فاعليّة البنيات الزّمنية
في بناء المعنى الشّعري بالغرب الإسلامي
طالب باحث بسلك الدكتوراه
مختبر علوم اللغة وتحليل الخطاب والدراسات الثقافية
جامعة أبي شعيب الدكالي الجديدة – المغرب
أستاذ التعليم العالي
مختبر علوم اللغة وتحليل الخطاب والدراسات الثقافية
جامعة أبي شعيب الدكالي الجديدة – المغرب
ملخص
تهتم هذه الورقة البحثيةُ بمقاربة فاعلية الزمن النحوي في بناء المعنى الشعري بالغرب الإسلامي بالتّركيز على ظاهرة اللاتطابق بين الصيغة الصرفية والزمن النّحوي، بتأثير من القصد والمقام من خلال مطلع تائية الشيخ الإمام سيدي محمد الحرّاق، بشرح سيدي محمد مهدي بن القاضي الذي يمكن عد شرحه ممارسة فذة لتحليل الخطاب بمغرب القرن الثالث عشر الهجري.
كلمات مفتاحية: تحليل الخطاب، المعنى الشعري، الغرب الإسلامي، الزمن النحوي، الصيغة الصرفية.
This research paper is concerned with approaching the effectiveness of grammatical time in building poetic meaning in the Islamic West by focusing on the phenomenon of incompatibility between morphological form and grammatical time, with the influence of intent and standing through the beginning of the Tiyat of Sheikh Imam Sidi Muhammad Al-Harraq, by explaining Sidi Muhammad Mahdi bin Al-Qadi, whose explanation can be considered a unique practice for discourse analysis in Morocco in the thirteenth centuryAH.
Keywords: Analysis of discourse, poetic meaning, Islamic West, grammatical time, morphological form.
مدخل
سواء اعتبرنا تحليل الخطاب «توسيعا للطرق التوزيعية التقليدية لتشمل ما فوق الجمل من وحداث[1]» أو «بحثا عن العلاقة بين النص والمقام[2]»؛ فإن الشّروح الشّعرية تمثّل وجها خاصا من وجوه تحليل الخطاب، لصدورها عن مرجعيات لغويةٍ، وفكريةٍ، ونفسيّةٍ، واجتماعيةٍ متميزة.
وكأيّ ممارسة تخاطبية تقوم الشروح الشعرية على طرفين رئيسين: الطرف الأول، هو الشّاعر الذي يبثّ رسالةً أدبية، والطرف الثاني هو الشّارح الذي يمثل المرسَل إليه، المستقبِل لرسالة (النص المشروح)، يوظّف الشّارح لفهمها مجموعةً من الذّخائر المعرفيّة بمراعاة سياق القول.
وتهتم هذه الورقةُ البحثيةُ بمقاربة الزّمن في الخطاب الشّعري بالغرب الإسلامي من خلال نموذجين فريدين لعالميْن من علماء هذه المنطقة: النموذج الأول، يمثل الإنشاء الشّعري في ضرب نحسبه ذا قداسة، وذا هيبة، وهو الشّعر الصّوفي المغربي، من خلال القصيدة التّائية، للشيخ الإمام، الحبر الهمام، سيدي محمد الحرّاق، والتي عارض فيها تائية، العارف بالله، عمر بن الفارض.
والنّموذج الثّاني يمثّل ممارسةً فذّة من تحليل الخطاب بمغرب القرن الثّالث عشر الهجري، وهو الشّيخ المحقّقّ المدقّقّ أبو عبد الله سيدي محمد المهدي بن القاضي.
والهدف الأسمى لهذه الورقة هو رفع منارة الإبداع والنقد المغربيين، وإبراز إسهام علماء الغرب الإسلامي عموما، والمغاربة خصوصا في تحليل الخطاب من منظور المقترح التأويلي العربي الإسلامي، وتسليط الضوء على جهودهم في مناقشة العديد من القضايا النّقدية والفكرية بمنهج ورؤية متميزين، ولعل شيئا من هذا سيبرز لقارئ هذه الورقة البحثية بوضوح.
وبما أن هذا المقترح التّأويلي وجهٌ متميزٌ من وجوه تحليل الخطاب؛ فإن وُكدنا سيقتصر على إحدى مياسمه، وهي الزمن النحوي في مطلع قصيدة سيدي العارف بالله محمد الحرّاق التي عكف على شرحها العلامة سيدي محمد المهدي بن القاضي شرحا فريدا لم يسبق إليه.
ولأنه بات من الثابت في الدّرس السوسيوثقافي، وثوقُ العلاقة بين التّطورات السّياسيّة الاجتماعية الفكرية في المجتمع، وبين الأدب عموما والشّعر خصوصا؛ فإنه من الواجب الذي لا ترخّص معه، الإشارةُ إلى عصر الشّاعر والشّارح؛ لما قد يتضمنه من معينات تسعف على إبراز وظيفة البنيات الزّمنية في بناء معنى مطلع التّائية.
- الدّائرة التأويلية الكبرى
- عصــر الشّـــاعر والشّـــارح
عاش الشّاعر محمد الحراق، والشارح محمد مهدي بن القاضي في حقبة تاريخية واحدة، تمتد من أواخر القرن الثاني عشر إلى ما يزيد عن النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجريين، وهي فترة سياسية عرف فيها المغرب مجموعة من القلاقل، طابعها العام الصّراع حول السلطة، وعدم اتسام العلاقات السياسية الخارجية بالاستقرار.
وقد عرفت الحياة الثّقافية في عصر الدولة العلوية الشريفة ازدهارا ثقافيا مهما، يرجع إلى ظروف الأمن التي عمت المملكة ابتداء من عهد سيدي محمد بن عبد الله، وإلى رعاية الملوك العلويين للعلماء والأدباء، فقامت للعلم والأدب سوقٌ زاخرةٌ، ونفقت بضاعة الأدب، وتبوّأ العلماء والأدباء أسنى المراتب، وحظوا بعناية الحكام.
ونشير في هذا المقام إلى الآصرة التي ربطت الشاعر سيدي محمد الحراق، ومولاي سليمان، والسلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام حين أرسل له الشاعر، وهو شيخ الطريقة الدّرقاوية الشاذلية آنئذ «مذكرة تتضمن وصايا رقيقة وينصحه باتباع الشريعة والجمع بينها وبين علم الباطن[3]».
فتهيأت للحركة الصوفية شروط الانتشار والنّفوذ في المجتمع، ودواليب السّلطة، وما ذلك إلا لمحبة المغاربة الغامرة لرسول الله ﷺ وأولياء الله الصالحين.
وقد جدّد محمد الحرّاق نهج الطريقة الدّرقاوية الشاذلية، وأقامها على أربع قواعد هي: الذّكر، والمذاكرة، والعلم، والـــمــحــبّــة التي هي مقصِديّة الشاعر في هذه التّائية، والتي عرّفها شيخ الطريقة أحمد بن عجيبة بأنها « ميلٌ دائمٌ بقلبٍ هائمٍ [4]»
ونظرا لانتشار الطّريقة الحرّاقية، وتعاظم نفوذها في الغرب الإسلامي، وشهرة أشعار شيخها؛ عكف محمد مهدي بن القاضي على شرح قصيدة من قصائد الحراق التي تعد من عيون الشّعر الصّوفي المغربي، وهي التّائية التي تضم ثلاثة وخمسين ومائة بيت.
وقد حفزه على ذلك أنه عاش في فترة كانت الطّريقة الدّرقاوية الشّاذلية حاملة للواء حركة الإصلاح الصوفي والاجتماعي بالمغرب، بالإضافة إلى طغيان الجانب الصوفي على ثقافته.
علاوة عن امتثاله أمر شيخه عبد الواحد الدّبّاغ بشرحها حين أطلعه ابنُ القاضي على التّقييدات التي وضع عليها، ولقائِه بالشيخ محمد الحرّاق الذي طار بشرح بن القاضي فرحًا، واستحسنه غاية الاستحسان.
- الدّائرة التأويلية الصّغرى
2-1. المـــقاربـــة الــنّحوية للظّاهـــرة الزّمنيّة
إن المنقّر عن الدّلالة اللّغوية للفظتي (زمَن) و(زمَان) في المعاجم اللغوية العربية؛ يلفت انتباهه ذلك الإجماع على إعطائهما المعنى نفسه، وهذا ما عبّر عنه ابن منظور بقوله: « الزمن والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره[5]»
وأما الدارسون المحدثون فقد أكّد بعضهم على وجود فرق دلالي بين اللفظين، يقول تمام حسّان: «ونقصد بالزمان الوقت الفلسفي الذي ينبني على الماضي والحاضر والمستقبل…ونقصد بالزّمن الوقت النّحوي الذي يعبّر عنه بالفعل بالماضي والمضارع تعبيرا لا يستند إلى دلالات فلسفية، وإنما ينبني على استخدام القيم الخلافية بين الصيغ المختلفة في الدلالة على الحقائق اللغوية المختلفة [6]»
وقد شكلت الظاهرة الزمنية في الفكر العربي حقلا خصبا تلاقحت فيه رؤًى متنوعةٌ ومشاربُ مختلفة؛ إذ درس الزمن في الخطاب العربي من منطلقات كثيرة لغوية، وبلاغية، وفلسفية، وكلامية، وأصولية. كما حاول النحاةُ دراستها « من خلال معطيات متعددة ومستويات متداخلة [7]»
ويمكن إجمال أهم نتائج بحث النّحاة العرب عامةً والمغاربة خاصّةً للظاهرة الزّمنية في:
- تقسيمهم الزّمن إلى ثلاثة أقسام؛ وذلك ما ذكره الجزولي في مقدمته بقوله: «الأفعال بالنسبة إلى الزمان ثلاثة أقسام: ماض بالوضع كفعل، ومستقبل بالوضع كافعل، ومبهم بالوضع كيفعل[8]».
