زمنية تمتد من 1873 إلى 1956، في قالب تركيبي يوسع منظار وثائق المؤرخ.

يلود سوالمة، يندرج عمل الباحث ميلود سوالمة ضمن سياق فكري ونقاش ثقافي انتشر في الآونة الأخيرة في مختلف الوسائط الافتراضية والواقعية، بحث في التاريخ والتراث الجهوي، ويعتبر كتاب قبيلة زعير الإنسان والمجال والتاريخ 1873- 1956، جوابا علميا دقيقا، وتحصينا للتاريخ المحلي. ويسعى هذا العمل إلى كتابة تاريخ القبيلة بالاستناد إلى رؤية منهجية جديدة، تستقي مادتها من مظان متنوعة، وعبر مدة زمنية تمتد من 1873 إلى 1956، في قالب تركيبي يوسع منظار وثائق المؤرخ.

بنية البحث:

قسم ميلود سوالمة كتابه الذي هو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه تحت إشراف الدكتور صالح شكاك والدكتور عبد العزيز بل الفايدة، علال الخديمي: خبيرا، محمد الغرايب: رئيسا، سيدي محمد الكتاني: مقررا، إبراهيم التركي: مقررا، مصطفى نعيمي: مقررا، نوقش جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتاريخ 6 يناير سنة 2023، قسم إلى بابين وكل باب يحتوي على مجموعة من الفصول؛

الباب الأول: وسم بقبيلة زعير بين الأوضاع الداخلية والضغوط الاستعمارية

1873- 1913، وتضمن أربعة فصول؛

الفصل الأول: قبيلة زعير التعريف والتوطين الجغرافي؛ وفيه تحدث المؤلف عن المجال الجغرافي الذي تطرق فيه لمفهوم القبيلة، مسألة الاسم، تحديد المجال الزعري، وتطرق كذلك للمجال الطبيعي؛ تناول فيه المناخ، الموارد المائية، أنواع التربة وتوزيعها، الغطاء النباتي، الموارد المعدنية، بالإضافة إلى أنه عالج المجال البشري والاقتصادي حيث قارب التعريف بقبيلة زعير، أصول السكان، السكن والسكان، وضعية الأرض بقبيلة زعير خلال القرن التاسع عشر، الرعي، الزراعة التي شملت الحبوب، المغروسات، القنص والصيد، كما تناول المسالك والطرق، دون إغفال أنه تطرق للحرف والصنائع والتي شملت؛ صناعة الفخار، الحدادة، صناعة النسيج، النجارة، وفي نقطة أخرى تطرق لأثر الحمايات القنصلية والمخالطة على قبيلة زعير عبر التطرق لتطور الحمايات القنصلية وظاهرة المخالطة، وعواقب الحمايات القنصلية والمخالطة على القبيلة.

الفصل الثاني: قبيلة زعير بين التعايش السلمي والمواجهات الظرفية؛ وفيه عالج ميلود سوالمة تطور الإدارة المحلية بزعير خلال القرن التاسع عشر، وعلاقة زعير بالمخزن عبر الحديث عن تعيين القواد، وزعير في إطار الحركات السلطانية، كما عالج دور المخزن التحكيمي، وموقف زعير من الصراع العزيزي الحفيظي، بالإضافة إلى التطرق لعلاقة زعير بالجوار مع الرباط، سلا، والعديد من المدن والمناطق الأخرى، زيادة على ذلك فقد تم التطرق للزاوية البواشرية والكتانية وتأثيرهما على الأحداث، وأشكال التساكن، الصحبة، الطاطا، وأوجه التعارض والتنافر.

الفصل الثالث: زعير والنظم القضائية؛ تحدث فيه المؤلف عن الأحكام العرفية، عرف الرفود عند زعير، عرف الدية عند قبيلة زعير، العدل المخزني والشرعي.

