المرأة و”إبليس” في مجتمع البيضان بالجنوب المغربي
باحث في علم الاجتماع
وجدة - المغرب
ملخص
يتعلق المقال بالمرأة في مجتمع البيضان بالجنوب المغربي، خاصة حضورها في الموروث الشعبي الشفهي، وما يختزنه هذا الأخير من تمثلات حول هذا الكائن الذي يحظى بمكانة متميزة عند كل أفراد المجتمع، مع التركيز على موضوع من المواضيع المغمورة ألا وهو المرأة والشيطان في الثقافة الحسانية، لكن من منظور ثقافي وخصيصة مجتمعية حسانية محضة، وليست تلك الصورة النمطية التي طالما لصقت بالمرأة على اعتبار أنها شيطان، وإنما ستعالج ما يعرف محليا بالمرأة الجميلة التي يسكنها الشيطان، فتكون حاضرة وفي قمة غوايتها أو ما يصطلح عليه بـــ" اتبيلس".
The article discusses women in the community of Al_ bidan in southern Marocco, particularly their presence in the oral folklore, and the representations associated with this entity, which holds a prominent position among all members of the community. Lt Focuses on a hidden topic, namely the woman and the devil in Hassani culture, but from a cultural perspective and the specific nature of the pure Hassani society, rather than the stereotypical image that has long been associated with women as being devilish. The article will address the locally known concept of the “beautiful woman possessed by the devil”, exploring her presence and her ultimate allure, or what is commonly referred to as “Atbils”.
كلمات مفتاحية: المرأة البيضانية - المجتمع البيضاني - الجنوب المغربي - الجن - إبليس - الغواية والفتنة - المعتقد الشعبي
Keywords : Beidan women- Beidan society - southern Marocco - the jinn - the devil - temptation and sedition - popular belief.
يعتبر موضوع المرأة من المواضيع التي ما فتئت تستقطب المزيد من الاهتمامات البحثية، وذلك راجع لما احتلته المسألة النسائية من مكانة خاصة في البحوث والدراسات العلمية، وفي الأوساط السوسيو-ثقافية تحديدا في العقود الأخيرة، وهو ما تعكسه بشكل لافت تلك الإنتاجات الأدبية والفكرية، والدراسات في تخصصات متنوعة كالسوسيولوجيا والانثروبولوجيا وعلم النفس، والقانون…، وقد تطلبت عمليات إثبات الذات هاته مسارا يزيد عن قرن من الزمن، ذلك أن أولى الاهتمامات بهذا الموضوع تعود إلى القرن19″[1].
وفي المجتمعات القديمة بشمال إفريقيا، وحسب العديد من المضان الإخبارية أنه كانت تولي للمرأة مكانة مهمة وتجنبها كل تعب يذهب بجمالها ورقتها، فإدا كانت المرأة بالعالم المقدس تكاد تكون لها نفس مكانة الرجل، بل تشاركه في أنشطة متعددة وتستقل بأخرى فإنها بعالم الواقع يغيب إسهامها في مرافق وميادين عديدة خاصة الميادين التي تثقل كاهن المرأة، إذ كانوا يسارعون لتجنيبيها أي مشقة، كون” جمال المرأة مقدس بالنسبة لهم لأنه رمز للكمال ورمز أيضا للخصوبة”[2]، حيث كان للربات حضور في التصور الديني في التصور الديني للإنسان القديم سواء الروماني أو المحلي، ذلك أنه قدس عددا من الربات، وقدم لها هدايا متنوعة وقام بتمثيلها على أشكال مختلفة من الآثار المادية كالفسيفساء، والتماثيل والنقود وغيرهم”[3]، وهو نفسه الذي “عرفته عبادة الربات في المغرب انتشارا واسعا مقارنة مع العبادة المخصصة للآلهة”[4].
وارتباطا بما سبق، نستحضر هنا أهمية حضور المرأة الحسانية بالجنوب المغربي، والتي هي الأخرى كانت لها مكانة جد متميزة في مجتمعها، فقد كانت مناط تقدير واحترام كل ما كانت تسكن إليه، فعتنوا بها وجنبوها كل مشقة تذهب بحسنها وجمالها، وعبروا البيضان عن ذلك في العديد من مظانهم الإخبارية وفي مورثهم الشعبي العامي الحساني المغربي، ومن هذا المنطلق نحاول إبراز مكانة المرأة البيضانية في هدا المجتمع المغربي الغني بتراثه المادي واللامادي، ثم الوقوف على أهم التمثلات الاجتماعية المتصلة بالمرأة البيضانية، وإبراز تلك العلاقة الجدلية الفلسفية بين المرأة بصفة “ابليس” أو “الشيطان” أو ما يعرف “بالتبليس” في اللسان الحساني الدارج دو الصفة الإيجابية أو السلبية التي تجتر معها بعض الصور النمطية التي لطالما حبست ولصقت بالمرأة البيضانية بالمجتمع الصحراوي المغربي .
أولا- المرأة وإبليس في المعتقد الشعبي للمجتمع الصحراوي المغربي
1. المرأة الحسانية في الموروث الشفهي الحساني
حظيت المرأة البيضانية بمكانة خاصة في المجتمع البيضاني[5]* الذي كرمها أحسن تكريم، وجعلها متساوية مع الرجل في الكثير من الحقوق والواجبات، وذلك ولد عنه ثقافة المساواة في المجتمع البيضاني بين أفراده، وتماشيا مع ذلك نجد العلامة محمد الإمام بن الشيخ ماء العينين يقول: «فاعلم أن النساء أهل ذلك القطر كأنما خلقن للتبجيل والإكرام، فلا تكليف ولا تعنيف ولا تثريب، وذلك في الأقسام الثلاث، إلا ان كل قسم وعادته في ذلك، فالمرأة هي سيدة جميع ما يتعلق بالبيت أثاثا ومتاعا ونحو ذلك، والرجل بمثابة الضيف فلها أن تفعل في البيت ما شاءت من غير اعتراض عليها ولا مراقبة”[6].