- جمعهم بين الزمن النحوي والزمن الفلكي؛
- اتخاذ الزّمن معيارا لتمييز أجزاء الكلام؛
- محاولتهم تفسير اللاتوافق بين الزمن الصرفي والزمن النحوي بعنصر السياق.
ولابد من الإشارة في هذا المقام إلى تميّز المدرسة النحوية المغربية في تفسير بعض الظواهر الزمنية، خاصة ظاهرة اللاتوافق بين الإحالة الزّمنية للزّمن الصّرفي، والقيمة الزّمنية المناسبة للسياق؛ إذ فسرّ أبو موسى الجزولي سبب اللّاتناظر بمجموعة من القرائن، وذلك ما عبر عنه بقوله :« فالمستقبل بالوضع لا قرينة تزيله عما وضع له، والمبهم بالوضع له قرينتان تصرفان معناه إلى المضي دون لفظه وهما لو وربما، وقرينة تخلصه للحال، وهي الآن أو ما في معناها، وقرائن تخلصه للاستقبال وهي لام الأمر والدعاء ولا في النهي والدعاء ولام القسم ولا في النفي ونونا التوكيد وحرفا التنفيس»[9]
فاللاتناظر بين الزمن الصّرفي والزّمن في السياق النحوي حسب أبي موسى الجزولي تتحكم فيه مجموعة من القرائن؛ لأن الماضي له ثلاثة أقسام:
- ماضٍ لفظا ومعنًى، مثل: قعدَ…
- وماض لفظا لا معنى، مثل: لم يقم…
- وماض لفظا لا معنى، مثل: إن قامَ زيدٌ حُمدَ.
وللمضارع قرائن تصرف معناه إلى الماضي، مثل: لو يقومُ زيدٌ قام عمرو، وربما يقوم زيدٌ. فالمبهم معهما ماض في المعنى. والماضي له قرائن تصرف معناه إلى الاستقبال دون لفظه، وهي أدوات الشرط كلها.
وقد قسّمنا هذه الدراسة إلى مستويين هما: البنية الظّاهرية السّطحية، وتتعلق بمقاربة الأزمنة النحوية الواردة في المطلع وفق المنظور التأويلي العربي المستند إلى أقوال جمهور النّحاة، والبنية العميقة الباطنية، وتتعلق باستحضار السّياق التّداولي؛ لبيان مدى انسجام تلك الأحكام النحوية معه في بناء المعنى.
يقول الحراق في مطلع التائية:
أَتَـــطْلُبُ لَيْـــلَى وَهْيَ فِيكَ تَجَلَّــــــــــــتِ |
|
وَتَحْسِبـُــــهَا غَيْرًا وَغَــــيْرَكَ لَيْسَــــــتِ |
فـَــــذَا وَلَــــهٌ فِي مِلَّةِ الْحُبِّ ظَاهِـــــــــــرٌ |
|
فَكُنْ فَطِنًا فَالْغَيْرُ عَيْنُ الْقَطِيعَــــةِ |
أَلَـــمْ تــــَرَهَا أَلْقَتْ عَلَيْكَ جَمَالَـــــــــــــهَا |
|
وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بِالذَّاتِ مِنْكَ اضْمَحَلَّـتِ |
تَقُولُ لَكَ: ادْنُ، وَهْيَ كلُّكَ ثُــــــــــمَّ إِنْ |
|
حَبَتْكَ بِوَصْلٍ أَوْهَمَـتْكَ تَدَلَّـــــتِ[10] |
- الـبنيـة السّـطـحــــية/ الظّـــــاهر
بما أن قراءتنا لأبيات المطلع تروم الكشف عن فاعلية البنيات الزمنية في تائية الحراق، استرشادا بشرح محمد المهدي بن القاضي؛ فإن الأمانة العلمية تقتضي منا، ليس إثبات نص الشّرح كاملا وحسب؛ لاتخاذه سندا، في كشف أثر الزمن النحوي في بناء المعنى، بل للاستئناس بهذا الضرب الفّذ من اللغة والأسلوب، وللاقتراب من هذا التحليل اقتراب تفهّم لعبقرية أسلافنا المغاربة في نحث خطّة قرائية متميزة، تنضح بعبق الشّخصية المغربية، وقد فتحت طريق الإبداع في تأويل الخطاب الشعري، وانفكت من إسار الأطر القرائية المشرقية.
يقول محمد مهدي بن القاضي في شرح البيت الأول والثاني: «أتطلب أيها الطالب الجاهل ليلى التي هي حقيقتك، والحال أنها فيك متجلية، وفي نفسك ظاهرة ظهور المطلق في المقيد، لظهور المظروف في الظرف؛ إذ لا شيء معها، وتحسبها من جهلك وعمى بصيرتك أنها غيرك في الحقيقة، حيث حجبت عنك برداء الكبرياء، وتسترت بإزار العظمة، وهي والله ليست غيرك في الحقيقة، إذ لا وجود لسواها حتى تكون أنت من ذلك السوى، إنما أثبت وجود السوى، وهمك القاصر عن إدراك الحقائق، وعقلك المعقول عن شهود الدقائق، هيهات هيهات، إن هذا الطلب الذي يبدو منك أيها الجاهل، إلا وله وبله في ملة الحب الخاص، ومذهب أهل القرب الذين زاح عن بصيرتهم سحاب العمى، وزال ران السوى، فكن فاطنا لا تتغشم في وجود الأحدية، وكن حاذقا إياك أن تتوهم وجود/الغيرية؛ فإن توهم وجودها هو عين القطيعة [11]».
ثم يقول في شرح البيت الثالث والرابع: «ألم تر أيها الطالب بنظر فكرك، وتبصرْ بعين بصيرتك، ليلى التي هي حقيقتك وأصليتك، كيف ألقت وأظهرت عليك جمالها ظاهرا، ولو لم تكن قائمة ذاتك بها باطنا؛ لاضمحلت ذاتك، وتلاشت صفاتك، لأنك أثر فعلها وفعلها أثر صفاتها، وصفاتها قائمة بذاتها؛ إذ الصفات لا تقوم بنفسها، كما أن الفعل لا يقوم بنفسه، والأثر لا يكون بغير مؤثره، وحيث كانت ذاتك بها قائمة باطنا، من حيث الأصالة، كانت هي المتجلية عليك ظاهرا ،بأنوار الكمالات، فكيف يمكنك طلبها في غيرك، وهي الظاهرة عليك والمتجلية فيك، تخاطبك وتناديك بلسان التفرقة، حيث كانت التفرقة مطبوعة في مرآتك من شدة بعدك وحجابك وكثرة جهلك؛ إذ طلبتها في سوى نفسك، تقول لك ادن مني، واقرب إلي، يا من يطلبني في غير ذاته، ظنا منه أني سوى عينه، وجهلا بحقيقة أمره وهي العالمة بأنها كلك وجميعك في الحقيقة، فتسمع أنت نداءها من نفسك، إذ هي أقرب إليك من حبل الوريد، وتنظر جمالها ظاهرا عليك إذ هي نور السماوات والأرض وحياة العبيد، وتبصر وجودها شاملك بإشارة، كل شيء هالك إلا وجهه ،فتحقق حينئذ أنها عينك لا غيرك ،وأن لا مسافة بينها وبينك ،وتعلم أن قولها لك: ادن مني واقرب إلي، مواجهة لك بما أنت عليه من توهم البعد، وإلا فلا بعد ولا قرب، ثم إنها إن حبَتْك بوصْلٍ بعد إمكان قربك، أوهمتك؛ أي صيّرتك متوهما، أنها تدلت لك، حيث نلت منها مالم تنله قبل كشف الحجاب، وهي ما تدلت ولا تنزلت، بل لازالت على ما عليه كانت، إلا أنها كشفت عنك غطاءك، فتوهم عقلك أنها تدلت لك لوجود بقية فيك، فلو قطعتها لوجدت الوصول والقرب منك إليك، من غير تدن ولا تدل؛ إذ ما ثم سواك في حقيقة الأمر[12]».
3-1. نحوُ العقْلِ وبناءُ المَعْـــنى
تحدّث النحاة العرب عن علاقة الزمن بالفعل أثناء تقسيمهم له، وقد ورد ذلك في أول كتاب مؤسس للنحو العربي؛ إذ قال سيبويه: «وأما الفعل فأمثلةٌ أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، ولما هو كائن لم ينقطع[13]».
نسترشد في مقاربة هذه الورقة الموسومة ب «فاعلية البنيات الزمنية في بناء المعنى الشعري بالغرب الإسلامي» بالتقسيم الزمني أعلاه، وبقراءة الشّارح محمد مهدي بن القاضي للمطلع؛ إذ يقول: «الهمزة هنا للإنكار التوبيخي، وهي التي تقتضي أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم[14]».
فمن هو الملوم؟ وماذا أحدث حتى يلام؟ وكيف عبّر الزّمن النحوي عن هذا المعنى الشعري؟
تفضي بنا قراءة الأبيات الأربعة من الفصل الأول إلى معرفة أن الملوم هو العارفُ الذي تملكته حالةٌ من المحبة الإلهية، فتحير وشرع يطلب الحقيقة الأصلية الجامعة للكمالات كلها مع أنها متجلية فيه.