الفصل الرابع: تأثير الضغط الأوربي على علاقة زعير بالمخزن؛ عالج فيه موقف زعير من احتلال الدار البيضاء والشاوية، تأثير الجبايات والكلف على علاقة المخزن بزعير، محاصرة زعير للرباط عقب مؤتمر الجزيرة الخضراء.

الباب الثاني: زعير والاحتلال الفرنسي 1913- 1939.

الفصل الخامس؛ التدخل العسكري؛ العمليات العسكرية، توغل الاحتلال بالمنطقة.

الفصل السادس: عنون بزعير تحت الاحتلال الفرنسي؛ استسلام قبيلة زعير، الإدارة في خدمة المشروع الاستعماري، تسابق الأجانب على أراضي زعير.

الفصل السابع: مؤشرات التحور الاقتصادي والاجتماعي لقبيلة عير، وفيه تم التطرق للتحول الاقتصادي (الإنتاج الزراعي، الأساليب الزراعية، زراعة الحبوب والكروم بالبراشوة والنواحي، تربية المواشي)، كما تم التطرق للتحول الاجتماعي والديموغرافي من حيث السكن، التحول الديموغرافي، الصحة، التعليم ومحدودية المنجزات.

الباب الثالث: حصيلة السيطرة الاستعمارية على قبيلة زعير 1939- 1956.

الفصل الثامن: مؤسسات الحماية ودورها في الاستغلال والمراقبة؛ عالج فيه تطور الإدارة الفرنسية خلال القرن العشرين، المعسكرات الفرنسية بزعير.

الفصل التاسع: الثابت والمتحول في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية للقبيلة؛ تضمن التطرق لأثر الحرب العالمية الثانية على قبيلة زعير (عمليات التجنيد، عام بوهيوف)، الاقتصاد الفلاحي ومؤشرات التحول (البنية العقارية، الملكية الخاصة، أراضي الجموع، المشاريع الاستعمارية بالقبيلة)، الحياة الثقافية بقبيلة زعير؛ تضمن (تنظيم المواسم بزعير، مؤسسة الزوايا بزعير، الأضرحة بقبيلة زعير، موروثات ثقافية أخرى.

الفصل العاشر: قبيلة زعير وانبثاق العمل الوطني والفدائي؛ تحدث فيه ميلود سوالمة عن موقف زعير من نفي السلطان، وجهاد المرأة الزعرية ضد الاستعمار، بالإضافة إلى خاتمة ولائحة المصادر والراجع والفهرس العام.

بشكل عام يتأطر الكتاب الذي نريد القيام بدراسة فيه والموسوم ب؛ قبيلة زعير الإنسان والمجال والتاريخ 1873- 1956 ضمن خانة التاريخ المحلي الجهوي، ونقطة قرائتنا تندرج ضمن الفصل العاشر: قبيلة زعير وانبثاق العمل الوطني والفدائي.

التاريخ الجهوي يتميز بتنوعه الحضاري والثقافي في بعد تام عن العصبية القبلية او الدينية او العرقية او حتى الدينية، فهو يسعى الى حفظ الذاكرة الجماعية فالتاريخ الجهوي شبيه بالجغرافية الإقليمية

التاريخ الجهوي يدرس خصائص الجغرافيا المحلية من حيث المناخ، والتربة، والطبوغرافيا… وهي كلها عوامل تأثر على الانسان الذي يؤثر على المجال. كما ان التاريخ الجهوي له دور هام، اذ يساهم في التنمية المحلية، فلا يمكن تقبل الانسان الذي يعرف معرفة كاملة شاملة للتاريخ الاموي او الاغريقي، ولكنه جاهل للتاريخ المحلي لمنطقة درعة تافيلالت، اذ ربما لا يعرف شيئا عن مدينة سجلماسة وربما لا معرفة له بالجبال، التي ينتفع بها. ناهيك عن جهله لتاريخ الاطلس الكبير، وهو م يجعلنا أمام جهل المعرفة التاريخية الجهوية، وهو ما يفرض علينا ضرورة التفكير فيه لأنه أساس وجوهر الانسان الذي يسكنه.