وتتميز حياة المرأة الحسانية في مجتمعها بالاحترام، والبعد عن الطابع الصدامي وكأنها خلقت للتبجيل والإكرام، “فلا تكلف ولا تعنيف ولا تثريب”[7]، وهناك نماذج في الصحراء يضرب بهن المثل في المشاركة الفعالة في المجتمع “نساء حسانيات عرفن بأدوار اقتصادية وحضور ديني ضمن عشائرهن، ولعل أشهرهن من قبيلة «آل بارك الله»، إذ تعتبر «أعزيزة منت مولود بن بارك الله بن أحمد يزيد»، و«الْخَيْتْ منت أَلَميِنْ بن بارك الله»، و«مريم تلميت منت أحمد البخاري»، من بين النساء اللواتي قمن بحفر الآبار الثلاث «شار» و«اغْوَييِّت» و«دَوْمَس”[8]، وتتعدد الأدوار التي تضطلع بها المرأة الحسانية في مجتمعها لتغطي مختلف مناحي الحياة، فلا يقتصر بذلك اهتمامها على مملكتها الخاصة فقط، بل يتعدى ذلك إلى إثبات قدرتها كعنصر فعال، فهي ليست على حد تعبير الدكتور محمد الغربي: “سيدة البيت المطلقة أو مربية الأولاد أو المحافظة على كيان الأسرة بقدر ما هي فوق ذلك عنصر اقتصادي وسياسي لا مندوحة عنه ولا سبيل لتجاهله”[9].
وعلي الرغم من تعدد وتنوع وسائل وآليات الاشتغال لدى المرأة بالجنوب المغربي من أجل الحصول علي المكانة اللائقة داخل المجتمع الصحراوي تبقي دوما في صراع مع الزمن للتصدي لشتي أشكال التهميش والإقصاء التي تعمل علي إسكات صوت المرأة الفاعلة وفرملة عملها الدؤوب من داخل المساهمة في الأدوار الاستراتيجية سواء علي المستوي السياسي والثقافي والاجتماعي والديني والاقتصادي (…) للحفاظ علي الموروث القيمي للمرأة الصحراوية، وهو ما يعتبره «كلود ليفي ستروس: النساء معتبرات كقيم»”[10]، وان كانت المرأة البدوية بالصحراء تقوم بأعمال ذات نشاط فاعل في تربية النشء وفي حماية الأسرة بتوفير الغداء والعلاج ومساعدة الرجال لخلق منتجين جدد يساهمون في إعادة الإنتاج الاجتماعي والبيولوجي للمكون القبلي، في ضل اقتصاد السوق، استطاعت أن تخرج إلى ميادين العمل المختلفة رغم أن خروجها كانت تطبعه في البداية الريبة والحذر وحتى «العار» أحيانا نظرا إلى أن التصور التقليدي السائد حول المرأة بالمجتمع الصحراوي يمنع عليها العمل خارج البيت وزوجها وأبوها أو من يعيلها موجود على قيد الحياة، لكن نتيجة الضغوط الاقتصادية والتحولات في ميدان التعلم والأسرة جعل من خروجها للعمل وممارسة سياسة كترشح في الانتخابات مثلا معطى مقبول ولو على مضض أحيانا.
بالإضافة إلى أن هناك مجالات أخري كان للمرأة فيها حضور فعال خاصة مجال الدراسة والتحصيل العلمي والتدريس والتدوين وحفظ القرآن والمتون ومحاورة العلماء والفقهاء، وفي هدا الإطار عرفت منطقة الساقية الحمراء ووادي الذهب طيلة القرن التاسع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن العشرين مجموعه من النساء الحافظات المدرسات مثل: لآلة النايرة بنت الشيكر السباعية (زوجة العلامة القاضي الشيخ ولد حامني)، كانت فقيهة وعالمة بالأصول والفروع، وكانت تجادل زوجها في الأحكام الشرعية وأمهات الكتب، وهناك الحافظة حبيبة بنت سيدي علي المساوية الركيبية، والفقيهة الخطاطة فاطمة بنت الحاج البشير ولد عبد الحي البربوشي”[11]، وأم المؤمنين بنت المامي السباعية: كانت صاحبة محضرة (ت 1920م)، والأستاذة فاطمتو بنت محمد الأمين بن أبا حازم الجكني نسبة لقبيلة تجكانت التي أنجبت العديد من العلماء والمشايخ، والتي كانت فقيهة في العلوم الشرعية من جملة المجاهدين الذين أقاموا بجبل كردوس بسوس أيام تولي الشيخ مربيه ربه بن ماء العينين قيادة حركة المقاومة بالجنوب المغربي. ومن الوليات الصالحات: أمنتو بنت يوسف، والعيافة التيدرارينية (ولية صالحه من قبيلة أولاد تيدرارين، يوجد مزارها عند مصب واد الساقية الحمراء، غرب مدينة العيون)، وعائشة بنت أحميدة السباعية، وأم فاطمة الفلالية (ولية صالحه سمي عليها واد أم فاطمة جنوب مدينة طانطان حيث مدفنها)، وشامنة الدليمية وغيرهن كثير. كان هدا النوع من النساء هو ذاكرة المجتمع الصحراوي وخزان أرشيفاته الشفوية نظرا لقدرتهن على الحفظ وحماية الموروث الثقافي، وكذا لحضورهن في المجالس العلمية وارتباطهن بالمحادثة والحكي كعادة يومية”[12].
إن ما وصلت إليه المرأة في هدا المجتمع البدوي المتحرك هو نتيجة احترام المجتمع لها وثقته بها، والحكيم الحساني “الأمثال الحسانية” عبرت عن تلك المكانة المتميزة والمتميزة التي كان يوليها لها المجتمع بكل أعماره، حيث نجدهم يقولون أَلِّ أبْلاَ مْنات ما تعرف الناس أَيْنْتَ مات، ويقولون أيضا “لعْلَيَاتْ أعْمايمْ لَجْوَادْ وأنْعَايَلْ لَكْلاَبْ” أي أن النساء في المجتمع الحساني يمثلن عمائم الكرام الكرام، فمن يعاملهن من الرجال معاملة حسنة تليق بمكانتهن المحترمة في مجتمعهن يصنف ضمن الأفاضل ومن يعاملهن عكس ذلك يدخل في خانة الكلاب واللئام.