وإلى جردِ زمنيين نحويين رئيسين يتحكمان في النواة الدلالية للقصيدة ككل، وهما المضارع والماضي، وقد أجمع جمهور النحاة على أن الفعل المضارع «هو ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمن يحتمل الحال والاستقبال[15]» وأن الفعل الماضي «ما دل على حدث مقترن بزمن قبل زمن التكلم[16]» ولو أخذنا بهذين الحكمين في قراءة المطلع؛ لأمكننا القول:
إن زمن الحال المفهومَ من الفعل المضارع (تطلبُ) يكشف دأْب الشّاعر المجاهد نفسه في الحال؛ لينكشف له نور الغيب، ويرفع عنه حجاب البشرية، وهذا ما يتضح من أقوال العارفين التي استحضرها الشارح المحقق محمد المهدي بن القاضي، نحو قول الشّبلي أبي بكر بن جُحدر: «سميت المحبة محبة لأنها تمحو من القلب ما سوى المحبوب [17]»
فالعارف يطلب بإلحاح هذه المنزلة الرفيعة بلا انقطاع؛ أي صفة المحب الذي يمحو ما سوى المحبوب(الله) من قلبه، آخذا بقول مولانا عبد الواحد الدباغ «المحبة نار والنار لا تبقي ولا تذر[18]» والمطلوب هو (الاتحاد) بالمحبوب و(الفناء) فيه. وقد عبّر عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي عن هذا المعنى بقوله:
وَلَيْسَتْ سِوَائي لَا وَلَسْتُ بِغَيْرِهَا وَمِنْ بَيْنِنَا تَاءُ التَّكَلُّمِ ضَـــــــــــــــــــــائِعُ[19]
وإن زمن الحال المفهوم من الفعل المضارع (تَحْسِبُ) يبيّن أن العارف يحيا وهْم الغيْرية في حاضره، ويعجز عن إدراك الحقيقة الأصلية التي استعار لها لفظ (ليلى).
ويرشح اسم الإشارة (ذا) في قوله (فذَا ولَهٌ) معنى الحال المفهوم من فعلي (تطلب، تحسب)؛ لأن الإشارة تقع بها إلى حاضر، فقد أشار إلى ما في نفسه من الوله، وذلك حاضر، ومثله قولك: (قد نفعني علمك هذا الذي تعلمني).
ولأمكننا القول: إن زمن المضي المفهوم من الفعل الماضي (تجلّت) يدل على أن (ليلى) أي الذات الأزلية قد ظهرت في العارف قبل زمن التكلم، وانكشفت لقلبه من نور الغيب، وتحققت فيه، فهي حقيقته التي ظهرت ظهور المطلق في المقيد.
وفي هذا قال أبو بكر الواسطي: «ظهر في كل شيء بما أظهر منه، وإظهاره الأشياء ظهوره بها، فإذا فتّشتها لا تجد غير الله[20]».
وعليه فإن زمن المضي المفهوم من فعل (تجلّت) يتساوق مع حقيقة فناء الذات، بحيث لا يرى [العارف] سوى الذات الأحدية، فهو قد اضمحل الآن وصار مظهرا من مظاهر حقيقته. وقد عبر القرآن الكريم عن اقتران تجلي الحقيقة الأصلية بالفناء في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا[21]﴾
ويمكن القول إن الزمن الماضي المفهوم من (لم ترها، ولم تقم، وألقت)، يدل على أن رؤية العارف لجمال الله، وقيامه بذات الشّاعر، وإلقاء الجمال عليه قد تحققت وتمّت. لكن قرائن السياق المتضافرة في مطلع القصيدة تمنعنا من الاكتفاء بهذا التأويل الظاهري الحسّي أو العباري للألفاظ، أو كما قال hadland davis :
” the meaning of sufi words often appears sensuous when we taken literally But it’s essentiol to view them as expressions of intense spiritual longing and devotion towards god[22]“.
مما يدفعنا دفعا إلى تعميق التأويل أو إلى التأويل الإشاري للوقوف على مقصدية الشاعر.
- البنية العميقة /الباطـــــــن:
4-1. نحوُ القَلْبِ وبناءُ المَعْــنى
انتهينا في المستوى الأول من القراءة مسترشدين بقول جمهور النحاة إلى أن الفعل المضارع يحتمل الدلالة على زمني الحال والاستقبال، فيكون المعنى أن الشاعر يعكف على طلب الحقيقة الأصلية، ويتوهم أنها غيره في الحال؛ أي اللحظة الحاضرة، لذلك شاع في أدبيات التّصوّف أن « الصوفي ابن وقته[23]».
وهم يقصدون أنه حقيق بالانهماك في الأوْلى، فتَوْفيّةُ اللحظة الحاضرة أنفع من شغل النفس بما مضى وانتهى. ولكن زمن المُضي المفهوم من الفعل الماضي (تجلّت) يضعنا أمام مفارقة زمنية تدفعنا إلى التساؤل عن حقيقة الزمن الذي يؤطّر المعنى الشعري في القصيدة.
4-2. السّــــنّـــد الصّـــوفي
قبل الانتقال إلى المستوى الثاني من قراءة مطلع تائية الحراق خليق بنا أن ننوه بحرص علماء المغرب على قول كلمة الفصل في مجموعة من القضايا الدينية، كما فعل اليوسي-رحمه الله- حين قطع قول كل متكلم في مفهوم التوحيد بكتابه (مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص)، الذي خصصه لمسألة الهيللة؛ أي « هل الحق سبحانه وتعالى مما يدخل في النفي بلا، وهل تنتفي بها ألوهية الصّنم وغيره مما عبد من دونه باطلا أم لا؟ [24]».
وعلى نهجه سار سيدي محمد المهدي بن القاضي في توضيح مسألة (الحلول) التي يعتقد القائلون بها أن الله «متحد بالعالم في الزمان والمكان اتحادا تاما وحصريا [25]» فبيّن الشارح فساد هذه العقيدة بالمعنى المتداول عند القائلين بها بقوله «إياك أن تشم رائحة حلول من قول الناظم أو تجد عرف اتحاد من قوله وغيرك ليست، فإن ذلك يؤدي إلى أنه تعالى في أجواف الوحوش والحشرات، وتعالى الله عن ذلك علو كبيرا، بل اعتقد فيه أنه يجرد الوحدة لله عز وجل كما هو عند الجمهور، ومقام الوحدة يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل هو في شيء ،أو يتحد به شيء ،لأن من شروط الحلول والاتحاد، أن يكون الحال غير المحل الذي حل فيه والمتّحِد غير المتحَد به وأرباب الوحدة لا يرون اثنينية، ولا يقولون بالغيرية، وحيثما وجدت الظرفية في كلامهم، استحالت الاثنينية في مقامهم، فافهم هذا وتحققه بنعت الذوق، تنفتح لك أبواب مغلقات، وتحل به كثيرا من المشكلات [26]»
ولذلك فحين يطلق الشارح مصطلحي “الحلول” و”الاتحاد” فإنه يؤوّلهما بما ينسجم مع تنزيهه لله عز وجل، وبما ينسجم وعقيدة الشاعر الحرّاق، وهو شيخ الطريقة الدرقاوية الشاذلية التي تمثل التصوف السني الأشعري الذي تبناه المغاربة؛ لقيامه على ما ورد في الكتاب والسنة؛ ولبعده عن التجريد، والمذاهب الفاسدة، والشبهات والانحرفات.
وقد ذكر الشيخ أحمد زروق الفاسي -رحمه الله- الذي عاش في نهاية الدولة المرينية، وبداية الدولة الوطاسية، في القاعدة الثالثة والثلاثين بعد المائة أن الشّاعر العارف لا ينبغي أن يسيء الأدب مع الله عز وجل، فيحمل وصفه لله على (ليلى) و(سعدى).
وإخاله يضع قيودا للشعراء العارفين في بوحهم بحبهم لربهم حتى لا يتعدوا حدود الله، ولا ينساقوا وراء التعابير الموحية بأمور لا تليق في حق المولى من قبيل الأعراض الزائلة، نحو الشهوة، والرغبة، والشوق، أو الإيحاءات الفاسدة، مثل جنس الخالق. وفي هذا شاهدٌ آخر على وسطية التصوف المغربي وقصده، وعدم جنوحه مع الأفكار الفاسدة التي تردى إليها كثير من متصوفة المشرق.
وإذا كان (الحال) يشكل محور التجربة الصوفية، وهو منزلة روحية يتصل فيها العبد بربه، فتتحقق له أسمى آيات الواحدية، ويحصل الإشراق، ويفيض العلم الذوقي على العارف؛ فإنه يصبح واجبا في قراءة المطلع من خلال الزمن النحوي، اعتبار هذه الحقيقة في توجيه المعنى الشعري.
ولعله من نافلة القول إن العارف يعبّر في القصيدة عن العشق الإلهي أو حال من الجنون والوله؛ أي التحيّر، وقد ورد في المعجم أن الوله ذهاب العقل واضطرابه، وهي «خفة تصيب الإنسان من سرور أو حزن [27]» وجاء في الأثر «كُلكم في ذات الله حمقى [28]» ولعل في اختيار رمز ليلى للذّات الأزلية ما يؤكد هذا التأويل[29].
وإذا كان الجنون في علم النفس فقدان مبدأ الواقع؛ فإن الحالة التي يعيشها الشّاعر تجعل تجربته متأبية على الزمن الطّبيعي ذي المقاييس الثابتة؛ لتنفتح على زمن نسبي مقدس أو مطلق ينبعث من التجربة الوجدانية الداخلية.