عملي انصب حول الفصل العاشر؛ قبيلة زعير وانبثاق العمل الوطني والفدائي، حيث قمت بتلخيص أهم الأفكار التي وضحها المؤرخ ميلود سوالمة مع إبداء وإبراز بعض الملاحظات.

التاريخ الجهوي؛ يعتبر قنطرة وصل بين التاريخ الشامل والمنوغرافيا، كما أن هذا التاريخ له القدرة على الربط بين الاركيولوجية والمجتمع بالتنمية الجهوية والتراثية.”التاريخ الجهوي يتميز بالتنوع حيث يلتقي التاريخ الحدثي بالمجال والتراث والثقافة والمجتمع والبيئة”[1].

في إطار هذا التاريخ الجهوي المحلي عاشت قبيلة زعير كما باقي قبائل المغرب مأساة نفي السلطان محمد الخامس خلال 20 غشت 1953، هاته السنة التي ارتبطت بهذا الحدث الشنيع، حدث نفي ملك البلاد ورمز السيادة الوطنية، ويوضح ذلك ميلود سوالمة قائلا؛ “عاشت قبيلة زعير كباقي قبائل المغرب صدمة حقيقية بعدما أقدمت سلطات الحماية على نفي السلطان محمد بن يوسف في 20 غشت سنة 1953، التي ارتبط اسمها بشكل كبير بهذا الحدث الشنيع بفعل مشاركة أحد قوادها الكبار في مؤامرة نفي سلطان البلاد، وعلى إثر هذا الحدث الجلل شهدت كبريات المدن المغربية وقراه حوادث مرعبة ذهب ضحيتها العديد من الشهداء المغاربة لكونهم لم يتقبلوا هذا العمل الجبان، الذي لم يكن منتظرا من المغاربة المرتبطين بالتالد والطارف من الصلات مع هذا السلطان، وساهمت هذه الحوادث في زعزعة أركان الاستعمار الذي لم يكن يضع في الحسبان هذه التطورات الخطيرة، خصوصا أنه ألف ولمدة زمنية يسيرة الهدوء والطمأنينة خاصة تلك الفترة التي سبقت الإعلان عن نفي السلطان، وبهذا الفعل الشنيع تكون فرنسا قد فتحت بابا لم يكن ليوصد لولا رجوع الملك للبلاد وتحقيق الاستقلال”[2].

هدفت سلطات الاحتلال إلى إبعاد سلطان البلاد ليتسنى لها ممارسة استغلالها الاستعماري، وضرب المقاومة المغربية التي كانت قد انطلقت في مختلف مناطق المغرب منذ البدايات الأولى للاحتلال تزعمها العديد من المقاومين، أمثال؛ مربيه ربه، موحا أو حمو الزياني، عسوا أوبسلام، سيدي رحوا… رغم غياب معطيات أو وثائق تسجل تلك المقاومات التي أبانوا عنها “فليست هناك وثائق يعتمد عليها الباحث لتسجيل تفاصيل سيرتهم ومعاركهم ضد قوات الاحتلال. ولا تتوفر الى حد الآن- من المنظور المغربي- إلا على الرواية الشفوية. هذه الرواية التي تجعل المقاومين رمزا للتضحية وصفحة مشرقة من تراثنا النضالي. وإن أكثر ما يشدها اليهم هو استشهادهم بعد كفاح مرير وعنيف”[3].