وأعطى المجتمع البيضاني مكانة هامة للمرأة التي شاركت في صناعة الذاكرة الشعبية، أبرزها في المعارف المتصلة بالأمثال الشعبية خاصة في بعدها الزمني. حيث ظل الدهر والمرأة لهما دلالة رمزية قوية تتصل ببعضها البعض في السياق الرمزي التأويلي. كما هو مبين في المثل الحساني: «الدهر والمرأة ما ينفلشوا»، بمعنى أن الدهر غير مأمون كذلك المرأة، «الدهر ولعليات ما ينفلشوا»، و«الدهر يولد بلا ضرع»، و«الدهر تكلابوا شين» فهاجس الدهر حاضر بقوة ويرمز للخوف الدائم من الزمن حتى أصبح يؤرخ به للأحداث التي تمر عند اهل الصحراء كعام الدكة إي التلقيح.
2. المرأة البيضانية المغربية وغواية إبليس
والجن عالم مستقل تتباين وتتعدد أصنافهم وصورهم، كما هو حال سائر كائنات الكون وأجناسه، ولا علم لنا بكل هذه الأصناف إلا ما أخبرت به نصوص القرآن والسنة”[13]، والجن كالإنس لهم قبائل وعشائر، وأحياء مشهورة، ولهم سادة ورؤساء وزعماء ذاعت شهرتهم حتى جاوزت مجتمعهم الجني إلى مجتمع الإنس، فمن قبائلهم المشهورة بنو الشيصبان وهم أكثر الجن عددا، وأشرفهم نسبا، وأقواهم شوكة، وفي اجتماع تلك الصفات فيهم ما جعل الشعراء يتخيرونهم للصحبة والإعانة يقول حسان بن ثابت:
ولي صَاحِبٌ من بَني الشّيْصَبَانِ * * فَطَوْرًا أَقُولُ وَطَورًا هُوَهْ”[14].
وللنساء بالمجال الصحراوي اعتقادات معينة عن الجن، كون الجينيات يعملن على استبدال أطفالهن بأطفال من سلالة الجن، في المراحل الأولى من ولادة الرضيع، وبأن الطفل المستبدل تظهر عليه علامات وأعراض تنبئ أهله بتبديله وتغييره من طرف الجنية، ككثرة البكاء المتواصل وتغيير شكله وهيئته، بحيث يصير منفرا لا تستكين إليه النفس البشرية (ما تبغيه لخلاك ولا تلات تحن لو لكبد). ويشكل الحكي بالنسبة إلى النساء سرد لما هو منسوج في الذاكرة الشعبية الذي ورثه عبر التراث الشفهي اللامادي، الذي يحتفظ في الشق الشفهي على أن سيدة من نساء الصحراء، كان لها ولد لم يبلغ ألا بضعة شهور من عمره، اضطرتها الطروف لتركه وحيدا في الغرفة بسبب عدم وجود أحد معها في البيت يعتني به، وذهبت لقضاء اغراضها، وعندما عادت للبيت وجدت وليدها قد اختفي من مكانه، واستبدل بوليد من صنف الجان، وعندما رأته أصيبت بنوبة قلبيه ماتت على إثرها. وهو ما يجعل النساء يحرصن على عدم ترك أطفالهن بمفردهن لاسيما تحديد مع صلاة المغرب والعشاء، بنوع من الحرص والوقاية ببعض التعاويذ والأحجبة والحرز، او وضع سكين عند رأس الصبي ورشه مع صلاة المغرب بالملح مساء لدرء خطر الجن.
واستطاع الجن ان يفرض نفسه في عالم النساء، ويزرع فيهم الخوف والرعب لاسيما خلال دورة الحياة، وما لها من مكانة هامه في تصور ودهنيات أهل الصحراء، ولاسيما عندما يسود الاعتقاد في بقاء الجنين في بطن أمه لفترة طويلة تفوق المدة الطبيعية للولادة وهي تسعة أشهر، وهنا تحس المرأة وأمها بنوع من القلق اتجاه لحطة سميت ب«الطفل الموركد» أي بقاء الطفل النائم في بطن امه، ودلك نتيجة وقوعه نتيجة أعمال سحرية شيطانية أثرت على نموه في بطن أمه، مما أعاق نموه الطبيعي بعد إتمامه التسعة أشهر من الحمل، وعندما يتأكد الأهل من انه وقع ضحية عمل سحري يسمى (شايف الصرة). يتم الالتجاء إلى لمرابط /السيد/لحجاب، لفك العمل السحري ليعود الجنين لاستكمال نموه الطبيعي والمرور بشكل تدريجي لدورة الحياة.
ويعتقد كدلك ان بعض النساء يلجان إلى القيام بعمل سحري على الأطفال الرضع، وهم يحملون معهم (الصرة)، وإدخالها عليهم للقيام بتجربة فيهم عن مدى فعالية العمل السحري (الصرة)، وحسب الموروث الشفهي بان الطفل الذي يشتم محتويات هذه الصرة سرعان ما تصيبه تغيرات فيزيولوجية تتمثل في عدم التئام عظام الراس، ويظهر أخدود في عظام رأس الطفل، أما على شكل عمودي من الأمام إلى الخلف أو عرض الرأس، وتعتقد الأمهات ان الأطفال ليس لديهن مناعة كافية ضد (الصرة)، وهو ما يعلق للأطفال بعض الأحجبة والتمائم إلى ان تظهر أسنان الرضيع، عند إدن لم يعد للصرة أي تأثيرات عليه.
