التدين الأندلسي أُنموذجا للتعايش الحضاري مع الآخر
محـمد لمقدم
باحث في الفقه والقانون
المغرب
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين سيدنا ونبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، ونذيراً وبشيراً للناس أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
وجد المسلمون في الأندلس، البلد الجديد، اختلافات أعمق وأشد -لا يمكن بحال من الأحوال مقارنتها بالهجرات السابقة، كهجرتهم إلى المدينة- وفروقا ومستجدات مست جميع الأصعدة والنواحي: اللغة والاقتصاد والجغرافيا والسياسة وشعوب النصارى، الذين وجدوهم فرقا دينية متناحرة، وكذلك الشأن بالنسبة لليهود.
كل هذا أثر في طبيعة المجتمع الأندلسي، فقد حاول المسلمون التعايش والاندماج مع هذا الواقع الجديد، ومراعاة أحواله وإيجاد طرق ووسائل تمكنهم من التكيف والتأقلم معه، وهذا كان سببا في ظهور حركة اجتهادية لإيجاد فقه يلائم هذه البيئة الجديدة، ويواكب حياة المسلمين فيها، ويعالج قضاياهم الواقعية والمصلحية، وقد كان لزاما على المسلمين هناك تأسيس رؤية ثقافية على أساس الشريعة، وضرورة انبعاث دور العقل في الاجتهاد والنظر، للتكيف مع العالم الجديد، ومعالجة مشكلاته.
وهكذا ظهر فقهاء وفلاسفة ومفكرون وعلماء، فنتج بذلك ثراء فقهي وفكري وعلمي غير مسبوق.
فكان الفقه الأندلسي النموذج الأمثل في التعامل مع الواقع، فهو يعتبر فقه وقائع ونوازل بامتياز، لأنه عبارة عن تطبيقات تأثرت بالبيئة الجديدة، لهذا اختلف عن المشرق؛ لأن الفقه الأندلسي لم يهتم بالجانب العملي فقط بل اهتم بالجانب الفكري والفلسفي في الفتوى أيضا وأعاره اهتماما كبيرا، فجل الفقهاء في الأندلس اطلعوا على الفلسفة، والفقيه الأندلسي عرف الفلسفة ومختلف اتجاهاتها الفكرية وحاول أن يمزج ذلك بالفقه مما يدل على الغنـى والثـراء، وهذا ما جعله يدخل في حوارات دينية مع مكونات المجتمع الذي يعيش فيه، والانخراط في مناظرات وسجالات فكرية مع التيارات الأخرى، كابن رشد الفقيه المالكي والفيلسوف العقلاني، الذي دخل في حوار مع الفيلسوف والطبيب اليهودي ابن ميمون.
إن المسلمين أسسوا حضارة عظيمة في الأندلس، تجلت في انتشار العلوم والفن والعمران، فضـلاً عـن الزراعـة والـري والصـناعة والهندسـة المعماريـة، ممـا جعـل الـبلاد آنـذاك مركـز إشعاع فكـري وحضـاري وثقـافي انعكـس أثـره علـى معظـم بـلاد أوروبـا. هذا الأمر أدى إلى خلـق نـوع مـن التبـادل العلمـي والمعرفـي بـين شـعوب العـالم أجمـع، هـذا الفضـل يعـود بكـل تأكيـد إلـى الإسلام الذي كـان تأثيره جليـاً وواضـحاً علـى علمـاء أهـل الذمة من يهود ونصارى، ولا يمكن تجاهله على الرغم من بعض الكتابـات الغربيـة الحديثـة والمعاصـرة، التـي تحاول طمس تلـك الحقبـة الذهبيـة مـن تـاريخ الدولـة الإسلامية فـي بـلاد الأندلس، فهذه الحقبة قد استوعبت الآخر وعملت على خلق مجتمع متعايش.
الفصل الأول: الأندلس ومجتمعها
المطلب الأول: سبب تسمية الأندلس، وأول من سكنها
قال ياقوت الحموي: “الأَنْدُلُس: يقال بضم الدال وفتحها، وضم الدال ليس إلّا: وهي كلمة عجمية لم تستعملها العرب في القديم وإنما عرفتها العرب في الإسلام، وقد جرى على الألسن أن تلزم الألف واللام، وقد استعمل حذفهما في شعر ينسب إلى بعض العرب، فقال عند ذلك:
سألت القوم عن أنس؟ فقالوا: … بأندلس، وأندلس بعيد”(([1]))
وجاء في نفح الطيب: “قال ابن سعيد: إنّما سميت بأندلس بن طوبال بن يافث بن نوح، لأنّه نزلها، كما أن أخاه سبت بن يافث نزل العدوة المقابلة لها، وإليه تنسب سبتة. قال: وأهل الأندلس يحافظون على قوام اللسان العربي، لأنّهم إمّا عرب أو متعربون.
وقال ابن غالب: “إنّه أندلس بن يافث، والله تعالى أعلم.”(([2]))
“وقيل إن أوّل من نزل الأندلس بعد الطوفان قوم يعرفون بالأندلش (بشين معجمة)؛ فسميت بهم الأندلس (بالسيـن غيـر معجمة). وقيل إنهم كانوا مجوساً، فأراد الله قلعهم منها، فحبس المطر عنهم حتى غاضت مياههم وعيونهم وأنهارهم، وخرجوا منها، وافترقوا في البلاد، وأقامت خالية مائة سنة، من حدّ إفرنجة إلى البحر، ثمّ دخلها بعد ذلك قومٌ من الأفارقة، أجلاهم صاحب إفريقية من الجوع، فلما نزلوا الأندلس، وجدوا أنهارها قد جرت، فملكوها نحو مائة وخمسين سنة. وعدد ملوكهم أحد عشر ملكا، ودار ملكهم مدينة طالفة، ثم غلبت عليهم الإسبانية، حتى أخرجوهم عن الملك، وصار الملك إليهم؛ وبهم سميت إشبيلية؛ فبنوها وسكنوها؛ وخربت طالقة. وهجم عجم رومة، فكانوا ملوكا، حتى دخل البشترلقات على الرومانيين، وقد بعث الله المسيح – عليه السلام – فبعث الحواريين إلى البلدان كلها، وظهر دين النصرانية وغلب. ثم كان دخول البشترلقات من رومة. وكانوا يملكون إفرنجة، ويبعثون عمالهم إليها. ودار ملكهم ماردة؛ فكانت عدَّة ملوكهم سبعة وعشرين ملكا.
ثم ظهر بإشبيلية إشبان، وكان رجلا ضعيفا حرَّاثا، فوقف به الخضر – عليه السلام- وهو يحرث، فقال له: (إذا تغلبت على إيلياء، فأرفق بأولاد الأنبياء!) فقال له: (كيف يكون هذا، وأنا ضعيف، من غير بيت ملك؟). فقال له: (يُقدر ذلك من قدَّر في عصاك ما قدَّر!). فلما نظر إلى عصاه، إذا بها قد أورقتن ففزع، وغاب عنه الخضر. ووقع ذلك بنفس إشبان؛ فلم يزل يصطنع الرجال حتى علا اسمه، وشاع ذكره، وتغلب على الأندلس؛ فخرج في السفن إلى ايلياء؛ فغنمها وهدمها، وقتل فيها مائة ألف من اليهود، وباع منهم مائة ألف، وانتقل رخامها إلى الأندلس. وكان ملكه نحو عشرين سنة، وبعد سنتين من ملكه، غزا إيلياء. ويقال إن إشبان اسمه إصبهان، لأنه ولد بإصبهان؛ فسمى بها، والله أعلم. فعدة ملوكهم خمسة وخمسون ملكاً.
ثم دخل القوط الأندلس، وقطع الله ملك رومة منها. وعدة ملوك القوطيين ستَّة عشر ملكا، آخرهم لذريق، الذي دخل عليه المسلمون”(([3])).
والأندلس تسمى الآن اسبانيا والبرتغال، أو ما يسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية.