لتخطط سلطات الاحتلال إلى نفي الملك محمد بن يوسف بعدما قامت بجلب العديد من الفرسان للنيل من سلطة الملك، فقد عملت الإقامة العامة على تنظيم حركة عصيان للقواد والباشوات، وعملت على نشر فكرة مضمونها أن الساكنة بالبوادي متدمرون من سياسته، وهكذا قامت بجلب العديد من الفرسان من فاس ومكناس وزعير بهدف الضغط عليه لتوقيع البتوكول القاضي بإشراك المستوطنين في الشؤون الداخلية للمغرب، أولئك الفرسان الذين تم جمعهم في دار القائد الجيلاني ومعه زعيم زعير، وتكلف الباشا بمؤونتهم ومؤونة فرسانهم طيلة أيام إقامتهم بالمنطقة وبعدما فشلت كل الخطط الهادفة إلى الإطاحة بملك البلاد وبعد تولي الجنرال كيوم الذي كان معروفا بانحيازه للسياسة الاستعمارية، قام باتخاذ خطوات خطيرة مست بالسيدة المغربية مستفيدا من باشا مراكش الكلاوي[4].

“عقد الكلاوي اجتماعا يوم 26 فبراير سنة 1953 بمراكش حضره عدد من القواد من مختلف قبائل المغرب، وبعد هذا الاجتماع مباشرة عمل باشا مراكش على تنظيم تجمعات كبرى لحث القبائل على الخروج عن طاعة السلطان، ومن القبائل التي ستستقبله نجد قبيلة قبيلة زعير التي لم يدخر قائدها جهدا في الاسراف والمبالغة بحفاوة الاستقبال التي كانت فوق المنتظر لا من أكل أو شرب وركوب الخيل، حيث أعد القائد موسما كبيرا نصبت من خلال الخزانات “الفساطيط” والخيام بالساحة المخصصة عادة للمواسم، فكانت الخيول المعدة للسباق أمام المحتفى به مرتدية سروجها المزركشة والمذهبة، وكانت الأكباش المشوية والأطباق الرفيعة من أهم مأكولات الظيوف، وكان عبد الحي الكتاني زعيمهم الروحي متواجدا بهذا المحفل الكبير حيث أفتى بجواز نفي السلطان، وبعد تلك الجولات الكبيرة التي قام بها هؤلاء أصبح الكل يتطلع إلى اليوم المرتقب”[5].

بعد العديد من المشاورات تقرر نفي السلطان محمد بن يوسف يوم الخميس 20 غشت 1953 وهي ليلة عيد الأضحى، وعلى الساعة الثالثة إلا الربع تقرر نفي السلطان وعائلته إلى جزيرة كورسيكا، مما جعل المغاربة عامة وساكنة زعير خاصة تحس بألم مرير وامتنع المغاربة عن الاحتفال بعيد الأضحى، واتخرطت قبيلة زعير في العديد من المنظمات الفدائية التي انخرطت فيها عدة عناصر من مختلف مدن وبوادي المغرب، ونفذت العديد من العمليات الفدائية التي استهدفت مشاريع الاستعمار، وضيعات ومحاصيل المعمرين والعديد من الآلات الفلاحية وقطع الطرق التي تربط القبيلة بالمراكز الكبرى التي عمل المستعمر الفرنسي على إحداثها.

مما زاد الطينة بلة هو تنصيب محمد بن عرفة كسلطان مكان الملك الشرعي محمد بن يوسف، الا أن محمد بن عرفة لم يدم في منصبه سوى سنتين فقط بعدما قضى عليه المقاوم علال بن عبد الله، وقد شهدت قبيلة زعير تكوين عدة خلايا سرية مثل؛ المنظمة السرية بجمعة مول لبلاد، وخلية سيدي يحيى زعير، وخلية جمعة مول لبلاد، وخلية النخيلة، وخلية الرماني، بالإضافة إلى خلية عين حلوف، هاته الخلايا التي عملت ليل نهار على إلحاق أكبر الخسائر بالمستعمر الفرنسي، وعملت جهودا كبيرة في سبيل تطهير المنطقة من التواجد الاستعماري، رغم ما كان يواجه الوطنيين من قمع ومن معارضة القواد والخونة المتعاونين مع الاستعمار.