وتعتبر المرأة إحدى الثوابت الأساسية في المجتمع الحساني، فشكلت نقضة ارتكاز واهتمام الكثيرين، وفي شعر الغزل لدى شعراء اهتمام بالغ لما يخالج الشعراء الحسانين اتجاه المرأة من حالات الفرح والأسى، وألم الفراق وشدة الحزن … حتى طغت مواضيع المرأة في مساحات الشعر والأدب فشكلت المرأة مادة دسمة لها، وعنصرا محوريا في مادتها على امتداد خارطة التراث الشعبي الشفهي، لأن المرأة هي الحاضنة والمرضعة والمربية، وهي التي تعلم الرجل الخطوة الأولى في الوجود، وبذلك تكون العشيقة والسيدة في نفس الآن، والأم والمحبوبة، بل الملهمة أحيانا، فهي المسكن الذي يأوي إليه الرجل في حالات التعب والأسى، فأضحى وجودها وجوديا بلغة سارتر. و«المرأة الصحراوية كانت في مجتمعها سيدة تأمر وتنهي، ويأخذ برأيها ومشورتها. كما يقول الشيخ محمد الإمام: «النساء عند أهل القطر كأنهن لم يخلقن إلا للتبجيل والإكرام والتودد»”[15].
وخطاب الشيخ ماء العينين عن المرأة هو الكشف عن علو مكانتها عنده، بل ويزيد قائلا:” والآن يا قرة عيني وثمرة فؤادي (…) إن كان الأسد يقتل (…) فاللبؤة تقتل (…) وإن كان الرجال (…) يرحلن فالنساء ترحلن (…) وأنا لولا أني عالم بك والله الحمد في خيمي وتلاميذي … لما سرت عنهم ولا جلست الآن وعلمي بك والله الحمد في ظهري موسع خاطري في كثير من المسائل لا عدمتك فيها …”[16]. فالشيخ يضع المرأة في ميزان الرجل من حيث القدرة على القيام بأعباء ومسؤوليات البيت والقبيلة عموما. وكان رضي الله عنه يحب المرأة ان تكون ذات قوة وأنفة وعزة”[17]. غير أن الأمر ليس على هذه الشاكلة اليوم، بل تغيرت الشروط الذاتية والموضوعية في ظل ما نشهده من تحولات اجتماعية على امتداد جغرافية المجال، وحجم التحول الحاصل في الانتقال من زمن البداوة إلى زمن الاستقرار. فالوقت الذي نجد فيه المرأة الصحراوية المغربية فارضة وجودها في المجتمع بحيائها ورزانتها، فكثيرا ما كنا نسمع بمجتمعات تتكلم عن ديمقراطية، وحقوق الإنسان وحق المرأة وتطالب بتلك الحقوق، فالصحراويون حققوا تلك الحقوق مند زمن بعيد.
ومعاملة الرجل للمرأة نابعة من نفسه التي لا تقبل أي شيء مدنس اتجاهها للحفاظ على تلك العلاقة المقدسة بينهما، فلطالما يحاول الرجل ان يقرأ تقاسيم وجه المرأة التي تحاول أن توقعه في الأسر، ليكون أسيرا تحت قدميها بلغة شيء اسمه «البغي المتين منو»، لأنها متحولة المشاعر والأحاسيس التي تتمدد بين خطي المد والجزر النفسي، في لحظات يطبعها المنع والانجذاب في جو من التناقضات المشاعرية لعالم النساء الذي يبعث على الغرابة، بحيث تحب المرأة الصحراوية مواصفات معينة تستشف من عالم البادية، أن يكون «عوده مشتدا ولحمه على عظمه، أهجفا قويا جلدا شديد التحمل مقداما، كلما كان مقبولا عند الأنثى»”[18]. وأما جمال المرأة بالنسبة للرجل الصحراوي، تلك «المرأة المكتنزة الممتلئة بضة هيفاء، آسرة لها حديث أخاذ تعرف متى تتحدث ومتى تصمت، ومتى تمسح عن جبين حبيبها هموم الترحال وتعب الصيد ووعثاء القتال، تلك هي التي يسعى إليها الرجل حتى ولو غزا من أجلها مجتمعا بأسره»”[19].
والبدانة في نساء الصحراء إحدى أهم المعايير التي يفرضها الدور الوظيفي للمرأة من زواج وإنجاب في المجتمع الصحراوي. حيث يتم إعدادها في سن مبكرة لهذه الوظيفة الطبيعية والمسماة بعملية «لبلوح»، بدءا من سن التاسعة، حيث تتكلف لها أم صارمة ومختصة من نساء القبيلة التي تخضعها لنظام غذائي صارم (لبن الإبل)، حيث تستغرق عملية البلوح أشهرا حتى يتفتق جسم الفتاة، فتبدو الأرداف ممتلئة والخاسرة رقيقة والبشرة ناصعي البياض. فيتفتق جسدها نعومة، يتخذ بشكل منتظم في أنحاء من جسدها، يصفه الحسانيون ب«لبطط» كنوع من الوشم الذي يبرز على جسد الفتاة الصحراوية خصوصا في المواضع التي تكون مكتنزة كزنديها وساقيها بعد ان توقفت عملية البلوح وأصبحت الفتاة مكتملة بارزة المفاتن، ملهمة للناضرين من الخطاب لطلب يدها، وتهافت «إيكاون» على التغني بمفاتن جمالها.
وكانت صورة البدانة هي الصفة الغالبة على صورة جمال المرأة بالمجتمع الصحراوي لما ترمز إليه من الخصوبة والاستمرارية حيث يرمز للبياض كرمز للترف والنعمة. لتظهر صورة استحضار شعر الأدب الحساني الذي يحمل نوعا من الرمزية «لإبليس اللعين» الخبير في لعبة قلب الطاولة بعالم النساء، والقدرة على الإغراء والمراودة، فهو رمز للفتنة والغواية. خاصة ان الاعتقاد يحوم حول ان إبليس هو سبب الخطيئة أي خطيئة آدم وحواء وخروجهما من الجنة، بحيث استعمل وسيلته في ذلك هي المرأة، وقد قيل بان النساء حبائل الشيطان.