المطلب الثاني: جغرافيا الأندلس
أطلق المؤرخون والجغرافيون العرب كلمة الأندلس على شبه الجزيرة الأيبيرية، وهذه الجزيرة في الإقليم الخامس والرابع إلى المغرب، ومعظم الأندلس تقع في الإقليم الخامس ومنها في الرابع كإشبيلية، وملقاة، وقرطبة، وغرناطة والمرية ومرسية، والأندلس آخر المعمور في المغرب، لأنها متصلة ببحر أقيانس الأعظم، الذي لا عمارة وراءه(([4])).
وتقع شبه الجزيرة الأيبيرية (الأندلس) في قارة أوروبا، وتحديدا في الجنوب الغربي من القارة، وتوجد في الجنوب سلسلة جبال (البورتات) التـي تفصله عن الجنوب الفرنسي(([5])).
أما عن تضاريس الأندلس ومناخها، فيقول الشيخ أحمد بن محمد بن موسى الرازي: “والأندلس أندلسان في اختلاف هبوب رياحها ومواقع أمطارها وجريان أنهارها: أندلس غربي، وأندلس شرقي، فالغربي منها ما جرت أوديته إلى البحر المحيط الغربي، ويمطر بالرياح الغربية، ومبتدأ هذا الحوز من ناحية المشرق مع المفازة الخارجة مع الجوف إلى بلد شنتمريّة طالعاً إلى حوز أغريطة المجاورة لطليطلة مائلاً إلى الغرب ومجاوراً للبحر المتوسط الموازي لقرطاجنّة الحلفاء التـي من بلد لورقة، والحوز الشرقي المعروف بالأندلس الأقصى، وتجري أوديته إلى الشرق، وأمطاره بالريح الشرقية، وهو من حدّ جبل البشكنس، هابطاً مع وادي إبره إلى بلد شنت مرية، ومن جوف هذا البحر وغربه المحيط، وفي القبلة منه البحر الغربي الذي منه يجري البحر المتوسط الخارج إلى بلد الشام، وهو البحر المسمّى ببحر تيران، ومعناه الذي يشق دائرة الأرض، ويسمى البحر الكبير”(([6]))
وقد وصف الحميـري في الروض المعطار الأندلس بقوله: “والأندلس شامية في طيبها وهوائها، يمانية في اعتدالها واستوائها، هندية في عطرها وذكائها، أهوازية في عظم جناتها، صينية في جواهر معادنها، عدنية في منافع سواحلها”(([7])).
لا يمكن الحديث عن فتح الأندلس بمعزل عن بقية حروب التحرير التي خاضها المسلمون في سبيل إعلاء كلمة الله، ونقل رسالة السماء إلى الشعوب المضطهدة التي كانت ترزح تحت نيـران القوى الأجنبية كالفرس والبيزنطيين. فلقد كان للمسلمين غاية نبيلة في الفتوح تمثلت في تحرير الشعوب الأخرى من الجهل والوثنية والتسلط الأجنبي، ثم في نشر قيم ومثل الحضارة الإنسانية التـي أنارت الدرب لهذه الشعوب، وساعدت عـلى امتـزاج الثقافات، والتجارب والخبـرات، خدمة للبشـرية جمعاء. ولقد نجح العرب في شمال أفريقيا -كما نجحوا في غيرها من الأماكن- في كسب سكان البلاد الأصليين، أي البربر، إلى جانبهم، ووحد الإسلام بين الإثنين، فأصبحوا قوة كبيـرة في المنطقة. واعتمد العرب اعتماداً كبيـراً على البربر، لا سيما في عهد الوالي موسى بن نصير، حيث عهد إلى زعماء من البربر بقيادة الجيوش الإسلامية التـي استمرت تؤدي رسالتها في استكمال تحرير شمال أفريقيا. وبفضل هذا التعاون الفعال استطاع المسلمون أن يحققوا فتح الأندلس(([8]))، سنة 92 هـ بقيادة طارق بن زياد(([9])).
وقد ذهب ابن حزم في رسالته حول فضل الأندلس إلى أنّ فاتحي الأندلس هم الجماعة الثانية المعنية في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي بشر بها ومدحها وأثنى عليها خيرًا، حيث قال: وأنا أقول لو لم يكن لأندلسنا إلا ما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشَّر به، ووصف أسلافنا المجاهدين فيه، بصفات الملوك على الأسرة، في الحديث الذي رويناه من طريق أبي حمزة أنس بن مالك أن خالته أم حرام بنت ملحان، زوج أبي الوليد عبادة ابن الصامت، رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين، حدثته به عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها بذلك لكفى شرفاً بذلك(([10]))، يَسُرُّ عاجله ويغبط آجله(([11])).
المبحث الثاني: مكونات المجتمع الأندلسي بعد الفتح
شهدت بلاد الأندلس بعد الفتح الإسلامي توافد أجناس مختلفة تفاعلت مع السكان الأصليين، فزادت في تنوعها العرقي والديني، كونت بعد ذلك مجتمعا متعايشا، تحت مظلة حكم المسلمين، وفيما يأتي بيان مكونات المجتمع الأندلسي:
دخل العرب الأندلس في شكل موجات من الجنود عرفت بالطوالع، كان أولها طالعة موسى بن نصير،”فقد عبر موسى البحر إلى اسبانيا في عشرة آلاف من العرب وثمانية آلاف من البربر، في سفن صنعها خصيصا لذلك، يحفزه شغف الفتح بالرغم من شيخوخته، ونزل بولاية الجزيرة حيث استقبله الكونت يوليان، وذلك في رمضان سنة 93 هـ (يونيه سنة 712 م)”(([12])).
أما الطالعة الثانية فجاءت مع الحر ابن عبد الرحمن، في أربعمائة رجل من وجوه إفريقية، وكان قدوم الحر الأندلس سنة 99 من الهجرة(([13])).
وفي ركاب جيش بلج بن بشر دخلت الطالعة الثالثة وكانوا نحو عشرة آلاف من عرب الشام سنة 123 في ذي القعدة منها(([14])).
وآخر الطوالع هي طالعة أبي الخطار حسام بن ضرار الكلبي، ومعه ثلاثون رجلا سنة 125هـ، وهي الطالعة الثانية من الشاميين(([15])).
“لم يقتصر دخول العرب على هذه الطوالع فقط، بل توافدوا عليها فرادى وجماعات في عهد الدولة الأموية التـي شجعتهم على المجيء، ومع ذلك فإن عددهم لم يكن كثيرًا.
وليس لدينا من الوثائق ما نتمكن به من تقدير نسبة العرب في مئات السنين الثماني التي دام فيها سلطان الإسلام بإسبانية، ولكنَّ سير الأمور يدل على أن العرب، بعد انفصال إسبانية عن خلافة المشرق، كانوا يعتمدون في بقائهم في إسبانية على تناسلهم، بل توالد العرب وسكان إسبانية الأصليون أيضًا، فكان العرب يتزوجون النصرانيات على الخصوص، فيُمِدُّون بذلك دوائر حريمهم ويُديمون بذلك نسلهم، هؤلاء النصرانيات كنّ من مختلف الأجناس، تجري في عروقهن الدم الإيبـري واللاتينـي واليوناني والقوطي وغير ذلك”(([16])).
ولى موسى بن نصير طارق بن زياد على قيادة الجيش الإسلامي المتجه إلى فتح بلاد الأندلس، لأنه جمع بين التقوى والورع والكفاءة الحربية والجهاد في سبيل الله والرغبة في أن يموت في سبيل الله، وهو بربري ليس بعربي، وقد قدمه موسى بن نصير على العرب لما له من الكفاءة والفضل، ثم إن طارق بن زياد لكونه كان من البربر يستطيع أن يقود البربر، فليس هناك أي موانع نفسية لديه تجاه الإسلام، ثم إنه يفهم لغة البربر ويتقن الحديث باللغة العربية(([17])).