وهو زمن نفسي أو «حالة نفسية يكون المريد عليها ولا إرادة له فيها[30]» وتتجلى في الأحوال النّفسية التي تعتور العارف من خوف، وقبض، وبسط، وحب. ومادامت التائية في التعبير عن الحب الإلهي، فهي أدخل في الزمن النّفسي وألصق به؛ لأن الحب «أخذ جمال المحبوب بحبة القلب[31]».
والذي يرجّح هذا الفهم هو طبيعة العمل الذي يقوم به العارف في هذه الحال، فهو عمل لا يندرج ضمن العبادة الظّاهرة، وإنما هي عبادة قلبية باطنة. وإذا استحضرنا علاقة الزمن بالجهة؛ أي «بالأسلوب الذي يعرض به الحدث من تمام واستمرار وتكرار ونشاط اعتيادي[32]»؛ لاتضح أن الزّمن في القصيدة نسق حي يغتني بتحولاته ضمن السياق التداولي المؤطّر لها.
وإذا تدبرنا شرح محمد مهدي بن القاضي للبيت الأول من التائية؛ إذ يقول: «الهمزة هنا، همزة الإنكار التوبيخي، وهي التي تقتضي أن ما بعدها واقع، وأن فاعله ملوم[33]» اتضحت لنا تحولات الزمن في القصيدة، بما ينعكس على فهم المعنى الشعري بالثراء والغنى، فالقيمة الزمنية للمضارع والتي تتناوس بين الحال والاستقبال، لا تسعفنا في الكشف عن المعنى الذي يتلاءم مع سياق البيت، إن نحن ربطناه بالحال، وهو سياق إنكار للفعل وتهديد عليه. فأما سياق الإنكار التوبيخي فيقتضي أن يغدو(تطلب) بمعنى (طلبْتَها) و(تحسِبُ ليلى) بمعنى(حسِبْتَها)؛ فاللوم، والتوبيخ لا يكون إلا على شيء قد حصل.
بينما يرجح سياق التهديد أن يكون زمن الفعلين السابقين زمن استقبال، فالشّاعر يتوقع حصول الطلب والحسبان في المستقبل، ونضيف أنه لا يقبل أن يكون اللّوم على فعل في المستقبل إلا إذا أصبح لصاحبه كالعادة، فهو يطلب ليلى عادة، ويحسبها غيره عادة؛ وبهذا الحدث الاعتيادي دخل الفعلان في إطار الزمن المطلق؛ لأنه نمطٌ من أنماط التّعبير عنه.
وقد نبّه على هذه الظّاهرة إمامُ النّحاة سيبويهِ في الكتاب بقوله: «وقد تقع نفعَلُ في موضع فعلْنا في بعض المواضع[34]» يقول شمر بن عمرو الحنفي:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي فَمَضَيْتُ ثُم قُلْـــــــــــــــــــــتُ لَا يَعْنِينِي[35]
ويشرح ابن جني (أمُرُّ) بــــــ (مرَرْتُ)، والذي يرجّح شرحه ذاك، قوله في الشطر الثاني(مضيْتُ). وبتعبير الصوفية أنفسهم تصبح الصيغ قابلة للحلول في كل صيغة، فتارة مرعى للماضي، وتارة ملهى للحاضر، وأخرى للمستقبل.
وقد فسّر ابن عربي هذا الأمر بقوله: «ومعقولية الزمان أمر متوهم معقد، لا طرفين له، فنحكم عليه بالماضي، لما مضى، ونحكم عليه بالمستقبل لما يأتي فيه، ونحكم عليه بالحال لما هو فيه، وهو مسمى الآن[36]».
فلا وجود لأزمنة مختلفة بمنطق التصوف؛ وإنما هو زمن نفسي أو ديمومة حية لا تقبل القسمة.
إن ظاهرة اللّاتناظر بين الزمن الصّرفي والزّمن النّحوي تصرف الفعل إلى الزمن المطلق، و تتجلى في المطلع من خلال دخول (لم )على المضارع في قول الشاعر(ألم ترها) و(لو لم تقم)؛إذ انقلبت الصّيغة الزمنية من الحال إلى الماضي، وعليه فإن الحرّاق حين يأتي بالفعل في صورة المضارع لا يبغي الحال؛ إذ لا يعقل أن نؤطر الرؤية هنا من الذات في تجربة العشق والجنون بالماضي؛ لأنها رؤية غير حسية، وهي تتعذر على القياس بالمقاييس التجريبية، ولا يليق أن نؤطر القيّومية من الحقيقة الأصلية بالماضي؛ أي بالزمن النحوي الدال على المضي المعبّر عن الزمن الحادث الفلكي، تنزيها للذات العلية من التّجسيم؛ لأننا لو فعلنا ذلك؛ لجعلنا المخلوق ظرفا للخالق، ولجعلنا المحدِث مفتقرا للمحدَث، فأجرينا عليه الزمان، وهو خالقُ الزمان، ولا يخفى ما في هذا القول من فساد.
وقد ذهب الشارح محمد المهدي بن القاضي إلى أن «ترى تحتمل أن تكون رؤية علم أو رؤية بصر[37]» دون أن يرجح أحد المعنيين، والذي نحسبه مناسبا للسياق أن(رأى) هنا رؤية علم؛ فهو «من أفعال اليقين أيضا بمعنى (علم واعتقد)[38]».
وفي هذا المعنى قال خداش بن زهير:
رَأَيْتُ اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ مُحَاوَلَةً وَأَكْثَرَهُمْ جُنُودَا[39]
أي «إنني أعلم أن الله أعظم قدرة وأكثر جندا من كل مخلوق[40]» ورأى هنا نصبت مفعولين الأول الضمير المتصل(ها)والثاني (جملة ألقت) ، فالرؤية المقصودة عند الحراق هي الرؤية القلبية النابعة من فيض الوجد والذّوق الذي ينثال على العارف لحظة فنائه عن ذاته.
ونظرية المعرفة عند المتصوفة تقوم على اعتبار الكشف وسيلة رئيسة للمعرفة، وهو لا يتحقق-الكشف- إلا في حال مخصوص، يغيب فيه المتصوف عن وعيه، وتتعطل حواسه؛ لتقوم محلها نواقل من طبيعة روحية قادرة على ربط الاتصال بين العبد وربه، وهي لحظة تعجز الوسائط المادية؛ أي الحواس عن تغطيتها.
فالكشف، والحدس، والإشراق هو ما يلائم هذه الحال؛ فلا مجال للحديث هنا عن رؤية بصرية لا اعتبار لها في هذا المقام؛ إذ ليس من طبيعتها أن تتعلق بالأرواح، وإنما هي مقصورة على الأشباح، ولا يليق بالعارف أن يتعلق بالظّلال، ويطلب مولاه طلبا حسيا زائفا وخادعا، وهو ما ينبو عن مقام الجلال والكمال.
وحين نستحضر معنى القيـــّومية الذي يدل عليه قول الشاعر (لو لم تقم) سنحجم عن تأطير الفعل ضمن زمن الماضي؛ لأنه يرتد في النهاية إلى التعبير عن الزمن الفلكي المادي، وهذا ما بينه ابن يعيش الذي رأى أنه «لما كان الزمان ثلاثة: ماض وحاضر ومستقبل، وذلك من قبيل أن الأزمنة حركات الفلك فمنها حركة مضت ومنها حركة لم تأت، ومنها حركة تفصل بين الماضية والآتية، كانت الأفعال كذلك ماض وحاضر ومستقبل[41]».
ذلك أن قيومية الله متعالية عن الزمان المخلوق له. والفعل (اضمحل) ماض صيغةً مطلق معنى؛ لأنه واقع جوابا للشرط، فليلى قائمة بذات المخاطب، والشاعر من خلال الشرط يطرح فرضية حول مصير الذات في حال لم تقم ليلى بها، وهذه الفرضية مستحيلة التّحقق؛ إذ إن ليلى قائمة بالذات الأزلية فعلا؛ أي مضافة إليها إضافة افتقار.
إذن؛ فلا زمن نحويا للفعل اضمحلت؛ لأنه محض احتمال وفرض، وبتعبير آخر: فهو زمن مطلق.
ولقد أشار العلّامة أبو موسى الجزولي أنحى نحاة المغرب على عهد الدولة الموحدية في مقدمته النّحوية إلى حالة التنافر بين الزمن الصرفي والزمن النحوي بقوله: «والمبهم بالوضع له قرينتان تصرفان معناه إلى المضي دون لفظه وهما لو وربما [42]»
المبهم الذي يتحدث عنه العلامة الجزولي هنا هو المضارع، فهو يدل على الحال صيغة، ويقبل الدلالة على المضي بقرينة، والذي يهمنا هو المصطلح الموظف للتعبير عن اللاتناظر بين الزمن الصرفي والزمن النحوي؛ أي مصطلح المبهم، فالإبهام والغموض الذي يلف المضارع يجعله قابلا- ليس للدلالة على الحال والاستقبال والمضي بقرينة -بل للدلالة على زمن مطلق غير محدد أيضا.
وتتعمق حالة اللاتناظر بين الزمن الصرفي والزمن النحوي في الأفعال التالية: (تقول) و(ادن) و(حبتك)و(أوهمتك)و(تدلت) فالسياق لا يسوّغ موضعتها في زمن من الأزمنة المعلومة (ماض، حال، مستقبل)؛ لأنها مسندة إلى ليلى التي ترمز إلى الحقيقة الأصلية عند الصوفية، وهي تقول للعارف ما تقوله في حال الوصول، وفنائه عن الخلق، حال الوله حيث خفة الفرح والسرور.