3. المرأة البيضانية وتبليس في لغة الشعر الحساني
بدأت تلك العلاقة الرمزية التي تبعث على الاحتكاك بين إبليس والمرأة، فهو يزين صورة النساء في أعين الرجال، الصورة التي ترسخت في المخيال الشعبي الحساني فيما يخص علاقة المرأة بالرجل. وذكر إبليس في الموروث الشفهي الحساني لا يعتقد به واقعة طرد إبليس من الجنة، لأن ذكر إبليس في ثقافة الشعبية الحسانية هو لصيق بالمرأة وما يتصل بها من قوة جمالية جذابة تشبه بقوة مغناطيسية نضرا لأنوثتها التي لا تقاوم والتي دفعت شعراء بني حسان إلى كتابة الشعر عنها «أضلع»، وما يتنفسه هذا الشعر من مفردات أنثوية تبعث على وجود امرأة فاتنة حسناء يتجدد ضهور إبليس مه ضهور جمالها الدي يبعث على إزاحة العقل من مكانه باستبدال بالجنون. و”الشعر عند الجن كما هو عند الإنس باب من أبواب تقييد المكارم، وتربية النفوس وتزكيتها”[20]، ولما كانت عاطفة الحب من أبرز المشاهر التي اهتم بها الشاعر العربي وسجلها في نتاجه الشعري، فهو كذلك يبحث عنها في عالم الجن ويسجلها حين رصده لسلوك الجن ليظهر مدى التشابه بين هذين العالمين، فالجني كالإنسي يحب ويعشق، ولقصص العشق عندهم بدايات يصعب تحديدها يسير فيها اللاحق على درب السابق دونما مشابهة أو تقليد، وكأنما قصصهم في العشق تماثل قصص عشاق الإنس التي يذيع صيت بعضهم دونما تحديد لأول من عشق أو آخر من سيعشق، وفي هذا يقول الشاعر:
يا ذا الذي للحين يدعوه الحمق ** خل عن الحسناء رسلا وانطلق
ما أنت في الجن بأول من عشق
فالشاعر العربي يسجل لهم في شعره أنهم كالإنس في كل مشاعرهم، فهم يعشقون وإن خفيت قصص عشقهم عن الأسماع والشهرة إلا أن إشارات الشعراء إليها توحي بها مما جعل الشاعر العربي يوظف هذا المعنى في تصويره للمعاني التي قادته عاطفته المضطربة بلهيب الوجد وإلهيام إلى إشراك الجن في معاناته التي فاقت ما يلاقيه الجن والإنس من عواطف، فلو لم تكن الجن تشارك الإنس في إدراك هذه المشاعر لما كان في الجمع بينهما مزية يبتغيها الشاعر[21].
و”الكاهنات لوجود تابعهن الجني الملازم لهن هن المثال الأول في تصورهم لتعلق الجني بالإنسية، وعبر هؤلاء الكواهن عن هذه العلاقة ومن ذلك ما جاء في أخبار عفيراء الكاهنة الحميرية أنها لما خطبها مرثد بن عبد كلال قالت له محذرة من تابعها الجني: إن تابعي غيور، ولأمري صبور، وناكحي مثبور، والكلف بي مثبور[22]. وهو ما يترسخ في أذهان الشعراء من موروثات فكرية للعلاقات بين الجن والإنس، ومنها انجذاب رجال الجن إلى نساء الإنس بحيث يتصور ان علاقات الإعجاب والافتنان والعشق المتبادلة بين عالمي الجن والإنس. وهكذا يظهر الشيطان/ إبليس اللعين/ باختلاف أسمائه، يظل رمزا للجاذبية والفتنة والغواية، بل أصبح إبليس دلالة رمزية لجمال المرأة الصحراوية، «فلانة فيها شيطان لأحمر»، المرأة الساحرة الجذابة التي تسلب كل الحاضرين والناضرين حولها، وتبعث على زعزعة مشاعر الرجل ورضوخه للأمر الواقع الجمالي والاعتراف بجمالية المرأة التي يعتقد على إنه يسكن إبليس. في الوقت الذي يفسر البعض جمال وقبول المرأة في عالم الرجال، بارتباطه بصورة تراثية شعبية أخرى، يعتقد على أن المرأة المقبولة والجميلة تحمل معها ما يصطلح عليه ب «الصرة» وهي تحويطة يحملها البعض من النساء لجذب وجلب الرجال، والتي تدخل في وسائل السحر الأبيض (الخير)، خاصة بالقبول في عالم الرجال بغية الزواج.
فإبليس اللعين يحاول قدر المستطاع محاكاة النساء الحسانيات في كل حركاتهم وسكناتهم وتمثلاتهم، بدءا بالابتسامات والنظرات والخطى … وكان إبليس يمارس رياضته المعهودة الغواية ورسم ملامح صورة المرأة ساحرة في حركاتها وأفعالها المثيرة لجعلها تفتن قلوب الرجال، وهو ما يقوي تلك الصورة التي ترتبط بين جمال المرأة وإبليس في المخيال الشعبي الغني بالصور الجمالية للمرأة وبعض الجوانب المخفية الغامضة التي تتصيد الفرص للظهور على خشبة مسرح الحياة الخرافية والحكايات الشعبية (لَمْرَدّ) كفضاء سردي واسع يتسع لتجارب المجتمع الصحراوي ووقائع حياته الاجتماعية.
ووصف المرأة البيضانية “كاميل دولز”: »كن ملتحفات في أثواب زرقاء يغطين بها أكتافهن، تاركات أثدائهن عارية. كانت لهن هيئة مهيبة، وكن على العموم ذوات بنية قوية، وعلى قدر من الجمال بعيونهن السوداء العجيبة التي أصب الشعراء العرب تشبيهها بعيون الغزال، كانت أسنانهن غاية في الروعة. كما تشي هيئتهن في مجموعها عن جمال وحشي فتان[23]. وتعتبر المعتقدات الاجتماعية موروثاً لا مادياً تنعكس آثاره على سلوكات الأفراد في المجتمع، ويولي الباحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا حيزاً مهماً لهذا الجانب، لأن مجتمع الصحراء عند وقوفه على بعض المعتقدات يستحضر وجود المرأة في تفاصيل حيثيات تشكلها كموضوع الأجنة(التركة) والفأل والحظ الحسن وقوة تماسك الأسرة… تكون فيها المرأة حاضرة بقوة من خلال تركيز هذه المعتقدات عليها بشكل خاص. في جوانب عديدة منها مراحل الإنجاب والحمل وطقوس الاعتقاد في جنس المولود. فالمعتقد الصحراوي القديم كان يُحمِّل المرأة، على عكس ما يقوله العلم، مسؤولية هل الجنس ذكر أو أنثى. لأن أول ما تطمح إليه الأسرة في أي مجتمع بدوي هو إنجاب أكثر عدد من الذكور ليعينوا العائلة على مقاومة ظروف العيش القاسية كالصحراء وأحوازها والقيام بأعبائها الكثيرة.