عبـر الجيش بقيادة طارق بن زياد مضيق جبل طارق سنة 92 من الهجرة، وكان اجتمع لطارق اثنا عشر ألفا من البربر(([18]))، وقد تواصلت هجراتهم صوب الأندلس بعد ذلك. والمعروف أن استقرار البربر بالأندلس جاء نتيجة امتـزاج تاريخي من أربع مجموعات.
فبالإضافة إلى المجموعة الأولى التـي تعود إلى أيام الفتوح الأولى للأندلس، فتتمثل المجموعة الثانية في المجموعة التي استقدمها المنصور بن أبي عامر للخدمة في الجيش، وفي هذا الصدد يقول ابن عذارى: “وأذل قبائل الأندلس بإجازة البربر، وأخمل بهم أولائك الأعلام الأكابر؛ فإنه قاومهم بأضدادهم، واستكثر من أعدادهم، حتى تغلبوا على الجمهور”(([19])).
في حين تتمثل الثالثة: في صنهاجة اللثام الذين لبوا دعوة ملوك الطوائف لردع الخطر النصراني، فأنزلوا قبائلهم في المدن والثغور(([20])). إلى جانب الفئات السابقة الذكر يضاف إليها فئة رابعة: تتشكل من بربر العدوة الذين تدفقوا على الأندلس خلال العصر المرابطي(([21])).
ولعل ما نلاحظه عن تواجد البربر في الأندلس أن تعدادهم كان في تزايد مستمر. وهذا ما نستنتجه من تحديد ابن الخطيب نسبة البربر إلى الأندلس في أول المائة الخامسة بنصف معشار أو أقل(([22])).
وحقيقة الأمر أن المسلمين الأول الذين دخلوا البلاد، عربا وبربرا… قد كان لهؤلاء البربر أثر عظيم جدا في انتشار الإسلام في الأندلس، فإن البربري قريب جدا من حيث المزاج والطبع –والأصل أيضا- من أهل البلاد الأصليين، وخاصة أولئك الذين كانوا يعمرون الأرياف منهم، فامتزجوا بهم دون تكلف. ثم إن البربر لم يعرفوا عصبية الجنس[…] وكانوا شديدي الحماس للإسلام، فكان الإسلام بالنسبة إليهم رمز سيادة، فأظهروا العصبية له، واجتهدوا في نشره، وأعانهم على ذلك أنهم بطبعهم جنس متدين شديد التعلق بعقيدته، فلا غرابة والحالة هذه أن تكون هذه الجماعات البربرية التي انبثت في نواحي البلاد من أكبر العوامل التي تحول أهلها إلى الإسلام(([23])).
لقد رصدت لنا المعلومات المتناثرة بين المصادر أن البربر الأوائل اندمجوا في المجتمع الأندلسي، أما المتأخرون والذين كانوا في الأساس جنودا فقد كانوا أقل اندماجا في المجتمع.
المسلمون المولَّدون من تزاوج العرب بالبربر، أو العرب بالإسبانيات والصقالبة، وكان لذلك سبب كبيـر، وهو أن الجيش الفاتح كان من الرجال النازحين من الشـرق الذين قطعوا مسافات بعيدة حتـى وصلوا إلى الأندلس، فكان طبيعيًّا ألا يرحل معهم عدد كبيـر من النساء، فاضطرتهم الحاجة إلى أن يتزوَّجوا من الإسبانيات أو من البربر ويستولدوهن. وقد خرج من هذا الازدواج بين عربي وبربرية، أو عربي وإسبانية جيل جديد مولَّد، يشبه ما كان في الشرق من تزاوج بين عربي وفارسية، وقد عرف المولدون من النساء الإسبانيات بالذكاء والشجاعة والجمال، وكان لهم في تاريخ الأندلس تاريخ طويل(([24])).
وروى مؤرخو العرب أن العرب تزوَّجوا في بدء الفتح ثلاثين ألف نصرانية، ولا يزال يُرى في قصر أشبيلية رَدْهَةٌ تُدعى ردهة الصبايا اللائي كان النصارى يُلزمون بتقديم مائة منهن إلى أحد ملوك العرب في كل سنة كجزية، فنحن إذا ما رأينا أن هؤلاء النصرانيات كنّ من مختلف الأجناس، وأنه كان يجري في عروقهن الدم الإيبـري واللاتينـي واليوناني والقوطي … وغيـر ذلك، علمنا أنه نشأ عن توالد النصارى والبربر والعرب، الذي دام في بيئةٍ واحدة قرونًا كثيـرة، عِرق جديد مختلف عن العروق التـي فتحت إسبانية اختلافا بَيِّنا(([25])).
نصارى الأندلس تسميهم الوثائق المسيحية بالمستعربين كانوا يؤلفون إبان الفتح الإسلامي للأندلس أغلب سكانه(([26]))، “ويمكن القول إن العرب الفاتحين قد أظهروا كثيـرا من الحكمة والعدل في ممارسة الحكم في الأندلس فقد كان للمسيحيين أن يحتفظوا بشـرائعهم وقضاتهم، وعُيِّن لهم حكام من أنفسهم يديرون المقاطعات ويجمعون الضـرائب ويفصلون فيما شجر بينهم من خلاف، وأصبح سكان المدن لا يُكلَّفون إلا الجزية والخراج – إن كانت لهم أرض تزرع- بعد أن كانوا في عهد القوط يحملون وحدهم عبء الضرائب والأموال التي تُنفَق على الدولة، وكانت الجزية متدرجة على حسب منزلة المطالبين بها، فكانت تبتدئ من اثني عشر درهمًا إلى ثمانية وأربعين في العام، أو من نحو ثلاثة جنيهات إلى اثني عشر، وقد قُسمت اثني عشر قسطًا، يُجبَى قسط في كل شهر للتخفيف عن الرعية، أما ضريبة الأراضي التي كانت تتفاوت على حسب قدرة إنتاج الأرض، فإنها فرضت بعدل ومساواة على النصارى واليهود والمسلمين جميعًا، ولم يكن المسيحيون على أسوأ الفروض ملزمين دفع ضرائب أكثر مما كان يدفع جيـرانهم المسلمون، على أنهم قد ظفِروا بحق لم يكن لهم أيام ملوك القوط، فأصبحوا في عهد الإسلام قادرين علـى نقل ملكية أراضيهم لغيـرهم، أما التسامح الديني فلم يدع للإسبانيين سببًا للشكوى، فقد تركهم العرب يعبدون كما يشاءون من غيـر أن يضطهدوهم أو يلزموهم اعتناق عقيدة خاصة كما كان يفعل القوط باليهود.
وكان من أثر هذه المعاملة وذلك التسامح أن رضي المسيحيون بالنظام الجديد، واعترفوا في صراحة أنهم يؤثرون حكم العرب على حكم الإفرنج أو القوط”(([27])).
وتقلد النصارى في عصر الإمارة المناصب العليا فتولوا شؤون الدواوين ولم يتعرضوا لأية مضايقات تذكر رغم حركة العصيان التي قاموا بها في القرن الثالث الهجري (([28])).
أما في عصر الخلافة فإننا نجد من النصارى من وصل في عهد “عبد الرحمن الثالث” إلى العمل في القصر، ولعل ما وصل إليه “عريب بن سعد” المعروف سابقا باسم -برشموند- لدليل على ذلك حيث كتب هذا الأخيـر “لعبد الرحمن الثالث” التقويم القرطبي” المشهور، وقام بشغل عدة وظائف دبلوماسية في “جرمانيا “وبيزنطة،” وكوفئ بتولية أسقفية البيرة (([29])).
إن الحديث عن اليهود في الأندلس على عهد الدولة الإسلامية يتطلب منا العودة إلى العهود الأولى لتواجدها في الأندلس. فالمعروف أن اليهود يرجع وجودهم في المنطقة إلى فتـرة ما قبل الفتح الإسلامي، “في العهد القوطي خاصة، في هذا العهد برز دورهم إذ كانوا يتصدرون بعض الأعمال المالية والحسابية في دواوين الحكومة غير أن القوط عادة ما كانوا يكنون لهم الكراهية بسبب اختلاف عقيدتهم، وبسبب تعاملهم بالربا، فتعرضوا لكثير من المضايقات”(([30])).