وفي هذا المعنى يقول القشيري: «أحوال المحب شهود عليه أبدا، فإن كان الوقت وقت وصال، فاختياله ودلاله، وسروره وحبوره، ونشاطه وانبساطه [43]» وتلك حال مكرورة عند الواصلين من المحبين، أو هي عادة فيهم، فلا يصح ربطها بزمن محدّد، كما أنها تستعصي على القياس المادي؛ إذ إنها متصلة بمقام الوجد الذي سبق وقلنا: إنه يتأبّى على التكميم.
يقول القشيري رضي الله عنه «وأما الأحبابُ فالليلُ لهم إِمَّا في طرَب التلاقي وإما في حَرَب الفراقِ، فإن كانوا في أُنْسِ القرابة فَلَيْلَهُم أقصرُ من لحظة، كما قالوا:
زارني مَنْ هَوَيْتُ بعد بعادٍ بوصــــــــــال مُجَدَّدٍ وودادِ
ليلة كاد يلتقي طرفاها قِصَراً وهي ليلة الميعادِ
وكما قالوا:
وليلةٍ زَيْنُ ليالي الدّهر قابلتُ فيها بدرها ببــــدر
لم تَسْتَبِن عنْ شققٍ وفجرِ حتى تولَّت وهي بِكْرُ الدهر
وأمَّا إن كان الوقتُ وقتَ مقاساةِ فُرقة وانفرادٍ بكُرْبة فَلَيْلُهم طويل، كما قالوا:
كـــــــــــــم ليلةٍ فيك لا صبـــــــــــــــــــــاحَ لها أفْنَيْتُها قابضاً على كبــــــــــــــــــــــــدي
قد غُصَّت العينُ بالدموع وقـــــــــــــــــد وضعتُ خدي على بنان يدي [44]»
وضمن حالة اللّاتناظر هذه تحل الصّيغ في بعضها البعض، فيصبح الماضي مستقبلا، ويصير المضارع ماضيا، وهو ما يتناسب مع التّجربة الصوفية، وقد عبّر أبو طاهر المكي عن هذه الحقيقة تعبيرا طريفا؛ إذ قال: «إذا تيقن العبد علم أن عمره كله يوم، وأن يومه كله ساعة، وأن ساعته كلها وقته الآن[45]». فالعمر بمنطق الحب يصبح يوما، واليوم يصبح ساعة، والساعة تصبح لحظة.
وهذا التداخل بين الأزمنة هو ما أطلق عليه هنري برجسون الديمومة «وهي صورة التتابع الزمني لما نحس به مباشرة في حياتنا النّفسية، وهو يختلف عن معنى الزّمان الطبيعي الذي يقاس بالسّنين والشّهور والأيّام والسّاعات[46]».
وعليه يصبح الحاضر هو الماضي القريب والمستقبل القريب، والشّعور هو الذي سهل عملية التداخل بين الأزمنة، هو حلقة الوصل بين الماضي والمستقبل.
4-3. السّنـــد الـــنّحوي
توسّل الشّاعر بفعلين ناقصين هما: (كان وليس) اللذان تواطأ جمهور النحاة على أنهما فعلان ماضيان ناقصان. وذهب ابن هشام إلى أن(لــيس) كلمةٌ دالةٌ على نفي الحال، فأما كان فاستعملها بصيغة الأمر (كن فطنا) والذي يدل على زمن معلّق، مطلق، ولا يدل على حاضر ولا مستقبل؛ لأنه لم يقع بعد منه كونٌ؛ أي وجود وحصول واتصاف بالفطنة، وإلا لما طلب منه ذلك.
وأما ليس فاستعملها بصيغتها للدّلالة على نفي الغيرية في الماضي على رأي الجمهور، وفي الحال على رأي ابن هشام، وتأكيد الاتحاد (وغيرك ليست) بيد أن السياق التّداولي للقصيدة يمنعنا من فهم الزمن الماضي أو الحاضر من ليس، فالمحبة في اصطلاح الصوفية لا تتعلق بالماضي؛ لما في ذلك من معنى سلبي يوهم باحتمال غفلة المحب عن المحبوب في لحظة من الزمن، ولا بالحاضر لما فيه من توهم أنها غيره في الماضي، والحاصل نفي الغيرية مطلقا، فهي ليست غيره في الماضي، والحاضر، والمستقبل.
وتعليق شبه الجملة الذي يتضمن ضميرا يحيل على الذات الشاعرة (فيك) ب (تجلى) يسوغ لومه وإنكار فعل الطلب والحسبان عليه، ولو علق بما يندرج تحته العارف وغيره لما كان للومه وتهديده من مسوغ.
بات شائعا لدى الباحثين في الأسلوبية أن الأسلوب اختيار يتمظهر من خلال عدة تجليات، وإن شئت قلت إن الشّعر محل للاختيار، ويتضح الملمح الأسلوبي عند محمد الحراق من خلال مجموعة من الظواهر:
أولـــــــها:
تعبيره بالفعل النّاقص للإشارة بالأمر (كن فطنا) إلى استحالة إحداث ذلك منه؛ أي إلى استحالة اتصافه بالفطنة؛ لأن حالة الاتّحاد بالذّات العليّة تنافي ذلك، فكلّما غاب عن عقله دلّ ذلك على استغراقه في حالة الوجْد الإلهي، أو كما قال ابن القاضي حال «استهلاك وجود المحب في وجود الحبيب، حتّــى لا يبقى له اسم ولا رسم، ولا أثر ولا عين[47] »
ثانيــــها:
استعمال (حسِب) الدّالة على اليقين؛ لأن درجة الوله التي يعيشها الشّاعر لا يناسبها إلا هذا الفعل، ولولا ذلك لزال عنه ران السِّوى، وتكشفت له الحقيقة، وعلم أنه يطلب محالا.
ثالثـــــها:
إخراج الاستفهام مخرج الإنكار تارة، ومخرج التّــقرير تارة أخرى، وإخراج الأمر مخرج الإرشاد انسجاما مع طبيعة التّجربة الشعرية التي تتناوس بين وحدة الشهود ووحدة الوجود.
فأما إخراج الاستفهام مخرج الإنكار، فيناسب التّجربة الشّعرية بما هي تجربة وجْدٍ، والوجْد «ما يكون عند ذكر مزعج، أو خوف مقلق، أو توبيخ على زلة [48]» والشّاهد عندنا أن مقام المطلع مقام توبيخ على زلّة اقترفها الشاعر، وهي طلبه ليلى المتجلية فيه.
وإخراجه مخرج التّقرير يدل على أن الزّمن في القصيدة زمن نفسي مطلق، و«تبدو الحيرة والدّهشة اللتان تميزان حالة الوجد الإلهي مشروطتين بمشاهدة الجمال المطلق الذي تعين في الأشياء مشاهدة مباغتة[49]» إذ جمال الذّات العليّــة معنى بالغ اللّطف، دقيقٌ عن الوصف، يذوقه الجَنان، ويعجز عن نعته اللّسان.
وفي اصطلاح القوم رضي الله عنهم «نعوت الرحمة والأنس من الحضرة الإلهية[50]» ففي قرب العارف من الله بقلبه، غياب عن وجوده الوهمي، وهو قرب يتّحد فيه المحب والحبيب الرائي والمرئي، فينثال السؤال في حال الوجد؛ ليعبر عن تردد الشاعر بين رؤية الجميل من عدمها، ويحمل نفسه على الإقرار.
وأما إخراج الأمر مخرج الإرشاد فالغاية منه تربية العارف على قاعدة من قواعد التصوف، وهي «من ظهر نور الحق على قلبه لم يبق فيه نصيب لغيره [51]».
رابعــــــها:
اختيار أوزان محددة للمصادر وللمشتقات الملائمة لحال الشاعر، أما المصدر فقد اختار له وزن (فَعَل) الذي يدل على الخفة، وهو وزن ملائم لحال الشّطح التي يعيشها الشاعر «ألا ترى أن الماء إذا جرى في نهر ضيق فيفيض الماء من حافتيه يقال شطح النهر [52]».
والعارف امتلأت نفسه بالانفعالات الروحانية؛ وهاجت من شدة غليانها وغلبتها، فطلب إقبال (ليلى) عليه، وجاء بهذا اللفظ المستغرب الذي اقتضى إنكار ذلك عليه. فحمل وصفه تعالى على ليلى إساءة أدب لولا أن صرف إلى نية قائله، وهو في مقام أراد به الله خالصا[53].
ومثل وزن (فَعِل) للصفة المشبهة « وهذا البناء -على العموم- يدل على الأعراض أي عدم الثبوت [54]» أو على « الهيجانات والخفة[55]» كالقلق والفرح .
خامســـــها:
لما كانت المعرفة الصوفية، وهي معرفة ربانية، كشفًا، وحالًا من المعاناة الداخلية، يتجاوز الظاهر إلى الباطن، ويتجاوز العقل، عبر سفر من العالم إلى الله؛ وظّف الشّاعر بعض الأفعال المنسجمة مع طبيعة المعرفة الصوفية، مثل(رأى) القلبية التي تنتمي إلى زمرة من الأفعال النفسية، وهي بتعبير ابن يعيش «غير مؤثرة لا واصلة منك إلى غيرك[56]»؛أي لا تحدث أثرا خارجيا، نحو كَسَرَ، وإنما «هي أمور تقع في النفس[57]».