كانت المرأة حاضرة وبقوة في مختلف عمليات المقاومة مشجعة ومساندة، ومساعدة على حمل السلاح والماء والأكل، مهللات ومكبرات رغبة في نيل الحرية والاستقلال، وذلك ليس بغريب عن المرأة المغربية، التي شاركت “بفعالية في مواجهة التسرب الاستعماري الاقتصادي والعسكري في كل مراحله. وإذا كان تاريخ المواجهات العسكرية قد سجل أسماء نساء بارزات في الأطلس والريف والصحراء… فإن المرأة لم تكن بمعزل عن النضال في واجهات أخرى، فهذه المرأة تثور ضدا على الظهير البربري، ذلك أنه ما أن حاول المارشال ليوطي أن يضع الحجر الأول للسياسة البربرية في شتنبر 1916 حتى ثارت النساء بقبيلة زمور الشلح احتجاجا على هذه المحاولة الوحشية التي تريد بعث أعراف جاهلية تقضي بجعل المرأة متاعا يباع ويشترى ويوهب ويورث لا يرث. وقد تظاهرت النساء البربريات في الخمسينيات وأطلق الفرنسيون عليهن الرصاص”[6].

في هذا السياق يقول ميلود سوالمة بقوله: “ساهمت نساء زعير بدور هام إلى جانب الرجال في الدود عن حدود القبيلة في مختلف مناطقها، سواء في المعارك الكثيرة التي خاضتها القبيلة، أو من خلال بعض الأعمال الأخرى التي لعبتها مثل نقل الأسلحة بين الوطنيين في زعير والمناطق المجاورة. والمثير للانتباه هو ارتباط معظم مجاهدي زعير بأسماء أمهاتهم، حيث من خلالها كانوا يعرفون في ساحات القتال، ومن أهم هؤلاء نجد المجاهد الشهيد المعطي ولد الحرة، المجاهد ولد هبولة والمجاهد ولد التركية والمجاهد الشهيد محمد ولد التايكة والمجاهد سيدي حماني ولد غنيمة والمجاهد الشهيد ولد أم العيد”[7].

بعدما تعرض الملك للنفي أحس المغاربة بحزن شديد، وانطلقت العديد من العمليات الفدائية في مدن ومناطق مختلفة من المغرب قدرت بحوالي 80 عملية في ظرف 25 يوما، خلفت ما يقرب من 117 قتيل وخسائر مادية مختلفة[8]، ولعل المرأة الزعرية كانت حاضرة بقوة في مقاومة المستعمر مما جعل أسماء العديد منهن تخلد، على سبيل المثال لا الحصر؛ “عربية بنت مبارك الفرجانية النجدية (زوجة الفقيه المقاوم صالح البداوي الفرجاني)، لما ألقي القبض على زوجها حاول أذناب الاستعمار استنطاقها بالقوة إلا أنها أصرت على الإنكار رغم استعمال أساليب التعذيب والترهيب والقمع والضرب الذي أدى إلى إسقاط أسنان فكها العلوي، وحوكمت بالرماني بالإقامة الإجبارية طيلة مدة محاكمة أعضاء خلية جمعة مول لبلاد الفدائية، كما أرغمت على دفع غرامة مالية قدرها 600 درهم، ورغم كا ما تعرضت له ورغم أسر زوجها ظلت على صلة مع ما تبقى من أعضاء الخلية كما وقفت بجانب زوجات وأبناء المقاومين المعتقلين”[9]، وغيرهن من المقاومات.

عموما فالبحث المنوغرافي يكتسي أهمية كبيرة في التعريف بمناطق ظلت خارج دائرة التاريخ الرسمي الحدثي باستعمال وثائق جديدة “انه يكتسي نوعا من الجدة من حيث المقاربة المنهجية والرصد المعرفي على اعتبار انه ينحو منحى الأعمال التي تبتغي إحياء وترميم الذاكرة الجماعية، وهو أمر أضحى ملحا بشكل كبير في عصر اجهزت فيه العولمة على كثير من بقايا التراث اللامادي”[10].