ويضيف الدكتور أحمد الظاهري : لقد تواجد اليهود في المجتمع (الاسباني) قبل الفتح العربي الإسلامي يعملون في المجال الاقتصادي ولكنهم كانوا موضع البغض والتعصب والتحامل يعانون أشد ألوان الجور والاضطهاد وكانت الكنيسة منذ أن اشتد ساعدها ونفوذها تحاول تنصير اليهود وتتوسل إلى تحقيق غايتها بالعنف والمطاردة فأجبروا على اعتناق النصرانية أو النفي من البلاد او المصادرة، فأعتنق النصرانية عدد منهم كرها أو رياء، ولما اشتدت الضغوط على اليهود حاولوا أن يديروا مؤامرة للقضاء على الحكم القائم إلا أن المؤامرة اكتشفت فزاد الضغط على اليهود وانتزعت أملاكهم في سائر الولايات الإسبانية وشردوا وقضى عليهم بالرق الأبدي للنصارى وأن ينتـزع أبناؤهم منذ السابعة ويربون على النصرانية(([31])).
كان من أثر اضطهاد القوط لليهود أن رحبوا بقيام الدولة الإسلامية في الأندلس؛ لأن الحكومات الإسلامية قد جنحت إلى التسامح مع غير المسلمين، بل إن هذه الحكومات قد استخدمت من اليهود الكثيرين، وظفروا بالمناصب العالية والنفوذ الواسع(([32])). وحسبنا في ذلك ما وصل إليه اليهود في بعض الإمارات الطائفية كإمارة غرناطة التـي أصبحوا فيها أصحاب الحل والعقد (([33])).
وقد استقر اليهود في مختلف المدن الأندلسية، ويبدو أن عددا قليلا منهم قد استقر في البوادي بحكم ابتعادهم عن العمل الزراعي وتعاطيهم كليا للتجارة، وعلى هذا الأساس كان تمركزهم أكثر بالمدن المعروفة آنذاك كمحطات تجارية، أو الواقعة في طرق تجارة العبور وأهمها “غرناطة” التي كانت تعرف باسم ” غرناطة اليهود” لأن نازليها من اليهود (([34])).
يعرف ابن منظور الصقلاب بأنه: الرجل الأبيض وقيل الأحمر ويـشير إلـى الصقالبة بأنهم “حمر الألوان، صهب الشعور، يتـاخمون الخـزر وبعـض جبـال الروم(([35])).
ويعرف السيوطي الصقالبة بقوله: الصقالبة جمع مفرده صقلب، وصقلبي بفتح أوله وسكون القاف آخره موحدة إلى الصقالبة، وهم ولد صقلب بن نبطي (([36])).
ویعرفهم المسعودي بأنهم: هم من ولد یافث بن نوح وإليه یرجع سائر أجناس الصقالبة، فهم أجناس مختلفة فمنهم من ینقاد إلى دین النصرانیة، ومنهم من لا كتاب له، ولا ینقاد إلى شریعة.
كما أن معنـى كلمة صقلبي فرنسي قدیم یعنـي عبد أو رقیق، وهو المعنـى نفسه الذي استعمل في الأندلس فقد أطلق أولا على أسرى الحروب الذین كان یأسرهم الجرمان والإسكندنافیون ویبیعونهم للأندلس (([37]))، ثم توسع الأندلسیون في استعمال هذا المعنـى وأطلقوه على موالیهم الذین جلبوا من مختلف البلاد الأوروبیة(([38])).
وهؤلاء الصقالبة كانوا یجلبون أطفالا، ویتعلمون اللغة العربیة، ویدینون بالإسلام ویختلطون بالشعب الأندلسي ویعیشون الحیاة الإسلامیة، إذ كانوا یربون تربیة عسكریة ویدربون على الخدمة في القصور، والانخراط في سلك الجندیة لیكونوا جنودا في الحرس والجيش (([39])).
وظهور فئة أبنـاء الـصقالبة والتـي تربت في المجتمع الأندلسي كان له تأثير في ذوبان هذه الفئة وسـط طبقـات سكان الأندلس بعد أن شاركوا في حياته الاجتماعية والثقافية حتى أن أصولهم لم يعد يشار إليها(([40])).
الفصل الثاني: التدين الأندلسـي نموذجا للتعايش الحضاري
منذ بدايات الفتح الإسلامي للأندلس، اتسمت معاملة المسلمين لغيـرهم من أهل البلاد المفتوحة بالتسامح التام الذي أشاد به غير المسلمين، وكثير من المؤرخين الأوربيين.
يقول ستانلي لين بول: “ويجب ألَّا يجول ببال أحد أن العرب عاثوا في البلاد أو خرَّبوها بصنوف الإرهاق والظلم كما فعل قُطعان المتوحشين قبلهم، فإن الأندلس لم تحكم في عهد من عهودها بسماحة، وعدل، وحكمة كما حكمت في عهد العرب الفاتحين”(([41])).
ويقول غوستاف لوبون: “واستطاع العرب أن يحوِّلوا إسبانية ماديًّا وثقافيًّا في بضعة قرون، وأن يجعلوها على رأس جميع الممالك الأوربية، ولم يقتصر تحويل العرب لإسبانية على هذين الأمرين؛ بل أثَّروا في أخلاق الناس أيضًا، فهم الذين عَلَّموا الشعوب النصرانية، وإن شئت فقل حاولوا أن يُعلِّموها، التسامحَ الذي هو أثمن صفات الإنسان، وبلغ حِلْم عرب إسبانية نحو الأهلين المغلوبيـن مبلغًا كانوا يسمحون به لأساقفهم أن يَعقِدوا مؤتمراتهم الدينية، كمؤتمر أشبيلية النصراني، الذي عُقد في سنة 782م، ومؤتمر قرطبة النصراني الذي عُقِد في سنة 852 م، وتُعد كنائس النصارى الكثيرة التي بَنَوها أيام الحكم العربي من الأدلة على احتـرام العرب لمعتقدات الأمم التي خضعت لسلطانهم”(([42])).
ونستشهد أيضا برأي مهم للمستشرق والمؤرخ الأمريكي سكوت، حيث يقول: “سمح المسلمون للنصراني المتعصب لدينه بمزاولة شعائره دون أدنى تدخل، بل أكثـر من ذلك سمح للملحد أن يجهر بآرائه دون أن يخشى عاقبة ذلك، وسمحوا للأحبار والرهبان بأن يزاولوا أمور دينهم في سلام، وأن ما كتبه كتاب النصارى من قيام العرب باضطهاد النصارى، ووصفوهم بأفظع الأوصاف، كلها افتـراءات ومبالغات لم تحدث، وما دفعهم لذلك تعصبهم الأعمى ضد المسلمين”(([43])).
وفيما يأتي استعراض لأهم مظاهر التعايش بين المسلمين والنصارى في الأندلس:
المبحث الأول: التعايش بين المسلمين والنصارى في الأندلس
المطلب الأول: التعايش مع النصارى في المجال الاجتماعي
اندفع المسلمون بشكل كبيـر نحو التسامح الديني والتعايش السلمي مع النصارى منذ الفتح، وذلك من خلال الاختلاط والاحتكاك المباشر، وتوجت علاقات الطرفين بقيام المصاهرات بينهما، وهو الأمر الذي أثرى الحياة الاجتماعية في الأندلس بشكل عام.
“ومن أمثلة ذلك زواج الأمير عبد العزيز بن موسى بن نصير بالأميرة أيله المعروفة عند الإسبان باسم Egilona أرملة رذريق Rodrigo آخر ملوك القوط، وقد تكنت بأم عاصم وأقامت معه في اشبيلية.