فالصوفي يرى بقلبه؛ لأنه محب؛ أي يعرف بقلبه، والمعرفة القلبية هي التّعرف على الله دون توسط المعرفة العقلية. و(رأى) في سياق البيت تعني العلم الذي يشرق في النفس، في القلب اللامتناهي بشوقه وحبه. ويشرح ابن يعيش معنى العلم بقوله: «فالعلم هو القطع على شيء بنفي أو إيجاب[58]».
4-4. الســــند المعجمي
ورد في لسان العرب «الفطنة كالفهم. والفطنة ضد الغباوة. ورجل فطن بيّن الفطنة والفطَن. وأما الفطن فذو فطنة للأشياء[59]» فالأمر(كن فطنا) هنا محض شطحة تستعصي على الزمن؛ إذ لا زمن في الجنون، الذي يؤكده السند المعجمي، فاستعماله للفظة (فطنة) وتوبيخه لنفسه على الاتصاف بها يدل على أنه غائب عن عقله حين طلب ما طلب.
واختياره كلمة (وله) في وصف حاله يؤكد على أن الزمن المؤطّر للقصيدة هو زمن نفسي مطلق؛ ذلك أن زمن المتصوفة مرتبط بأحوالهم، والوله حال تعتري الصّوفي، فيشعر معه بالخفة فرحا وحبورا، ولهذا يرى القشيري أنه إذا كان قلبه يتعلق به [المنتَظَر]فيحدث فيه لذة وسرورا، وارتياحا نفسيا يسمى هذا الحال رجاء.
والرجاء إذن حالة نفسية شعورية يتخللها الفرح والطرب بتوقع حصول المطلوب، وهو هنا القرب من المحبوب، فقلب الشاعر متعلق بالحقيقة الأصلية، منتظر فيض كرمها عليه، وتجليها له تجلي رحمة.
4-5. السنــــد العقَدي
يقول السّنوسي أحد أعمدة الكلام على طريقة أهل السنة والجماعة بالغرب الإسلامي: «ويجب له تعالى أن يكون مخالفا في ذاته وصفاته لكل ما سواه من الحوادث، وإلا كان حادثا مثلها[60]».
أي أنه لما كان سبحانه متصفا بالقدم والبقاء خالف الحوادث في الجرمية ولوازمها، فلا يحيط به مكان، ولا يجري عليه زمان؛ لأنهما مخلوقان له.
يدل هذا المبدأ من جهة على سلامة اعتقاد المغاربة؛ لنبوه عن التجسيم، ويدل من جهة أخرى على أن الفعل الماضي (تجلّت) ماض لفظا ومطلق معنًى، أو بتعبير أبي موسى الجزولي ماض لفظا ومبهم معنى[61]؛ لأن الله تعالى «ليس له جهة مقيدة ولا مكان، ولم يجر عليه وقت معلوم ولا زمان[62]».
وقد أشرنا أعلاه إلى أن متصوفة المغرب قد اتخذوا من التصوف السني منهجا؛ وترسموا خطوات الجنيد رضي الله عنه: «الطريق إلى الله مسدود على خلقه إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم[63]» فنفروا من النظريات الصوفية الفاسدة، مثل الحلول، والاتحاد.
ولعل التحذير الذي وجهه ابن القاضي لقارئ شرحه على تائية الحراق فيه كفاية، ولا يدع زيادة لمستزيد في هذا الموضوع؛ إذ قال في سياق تعليقه على المطلع:
أَتَـــطْلُبُ لَيْـــلَى وَهْيَ فِيكَ تَجَلَّتِ وَتَحْسِبـُــــهَا غَيْرًا وَغَـــــــيْرَكَ لَيْسَـــتِ
«إياك أن تشم رائحة حلول من قول الناظم أو تجد عرف اتحاد من قوله وغيرك ليست»[64] وهذا التحذير يفيدنا في التأكيد على طبيعة الزمن المؤطّر للتجربة الصوفية في القصيدة؛ أي الزمن النفسي أو المطلق.
فالشارح لما بيّن خطأ اعتقاد الحلول؛ دل على أن الحلول من جهة لا يعني أن يحل الخالق في المخلوق، ولا المخلوق في الخالق مصداقا لقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾[65] وأن الاتحاد هو إثبات الوحدة لله عز وجل؛ لأن «مقام الوحدة يتعالى أن يحل فيه شيء أو يحل هو في شيء، أو يتحد به شيء، لأن من شروط الحلول والاتحاد، أن يكون الحال غير المحل الذي حل فيه والمتّحِد غير المتحَد به وأرباب الوحدة لا يرون اثنينية [66]».
ودلّ التحذير من جهة ثانية على أن حال قرب العبد من مولاه باتباع الأوامر واجتناب النواهي يتعذر تأطيرها بالزمن الحادث أو موضعتها في زمن نحوي يرمز إلى زمن فلكي وجودي مخلوق.
4-6. السند الاشتقاقي:
يرجح اشتقاق (الحب) في قول الحراق (فذا وله في ملة الحب) دلالة (تطلبُ) على مطلق الزمن أو على الزمن المطلق؛ لأن الحب مشتق من اللزوم والثبات، فقولهم: «أحب البعير بمعنى استناخ ولم يبرح [67]» قال تعالى: ﴿إني أحببت حب الخير[68]﴾.
فما الغاية من ذلك؟
خدمة الزمن المطلق أي الزمن الصوفي حيث يتداخل الحاضر بالمستقبل والماضي، وهذا ما يؤكده الاستفهام الإنكاري في المطلع، فماذا ينكر العارف هنا؟
ينكر ويوبخ المخاطب على فهم المطلوب على الحقيقة، والمطلوب ليس هو ليلى المرأة، بل الذّات العليّة، الحقيقة الأصلية الجامعة للكمالات كلها، وينكر فهم المطلوب على الحقيقة؛ أي الفهم الظاهري لزمن الفعل مضارعا كان أم ماضيا، فلا الماضي هنا يظل ماضيا، ولا المضارع يبقى مضارعا؛ إذ يحل الماضي في المضارع والمضارع في الماضي، ولا جرم في ذلك، فوحدة الزمنين مؤطرة بوحدة الوجود أساسا.
واللغة تمنع ذلك، تمنع أن يكون الزمن حقيقيا؛ أي ظاهرا، من خلال الحكم على حال الذات التي تطلب ليلى بالوله. ففي الوله يغيب مبدأ الواقع، والواقع يقوم على التقسيم الواضح للزمن، إذن؛ فالواله يخلط بين الأزمنة، ولا يقصد زمنا بعينه.
وفي رواية أخرى ذكرها الشّارح محمد مهدي بن القاضي (فذا بلهٌ[69])، لكنه لم يرجّح الرواية الملائمة للسياق، واكتفى بشرح المعنى اللغوي للبله قائلا :« ومعناه السهو والغفلة[70]».
ولا نحسب هذا المعنى ملائما لسياق البيت، ولا للدلالة الإطلاقية أو النفحة القدسية المجللة لمعناه، والمنسجمة مع الحالة الوجدانية التي يعيشها الشاعر، وإن شئت قلت: إنه معنى غير لائق، فليس من المقبول أن يسهو المحب عن حبيبه، ولا من المعقول أن يغفل الإنسان عن كينونته.
ولو أنه شرح البله بسلامة الصدر وإغفال أمر الدنيا والإقبال على الآخرة؛ لكان أنسب للمقام لما جاء في الأثر من أن «أكثر أهل الجنة البله[71]»؛ أي «الغافل عن الشر، المطبوع على الخير وقيل هم الذين غلبت عليهم سلامة الصّـــدر، وحسن الظن بالنّاس؛ لأنهم أغفلوا أمر دنياهم، فجهلوا حذق التصرف فيها وأقبلوا على أخراهم فشغلوا أنفسهم بها، فاستحقوا أن يكونوا أكثر أهل الجنّة[72]».
4-7. الســــــند البلاغي:
- التجريد:
وظف الشاعر التجريد في المطلع؛ أي إخلاصه الخطاب لغيره، وهو يريد به نفسه لا المخاطب، وهذا الأسلوب فيض من غيض الوجد الذي يتلبّسه، وهي حال نفسية ذوقية تتعالى على القياس المادي؛ لأنها مقترنة بتجربة فوق الزمان والزمن.
ويعد التجريد في هذا المقام صورة للاستبطان أو التأمل الداخلي، حيث يتأمل العارف نفسه بنفسه باطنيا في إدراكه للزمن والشعور به وجدانيا، ويتوسل بالتجريد المحض لما له من نكتة بلاغية، وهي أن يتمكن «من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره على نفسه [73]».
بمعنى حتى يتمكن أوّلًا؛ من توبيخ نفسه توبيخا صادقا كأنه يوبخ غيره؛ لأن النّفس البشرية مفطورة على ادّعاء البراءة والتّعجيل بتبكيت الغير بعنف وقسوة، وحتى يتمكن ثانيا؛ من تحليل نفسيته الوالهة تحليلًا من شأنه أن يخفّف من حدة حيرتها. وبتعبير آخر فالتجريد أيضا يمنع فهم الزّمنين على حقيقتهما.
- الاستـــعارة:
استعار الحرّاق ليلى للذات العلية؛ وهذه الاستعارة تخدم الزمن المطلق في القصيدة؛ لأن (ليلى) هذه تحمل مجموعة من الأبعاد منها البعد الرمزي الضارب في تاريخ العشق المفضي إلى الجنون، ولا يخفى أن كل عاشق عذري هو مجنون أو مشروع مجنون، وكذلك الصوفي في حال الوصل.