وبتعبير آخر كان الصحراويون خاصة الرجال، يفضلون المرأة التي تنجب الأولاد الذكور على تلك التي تنجب الإناث. وحتى تنجب الأسرة من الذكور أكثر منه من الإناث كانت المعتقدات الشعبية الصحراوية تركز على المرأة في هذا المجال وتهمل الرجل. فمثلا حتى لا تنجب المرأة عددا كبيراً من الإناث، كان الصحراويون يحثون المتزوجة حديثا على أن تقوم بأول زيارة لها إلى امرأة تنجب الذكور فقط؛ وبالعكس، لا يجب أن تزورها في المرأة الأولى امرأة تنجب الإناث. أكثر من ذلك، يعتقد على إنها تشكل تفاؤل حسن، ولا يجب أن تزورها مطلقة ولا ضرة ولا أرملة. وكمبالغة في الحيطة يصل الاعتقاد الشعبي الحساني إلى منع المتزوجة حديثاً من لبس لباس النساء المطلقات والضرات واللاتي ينجبن الإناث فقط أو ترك إحداهن تخيط لها لباسها قبل مضي أربعين يوما على الزواج.
ويقول الصحراويون “إذا كان السبع يكتل فإن السبعة تكتل »إذا كان السبع يصطاد فإن السبعة الأنثى تصطاد أيضا» أي أنها تشارك في العمل الحطب جلب الماء والرعي، ويقولون أيضا: “رَزقْ الْمَراَ تَحْت رَكْبَتْها أَوْ تَحْت صَفتْها”؛ أي إن رزق المرأة سيأتيها في خيمتها ولا داعي أن تذهب للبحث عنه، يقولون أيضاً: “الْمَراَ مَا يَرْفَدهَا مَاهُو دَمْ عَرْكُوبْهَا”، ودم عرقوبها يقصدون به الأبناء الذين تنجب، فهم الذين، في النهاية، سيتكفلون بها ويخدمونها حين تصبح كبيرة وفي سن متقدمة. وباستحضار إبليس، وسلطة الغواية في اللهجة الحسانية كون المرأة تنقصها «الشعرة» و«إبليس». والمثل الثاني يقول: «فلانة خير عزريها من ضيفه»، أي ان هذه المرأة فيها مسحة من الجمال ليست بالجميلة الجذابة والاسرة عند اللحظة الأولى، ولكن حينما يجالسها المرء ويمكث معها هنيهة، فإنه لن يستطيع الذهاب عنها الا ليعود إليها من جديد، لأن هذه المرأة بالتعبير الحساني «مبلوسة»، أي فيها «ابليس» أو فيها «الشيطان». وإبليس يرمز في المتخيل الشعبي الحساني الى الجمال والقدرة على الاغراء والمراودة، ليرمز للفتنة والغواية[24]، وإبليس هو سبب الخطيئة، خطيئة أدم وحواء وخروجهما من الجنة الدي كانت وسيلته في ذلك المرأة، ولذلك قيل النساء حبائل الشيطان، ومن هنا تبدأ علاقة إبليس بالمرأة، فهو يزين النساء في أعين الرجال.
4. المرأة وطقس الإنجاب في المعتقد الشعبي الصحراوي المغربي
وعندما «تحمل المرأة يصير لزاما عليها التزام بعض الاحتياطات من أجل سلامة جنينها، وأهم هذه الاحتياطات من وجهة نظر المعتقد الشعبي هي: تجنب الاحتكاك بأماكن تواجد المواد السحرية كمحلات العطارة أو الاحتكاك بالنساء الاتي يتعاطنا للسحر، لأن الجنين قد يتأثر سلبا بذلك ويتعرض لتشوهات خلقية أو للموت حتى. وخلال فترة الحمل دائما، ينبغي على الأم ألا تطيل النظر إلى كل ما له هيئة غير جميلة، كالأشخاص ذوي الخلقة الذميمة أو الحيوانات (القردة على الخصوص)، والسبب في ذلك أن الجنين الذي يتشكل في رحمها سوف يأخذ الصفات القبيحة الظاهرة لما شاهدته[25]. وإن كانت المرأة لا تلد سوى البنات، فإن ذلك يعني مرة أخرى أنها واقعة تحت تأثير عمل سحري، ينبغي لها أن تتخلص منه، والمعروف انه هناك وصفات ينتج عنها، حسب العامة، إنجاب المرأة للفتيات فقط. وتلجأ إليها قريبات الزوج كي يدفعن به إلى تطليق زوجته انتقاما منها. ولأجل تحقيق ذلك يقمن – مثلا- بإحدى الوصفتين التاليتين”[26]:
- تؤخذ أفعى أنثى ولدت لتوها، وتقطع إلى أجزاء يمثل كل منها عدد للبنات التي يرغب في أن تنجبها المرأة، تطبخ ثم تقدم للمطلوبة لتأكلها.
- تؤخذ شعرة من رأس المطلوبة، وتعقد عددا من المرات يماثل عدد البنات المراد أن تحصل عليه، ثم توضع الشعرة في خبز وتقدم إليها لتأكلها من دون أن تدري.