وهناك قصة الأميـرة سارة حفيدة الملك القوطي غيطشه Witiza التـي سافرت إلى دمشق وقابلت الخليفة هشام بن عبد الملك في شكاية لها ضد عمها أرطباس على ميراث أبيها. وهناك زوجها الخليفة مولاه القائد العربي عيسى بن مزاحم الذي عاد بها إلى الأندلس وأنجب منها سلالة كريمة من الأبناء والأحفاد، منهم المؤرخ المعروف أبو بكر محمد المعروف بابن القوطية (ت 267ه) صاحب كتابي الأفعال، وتاريخ افتتاح الأندلس”(([44])).
“لقد أصبح الزواج من إسبانيات تقليدا شائعا عند أهل الأندلس، أمراءهم وخلفاءهم وخاصتهم وعامتهم. ومن أمثلة ذلك زواج أمراء بني أمية في الأندلس من نساء البشكن والجلالقة ممن يقعن في أيديهم سبيا بسبب الحروب المتواصلة والغزوات المتتابعة، إلى حد أن كثيرا من الباحثين المعاصرين يعتبرون البيت الأموي بيتا مولدا، وإن كان هؤلاء الأمراء-الذين هم في كثيـر من الأحيان نتاج هذا الزواج المختلط- يعتزون بأصولهم العربية ويتغاضون عن أصولهم الإسبانية”(([45])).
وبلغ عدد زوجات المسلمين من بنات الإسبان في بدء الفتح ثلاثين ألف نصرانية(([46])).
وقد نتج عن طريق هذا الزواج المختلط جيل من المولدين نشأ علـى الإسـلام وتعلم العربية واشتهر هذا الجيل المولـد بـصفات عـدة منهـا: الجمـال والـذكاء والشجاعة.(([47]))
وقد ظهرت أيضا مظاهر الاندماج والتعايش في الاحتفالات، والأعياد، حيث كانت الأعياد في الأندلس كثيـرة، وعلى رأسها أهم عيدين للمسلمين، وهما عيدي الفطر والأضحى، هذا علاوة على الأعياد التـي استحدثت من كلا الطرفين، وكان الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من أهم الأعياد الدينية التي تلقى اهتماما واسعا في الأندلس يحضرها الرجال والنساء والأطفال هذا عن الأعياد الدينية، أما ما يمكن أن نطلق عليه الأعياد الوطنية، والتي كان يشارك فيها كل أهل الأندلس مجتمعين من رجال ونساء، مسلمين ونصارى، ومثال لذلك عيد العصير، وهو موسم جنـي محصول العنب، الذي يتم في جو من الغناء والمرح أيضا، وكانوا يرتدون في هذا اليوم أجمل وأبهى ثيابهم.(([48]))
وكان المسلمون والنصارى يحتفلون بالأعياد المسيحية، وبخاصة أن أعياد النصارى معروف وقتها مسبقا، فهـي منتظمة طبقا للتقويم الميلادي، تأتي دائما في الوقت نفسه من العام، لها ميعاد ثابت، عكس الأعياد الإسلامية التـي لا ترتبط بتوقيت معين من السنة، ومن أهم هذه الأعياد المسيحية التـي كان يتشارك في الاحتفال بها جل الشعب الأندلسي، عيد الميلاد، أي مولد سيدنا عيسى عليه السلام، وخميس أبريل أو خميس العهد.(([49]))
ومن الأعياد القومية أيضا في الأندلس عيد العنصرة(([50]))، وكان موعد الاحتفال به في الأندلس في الرابع والعشرين من شهر يونيو، وطقوس الاحتفال كانت عبارة عن إشعال نار كبيرة، وإيقاد بعض الشموع، وكان المسلمون يذهبون لمشاهدة تلك المناظر، بل ومشاركة النصارى في احتفالاتهم(([51])).
ويعلل مشاركة المسلمين للنصارى في أعيادهم، بسبب حسن الجوار، ومخالطتهم للنصارى في التجارة، وعلاقات المودة والتسامح التي سادت بين الطرفين.(([52]))
وإذا ما انتقلنا إلى نقطة أخرى، وهي النقطة الخاصة بالزي، وهو يمثل جانبا مهما في إظهار الفروق بين الطبقات في الشعب الواحد إلى يومنا هذا، والحقيقة لم يؤثر عن الأندلسيين، أنهم فرقوا في الزي بين فئات المجتمع، كما حدث في العديد من البلدان الإسلامية، وبخاصة في عصري الإمارة والخلافة، حيث كان الحكام في بعض البلدان الإسلامية يلجؤون أحيانا إلى تمييـز أهل الذمة على وجه التحديد من النصارى واليهود بلباس معين(([53])).
أما في الأندلس فلم تظهر هذه العادة، فقد كان التداخل الحضاري بين كلا الجانبين واضحا في استخدام الأشياء نفسها.
يقول المقري: “وأما زيّ أهل الأندلس فالغالب عليهم ترك العمائم، لا سيما في شرق الأندلس، فإن أهل غربها لا تكاد ترى فيهم قاضياً ولا فقيهاً مشاراً إليه إلاّ وهو بعمامة، وقد تسامحوا بشرقها في ذلك، ولقد رأيت عزيز بن خطاب أكبر عالم بمرسية، في حضرة السلطان في ذلك الأوان، وقد خطب له بالملك في تلك الجهة، وهو حاسر الرأس، وشيبه قد غلب على سواد شعره. وأما الأجناد وسائر الناس فقليل منهم تراه بعمّة في شرق منها أو في غرب، وابن هود الذي ملك الأندلس في عصرنا رأيته في جميع أحواله ببلاد الأندلس وهو دون عمامة، وكذلك ابن الحمر الذي معظم الأندلس الآن في يده، وكثيـراً ما يتزيّى سلاطينهم وأجنادهم بزيّ النصارى المجاورين لهم، فسلاحهم كسلاحهم، وأقبيتهم من الإشكرلاط وغيـره كأقبيتهم، وكذلك أعلامهم وسروجهم”(([54])).
المطلب الثاني: التعايش مع النصارى في المجال الإداري
أما فيما يخص التنظيمات الإدارية للطوائف المسيحية فقد تركت الحرية للمسيحيين بتنظيم شؤونهم المدنية والدينية كيفما شاءوا(([55])). فقد كانت لهم إدارة محلية يختارونها بأنفسهم ويديرها رجال منهم أطلق على كل واحد منهم لفظ “قومس” وهو لقب يقوم حامله بمهمة جليلة تجاه طائفته، وكان هؤلاء الرؤساء يحاطون بمظاهر التبجيل والاحتـرام، وكانوا مسؤولين أمام المسلمين عن كل ما يتصل برعاياهم النصارى فيجمعون منهم الضرائب ويفصلون فيما يحدث بينهم من نزاعات(([56])).
وهذا ما أكده لسان الدين بن الخطيب بقوله: “استمرّ سكناهم في غمار من الروم؛ يعالجون فلاحة الأرض، وعمران القرى، يرأسهم أشياخ من أهل دينهم، أولو حنكة ودهاء ومداراة، ومعرفة بالجباية اللازمة لرؤوسهم”.(([57]))
أما فيما يخص الجانب القضائي فقد كان للنصارى قضاء خاص بهم بعيد تمام البعد عن تدخل الدولة في شؤونه يرأسه قاض يعرف باسم “قاضي النصارى” مهمته النظر في أمور الجنايات والنزاعات الخاصة بهم.(([58]))
المطلب الثالث: التعايش مع النصارى في المجال العلمي
عمل المسلمون منذ بداية الفتح الإسلامي للأندلس على خلق بيئة علمية ثقافية متسامحة تحتـرم الآخر كيفما كان، وكان لهذا أثره الكبيـر في اللقاء العلمي بين المسلمين وغيـر المسلمين في الأندلس، قل ما نجد له مثيلا في بلد آخر من بلدان الإسلام(([59])).
وكانت طرق التواصل مع النصارى عبـر محبـي العلم والمعرفة والثقافة العربية الإسلامية، وفي مقدمتهم الراهب الفرنسي “جربودت دي أورباك” الذي عنـي بدراسة العلوم الرياضية وبرع فيها، وأصبح فيما بعد بابا روما باسم البابا سيلفستر الثاني، وله دور بارز في نشر علوم العرب في أوروبا(([60])).