فليلى رمز، ومن شروط الرّمز التعالي عن الزمان والمكان؛ وإن شئت قلت: إنها شبحٌ، مثل الحب نفسه، نتكلم عنه ولا نراه. ولما كانت رمزا؛ وجدناها موغلة في اللّاشعور الجمعي للإنسانية؛ تعبر عن منحى من مناحي الوجود، هو النّفس البشرية التي تشكل معرفتها عند المتصوفة معراج الإنسان إلى معرفة الله.
4-8- السند الصّرفي:
والصرف يمنع ذلك (ظاهر، فطن) فاسم الفاعل عند النحاة يدل على الحدث والحدوث وفاعله، ويدل على المضي تارة، وعلى الحال تارة، وعلى الاستقبال تارة أخرى، غيرأن اقترانه في البيت ب (فطِن) التي تحتمل الصفة المشبّهة، وصيغة المبالغة؛ تجعلنا أمام زمن جديد، لا هو بالمضي، ولا بالحال، ولا بالاستقبال، زمن يرتفع عن أقسام الزمان المعروفة.
فإذا افترضنا أن (فطن) صفة مشبهة؛ دل ذلك على ثبوت وصف البلاهة المتقدّم، بحيث تتأبى علينا موضعته في زمن من الأزمنة، فهل يريد أن ذلك حصل منه في الماضي أم في الحاضر أم في المستقبل؟ لا ندري!
وإن افترضنا أنّه صيغة مبالغة؛ دل ذلك على اتصاف التّجربة الذّوقية التي يمر بها الشاعر بالتفرد؛ لأن حالة السّكر الروحي التي يعيشها تتعذر على التكميم، لا يحدها حد، ولا يحيط بها عد.
4-9- السّمة الجهية والزمن المطلق
وقد أمدتنا الدراسات اللسانية الحديثة بمقترح الجهة (Aspect) لحل هذه المعضلة، وتعني «الأسلوب الذي يعرض به الحدث من تمام واستمرار وتكرار ونشاط اعتيادي[74]» فلأي جهة ينتمي حال العارف- العاشق الغائب عن عقله كلّما غرق في الحضرة الربانية؟
تحضر سمة الجهية الدالة على النشاط الاعتيادي في المطلع في عدة صور للدلالة على مطلق الزمن، ومن صورها:
- الــمصدر:
ولهٌ، وصلٌ:
يدل هذان المصدران على معنيين غير مقترنين بزمن، وبتعبير آخر يدلان على زمن مطلق؛ لأنهما لم يتّصلا بقرينة تخصّصهما لأحد الأزمنة الثلاثة، وقد جاءا نكرتين للدلالة إما على التعظيم؛ أي أن هذا الوله، وهذا الوصل عظيمان جدا؛ وهو كذلك؛ لأن قرائن المقام تؤطرهما ضمن تجربة روحية رفيعة.
وإما على النوعية؛ أي أنه وصل مخصوص، وصل العبد بربه، ووله مخصوص، بقرينة قوله :(في ملة الحب)؛ أي في معهود السالكين طريق الحب الإلهي. قال الشارح بن القاضي: «إن هذا الطلب الذي يبدو منك أيها الجاهل، إلا وله وبله في ملة الحب الخاص»[75]
- اسم الفاعل:
«يدل على الحدث والحدوث وفاعله[76]» كما يفيد المضي، والحال، والاستقبال حسب السياق، غير أنه في مطلع القصيدة لا ينصرف إلى أحد هذه الأزمنة الثلاثة فـــ (ظاهر) يفيد مطلق الظهور من غير ارتباط بزمن؛ لأنه ظهور في موقف التجلّي، حيث تظهر على العارف أمارات النظر إلى مولاه، وهي علامات النعيم التي نجدها في وجوه الفائزين بجنة الخلد، والذين وصفهم القرآن الكريم بقوله تعالــــى: ﴿تعْرف فِي وُجُوهِهم نظرة النعيم﴾[77].
وفي وصف ظهور علامات نظرة الحبيب إلى المحب قال الشاعر:
ولمّـا أتى الواشـــين أنّي زرتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا |
|
جحدت حذارا أن تشيع الســــــــــــــــــــــــــــــــرائر |
فــــقالوا: نرى في وجهك اليوم نضـــــــــــــرة |
|
كسـت محيّاك وهاذاك ظاهــــــــــــــــــــــــــــــــــــر |
وبردك لا ذاك الـذي كان قبلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه |
|
به طيب نشر لم تشعه المـجامــــــــــــــــــــــــــر |
فما كان منّى من بيان أقيمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه |
|
وهيـهات أن يخفــــــى مريب مساتـــــــر[78]! |
إنه بمثابة مبدأ مطلق، فحال الوجد التي يفنى فيها المحب عن ذاته ولهٌ وكفى، وذلك الوله أكبر من أن يحده المكان أو يجري عليه الزمان؛ لأنه اتصال وجداني بالله، وبتعبير آخر: فالحب نداء الله لمحبيه بالرّقّيّ إلى حضرته الملكوتية[79].
ج- الصفة المشبهة باسم الفاعل وصيغة المبالغة
(فطن) جاءت هذه الصيغة خبرا لكان الناقصة، وهي تحتمل الصّفة المشبهة والمبالغة، فإن حملناها على الصفة المشبهة باسم الفاعل؛ تلاءمت مع السياق؛ لتبين حال الشاعر، وما عليه من اهتياج واضطراب، فالفطنة هي المطمح المنشود والذات مفتقرة إليها في الحاضر الشّاعر بحاجة إلى ثبات صفة الفطنة فيه، مادام ولها متحيرا، طائش العقل، وإن حملناها على صيغة المبالغة؛ اتضح افتقار الذّات إلى الفطنة الكاثرة غير المنقطعة من أجل فهم حقيقته.
ويعد تقديم ماحقه التأخير إحدى ملامح أسلوب الشاعر في تائيتـــه؛ إذ ركبه لما فيه من خصوصية، وطاقة أسلوبية بابها القصْر، قصر صفة على موصوف حيث قدم في صدر المطلع شبه الجملة من الجار والمجرور (فيك) على الفعل (تجلت) والسّر في هذا تعيين نوع التجربة الصوفية المعبر عنها في المطلع بعدها وحدة وجود؛ لأن الصّوفي «إذا قال لا أرى شيئا إلا وأرى الله فيه فهو في حال وحدة الوجود[80]».
وقدم في العجز خبر ليس على اسمه (وغيركَ ليست) فخصّص ذاته بصفة التجلي للمبالغة في التأكيد على أن صفات ليلى متجلية فيه بما لا يدع مجالا للريبة، وقصر التّجلي عليه حتى لا يتوهم أن المقصود بالخطاب العموم، وهو ما يتساوق وقول أمير المؤمنين علي:
أتحسب أنك جرم صغيـــــــــــــر وفيك أنطوى العالم الأكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبر
ومعلوم في مذهب أهل الحبّ بناء الحقائق الروحية على التجربة الذوقية الذاتية بلا توقف على دليل خارجي. ولمثل هذا يستحسن تقديم (غير) لما فيه من تقوية وتأكيد يتناسب مع مراد الشاعر الذي لا يرى إلا وحدة واتحادا وينكر السوى والغيرية.
لكن هناك فرقا في التقديم على نية التأخير بين شطري المطلع، ففي الصدر قدم الجار والمجرور(فيك) للتعبير عن وحدة الوجود، وفي العجز قدم خبر ليس على اسمها (غيرَك) للتعبير عن وحدة الشهود؛ لأنه أراد بذلك التقديم القول إنه «لا يرى شيئا غير الله[81]» ومن القرائن الدّالة على ذلك في المطلع نفسه قوله (فالغير عين القطيعة).
وقد انتهينا بعملية إحصائية إلى أن المطلع ضم ثلاثة أزمنة قالبًا: ماض، ومضارع، ومستقبل، وزمنا واحدا قلباً هو الزمن المطلق. فمن حيث القالبُ هيمن الماضي؛ إذ استعمله الشاعر تسع مرات (تجلت، ليست، حبتْك، أوهمتْك، تدلّت، ألقت، اضمحلت) ثم جاء بعده المضارع قالبا والذي وظفه خمس مرات (تطلب، تحسبُ، تقول، لم ترها، لم تقم) أما المستقبل، فتردد مرتين فقط وهما: (كن، ادن).
والسّر في هيمنة الماضي قالبا، أولا؛ لأن الشاعر يعتبر ما عاناه في هذه الحال من صميم الفائت الذي انقضى، وبتعبير الحراق «ليلى فيك تجلّت» ومن قواعد التّصوّف أن «الصوفي ابن وقته [82]» فهو مشتغل بما هو أولى به في الحال، قائم بما هو مطالب به في الحين، وثانيا؛ الإشارة إلى غيبته في وحدة الشهود التي مر بها، وهي حال فناء، لاشعور فيها للعارف إلا بالله، وفي هذا المعنى نقول كثيرة؛ إذ قال الجنيد: «التوحيد معنى تضمحل فيه الرسوم[83]».
بينما احتل المضارع قالبا الرتبة الثانية؛ لأنه يرمز إلى لحظات الحضور القليلة التي كان العارف إبانها في حال صحو، لا أنه حاضرٌ فلكي أو زمن طبيعي. ويبقى المستقبل -قالبا- للصوفي ذلك الآتي الذي لا يدري هل يدركه أم لا؛ لذلك فحضوره في المطلع نزر جدا.
على سبيل الختم:
بناء على ما سبق نستنتج ما يلي:
إسهام البنيات الزمنية في بناء مطلع تائية الحراق؛ لأنها اتسعت للبعد الزمني النفسي الذي يتعذر تكميمه، والذي ينسجم مع التجربة الصوفية في القصيدة بما هي تجربة تتناوس بين وحدتي الوجود والشهود.