ولكي تلد المرأة مواليدا ذكورا فإن الوصفات السحرية كثيرة كذلك، بدءا من أن تأكل المعنية من يد طفل لا تلد أمه سوى الأولاد الذكور، أو ان تذبح ثعبانا ذكرا ولد لتوه، ثم تقطعه عددا من الأجزاء مماثلا لعدد الأولاد المرغوب في إنجابهم، وتطبخه لتأكله. وإن عدم إنجاب الذكور يكون في كثير من الأحيان مبررا لتسويغ طلاق الرجل لزوجته في المجتمع المغربي. ويبذو تفضيل المواليد الذكور على الإناث اجترار لعقلية هي من بقايا تفكير إنسان المجتمعات الزراعية والرعوية.[27] ولما تختص المرأة بشؤون البيت الداخلية (الكنس وتنظيف والطبخ وحلب الغنم)، يتكلف الرجل بأعمال مثلا التجارة والحرث بمعني الأعمال التي تتطلب مجهودا ومشقة بدنية عالية، ومشددين الأهالي على حظر النساء على الحضور إلى مجالس الرجال خاصة ان تعلق الأمر بعقود البيع والشراء أو الزواج والطلاق، فالرجال هم الذين يتكلفون بإبرام تلك العقود أو إلغائها، والمرأة لا تبدي رأيها في المسائل الهامة التي يقف عليها مستقبل الأسرة عموما. والبدو كما هو معروف من خلال الموروث الشفهي يظهر أنهم ورثوا شي أسمه العصبية العربية للجنس الذكوري مند أيام زمن الجاهلية، كون الرجل حسب هذا الاعتقاد هو الأقوى والأذكى، وان المرأة ناقصة عقل ودين، واقل ذكاء من الرجل، لذا لا يجب الاعتماد على آرائها وأخد لٌوالها على محمل الجد (الأهالي يحتقرون الرجل الذي يخضع لرأي المرأة ويصفون رأيه بأنه رأي أمراه. (فلان أرايو الا اراي امرا).
ولذلك ينبغي على المرأة ألا تبدي أي رأي وتترك المجال للرجال فيما يخص القضايا التي تلتزم نوع من الفطنة والحكمة وذكاء. تماشيا مع المثل الذي يقول «شاوروهن وخالفهن»، كون الاعتقاد في رأي المشورة بالنسبة للرأي الذي تبديه المرأة يجعل الرجل يحكم على نفسه بالهلاك حسب المثل لي يقول «أزين أرايهم يلوح لصدره فيها لفعى»، كون المرأة في التصور الشعبي لأهل الصحراء هي تتميز بالحيلة والمكر والدهاء اكثر من اعتمادها علي الفطنة والعقل كون الصفة التي تتصف بها «الشيطان» كون كل الماسي التي حلت بالبشرية وبسبب حواء التي أغوت أدم بتواطؤ مع إبليس وعندما تقع أي مشكلة من لمشاكل تنسب إلي المرأة ويضعون عليها اللوم، حسب المثل القائل: «ما كاينه بليه ماسيتها وليه»، أي أن «وجود أي مصيبة هو سببها المرأة»، بالإضافة إلي تشاؤم من رؤية المرأة أيضا صباحا، ويستعبد مشاركتها في كل ما يتعلق بالرزق والبركة، إلا ان كانت كبيرة في سن ومعروفة ببركتها وصدق الأمانة، وارتباط حالة الزوج المادية ان كانت مستحسنة وفقره وقلة الصحة بزوجته كفال شؤم أو خير عليه، حيث هدا التطير يتعدى المرأة إلي فئات أخري بالمجتمع الصحراوي هي الأخرى تنذر بالشؤم والنحس إلي فئة «العبيد والصناع – الحرفيين»، لأن بعض الناس يحسون بتشاؤم من رؤية الحداد صباحا ويفضلون رؤية العبد الأسود، وفي المساء تنقلب الأمور بحيث يتطيرون من رؤية العبد ويستبشرون خيرا في رؤية الصانع.
والأسر الصحراوية يفضلون الأطفال الذكور من حيث الاهتمام أكثر مما يحظى به ميلاد الإناث، فالأب الذي يبشرون بميلاد الأنثى يسخر منه أصدقائه، بل يحاولون أن يشدو من أزره بعد هده المسؤولية التي ألقيت على عاتقه، حيث يقال له (طاحت عليه نواله) والنوالة هي سور من الحجارة ومجموعة من الأشجار تخصص للطبخ، أما أن بشر بمولود ذكر فهم يبادرون إلى تهنئته ويقولون انه (زادت عندو خيمة)، ويعتقد البعض من الأهالي. ان دعاء الأطفال الصغار يستجاب له أكثر من الكبار، وأن ذوي العاهات كالضرير والأخرس يعوضهم الله بالخير والبركة مقارنة مع الناس العاديين، بالإضافة إلى اعتقاد بعض الأهالي ان الطفل الذي يزداد بزيادات في جسمه مثلا له ستة أسابع عوض خمسه يكون مباركا، أما الذي يولد وينقصه أحد الأعضاء في جسده كأن يكون «أعور أو مبتور اليد أو الرجل فيعتقدون أنه فأل شؤم. ناهيك عن مسألة تخطي الشخص لأحدهم وهو نائم أو مستيقظ مخافة أن يكون واضعا «حجاب» أو «كتاب يحمل أسماء الله الحسنى»، ما كره تمرير الحليب من فوق جسد الشخص المستلقي، ولا يحبذ أيضا ضرب الشخص على كتفه اعتقادا منهم أن ذلك يضر بأخيه الذي يليه ويؤثر عليه.