واهتم رهبان دير(سانتا ماريا دير يبول) بترجمة أعداد كبيـرة من المؤلفات العلمية العربية، وأدى وجود مدارس للترجمة في الأندلس إلى اجتذاب مجموعة من رجال الفكر المنتمين إلى الأديان السماوية في الأندلس، وتعايشوا جنبا إلى جنب مع المسلمين خلال أعمال الترجمة، وحتـى اللغة الإسبانية استفادت من الاستعارات اللغوية من اللغة العربية(([61])).
لقد برع بعض النصـارى فـي مجـالات مهمـة كالترجمـة والتـأليف فـي اللغـة العربيـة ومـنهم قسـطنطين الأفريقـي، نزيـل قرطبـة المتـوفى سـنة 480ه، والـذي يعـد مـن أقـدم المتـرجمين للمؤلفـات العربيـة ولاسـيما الطبيـة منهـا.
وقد توجه النصارى لدراسة اللغـة العربيـة وعلومهـا وآدابها لرغبـة في تبوّءِ المناصب الإدارية العليا في الدولة العربية في الأندلس وهذا لا يمكن بلوغه إلا بتعلم اللغـة العربيـة، وقـد أشـارت الروايـات التاريخية إلى تبـوء بعـض النصـارى المناصـب الإدارية ولاسـيما الـوزارة، ومـنهم علـى سـبيل المثـال لا الحصـر يحيـى بـن إسـحاق الـذي اسـتوزر فـي عهـد الخليفـة عبـد الـرحمن الناصـر(([62])).
وفضلا عن ذلك فإن ما حازته المراكز العلمية والثقافيـة فـي الأندلس مـن شـهرة علميـة وثقافية مرموقة، جعلها تستقطب وتجذب كثير من العقول المسيحية الوافدة من أوروبا ومنها الحاضرة قرطبة التـي كانت محطة علمية لكثير مـن النصـارى(([63])).
ولـم يقتصـر اهتمام النصـارى فـي المجـال التـأليفي والترجمـة إنما امتـد ليشـمل مجـالات مهمـة فـي الأدب والشــعر، إذ ذكــرت الروايــات التاريخية أن بعــض النصــارى قــد نشــطوا فــي دراســة الشــعر العربــي ولاسيما الغنائي منه على وجه الخصوص وبمرور الوقت نشأ ضرب من الشعر العامي القشتالي اسـتخدمه المسيحيون في الأناشيد الدينيـة وأعيـاد المـيلاد، وقـد أشـارت الروايـات أيضا إلى وجـود تـأثير كبيـر للموشـح الأندلسي في ظهور هذا الضرب من الشعر(([64])).
المبحث الثاني: التعايش بين المسلمين واليهود في الأندلس
المطلب الأول: التعايش مع اليهود في المجال الاجتماعي
عاش اليهود داخل المجتمع الإسلامي في الأندلس أكثـر من ثمانية قرون، فتأثروا بعادات المسلمين وتقاليدهم. لكنّ عيشهم في تجمعات أو أحياء خاصة بهم، والسماح لهم بممارسة عاداتهم وتقاليدهم وشعائرهم الدينية داخلها، مكنهم من المحافظة على كثيـر من العادات والتقاليد اليهودية.(([65]))
يمكن القول إن تفاعل الجماعة اليهودية مع الحضارة الإسلامية أمر لا نظيـر له في أية حضارة أخرى، لأنها أعطت لهم وسيلة الحياة ومنهج النقد وفهم التطورات الإنسانية خلال العصور الوسطى، فخرجوا من دوائرهم الضيقة إلى عالم أرحب.(([66]))
فالنصوص التاريخية تشير إلى تعايش وتفاعل كبير بين المسلمين واليهود في الأندلس. كالنازلة التـي وردت في فتاوى ابن رشد أن أحد اليهود سكن بجوار مسلم وشربهما معا من بئر واحدة،(([67])) كما أوردت لنا الأمثلة العامة ما يكشف عن تعامل اليهود مع المسلمين يوميا، وهذا ما خلق التواصل والاندماج فيما بينهم، ولعل ما يؤكد هذا الاندماج في المجال التجاري أن “صاحب المعيار” أورد فتوى تعالج شكوى من باعة جوالين يهود تتحدث خاصة عن سهولة وصولهم إلى النساء في البيوت لبيعهن البضائع(([68]))، وقد دلت هذه الشكوى على تحرك اليهود في الوسط الاجتماعي.
كما تُرِكَ يهود الأندلس يتسمَّوْن بأسماء عربية، فتسمى كثير منهم بأسماء مشتركة وردت في كلٍّ من التوراة والقرآن، لكنهم تقيَّدوا بالنطق العربي للاسم، فتسموا بموسى، بدل موشي، وإبراهيم، بدل أبراهام، وهكذا، كما تسموا بأسماء عربية خالصة، حتى في معناها مثل سَهْل، وبسّام، ويعيش، وعبد الصمد، ونسيم، كما أطلق الكثيـر من يهود الأندلس على بناتهم أسماء عربية(([69])).
المطلب الثاني: التعايش مع اليهود في المجال الإداري
فيما يخص المجال الإداري لدى الطائفة اليهودية فإن لليهود الحقوق نفسها التـي كانت للنصارى في انتخاب رؤسائهم الذين يراعون فيها أقدرهم وأعرفهم بشؤون مذهبهم.(([70]))
ومثلما قام الحكام الأمويون بتعيين القومس ليكون رئيساً للطائفة النصرانية، قاموا كذلك بإيجاد منصب لقائد الطائفة اليهودية. وكان لقب صاحب هذا المنصب هو”ناسي” (NASI)، كان المنصب الثاني الذي يلي منصب الناسي في الأهمية هو منصب كبير الأحبار أو الحاخام الأكبر كما سُمّي لاحقاً، وبعد منصب الحبر الأعظم، يأتي منصب القاضي، أو الديَّان كما يسمّيه اليهود، وكان الناسي هو الذي يعيِّن القضاة اليهود في المدن الأندلسية، ولكنَّ هذا النظام تغيَّـر فيما بعد، حيث تُظهر فتاوى أحبار اليهود منذ منتصف القرن الحادي عشر الميلادي أنَّ القضاة صاروا ينتخبون انتخاباً.(([71]))
ويتم تقاضي الطائفة اليهودية أمام محاكمهم الخاصة فيما يخص نزاعاتهم وقضاياهم التـي ليس فيها طرف غيـر يهودي دون تدخل إدارة الدولة في شؤونها، ولقضائهم كامل الحرية والصلاحيات في تقدير وتطبيق ما يصدرونه من أحكام وعقوبات على بني ملتهم (([72])).
وكانت الخلافات التـي تقع بين مسلم ويهودي في الأندلس تحال إلى المحاكم الإسلامية. أما قضايا اليهود فيما بينهم، فيتـرك الأمرُ فيها للمتخاصمين، فإمَّا أن يذهبوا إلى المحاكم اليهودية، أو يتوجهوا إلى المحاكم الإسلامية. (([73]))
“ومن المناصب الإدارية داخل الطائفة اليهودية، منصب الحزان، وهو فيهم بمثابة الخطيب يصعد المنبـر، ويعظهم. وكان لكلِّ كنيس يهودي حزان خاص، ومن مهماته أيضاً الإنشاد وإمامة المصلين في المناسبات الدينية. واشترط أحبار اليهود أن يكون الحزان متعلِّماً، صاحب سمعة جيِّدة، وصوت جميل، ومجيداً للأناشيد العربية.