ومن وجهة نظري الخاصة فهذا الكتاب الموسوم بقبيلة زعير الإنسان والمجال والتاريخ 1873- 1956، لصاحبه ميلود سوالمة، تقديم الدكتور صالح شكاك، ؛ يتميز بجودة عالية اذ انه يتعرض للتاريخ المحلي، فهو من الأهمية بما كان لأنه يحمل بين ثنياه هوية الانسان الزعري، هذا المجال مجال التاريخ والتراث يحتاج الى المزيد من البحث والعناية، لأنه مجال خصب يمكن الدارسين من مختلف المجالات والتخصصات النهل منه والبحث فيه، ومن منظوري الشخصي كطالب باحث في التاريخ المعاصر، فالاهتمام والبحث في هذه المواضيع امر جيد، من خلال النزول من القمة الى القاعدة والاهتمام بفئات ظلت مهمشة خارجة عن اهتمامات التاريخ الرسمي الكلاسيكي الذي يؤرخ للنخبة ورجال السياسة والجنرالات والشخصيات الذائعة الصيت، فالاهتمام والبحث في في مثل هذه المواضيع هو إنقاذ وصون وحفظ لهوية الانسان خاصة في ظل زحف العولمة التي تسعى الى طمس الهويات، وبالتالي جعل الانسان بدون هوية وثقافة.

خاتمة:

مجمل القول، يشكل البحث المنوغرافي المرتبط بالجهات والقبائل من البحوث الهامة لأنه يسعى إلىى التعريف بمناطق ظلت بمعزل عن الاهتمام، اهتمام بأدوار ساكنتها في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة إلى دورها في تاريخ مقاومة المستعمر، مقاومة نسائها ورجالها على حد سواء للمستعمر تعبيرا عن حب الوطن والموت في سبيل استقلاله وحريته.

تحميل المقال في نسخته الكاملة

الإحالات:

  • عبد الرزاق السعيدي، التاريخ الجهوي والتراث المحلي ولادة التاريخ الجهوي في المغرب، الخلفيات والمنطلقات (ص؛12 إلى ص؛31)، واحات درعة تافيلالت التراث والتنمية التجليات والامتدادات وفرص التثمين مساهمة في إبراز التاريخ الجهوي وحفظ الذاكرة، الطبعة الأولى 2019، ص. 13.
  1. ميلود سوالمة، قبيلة زعير الإنسان والمجال والتاريخ 1873- 1956، منشورات دار الأمان، مطبعة الأمنية – الرباط، الطبعة الأولى 2023. ص. 389.

  2. محمد بلحسن، موحا وسعيد الويراوي قائد حركة الجهاد في منطقة تادلة 1886-1924، ص. 1.

  3. ميلود سولمة، م. س، ص. 390.

  4. نفسه.

  5. صالح شكاك، المرأة بدائرة وادي زم من المقاومة اليومية إلى ثورة 20 غشت 1955، (ص 163- 169)، ندوة دور المرأة المغربية في ملحمة الاستقلال والوحدة، الرباط 29- 30 ذو القعدة 1420هــ الموافق ل6-7 مارس 2000، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير 2000، ص. 85.

  6. ميلود سوالمة، م. س، ص. 397.

  7. عبد الكريم الزرقطوني، الملك محمد الخامس الذكرى الخالدة”، مجلة الذاكرة الوطنية، عدد خاص 2005، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ص. 108.

  8. ميلود سوالمة، م. س، ص. 398- 399.

  9. عبد الرزاق السعيدي، اعمال ندوة الملتقى الأول لفنون الفرجة بجهة درعة تافيلالت- تراث ثقافي ومظهر حضاري- الجرف، منشورات جمعية فضاء النخيل للتنمية وتدوين التراث المحلي بالجرف، الطبعة الأولى مارس 2017، ص:2

Scroll to Top