وختاما، تبقى هذه السطور ماهي إلا محاولة يتيمة منا كغيورين للحفر بعمق في الفرشة الذهنية للإنسان الحساني، وأهمية حضور المرأة في الموروث الثقافي الشفهي. والدي يلامس موضوع الأنثروبولوجيا الثقافية والتي تعالج قضايا راهنيه منها قضية المرأة التي تدخل في صلب الاهتمام بالتنمية والثقافة والتراث. في خضم اهم التطورات والتحولات الحديثة والسريعة التي مست ثقافة مجتمع البيضان، المجتمع الذي كانت ولا زالت تشكل فيه المرأة محور اهتمام ودراسة خاصة في ظل دخولها مع الرجل معترك الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. في الوقت الذي يتفق الكثيرون على أن الثقافة الحسانية في الصحراء المغربية يغلب عليها الطابع الشفاهي ما يعرضها للضياع والاندثار. وهو ما ينبغي تجاوز النظرة الفولكلورية والبحث عن العطاء العلمي والدين والفكري والأدبي لأهل الجنوب. وهل هناك في المستقبل القريب اقتراحات عملية لصون هذه الثقافة وجعلها حاضرة باستمرار في الحياة اليومية بالمنطقة؟ سؤال يظل مطروحا للأجيال القادمة.
الإحالات:
- محمد حبيدة، البحث في تاريخ النساء تجربة الغرب نموذجا، نقلا عن: مجلة أمل، التاريخ، الثقافة، المجتمع، العدد 13-14، السنة الخامسة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1998، ص 124. ↑
- نفسه، ص 15. ↑
- عبد العزيز بل الفايدة، عبادة الربات في المغرب القديم على ضوء الإبيغرافيا (Epigraphie)، نقلا عن: مجلة أمل، التاريخ، الثقافة، المجتمع، العدد 13-14، السنة الخامسة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1998، ص 55. ↑
- نفسه، ص 62. ↑
- البيضان: اسم بلاد البيضان Pays des Maures، وهو مصطلح كان شائعا في كتب الجغرافيين العرب منذ القرن الرابع الهجري لوصف صنهاجة الصحراء في مقابل السودان الواقع جنوبا. ثم أصبح يطلق على الناطقين بالحسانية منذ القرن الحادي عشر الميلادي. لكنه كان مقصورا على النبلاء من العرب (المحاربون)، والزوايا (أهل الدين). وكان اسم “الكحلان” يطلق على الفئات الأخرة “الحدادون” و”الزفافون ” Les griots (أرباب الموسيقى). ثم تطور لفظ البيضان ليطلق على كل متحدث للحسانية بغض النظر عن لونه ومهنته. مع بقاء الاستخدام الأصلي في الاستعمالات الخاصة داخل المجتمع. نقلا عن: رحال بوبريك، دراسات صحراوية المجتمع والسلطة والدين، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط 2 الرباط المغرب، 2008، ص 11. ↑
- شيخ محمد الإمام، الجأش الربيط في الدفاع عن مغربية شنقيط وعربية المغاربة من مركب وبسيط، تحقيق محمد الظريف، تقديم ماء العينين ماء العينين، ط1، مطبعة المعارف الجديدة، 2013، ص 115 ↑
- الإمام محمد الشيخ بن الشيخ ماء العينين، الجأش الربيط في النضال عن مغربية شنقيط وعربية المغاربة في مركب وبسيط، دار الفرقان، الدار البيضاء، 1985، ص 39. ↑
- ولد عبد الله العتيق أحمد بابا، تاريخ حياة الشرفاء أهل باركله أخلاقهم وعاداتهم، ط2، نواكشوط، موريتانيا، 2008، ص 73. ↑
- الغربي محمد، الساقية الحمراء ووادي الذهب، دار الكتاب، الدار البيضاء، بدون سنة، ص 153. ↑
- -Strauss Claude (levi) ” les structures élémentaires de la parenté” , Mouton et Co, Paris, 1967, p, 527. ↑
- مجلة دعوة الحق، المرأة في حضارة الغرب الإسلامي، القسم الثاني مجلة شهرية تعني بالدراسات الإسلامية وبشؤون الثقافة والفكر، السنة الثالثة والخمسون، العدد 399 ربيع الأول 1432، مارس 2011، ص 52. ↑
- مجلة دعوة الحق، المرأة في حضارة الغرب الإسلامي، القسم الثاني مجلة شهرية تعني بالدراسات الإسلامية وبشؤون الثقافة والفكر، مرجع سابق، ص 53. ↑
- نفسه، ص 44. ↑
- نفسه، ص 85. ↑
- عائشة خليل، جمال المرأة الصحراوية في المخيال الشعبي الحساني، نقلا عن: مجلة ثقافة الصحراء فصلية ثقافية متخصصة، تصدرها جمعية أصدقاء متحف الطنطان، المرأة في مجتمع البيظان سؤال الكينونة، العدد الرابع، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، خريف 2015، ص 25. ↑
- العالية ماء العينين، مكانة المرأة عند لشيخ ماء العينين، نقلا عن: مجلة ثقافة الصحراء، فصلية ثقافية متخصصة تصدرها جمعية متحف الطانطان، المرأة في مجتمع البيضان سؤال الكينونة، العدد الرابع، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، خريف 2015، ص 21. ↑
- نفسه، ص 21. ↑
- العالية ماء العينين، مكانة المرأة عند لشيخ ماء العينين، نقلا عن: مجلة ثقافة الصحراء، مرجع سابق، ص 27. ↑
- نفسه، ص 27. ↑
- فائزة رداد عزيز العتيبي، الجن في الشعر العربي إلى آخر العصر العباسي، دار الانتشار العربي، النادي الأدبي في منطقة الباحة، ط 1، المملكة العربية السعودية، 2017، ص 117. ↑
- فائزة رداد عزيز العتيبي، الجن في الشعر العربي إلى آخر العصر العباسي، مرجع سابق، ص 119. ↑
- نفسه، ص 222. ↑
- كاميل دولز، خمسة أشهر لدى البيظان في الصحراء، ترجمة وتقديم حسن الطالب، مركز الدراسات الصحراوية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط 1، الرباط، المغرب، 2015، ص 62. ↑
- عائشة خليل، جمال المرأة الصحراوية في المخيال الشعبي الحساني، مرجع سابق، ص 29. ↑
- مصطفى وأعراب، المعتقدات والطقوس السحرية في المغرب، ط1، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، يناير 2007، ص 172. ↑
- مصطفى وأعراب، المعتقدات والطقوس السحرية في المغرب، مرجع سابق، ص 172. ↑
- نفسه، ص ص 172-173. ↑