ومن التنظيمات الإدارية المهمة للطوائف اليهودية في الأندلس، وجود مجلس في كلِّ مدينة توجد فيها طائفة يهودية، يشرف على إدارة شؤون الطائفة في المدينة، ويتكوَّن هذا المجلس من سبعة أشخاص، وكان اليهود يسمونهم “الشيوخ”، وهم يصلون إلى هذا المجلس بالانتخاب، ومدة بقاء هذا المجلس سنة واحدة، تحسب بالتقويم اليهودي، وقد أخذ يهود الأندلس هذا التنظيم الإداري عن الرومان الذين اعتمدوا في إدارة مدنهم على مجلسٍ منتخب من أبناء تلك المدن، وقد مارس اليهود هذا التنظيم منذ عهد الحكم الروماني لإسبانيا، وتمسكوا به في عهد القوط، ولم يتركوه إلاَّ بعد أن اشتدَّ عليهم اضطهاد القوط الكاثوليك، ثم عادوا إليه طوال مدة الحكم الإسلامي للأندلس. ومن بين مهمات مجلس الطائفة أو الشيوخ، أن يُشرِّع مجموعة من القوانين، ويطالب اليهود باحترامها والالتـزام بها، وكان أحبار اليهود يوصون بطاعة هذه القوانين باعتبارها قائمة على الشريعة اليهودية، وقد سُمِّيت مجموعة القوانين التـي يصدرها المجلس (TAKKANOT)، وهي كلمة عبرية، كما سميت أيضاً (الضوابط)”(([74])).
المطلب الثالث: التعايش مع اليهود في المجال العلمي
أصـبحت بــلاد الأنــدلس بعــد اســتقرارها مــن بــين أهـم المراكـز العلميــة والفكريــة فــي الدولــة الإسلامية، إذ اســتقطبت مدارســها ومنتــدياتها العلميــة علمــاء كبــار مــن مختلــف المنــاطق والمـدن والأقاليم، وممـا سـاعد فـي ذلـك تـوافر البيئـة العلميـة والثقافيـة، فضـلا عـن التشـجيع المنقطـع النظيـر الـذي وجـده العلمـاء الوافـدون إليهـا مـن قبـل الخلفـاء والأمراء، ممـا جعلهـا تسـمو فـي مجـال المعرفة.
وممـا لاشـك فيـه، فـإن تسـليط الضـوء علـى صور من اللقاء العلمي بين المسلمين وغير المسلمين في الأندلس، وإسهاماتهم في الحياة العلمية والفكرية، يؤشر بوضوح إلى تحديد مواطن التأثير العربي والإسلامي، والمـدى الواسع لهذا التأثير في مختلف فئات المجتمع الأندلسي، فضلا عن أنـه مؤشـر مهم للتأثير المتبـادل بـين الشـعوب، وهـذا فـي الواقـع يـدعو إلى إيجاد بيئـة علميـة وثقافيـة متعايشـة ومتسـامحة كـالتي كانـت فـي بـلاد الأندلس بعد الفتح الإسلامي لها، والتـي ظلت على صلتها العميقة ببيئتها المشرقية، وعلى اعتدالها فيما يتعلق باحترام الآخر كيفما كان.
أما عن اليهود فقد عملوا على جعل مدينـة قرطبة مركـزا علميـا وفكريـا للدراسـات اليهوديـة(([75]))، وجـل العلمـاء اليهـود قـد تخصصـوا فـي علـوم اللغـة وآدابها حتـى أن بعضـهم صـار حجـة فـي بعـض مواضـيعها، ولعـل مـروان بـن جنـاح اليهـودي القرطبـي المتـوفى سـنة441هــ، يقـف فـي مقـدمتهم وقـد كـرس جهـده لدراسـة ظـواهر اللغـة العبـريـة وكانـت نتيجـة بحثـه كتـاب “اللمـع” وأضـاف إليـه كتـابا آخـر هـو “معجـم للعهـد القـــديم” ســـماه “الأصـــول” والكتابـــان يتممـــان بعضـــهما لفهـــم اللغـــة العبريـــة(([76])).
ونذكر كذلك سـليمان بـن جبـرول اليهـودي المتوفى سنة 442هـ، فقد تخصص في ميدانين خصيبين هما اللغة والشعر(([77])).
ومن المؤلفين اليهود الـذين سـاروا علـى نهـج المـؤلفين العـرب والمسـلمين موسـى بـن يعقـوب المتوفى سنة 459هــ، صاحب كتـاب “المحاضـرة والمـذاكرة”، ولـم تكـن الجوانـب الاجتماعيـة بعيـدة عن مؤلفه، إذ سلك فيه نهج التنـوخي، علـي بـن محمـد المتـوفى سـنة 384هــ، فـي كتابـه “نشـوار المحاضـرة وأخبـار المـذاكرة”، مـن ناحيـة المعالجـة التاريخية والاجتماعية[78].
ويعكـس النتـاج العلمـي والثقـافي لليهـود والـذي فـاق نتـاج النصـارى كمـاً ونوعـاً قـدرتهم علـى الـتعلم بسرعة والتكيف مع الحياة العلمية المبدعة السائدة في بلاد الأندلس ولا سـيما قرطبـة، وممـا يـدل علـى ذلـك الترجمـات الكثيـرة لعـدد غيـر قليـل مـن المؤلفـات العربيـة مـن دون تغيـر فـي محتواهـا إلى لغـتهم العبرية، وهذه ولا شك عملية غاية في الدقة والصعوبة(([79])).
نعلم أن معرفة التدين الأندلسـي سيظل في حاجة إلى مساحة أكبـر من هذا البحث وسيجعل من المستحيل أن نستوعب كل ما يمكن أن يكتب فيه في مثل هذه المساحة المرصودة له في هذه الإسهامة، لذا فسأحاول قدر المستطاع أن أشير إلى ما يمكن استفادته من هذه التجربة التاريخية:
معرفة التدين الأندلسي يساعدنا على إبداع نموذج لتعايش المسلمين اليوم في العالم المعاصر، ويفيدنا في خلق عقلية مشاركة تتفاعل مع الآخرين وتتعاون معهم من أجل بناء حضارة إنسانية.
المسلمون في الأندلس كانت عندهم قدرة على معرفة الواقع الذي يعيشون فيه وعلى التأقلم معه.
علماء الأندلس دخلوا في حوار مع المجتمعات التـي يعيشون فيها ومع مكوناتها الدينية، حيث صنفوا وترجموا كتبا عديدة في هذا المجال، ودخلوا في مناظرات وسجالات علمية. وسيكون من المهم اليوم الاهتمام العلمي بالأديان الأخرى ويكون للمسلمين إسهامات في حوار الأديان.
الفقيه الأندلسي كانت له متابعة وإحاطة بكل الأمور فيما يتعلق بالتيارات والمعتقدات وغيرهما، والفقيه المعاصر يجب أن ينتهج منهج فقهائنا بالأندلس في هذا المجال، علما بأن الفقيه المعاصر يتجاوز الفقيه الأندلسي في الإمكانيات المتاحة اليوم التي تتيح له الاطلاع علـى أكبـر قدر من المعلومات في وقت وجيـز، ونتائج أبحاثه تعرض وتنتشر في العالم في وقت وجيـز كذلك، عبـر استخدام الوسائل الحديثة، وهذا يحمله مسؤولية أخرى تجاه ما سيخرجه.
وجود المسلمين بأعداد كبيرة في العالم الغربي يمكن أن يشكل أساساً للتفاهم والتعاون بين الإسلام والغرب وفرصة للتفاعل وتبادل الأفكار بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية كما حدث في الأندلس.
الإحالات:
- [1] معجم البلدان، 1/262.
- [2] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، 1/ 125
- [3] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، ابن عذاري المراكشي، 2/ 2-3
- [4] صفة جزيرة الأندلس منتخبة من الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري، ص: 2
- [5] التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة، عبد الرحمان علي حجي، ص: 97
- [6] نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب،128/1، 129
- [7] الروض المعطار في خبر الأقطار، ص:33
- [8] تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، خليل إبراهيم السامرائي، وعبد الواحد ذنون طه، وناطق صالح مصلوب، ص: 23.