- إسهام الشراح المغاربة بما قدموه من مقترحات قرائية في وضع اللبنات الأولى لتحليل الخطاب الشعري بالغرب الإسلامي، فموسوعية الشارح محمد مهدي بن القاضي أكّدت على سمة متميزة من سمات تحليل الخطاب، وهي كونه ملتقى لمجموعة من الاهتمامات المعرفية؛ إذ انصهرت في بوثقة تحليل التائية مجموعة من العلوم اللغوية وغير اللغوية : من لغة، وصرف، ونحو، وبلاغة، وعروض، وعقيدة، وتصوف، وفقه، وتاريخ.
- تفرد متصوفة المغرب بطريقتهم المعتدلة في السلوك، والقائمة على الكتاب والسنة والنفور من التجريد والاعتقادات الفاسدة، مثل الاتحاد والحلول.
- تضمن تقسيم العلامة الجزولي للأفعال مجموعة من المؤشرات الجهية المفسرة للاتوافق بين الصيغة الصرفية والزمن النحوي.
- تطالب مجموعة من الأسناد اللغوية، والصرفية، والنحوية، والبلاغية في توجيه أفعال المطلع نحو الزمن النفسي المطلق.
- تفرد أسلوب الشاعر الحراق والشارح بن القاضي بمجموعة من الملامح الأسلوبية من خلال اختيارات الأول و تدقيقات الثاني فيها.
- هيمنة التأويل الإشاري على شرح المطلع، من خلال استعانة الشارح بذخيرته المعرفية في علم التصوف، واستحضار أقوال العارفين لبناء معنى أبيات المطلع.
الإحالات:
[1]– باتريك شارودو-دومينيك منغنو، معجم تحليل الخطاب، ترجمة: عبد القادر المهيري وحمادي صمود، تونس، دار ريش سيناترا، ب.ط، 2008، ص44
[2] – محمد بازي، صناعة الخطاب، كنوز المعرفة، ط1 ،2015، ص46
[3] – إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ، دار الرشاد الحديثة، المغرب، الدار البيضاء، ط2 ،1994، ج3، ص 565.
[4] -أحمد بن عجيبة، معراج التشوف، تحقيق: عبد المجيد خيالي، مركز التراث الثقافي المغربي، المغرب، الدار البيضاء، ب ط، ب ت، ص 32.
[5] – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، لبنان، بيروت، ط3 ،1994، ج13، ص199.
[6] – تمام حسان، مناهج البحث في اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، ب ط، ب ت، ص 21.
[7] – امحمد الملاخ، الزمن في اللغة العربية، دار الأمان، المغرب، الرباط، ط1، 2009، ص41.
[8] – الجزولي، المقدمة الجزولية في النحو، تحقيق: شعبان عبد الوهاب محمد، مطبعة أم القرى، ب ت،ج2، ص33.
[9] – الجزولي، ص 33.
[10] -محمد المهدي بن القاضي، مجلي الآماق وإثمد الأحداق في شرح تائية الحراق، تحقيق: حنان الفاضلي، دار أبي رقراق، الرباط، المغرب، ط1،2012،ج1،ص257،270.
[11] – نفسه، ص262-263.
[12] – المرجع السابق، صص 274،275.
[13] – سيبويه، الكتاب، تحقيق: محمد عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، مصر، القاهرة، ط 3 ،1988، ج1، ص12.
[14] – مجلي الآماق، ص 258.
[15] – محمد فاضل صالح السامرائي، النحو العربي أحكام ومعان، دار ابن كثير، سورية، دمشق، ط3 ،2019، ج1، ص17.
[16] – نفسه ص 15.
[17] – مجلي الآماق، ص260.
[18] – نفسه ص 261.
[19] -عبد الكريم الجيلي، النادرات العينية، شرح عبد الغني النابلسي، تحقيق: يوسف زيدان، دار الأمين، ط1، 1999، ص148.
[20] – مجلي الآماق ،ص 268.
[21] -سورة الأعراف الآية 144
[22]-wisdom of the east .the persian mystics .hadland davis.london.1912.p ;24
[23] – محيي الدين عبد الحميد طاهر، الزمن النفسي، مكتبة الأنجلو المصرية، ب ط،1992، ص 14.
[24] – عبد الله كنون، النبوغ المغربي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط4 ،2015، ص 307.
[25] – نهاد خيّاطة، دراسة في التجربة الصوفية، دار المعرفة، ط1 ،1994، ص 18.
[26] – مجلي الآماق، ص 266.
[27] – مجلي الآماق، ص 259.
[28] – مجلي الآماق، ص 264.
[29] – وجه الشبه بين العارف وقيس بن الملوح هو تعلقهما بالمحبوب حتى الجنون.
[30] – محيي الدين عبد الحميد طاهر، الزمن النفسي، مكتبة الأنجلو المصرية، ب ط،1992، ص 13.
[31] – مجلي الآماق، ص 261.
[32] – محمد حسن بخيت، الزمن المطلق في اللغة العربية، مجلة مجمع اللغة العربية، ع9، 2015، ص 219.
[33] -مجلي الآماق، ص 258.
[34] – سيبويه، الكتاب، تحقيق: محمد عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، مصر، القاهرة، ط3 ،1988، ج3، ص24.
[35] -ابن جني، الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر، ط2، ب ت، ج3، ص330.
[36] – محيي الدين عبد الحميد طاهر، الزمن النفسي، مكتبة الأنجلو المصرية، ب ط،1992، ص 24.
[37] – مجلي الآماق، ص 270.
[38] – محمد فاضل السامرائي، النحو العربي، دار ابن كثير، ط3 ،2019، ص 330.
[39] -خداش بن زهير، الديوان، تحقيق: يحيى الجبوري، مطبوعات مجمع اللغة العربية، ب ط،1986، ص 41.
[40] – النحو العربي، ص 331.330.
[41] – ابن يعيش، شرح المفصل، تحقيق: إميل بديع يعقوب، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2001، ج4، ص 207.
[42] – الجزولي، المقدمة الجزولية في النحو، تحقيق: شعبان عبد الوهاب محمد، مطبعة أم القرى، ب ت، ج2، ص33.
[43] – القشيري، لطائف الإشارات، تحقيق: إبراهيم بسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، 2000، ج3، ص 702.
[44] – القشيري، لطائف الإشارات، ج2، ص 142.
[45] – الزمن النفسي، ص 24.
[46] – الزّمن النّفسي، ص 25.
[47] – مجلي الآماق، ج1، ص261.
[48] – دراسة في التجربة الصوفية ص49.
[49] – جودة عاطف، الرمز الشعري عند الصوفية، دار الأندلس ودار الكندي، ط1 ،1978، ص 345.
[50]– مجلي الآماق، ج1، ص 271.
[51] – أحمد زرّوق، قواعد التصوف، تحقيق، عبد المجيد الخيالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2005، ص9.
[52] – أحمد زرّوق، قواعد التصوف، ص 49.
[53] -نفسه ص 89.
[54] – فاضل صالح السّامرائي، معاني الأبنية في العربية، دار ابن كثير، ط3 ،2022، ص112.
[55] – ابن يعيش، شرح المفصل، ص 112.
[56] -نفسه، ج4، ص 318.
[57] -نفسه، ص318.
[58] – ابن يعيش، شرح المفصل، ص318.
[59] – ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، لبنان، بيروت، ط3، 1994، ج13، ص 323.
[60] – السنوسي، صغرى الصغرى، تعليق سعيد فودة، دار الرّزي، عمان، الأردن، ط1، 2006، ص63.
[61] – أبو موسى الجزولي، المقدمة في النحو، ص 33.
[62] – مجلي الآماق، ص232.
[63] – محمد بن أحمد ميارة، الدر الثمين والمورد المعين، تحقيق: عبد الله المنشاوي، دار الحديث، القاهرة، ب ط، 2008، ج1، ص 22.
[64] – مجلي الآماق، ص266.
[65] – الشورى الآية 11.
[66] – مجلي الآماق، ص 267.
[67] – الرسالة القشيرية، ص249.
[68] – سورة ص الآية 32.
[69] – مجلي الآماق ص 259.
[70] – نفسه ص 259.
[71] – محمّد بن إسماعيل الأمير الصّنعاني، التّنوير شرح الجامع الصّغير، تحقيق: محمد إسحاق محمد إبراهيم ،مكتبة دار السلام ،الرياض، ط 1،2011،ج3،ص35.
[72] -نفسه ص 35.
[73] – ضياء الدّين بن الأثير، المثل السائر، تحقيق: أحمد الحوفي، بدوي طبانة، دار نهضة مصر، ط2، ب ت، ص 159.
[74]– محمد حسن بخيت قواقزة، الزّمن المطلق في اللغة العربية، مجلة مجمع اللغة العربية على الشبكة العنكبوتية، ع 9، دجنبر 2015، ص219
[75] – مجلي الآماق، ص 263.
[76] – السامرائي، معاني الأبنية في العربية، ص 45.
[77] – سورة المطففين الآية 24.
[78] – القشيري، لطائف الإشارات، ج3، ص703.
[79] – wisdom of the east ,the persian mystics,hadland davis.london.1912. p,25
[80] – دراسة في التجربة الصوفية، ص5.
[81] – دراسة في التجربة الصوفية، ص 5.
[82] – الرسالة القشيرية، ص: 90.
[83] – نفسه، ص:331.