- [9] الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 4/ 35
- [10] يشير إلى حديث أورده البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أمِّ حرام بنت ملحان، فتطعمه، وكانت أمُّ حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلتْ تُفْلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ استيقظ وهو يضحك. قالت: فقلتُ: وما يضحككَ يا رسولَ الله؟ قال: «ناسٌ من أمّتي عرضوا عليَّ، غزاة في سبيل الله، يركبون ثَبَج هذا البحر، ملوكًا على الأسرِّة، أو مثل الملوك على الأسرة». قالت: فقلتُ: يا رسول الله، ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ وضع رأسهُ، ثمّ استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناسٌ من أمّتي عرضوا عليّ، غزاة فى سبيل الله». كما قال في الأوّل. قالتْ: فقلت: يا رسولَ الله ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم. قال: «أنتِ من الأوّلين». فركبت البحرَ فى زمان معاوية بن أبي سفيان، فصرعتْ عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت (كتاب الاستئذان، باب من زار قوما فقام عندهم، رقم الحديث: 2789.)
- [11] رسائل ابن حزم الأندلسي، 2/173.
- [12] دولة الإسلام في الأندلس، محمد عبد الله عنان، 1/ 39
- [13] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، 2/ 25
- [14] نفس المصدر، 2/ 30-31
- [15] تاريخ افتتاح الأندلس، ابن القوطية القرطبى، ص: 43
- [16] حضارة العرب، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيت، ص: 281-282
- [17] الأندلس من الفتح إلى السقوط، 2/ 5
- [18] ينظر البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، 2/ 6
- [19] نفسه، 2/ 274
- [20] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، 4/ 115-121
- [21] الكامل في التاريخ، 9/188، والبيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب،4/ 98
- [22] اعلام الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، ص: 227.
- [23] فجر الأندلس، حسين مؤنس، ص: 429-430
- [24] ظهر الإسلام، ص: 472
- [25] حضارة العرب، ص: 281
- [26] التصوير الفني للحياة الاجتماعية في الشعر الأندلسي، حسن أحمد النوش، ص: 40
- [27] قصة العرب في اسبانيا، ستانلي لني بول، ص 48-49.
- [28] مباحث في التاريخ الاجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين، إبراهيم القادري بوتشيش، ص: 70
- [29] الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، 2/ 971
- [30] في تاريخ المغرب والأندلس، أحمد مختار العبادي، ص 52
- [31] عامــة قرطبة في عصر الخلافة، أحمد الطاهري، ص:20
- [32] المسألة اليهودية، عبد الله حسين، ص: 108
- [33] البيان المغرب، 3/ 264
- [34] – الروض المعطار في خبر الأقطار، ص: 45
- [35] لـسان العـرب، 7 /378.
- [36] لب اللباب في تحریر الأنساب، ص: 73.
- [37] مباحث في التاریخ الاجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطین، ابراهیم قادري بودشیش، ص:45.
- [38] ابن عبد البر الأندلسي وجهوده في التاریخ، لیث سعود جاسم، ص: 58
- [39] تاریخ المغرب والأندلس، عصام الدین عبد الرؤوف الفقي، ص: 205
- [40] الصقالبة في أسبانيا: أصلهم ونشأتهم وعلاقـاتهم بحركـة الشعوبية، العبادي، ص30.
- [41] قصة العرب في اسبانيا، ص 48-49.
- [42] حضارة العرب، ص: 290 -291
- [43] Philadelphia, 1904, P 264 ,Samuel Parsons Scott : History Of The Moorish Empire in Europe, Volume I
- [44] مقال بعنوان: صور من التسامح الديني والتعاون المشترك، الدكتور أحمد مختار العبادي، مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، المجلد السادس والعشرون، مدريد 1993- 1994، ص: 09.
- [45] فجر الأندلس، ص: 376 وما يليها.
- [46] الزواج المختلط بین المسلمین والإسبان من الفتح الإسلامي للأندلس وحتى سقوط الخلافة (92-422ھـ)، خالد الجبالي، ص:42.
- [47] المجتمع الأندلسي في العصر الأموي (138ه-422م/755ه-1030م)، حسین دویدار، ص:74
- [48] الأعياد في مملكة غرناطة، أحمد مختار العبادي، صحيفة المعهد المصري للدراسات الإسلامية، مدريد، المجلد الخامس عشر، 1970م، ص 140 وما يليها.
- [49] الحياة الاجتماعية في الأندلس، في عصر دولتي المرابطين والموحدين، 484 – 620 هـ / 1091 – 1223 م، سعيد سيد أحمد أبو زيد، ص 185.
- [50] تاريخ الفكر الأندلسي، أنخل جنثالث بالنثيا، ص 21.
- [51] مروج الذهب ومعادن الجوهر، أبو الحسن على بن الحسين بن علي المسعودي، ص 212.
- [52] الدر المنظم في مولد النبي المعظم، العزفى، أبو القاسم محمد بن أبى العباس بن أحمد بن محمد، نشر وتحقيق المستشرق الإسباني: فرناندو دي لا جرانخا، مجلة الأندلس، 1969م، ص: 21.
- [53] مقال: المسلمون والنصارى نموذجا للتعايش السلمي في الأندلس، راوية عبد الحميد شافع، مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية، المجلد 3، العدد 9، شتاء 2018، 358-359.
- [54] نفح الطيب، 1/222-223
- [55] التصوير الفني للحياة الاجتماعية في الشعر الأندلسي، ص: 41
- [56] نفس المرجع والصفحة.
- [57] الإحاطة في أخبار غرناطة، 1/21.
- [58] في تاريخ وحضارة الإسلام في الأندلس، عبد العزيز سالم، ص 176.
- [59] فجر الأندلس، المقدمة: ه
- [60] أثر الحضارة العربية في الأندلس، السامرائي، ص: 474.
- [61] الإبداع الحضاري للمسلمين في الأندلس في عهدي الإمارة والخلافة، مجدي خليل محمد البردويل، نسخة pdf، رسالة ماجستير، سنة 2014، غير مطبوعة.
- [62] العلوم الفيزيائية والطبيعية في الأندلس، فينيه اخوان، ترجمة أكرم ذنون، ضمن كتاب الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، تحرير: سلمى الجيوسي، 2/1297
- [63] قصة العرب في اسبانيا، استانلي، لين بول، ترجمة عفيف البعلبكي، ص:134
- [64] علاقة الإمارة الأموية في الأندلس مع الممالك النصرانية في إسبانيا، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، فلسطين،2001م، ص:145
- [65] اليهود تحت حكم المسلمين في الأندلس، خالد يونس الخالدي، ص: 269
- [66] اليهود في المغرب الإسلامي، كواتي مسعود، ص:295.
- [67] ينظر: فتاوى ابن رشد، 1/ 605.
- [68] ينظر: المعيار، 7/53.
- [69] اليهود تحت حكم المسلمين في الأندلس، خالد يونس الخالدي، ص: 272-273
- [70] الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية، عبد العزيز بنعبد الله، ص: 121
- [71] اليهود تحت حكم المسلمين في الأندلس، خالد يونس الخالدي، ص: 336- 339- 345
- [72] المجتمع الإسلامي والسلطة في العصر الوسيط، إبراهيم حركات، ص: 146
- [73] تاريخ قضاة الأندلس (المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا)، أبو الحسن الجذامي، ص: 56-57.
- [74] اليهود تحت حكم المسلمين في الأندلس، ص: 349- 350
- [75] اليهود في الاندلس، محمد بحر عبد المجيد، ص:23
- [76] عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ابن أبي أصيبعة، ص: 457
- [77] يهود الأندلس والمغرب، الزعفراني حاييم، ترجمة، أحمد شحلان، ص: 151
- [78] التراث العبري اليهودي في المغرب الإسلامي، أحمد شحلان ، ص:64
- [79] تراث الاسلام، جوزيف شاخت وكليفورد بوزورث، ترجمة: حسين مؤنس، 2/217.